كتبت روزانا بو منصف في" النهار":في ايلول 2022 صدر بيان مشترك اميركي فرنسي سعودي من نيويورك قبيل انتهاء ولاية ميشال عون وتخوفا من فراغ رئاسي. مع الزيارة الجديدة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي سبجورنيه الى بيروت في عطلة الاسبوع حول التهدئة في الجنوب واقتراحات جديدة كما تعديلات على الورقة الفرنسية للتهدئة التي تنتظر جواب اسرائيل عليها وقبل توجه سيجورنيه اليها ، كان هوكشتاين في اسرائيل في اطار العمل على تهدئة الوضع على الحدود الجنوبية ومنع اتساعها من الجانب الاسرائيلي وضبط ساعة اسرائيل على ساعة حسابات واشنطن والمنطقة وليس فقط حساباتها .

والكلام عن تعديل الفرنسيين " اللاورقة " التي قدموها في اذار الماضي ورد عليها لبنان بديبلوماسبة متحفظة وسط معلومات عن تفضيله الاقتراحات او الافكار التي حملها هوكشتاين اثار تساؤلات اذا كان التعديل لكي تقترب من الافكار الاميركية او تتطابق معها كليا على رغم التماثل الى حد كبير في المقاربتين من اجل تهدئة الوضع الحدودي ؟ واذ تطابقت الورقتان فانهما تغدوان ورقة واحدة في الواقع وهنا يبرز السؤال لماذا لا تكون عندئذ مبادرة او ورقة واحدة لا سيما في ظل الاقتناع بان واشنطن قد تكون اقدر على التأثير على اسرائيل او الضغط عليها لجهة تنفيذ ما يترتب عليها في وقف النار حتى لو ان اللاورقة الفرنسية كانت اكثر التزاما بالسعي الى تنفيذ القرار 1701 في بنوده المباشرة المتعلقة بما يتعلق بتهدئة الوضع وما يليه من الافكار او الاقتراحات الاميركية .
في حين ان الافكار الاميركية كانت اقل تطلبا من حيث مدى تراجع " حزب الله" عن الحدود من جهة واكثر استعدادا للمساعدة في اعادة الاعمار في الجنوب ما بعد الحرب من جهة اخرى ، بالاضافة الى الارتياح اللبناني لا سيما من الثنائي الشيعي الى الوساطة الاميركية اللاحقة في موضوع تحديد النقاط الحدودية العالقة بين لبنان واسرائيل على اساس التجربة الناجحة التي خاضها لبنان مع آموس هوكشتاين في موضوع ترسيم الحدود البحرية .
بالنسبة الى بعض السياسيين قد تحتفظ بنقاط متقدمة على واشنطن في بعض الظروف في ظل اعتبارين راهنا احدهما ذلك المتعلق بقرب انشغال الولايات المتحدة على نحو كبير بانتخاباتها الرئاسية بحيث ان هامش مدى قدرتها على مواصلة الاهتمام ببعض الملفات في المنطقة يضيق خلال شهرين على الاكثر . والاهمية الملحة بالنسبة اليها هي تجميد الصراع وليس فقط منع اتساعه على ان يعمل على تطويره لاحقا . ويمكن الاستشفاف على ذلك مما يعلن عنه في المنطقة على خلفية المناقشات الجارية لانهاء الحرب في غزة ومن بينه ما ظهر من مواقف في الاجتماعات الجارية في الرياض منذ يومين وتطور العلاقات في اتجاه اتفاق امني بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية في حال التطبيع مع اسرائيل في موازاة التطور على خط الدفع نحو انشاء دولة فلسطينية. والاعتبار الاخر يتصل بما قاله سيجورنيه او بالاحرى ما كرره الى جانب ما سبق للديبلوماسيين كثر ان كرروه امام المسؤولين اللبنانيين عن وجوب انجاز الانتخابات الرئاسية واستعداد لبنان ليكون جاهزا حين انطلاق المفاوضات وعدم امكان حصول ذلك من دون وجود رئيس للجمهورية . فهذه النقطة ليست جديدة ويكررها غالبية الديبلوماسيين الاجانب امام المسؤولين اللبنانيين انما من دون ايلاء هؤلاء اي اهمية تذكر لذلك . وهي على كل حال لم يفصلها سيجورنيه عن ضرورة الاصلاحات كذلك جامعا بذلك اختصارا لما تصر عليه فرنسا من لبنان في المرحلة الراهنة .

