حزب الشعب الجمهوري التركي.. مئوية بمذاق الأزمة
تاريخ النشر: 31st, July 2023 GMT
حزب الشعب الجمهوري أحد أقدم الأحزاب السياسية في تركيا والعالم، ولكنه مع استعدادات الاحتفال ببلوغه 100 عام من العمر في التاسع من سبتمبر/أيلول 2023 يواجه أكبر أزمة في تاريخه.
استمر هذا الحزب في حكم تركيا كحزب أوحد 27 عاما بعد تأسيس الجمهورية، ولكنه لم يتمكن من الوصول إلى السلطة بعد ذلك أبدا منذ عام 1950 عندما خسر لصالح الحزب الديمقراطي، فأصبح منذ ذلك الحين حزب المعارضة الرئيسي، واستمرت الحال كما هي طيلة 73 عاما من عمره؛ يتغير قادة الحزب ولا تتغير النتيجة.
ولكن التراجع الذي يعيشه الحزب سجل رقما قياسيا مع قائده الحالي كمال كليجدار أوغلو الذي خسر السباق الانتخابي العاشر في 13 عاما أمام الرئيس رجب طيب أردوغان؛ فمع غياب المؤشرات عن نواياه للتخلي عن السلطة، يشهد الحزب فوضى كاملة وخلافا حول سياساته -التي كان يفترض أن تلتزم بمبادئ مؤسسه كمال أتاتورك- وهيكله التنظيمي، ووسائل إعلامه.
بعد الخسارة الأخيرة في الانتخابات الرئاسية في 28 مايو/أيار 2023، توالت المطالبات لكليجدار أوغلو بالاستقالة، وتضعنا هذه الحملة المطالبة باستقالته أمام مفارقتين غريبتين: الأولى أن الرجل كان مرشحا لما يسمى الطاولة السداسية التي تضم 6 أحزاب معارضة، ويفترض أن الفشل كان من نصيبها جميعا، ومع ذلك فإن المطالبات بالاستقالة موجهة إليه وحده، ولا يتحدث أحد عن قيادات الأحزاب الأخرى.
أما المفارقة الثانية فهي أن أولئك الذين كانوا جزءا من فريق عمل كليجدار أوغلو من داخل حزبه كانوا على رأس المطالبين له بالاستقالة، من دون أن يتحمل هؤلاء مسؤولية هذا الفشل.
"التغيير" على طريقة إمام أوغلوأبرز هؤلاء المطالبين باستقالة كليجدار أوغلو هو رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو الذي كان سيشغل مقعد نائب الرئيس لو فاز كليجدار أوغلو في الانتخابات؛ ففي صبيحة يوم خسارة الانتخابات بادر بنشر فيديو يتحدث إلى أعضاء الحزب عن ضرورة "التغيير"، مدشنا بذلك انقلابا ضد من كان يعدّه بالأمس بمثابة أبيه.
الأسابيع التالية شهدت المزيد من الدراما؛ فإمام أوغلو في سعيه للاستيلاء على كرسي قيادة الحزب لم يتردد في التعاون مع أقرب رفاق كليجدار أوغلو من قادة الحزب وأعضاء البرلمان، وهم أولئك الذين كانوا شركاء في الإخفاقات على مدار 13 عاما.
وهكذا، بدلا من أن يسعى لتقديم برنامج للتغيير يجمع حوله جماهير أعضاء الحزب، اختار الطريق الأسهل للوصول إلى السلطة عبر البحث عن "خونة" من قلب النظام الذي يتصدر المشهد الحزبي، ويجري معهم اجتماعات سرية؛ أحدها الاجتماع الشهير على "زووم" الذي تم تسريبه.
مفهوم "التغيير" عند إمام أوغلو بهذه الصورة لا يتضمن مراجعة سياسات الحزب، وقضاياه المبدئية، والأخطاء التي وقع فيها، ولا الكوادر التي كانت سببا في الفشل، بل يقتصر على الإطاحة بكليجدار أوغلو ليحل محله، ولذلك فإن هذا الشعار الذي رفعه لم يؤخذ بالجدية الكافية من الناخبين أو من قيادات الحزب، وظلت الاستجابة له ضعيفة للغاية، ولهذا السبب لم يجرؤ إمام أوغلو حتى اللحظة أن يعلن بصوت عال أنه منافس لكليجدار أوغلو على رئاسة الحزب.
