طهران- بعد مرور أكثر من شهرين على تحذير الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي السلطات الأفغانية وتحديده مهلة شهر لإطلاق كابل حصة بلاده من مياه نهر هلمند، تتزايد ضغوط الأوساط السياسية في طهران على الحكومة لاستخدام أوراق غير دبلوماسية لاستيفاء "حقوقها المائية"، وإنقاذ مناطق شاسعة شرقي البلاد من كارثة إنسانية وبيئية يفاقمها الجفاف.

وعقب تصريحات رئيسي في 18 مايو/أيار الماضي، أصدرت حركة طالبان بيانا انتقدت فيه موقف الجانب الإيراني وأكدت أن المياه غير كافية لتسييرها إلى داخل الأراضي الإيرانية.

من ناحيته، نشر المتحدث باسم منظمة الفضاء الإيرانية حسين دليريان، صورة من سد كجكي الأفغاني، موضحا أنها التقطت بواسطة قمر "خيام" الإيراني، وتظهر أن سلطات كابل قامت بتحويل مجرى المياه نحو عمق الأراضي الأفغانية بدلا من الحدود المشتركة مع إيران.

ورغم المساعي الحثيثة التي تبذلها الخارجية الإيرانية، فإن نواب محافظة سيستان وبلوشستان في البرلمان الإيراني يؤكدون أن حركة طالبان لم تطلق قطرة ماء حتى الآن نحو الجانب الإيراني.

وهذا الوضع دفع الأوساط السياسية والبيئية لانتقاد البرلمان لعدم محاسبته الحكومة في ملف مياه هلمند.


انتقادات وضغوط

من جانبه، يرى الناشط البيئي محمد درويش أن الجانب الأفغاني يتعامل مع ملف المياه ببراعة لشراء الوقت، منتقدا دبلوماسية بلاده لعدم حلحلة الملف خلال المهلة المحددة، وتساهلها مع سلطات طالبان، علی حد قوله.

وفي حديث للجزيرة نت، قال درويش إنه كان الأجدر بممثلي محافظة سيستان وبلوشستان في البرلمان أن يتحركوا لاستجواب وزير الخارجية أو إشهار بطاقة صفراء بوجه الحكومة في هذا الملف، محذرا من تفاقم الأوضاع الإنسانية والبيئية شرقي إيران في حال عدم معالجة الجفاف والتصحر المتزايد.

وأوضح أن دراسة الصور التي التقطتها الأقمار الإيرانية من السدود الأفغانية ونهر هلمند تظهر أن كابل قد أطلقت خلال الفترة الأخيرة نحو مليار متر مكعب من مياه سد كجكي ومنعت تدفق المياه نحو إيران من خلال بناء سدود صغيرة أخرى.

ولهذا السبب لم تسمح طالبان للخبراء الإيرانيين بتفقد مجرى نهر هلمند وسد كجكي للتحقق من عدم وجود مياه كافية خلف السد، وفق دوريش.

وتستند طهران في مطالبتها كابل لاحترام حصتها من مياه هلمند إلى الاتفاقية الموقعة عام 1972 بين الجانبين، مما دفع البرلمان الإيراني إلى تحويل الاتفاقية إلى قانون للضغط على الحكومة لتنفيذه، وفق النائب حبيب الله دهمرده الذي حذر من موجات هجرة قسرية بسبب شح المياه وتغيير التركيبة السكانية في البلاد.


تحلية المياه

"منذ جفاف بحيرة هامون -وهي ثالث أكبر بحيرة في إيران والسابعة على مستوى العام- كادت بعض القرى شرقي إيران تخلو من السكان". وفق دهمرده الذي حذر من مغبة إطالة أمد أزمة شح المياه على الحياة بمحافظة سيستان وبلوشستان.

ويحث دهمرده الحكومة على تنفيذ مشاريع تحلية مياه بحر عُمان، مستدركا أن تنفيذها قد يستغرق عامين على أقل تقدير.

وكان التلفزيون الإيراني قد نقل عن المتحدث باسم قطاع المياه في إيران فيروز قاسم زاده قوله إن "استخدام مياه البحار مدرجة على جدول الأعمال للتغلب على شح المياه، وهناك 5 مشاريع عملاقة لتحلية مياه البحار ونقلها إلى المحافظات تمضي على قدم وساق، وإن الهدف المرسوم هو نقل 4 مليارات متر مكعب من مياه البحار نحو الداخل الإيراني بعد تحليتها".

وحتى تثمر المشاريع الوطنية لتحلية مياه البحر، هناك من يعتقد بضرورة اللعب بما تملك طهران من أوراق لتأمين حصتها من مياه نهر هلمند.

ومن بين هؤلاء العضو البارز في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني فدا حسين مالكي الذي طالب باستخدام أدوات دبلوماسية للضغط على حركة طالبان.