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (5)

المُبْتَدَأُ: -
الحَرْبُ ظاهِرَةٌ اِجْتِماعِيَّةٌ وَاِقْتِصادِيَّةٌ مُعَقَّدَةٌ؛ يَصْعُبُ فَهْمُها؛ لِذا فَهُناكَ دَوْماً ضَرُورَةٌ لِتَفْسِيرِها لِلجَماهِيرِ؛ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرٍ مادِّيَّةٍ طَبَقِيَّةٍ.
وَالخَبَرُ: -
(40)
من وجهة النظر الماركسية، فالصراع الطبقي -كما ذكرنا من قبل -هو أساس اندلاع الحروب الأهلية، نتيجة لتفاقم التناقضات الطبقية الحادة داخل المجتمع؛ فالنظم الحاكمة غير العادلة، تخلق تفاوتات طبقية عميقة؛ تزيد نسبة البطالة؛ والفقر والتهميش الاقتصادي؛ لفئات كبيرة في المجتمع مما يحفز ويزيد احتمالية اندلاع الحروب الأهلية.
(41)
من هنا نستطيع أن نلمس أن التحليل الماركسي للحروب الأهلية يركز على فهم الصراعات المسلحة من وجهة نظر الصراع الطبقي والعلاقات الاقتصادية. ووفقًا للماركسية، الحروب ليست مجرد صراعات بين مكونات سياسية أو اجتماعية، بل هي نتاج للتناقضات الداخلية في النظم الرأسمالية المسيطرة؛ والصراع بين مكوناتها الاجتماعية على الموارد والثروات والسلطة.
(42)
ومن المهم أن نعي كشيوعيين وتعي الجماهير؛ حقيقة أن الحرب الأهلية هي امتداد للصراع الطبقي، حيث تُستخدم كأداة من قبل الطبقات الحاكمة لحماية مصالحها الاقتصادية وتوسيعها. كما تستخدم أيضا لإلهاء الطبقة العاملة والشرائح الاجتماعية المسحوقة عن مشاكلها المعيشية، وحقها في النضال من أجل حياة أفضل؛ بصرف نظرها وتحويله نحو ويلات الحرب وتداعياتها المؤلمة.
(43)
التعقيد الذي يشوب ظاهرة الحرب؛ وتحليلها من وجهة نظر طبقية؛ ليس شيئا سهل الفهم ميسور للجماهير؛ من هنا تبرز أهمية طرح الحزب الشيوعي لوثيقة فكرية تفسيرية؛ تعالج مسألة الحرب التي اندلعت بتاريخ 15 أبريل 2023م؛ ليس من باب الفذلكة؛ بل سعيا لتبسيط المفاهيم الفلسفية والنظرية المعقدة؛ وحلحلت طلاسمها؛ منعا لأي تشويش أو إرباك؛ يصيب العضوية والجماهير ويضر بوحدة الفكر والإرادة.
(44)
من المفهوم أن واقع الحرب واقعا استثنائي يشل دولاب العمل السياسي؛ ويعيق النخبة الفكرية عن أداء دورها المناط بها؛ فهي تثقل كاهل الجميع بأعباء جسام؛ ولكن قدر الأحزاب الشيوعية وواجبها؛ أن تكون دوما في طليعة الركب؛ خاصة عند المدلهمات حينما تنكص؛ على عقبيها بقية القوى السياسية؛ وتختار سبل السلامة.
(45)
لا يستطيع أحد نكران أن الحزب الشيوعي؛ قد امتص صدمة اندلاع الحرب سريعا؛ وفي أقل من شهرين أصدر مكتبه السياسي "في 24 يونيو 2023م" ورقة (سياسية) نقاش فيها عدة مواضيع؛ أهمها دعوته إلى تأسيس جبهة جماهيرية عريضة لإيقاف الحرب واسترداد الثورة؛ مشدداً فيها على رفضه لعودة الوضع في البلاد إلى ما قبل الحرب أو إلى ما قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021م الذي قام به طرفا المكون العسكري حينها وطرفي الحرب الراهنة (الجيش والدعم السريع).كما رفض في الورقة أيضا تحويل البلاد إلى ساحة للصراع والحرب بالوكالة بين (ضواري رأس المال)؛ مبدياً خشيته على أمن ووحدة البلاد.