أمام الحزب اختباران مهمان: أولهما المؤتمر العام الذي سيتم فيه انتخاب رئيسه وفريق إدارته، والثاني الانتخابات المحلية في مارس/آذار 2024، والنجاح في الأول لا يضمن النجاح في الثاني
الدراسة التي استطلعت رأي قواعد الحزب، وشارك نتائجها أكرم إمام أوغلو الأسبوع الماضي، تكشف أيضا عن توقعات مختلفة عن المسار الذي سار فيه عبر محاولات التحالف مع قادة الحزب الحاليين؛ فأكثر من 100 ألف مشارك في هذا الاستطلاع رأوا أن الحزب يجب أن يشهد تغييرا جيليا في إدارته، وأن تصاحب ذلك رؤية جديدة يتم بلورتها وفقا لاحتياجات المجتمع والفهم الشامل للديمقراطية والعلمانية، وأن يتم تعزيز الروابط مع القاعدة الشعبية عبر تحسين الخدمات الموجهة لها وتحسين طرق التواصل، وإقامة بنية تحتضن التغيير والابتكار وتجذب اهتمام الشباب وتمكنهم، كل ذلك مع تبني سياسة مستقرة تلتزم بمبادئ أتاتورك.
اختباران مهمانأمام الحزب حاليا اختباران مهمان: الأول هو المؤتمر العام الذي سيتم فيه انتخاب رئيسه وفريق إدارته، والثاني هو الانتخابات المحلية التي ستجرى في 31 مارس/آذار 2024. والمعضلة هي أن النجاح في الاختبار الثاني تعتمد جزئيا على النجاح في الاختبار الأول، ومع ذلك فإن النجاح في الأول لا يضمن النجاح في الثاني.
يؤيد كليجدار أوغلو دخول انتخابات المحليات مع شركائه في الطاولة السداسية، ولكن الحزب "الجيد" -الذي يعد أحد أركان هذه الطاولة- قرر خوض تلك الانتخابات وحده، وهو القرار نفسه الذي يتبناه حزب الشعوب الديمقراطي (الذراع السياسية لمنظمة حزب العمال الكردستاني "الإرهابية"، والحليف غير المعلن لكليجدار أوغلو)، وفي هذا فشل جديد لحزب الشعب الجمهوري.
والواقع أن جميع أحزاب المعارضة تتوقع أن تخسر الانتخابات المحلية في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، بل إنهم يخططون لتصفية بعضهم البعض في تلك الانتخابات.
النقطة الأخرى الجديرة بالانتباه أن حزبًا عمره يصل إلى 100 عام هو أكثر عمقا من الوقوع في ثنائية: إما كليجدار أوغلو أو إمام أوغلو؛ فهناك من يبحثون عن طريق ثالث، وقد كشف ذلك في حديثه للجزيرة نت السيد محمد سيفجين، البرلماني السابق عن الحزب خلال فترة قيادة دينيز باسكال له قبل أن يطيح به كليجدار أوغلو في مؤامرة نفذها بالتعاون مع تنظيم فتح الله غولن الإرهابية.
يرى سيفجين أن الحزب تحت كليجدار أوغلو دخل في انحراف أيديولوجي وفقد هويته وابتعد عن مبادئ مؤسسه مصطفى كمال أتاتورك، وقام بتصفية كوادره التقليديين لصالح من أهانوا مؤسس الحزب، واعتبر أن الناخبين الذين صوتوا للحزب بنسبة 25% في كل انتخابات أظهروا ولاء للحزب لم يظهره كليجدار أوغلو له وهو يدير ظهره لمبادئه.
وفي هذا الحوار كشف سيفجين عن أن الأعضاء التقليديين للحزب ونوابه القدامى يعارضون فرض الاسمين اللذين لا يختلف أحدهما عن الآخر حسب رأيهم، وأنهم يعملون من أجل طريق ثالث، وسيصدرون قريبا بيانا بهذا الخصوص، ويتوقعون أن تصل أسماء مغايرة تماما إلى قيادة الحزب في مؤتمره المقبل.
وحسب رؤيته، فإن كليجدار أوغلو وإمام أوغلو لا يجلبان للحزب إلا التشرذم والانقسام، فإذا وصل أحدهما لزعامته فستنفصل الأخرى عنه، وقد ظهرت بالفعل أنباء عن مشاريع تأسيس ذلك الكيان البديل، مما يعني أن أصوات الحزب قد تنخفض إلى ما دون عتبة 7%، وهذا ليس جيدا للحزب أو للديمقراطية في تركيا.