ويلقي مالكي باللوم على الحكومة الإيرانية لاستعجالها في تسليم السفارة الأفغانية في طهران إلى طالبان، بينما كان بالإمكان استخدام هذا الملف وأوراق أخرى للضغط على كابل لإطلاق حصة إيران من المياه.


أدوات وأوراق

وفي حديثه للجزيرة نت، كشف مالكي أن إحدى لجان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني تعكف على دراسة أدوات غير دبلوماسية "لانتزاع حق الشعب من مياه نهر هلمند، وذلك بعد امتناع حركة طالبان عن التعاون في هذا الملف"، مؤكدا أنه لا تراجع عن حصة البلاد من نهر هلمند بعد تحذير الرئيس إبراهيم رئيسي، على حد تعبيره.

وأشار إلى أن جزءا كبيرا من مبادلات أفغانستان التجارية تتم عبر ميناء جابهار على الضفة الشمالية لبحر عُمان حيث محافظة سيستان وبلوشستان تعاني من العطش، مؤكدا أنه يمكن استخدام موضوع نقل البضائع عبر الأراضي الإيرانية ضمن أوراق الضغط.

ومن الأوراق أيضا الوقود، ذلك أن إيران تزود أفغانستان بالمحروقات وبإمكانها توظيف هذا الملف في الضغط عليها في موضوع المياه، وفق مالكي.

وختم بالقول، إن الجانب الأفغاني كان "أظهر تعاونا رائعا خلال حقبة الرئيس حامد كرزاي لإطلاق حصة إيران من مياه هلمند".

وفي السياق، يطالب النائب عن محافظة سيستان وبلوشستان في البرلمان الإيراني "محمد سركزي"، سلطات بلاده بإعادة النظر في سياسة استقبال المهاجرين الأفغان، موضحا أن بلاده تستضيف نحو 7 ملايين مهاجر أفغاني، بينهم 700 ألف طالب يدرس مجانا بالمدارس الإيرانية.

وفي تصريح صحفي، يذكّر النائب الإيراني أن 90% من الرعايا الأفغان كانوا قد دخلوا بلاده بشكل غير قانوني، ويحق لطهران إعادتهم إلى وطنهم وفقا للقوانين الدولية.

ورغم أن موقف كابل من تحذير الرئيس رئيسي بشأن حصة بلاده من مياه نهر هلمند كان قد أثار استياء الرأي العام الإيراني، فإن بعض الأوساط تحذر في الوقت ذاته من الذهاب بعيدا في الضغط على حركة طالبان، لقطع الطريق على المتربصين بالأمن الإيراني.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حرکة طالبان هذا الملف

إقرأ أيضاً:

تفاصيل هجوم سيبراني يكشف عن وثائق سرية بأفغانستان

كابل- في هجوم سيبراني غير مسبوق على حكومة حركة طالبان، تمكنت مجموعة مجهولة من التسلل إلى نظام المعلومات الرسمية ونشر وثائق سرية من 21 وزارة ومؤسسة مستقلة تابعة للحركة على الإنترنت.

وتبنّت مجموعة القرصنة "طالبان ليكس" هذه العملية التي تعد الأولى من نوعها، كما تم تحديث حسابها على منصة "إكس" بإعلانها نشر هذه الوثائق.

وتُعد وزارات الخارجية، والمالية، والعدل، والإعلام والثقافة، والاتصالات، والمناجم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحكمة العليا، ومكتب نائب رئيس الوزراء للشؤون السياسية الملا عبد الغني برادر، ومؤسسة مصلحة السجون، والمؤسسات الاقتصادية لطالبان، من أهم المؤسسات التي تم الكشف عن معلوماتها في هذا الاختراق الواسع النطاق.

Sorry for the absence, did you miss us?

We’re back with a new megaleak!

Over 50GB of leaked documents and files from various Ministrieshttps://t.co/W4Obf21LHt pic.twitter.com/qlbGzHbjit

— TalibLeaks (@TalibLeaks) February 5, 2025

فتح تحقيق

وأكدت وزارة الاتصالات الأفغانية تسريب وثائق تتعلق بعشرات الإدارات الحكومية، وأن المعلومات الأولية تشير إلى أنه ربما تم الحصول عليها بشكل متقطع من أجهزة كمبيوتر خاصة بالموظفين تفتقر إلى التدابير الأمنية، وأن تحقيقا بدأ حول ملابسات الحادث.

إعلان

وأضافت أن الغرض من هذه العملية هو "إرباك الرأي العام"، وأن ناشريها "يتظاهرون بأن الأنظمة الحكومية تعرضت للاختراق، وأن معظم الوثائق تتعلق بالدوائر التي ليس لها نظام أمني محدد حتى الآن".

وقال وكيل الوزارة المولوي محمد حنيف للجزيرة نت إن "قاعدة البيانات المركزية للحكومة الأفغانية لم تتعرض للاختراق، وما نُشر على موقع يسمى "تسريبات طالب" (Taleb Leaks) كان في متناول الجميع، وكان الموقع ينشر معلومات عن مؤسسات حكومية على منصة "إكس" منذ عام وليس فيه أسرار حكومية أو أمنية".