(46)
ولم تمض سوى ثلاثة أشهر على طرح الورقة السياسة الأولى؛ لِيَلْحَقَ بها المكتب السياسي ورقة سياسية ثانية في 20 سبتمبر 2023م؛ لا تقل أهمية؛ أوضح فيها أهمية أن يفارق النضال من أجل تحقيق استقرار سياسي في البلاد؛ طريق الانقلابات العسكرية ويرسخ لديمقراطية شاملة. وكشفت الورقة أن التآمر على ثورة 19 ديسمبر ومشروعها للتغيير الجذري؛ بدأ باكرا لحظة إسقاط رأس النظام القديم؛ وشددت الورقة على رفض الحزب لاتباع نهج الليبرالية الجديدة الاقتصادي؛ الذي يترتب على اتباعه حمل الشعب على ظهره وزر التبعية وأعباء الديون. كما أعادت الورقة التأكيد على إيمان الحزب بإرادة الشعب السوداني.
(47)
أعقب إصدار المكتب السياسي للحزب الشيوعي للورقتين السياستين الأولى والثانية؛ فترة صمت طويل ناهزت العام؛ تخللها إصدار بعض البيانات والنداءات والمناشدات؛ التي لم تلقى أي آذان صاغية؛ وزاد تعقيد وتشعب مسألة الحرب خلال هذه الفترة؛ لتدفع اللجنة المركزية للحزب في أغسطس 2024م بورقة شاملة؛ ناقشت فيها عدة محاور كان أهمها؛ توضيح أن الصراع الأساسي الدائر في السودان هو صراع وطني وأممي؛ أسهم في تصاعده وتعقيده ضعف حكومات الفترة الانتقالية؛ التي يرى الحزب أن طواقمها قد كانت نتاج تآمر واضحاً على الثورة.
(48)
مما سبق نرى أن الحزب الشيوعي قد بذل مجهوداً مقدراً في مقاربة أزمة الحرب سياسيا؛ فحين غاب التحليل المنهجي النظري لها؛ إلا من شذرات مجتزأ تضمنتها الأوراق الثلاث؛ لم تقو على المحافظة على وحدة فكر وإرادة العضوية؛ ونعكس هذا بدوره على الجماهير إرباكا وتشويشا.
(49)
فيما يبدو لم تَرَّى قيادة الحزب الشيوعي؛ أهمية تذكر لطرح وثيقة (فكرية) تعالج مسألة الحرب؛ وانصب جهدها على إعداد مبادرة سياسية لإيقاف الحرب؛ وقد تأخر طرح هذه المبادرة أيضا لأكثر من "20 شهرا" (15 أبريل 2023-ديسمبر 2024) !!؛ ظلت خلالها عضوية الحزب وجماهيره؛ تتخبط في حيرتها وتتناقض في مقارباتها وتحليلاتها لمسألة الحرب؛ لحد سقوط مجاميع مقدرة في مصيدة الدعاية الكذوبة لطرفي الحرب.
(50)
الجيد في الأمر أن المبادرة المطروحة جاءت شاملة؛ طرحت بجلاء رؤية الحزب الشيوعي لإيقاف الحرب؛ وإن كان ثم قصور شابها وفق آراء البعض؛ فقد انحصر في التأخير وغياب آليات التنفيذ. بالفعل تأخرت المبادرة كثيرا؛ ولكن في اعتقادي أن تخطي طرح آليات للتنفيذ لم يكن هفوة؛ بل قصد منه إظهار حرص الحزب الشيوعي على عدم إثارة أي حساسية سياسية؛ خاصة وهو المتهم دوما من البعض بممارسة الأستاذية في التعامل السياسي مع الآخرين؛ فالمبادرة طرحت مفتوحة أمام القوى السياسية؛ للمناقشة وأبدى الرأي؛ بالحذف والإضافة والتعديل؛ ومن ثم التفاكر والاتفاق على آليات التنفيذ المناسبة.