يظهر كل ما سبق أن حزب الشعب الجمهوري يواجه أزمة سياسية حقيقية، بين قيادة حالية حطمت الرقم القياسي في الهزائم الانتخابية، وسياسي طامح يسعى للوصول عبر التآمر ولا يجرؤ على إعلان ترشحه، وآخرين يبحثون عن طريق ثالث يعود بالحزب إلى مساره ومبادئه.
الانتخابات المحلية القادمة بعد 8 أشهر ستكون لحظة الحقيقة؛ فحتى لو أعيد انتخاب كمال كليجدار أوغلو في المؤتمر المقبل بسبب سيطرته على مفاصل الحزب، فإن النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات ستنقل النقاش داخل الحزب إلى مستويات جديدة، وبذلك فإن الجدل داخل الحزب بعيد كل البعد عن الانتهاء، والأزمة ستستغرق وقتا أطول.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الانتخابات المحلیة حزب الشعب الجمهوری إمام أوغلو النجاح فی ذلک فإن
إقرأ أيضاً:
الشعب الجمهوري: انعقاد قمة الدول الثماني في مصر يحقق مكاسب اقتصادية كبيرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال اللواء محمد صلاح أبو هميلة رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري الأمين العام للحزب، إن استضافة مصر قمة منظمة الدول الثماني الإسلامية للتعاون الاقتصادي D8 فى نسختها الحادية عشرة، والتي تنعقد تحت شعار "الاستثمار في الشباب ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة تشكيل اقتصاد الغد" تحت رئاسة القاهرة للمنظمة، يحقق مكاسب اقتصادية كبيرة منها تعزيز الشراكات الاقتصادية بين مصر ودول المنظمة خاصة أن القمة ناقشت سبل تعزيز التعاون الاقتصادي في كافة المجالات بين دول المنظمة.
وأكد أبو هميلة، في بيان له اليوم الجمعة، على أهمية عقد لقاءات ثنائية بين مصر وبقية دول المنظمة على هامش القمة المنعقدة سواء على مستوى الرؤساء أو الوفود المشاركة بالقمة، يعد فرصة لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر وعرض الإنجازات التي حققتها مصر في تهيئة مناخ الاستثمار والإصلاحات الاقتصادية والتشريعات الاقتصادية المحفزة للاستثمار وما في مصر من مشروعات اقتصادية ضخمة ومناطق اقتصادية كالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ما يسهم في جذب الاستثمارات من هذه الدول أعضاء المنظمة لتضخ في شرايين الاقتصاد المصري.
وأشار أبوهميلة، الي أن منظمة الدول الثماني الإسلامية للتعاون الاقتصادي يتخطى عدد سكانها المليار نسمة فهي تمتلك سوقا ضخمة، إضافة إلى أن ناتجها الإجمالي يبلغ نحو 5 تريليونات دولار، وتسعى المنظمة لخلق فرص جديدة في العلاقات التجارية فيما بينها وتحسين أوضاع الدول النامية اقتصاديا، موضحا أن قيادة مصر للمنظمة خلال العام الحالي وطرحها عددا من المبادرات لدفع التعاون الاقتصادي بين الدول الثماني في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة والتعليم والصحة وتكنولوجيا المعلومات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز التعاون البحثي الاقتصادي، يسهم في تعزيز الشراكة الاقتصادية بين دول المنظمة، إضافة لسعي مصر لاستكمال اتفاقية التجارة التفضيلية بين دول المنظمة ودخولها حيز التنفيذ وتعزيز دور القطاع الخاص في المبادلات الاقتصادية.
وتابع أبو هميلة، أن من دول المنظمة تركيا وماليزيا وهي دول متقدمة صناعيا وتمتلك تقنيات وتكنولوجيا متطورة وأن التعاون مع هذه الدول يمكن نقل هذه الخبرات التكنولوجية والصناعية بجذب استثمارات لمصر في هذه الصناعات، خاصة وأن مصر تمتلك بنية تحتية وتشريعية اقتصادية ومناطق اقتصادية جاذبة لهذا النوع من الاستثمارات، إضافة إلى أن مصر هي بوابة أفريقيا ويمكن أن تكون مركزا لوجستيا يمكن التصنيع التشاركي في شركاتها ثم التصدير إلى دول القارة السمراء والدول الأوروبية خاصة أن مصر تتمتع باتفاقيات تجارية كثيرة ما يقلل من تكلفة الشحن وبدون جمارك ما يحقق مكاسب للجانبين، موضحا أن مصر تسعى لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المنظمة وتبذل جهودا واضحة لتطبيق آليات التعاون الاقتصادي بين الدول الثماني بحيث تصبح قوة فاعلة على الساحة العالمية .