ووفقا له، فإن معظم الوثائق المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي متاحة للعامة ومعظمها يعود إلى سنوات سابقة وجمعت بشكل مستمر.

Very upset the media did not fall for my MonkeyPox hoax pic.twitter.com/XMcisrg0vn

— TalibLeaks (@TalibLeaks) August 16, 2024

حرب نفسية

وتتضمن الوثائق المنشورة مراسيم رسمية، ومراسلات حكومية، وعقودا اقتصادية، ومعلومات إدارية، وبيانات أمنية حساسة تخص حركة طالبان، وقرارات وفرمانات عدة لزعيم الحركة الشيخ هبة الله آخوند زاده، من ذلك قرار يأمر فيه بمنع 8200 موظف في الحكومة الأفغانية السابقة وعدد من أعضاء الحركة من مغادرة البلاد.

وقد رفعت هذه الوثائق، التي يبلغ مجموع حجمها 50 غيغابايتا، إلى موقع "تسريبات طالب" في 21 قسما، ولا توجد بينها أي وثيقة تابعة لجهاز استخبارات طالبان، ووزارتي الدفاع والداخلية، وهي أهم المؤسسات الأمنية والدفاعية في أفغانستان.

وأثار الكشف عنها ردود فعل واسعة النطاق، وأعاد العديد من المستخدمين الأفغان نشر أجزاء منها، لكن طالبان قللت من أهميتها كما لم تتخذ أي إجراء لحجب موقع "طالبان ليكس" حتى الآن.

ومنذ عودة الحركة إلى السلطة عام 2021، قام ناشطون إعلاميون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ومؤسسات تراقب الوضع في أفغانستان بكشف وثائق سرية حكومية بشكل متكرر، إلا أن هذه الخطوة تعد غير مسبوقة في الصراع الأفغاني منذ وصول طالبان إلى الحكم في البلاد.

إعلان

تعليقا على ذلك، يقول المتحدث باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد للجزيرة نت "رأينا منذ أسبوع شنّ حرب نفسية وإعلامية على الحركة من قبيل إثارة موضوع منح قاعدة باغرام للصينين، وقطع المساعدات الأميركية عن أفغانستان، وعدم دفع الرواتب للموظفين الحكوميين".

Yes, we’re still active. pic.twitter.com/zfUkn2iRUy

— TalibLeaks (@TalibLeaks) July 25, 2024

هوية مجهولة

وتتعلق إحدى الوثائق المنشورة بعدد السجناء والمحتجزين لدى حكومة حركة طالبان في مختلف ولايات البلاد. وبلغ إجمالي عدد السجناء الذين تحتجزهم أكثر من 18 ألفا و800 شخص، بينهم 1376 امرأة، و63 أجنبيا بينهم 6 نساء اعتقلن من قبل السلطات الأمنية من دون معرفة أسباب اعتقالهن، وهذه أول مرة يسرّب فيها عدد المعتقلين الأفغان وخاصة الأجانب.

كذلك تحتوي على صور جوازات سفر لكبار المسؤولين وشرائح إلكترونية لموظفي حكومة طالبان في مختلف الإدارات الحكومية.

ويعد تسريب هذه المعطيات ضربة قوية لأمن المعلومات لدى حكومة حركة طالبان التي "دأبت على قطع الوصول إلى المعلومات وفرض الرقابة على وسائل الإعلام".

ولم تُعرف هوية القراصنة والمعلومات المتعلقة بموقع "طالبان ليكس"، لكن مصادر حكومية تقول إن المؤشرات تشير إلى أن المتورطين شنوا هجومهم السيبراني من إحدى دول الجوار الأفغاني ويحاولون الوصول إليهم.

مقالات مشابهة

  • السعودية تسلّم مصر حصتها من الاضاحي.. إليكم عددها
  • تفاصيل هجوم سيبراني يكشف عن وثائق سرية بأفغانستان
  • هل أغلقت أفغانستان سفارتها في تركيا؟
  • إيران تندد بالعقوبات الأمريكية على كيانات متهمة ببيع النفط الإيراني للصين
  • ترامب وطالبان ومعضلة الأسلحة الأميركية في أفغانستان
  • مدير مؤسسة مياه حماة ‏يتفقد مشاريع المياه للتأكد من جاهزيتها وكفاءتها
  • مياه المنوفية تعلن خطة غسيل شبكات المياه خلال شهر فبراير
  • مياه الإسكندرية: ضعف المياه عن بعض مناطق غرب المحافظة
  • مياه القليوبية: انتشار معدات وسيارات شفط المياه بالشوارع تحسبًا لسقوط الأمطار
  • طالبان تدعو الدول الداعمة للعدالة للوقوف بوجه قرار ترامب ضد غزة