(51)
ووفقا لما جاء في المبادرة فإن هدفها المطروح هو السعي لتكوين تحالف (قاعدي) عريض؛ من مكونات متعددة (أحزاب وطنية-لجان مقاومة-نقابات-أجسام مطلبية/حركات كفاح وغيرها)؛ على أرضية ميثاق ثورة 19 ديسمبر 2018م. مما يعني بث الروح فيما هو متفق عليه من مواثيق قوي الثورة؛ والحرص على تنقيح وتعديل ما يلزم وفقا لمستجدات واقع ما بعد اندلاع الحرب. وأظن أن هذا الطرح المفتوح يستجيب لضرورات هذه المرحلة المفصلية؛ ويسعى بصدق لتوسيع مظلة المشاركة في هذا التحالف القاعدي المنشودة؛ لضمان استعادة المسار الثوري الذي تصر قوى الثورة المضادة على نسفه؛ بإصرارها على استمرار الحرب.
(52)
طرح مبادرات سياسية تعالج مسألة الحرب؛ وتطرح رواء لمحاصرتها وإيقافها؛ يظل أمر في غاية الحيوية؛ طالما أن المؤسسة العسكرية السودانية، تصر على احتكار الحكم والسلطة؛ وقطع الطريق أمام أي تحول مدني ديمقراطي؛ فإن الحرب تظل حتمية عند نقطة معينة. وحتى إذا ما تمكنا في نهاية المطاف من إيقاف الحرب الراهنة؛ فبمجرد إيقافها، سيتم حتما تهيئة الظروف لحرب جديدة، بينما تغوص البلاد أعمق وأعمق في الأزمة.
(53)
إن الطريق الوحيد المجدي للنضال ضد الحرب؛ هو طريق النضال من أجل تغيير المجتمع، والقضاء على التناقضات والمصالح المادية التي تنتج الحرب. ولن نستطيع قطع هذا الطريق إلا على أساس برنامج ثوري؛ قادر على حشد الطبقات ذات المصلحة. فالسبيل العملي لعلاج معضلة الحروب والعداوات القومية؛ هو الإطاحة والتخلص من النظم العسكرية الفاسدة؛ وإرساء دعائم نظم ديمقراطية مستدامة؛ وهو الحل الوحيد لمشاكل السودان وصراعاته المزمنة.

tai2008idris@gmail.com

تيسير ادريس

   

مقالات مشابهة

  • ارتفاع أسعار المنتجات الأميركية بسبب الحرب التجارية التي أطلقها ترمب
  • لماذا غضب نتنياهو من صفقة تبادل الأسرى التي وافقت عليها حماس؟
  • عاجل : أول تصريح من ترامب عقب الضربة الأميركية التي استهدفت العاصمة صنعاء  
  • بينها اليمن.. قائمة الجنسيات التي ستفرض عليها إدارة ترامب حظر سفر
  • الخارجية الفرنسية: من المهم ألا ينتقل التوتر الأمني من سوريا إلى لبنان والعراق
  • خريس: اسرائيل كانت ولا زالت الشر المطلق
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها
  • رجيّ: للضغط على اسرائيل لتنفيذ التزاماتها بموجب إعلان وقف الأعمال العدائية
  • وزير الثقافة من قلعة شمع الأثرية : اسرائيل كانت تسعى لنهبها
  • الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (5)