رغم أنف الرافضين.. شم النسيم عيد إنسانى شعبى فى ثقافة المصريين
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
رغم كل التبريرات الدينية والثقافية التى يتم استعادتها فى مناسبة عيد شم النسيم، التى تدحض شغب السلفيين حول المناسبة، بادعاء أنه بدعة أو تحرم المشاركة فيه، فإن هذا التيار يظل محافظًا على جموده، دون النظر إلى أى مكتسبات اجتماعية أو وطنية، ورغم هذا الجمود فإن المصريين لا يتوقفون عن الاحتفال بهذا اليوم، حبًا فى مظاهر الحياة والبهجة، كسرًا للفتوى السلفية التى تناقض جوهر الدين الإسلامى فى ميله إلى المشاركة والتسامح والإقبال على الطبيعة والاحتفاء بها واحترامها.
جادل السلفيون والمتشددون عادة بالربط بين شم النسيم وطقوس دينية غير إسلامية، أو تخصيص أكلات معينة، أو مظاهر للبهجة محددة، أو حتى تسمية اليوم بلفظ "عيد"، وهذه ركائز أساسية يثيرونها فى أى مناسبة يريدون تحريمها، مثل المولد النبوى الشريف، فالحلوى حلال لكن تخصيصها كمظهر من مظاهر المولد فهى حرام، وكذلك البيض والفسيخ وتخصيصهما لشم النسيم حرام، إلا أن ممارسات المصريين تدل بصورة قاطعة على تشددهم.
منذ قرون عدة، احتفل المصريون بهذا العيد، ولم يربطه أحد وخاصة حديثا بأى طقوس أو شعائر دينية، كما أن تخصيص مظاهر معينية لتمييز اليوم عن بقية الأيام هو التصرف المنطقي، فمثلا عيد الفطر مرتبط بتوزيع العيدية، وأكل الكحك والغريبة، وعيد الأضحى مرتبط بالأضحية وتوزيع لحومها على الفقراء، والزيارات العائلية، والحلوى ولعب الأطفال للمولد النبوي، والبيض الملون والمأكولات البحرية لشم النسيم، فهذا تصرف بشرى مثالى ومنطقي، وأى إنسان يريد تمييز يوم عن بقية الأيام، ويعده البعض يومًا جديدًا لبداية جديدة فى حياته.
ومن اللافت، أن عادة ما يتم إثارة هذا النوع من الأسئلة فى هذه المناسبات غير الدينية، لأغراض تُخفى خلفها أغراضًا سياسية مريبة، فأغلب التيارات الإسلامية المتشددة تنطلق من منطلق سياسي، وتتجه فى طريقها كما تزعم لإقامة دولة إسلامية، ولحين تحقيق هذا الحلم تحافظ على بقاء جمهورها، وتختبر قدرته وحجمه فى كل مناسبة بترديد مثل هذه الأفكار، لتطمئن إلى شيئين: الأول هو بقاء عزلة أفراده عن مشاركة بقية المصريين فى الحياة الاجتماعية العادية لاستثمار هذه العزلة فى تفتيت المجتمع. والثانى اختبار ديمومة وفاعلية خطابها فى المجتمع، وأنها لا تزال تمتلك التأثير فى عامة الناس ودفعهم إلى شيء أو منعهم عنه.
وحرصت دار الإفتاء المصرية على توضيح موقفها من هذه المناسبة، مؤكدة أن الاحتفال به جائز، وأن الاتجاه لتحريمه نوعًا من التشدد، موضحة أنه مناسبة اجتماعية يشارك فيها أبناء الوطن الواحد، ولا حاجة أن يُحجم المسلم عن المشاركة فيه بأى حجة دينية ساقها إليه تيار متشدد.
فى الحياة الثقافية والفكرية، تعامل الأدباء والمفكرين مع شم النسيم بوصفه عيدا شعبيا وقوميا للمصرين على اختلاف طوائفهم الدينية، معددين السمات الإيجابية لهذا اليوم.
فى كتابه "قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية"، تحدث أحمد أمين عن المأكولات التى اعتاد عليها المصريون فى هذا اليوم مثل البيض الملون والخس واللب والحمص، قائلا "يشمون البصل الأخضر ويعلقونه على رؤوسهم إلى الصباح، ثم يأكلون الفسيخ ظهرا ويشترك فى ذلك المسلمون والنصارى جميعا فهو يوم شعبي"، فى إشارة إلى أن يوم شعبى لا يختص بدين.
أما المفكر الكبير سلامة موسى، فقد حرص على بيان أهمية الانتباه إلى الطبيعة، والاستفادة الكبيرة من جمالها وسحرها، ناصحا بعدم الإغراق فى المأكولات، قائلا فى كتابه "طريق المجد للشباب": "يجب أن نحافظ على تقاليدنا المصرية فى هذا العيد، إذ هى تقاليد حسنة تنبهنا إلى قيمة الهواء النقى فى فسحة الحقول الزاهية، أى يجب أن نبكر فى الصباح، ونخرج إلى أنأى (أبعد) مكان، بعيدين عن جو المدينة وصخبها، فنقعد تحت ظل شجرة، إلى مجرى الماء، يحيط بنا الريف فى سذاجته وجماله، وهناك نرقد قانعين بالتأمل فى العام الجديد إزاء الأعوام الماضية، أو نهب ونمرح كما لو كانت سنى الطفولة قد عادت إلينا"؛ مستكملا أنه "يجب أن نحترم هذا العيد الجميل، ونجعل منه عيدا للورد والزهر والنضرة والانتعاش"، مُحذرا من التخمة بتناول الأطعمة غير الصحية.
وبدوره التفت الأديب الراحل أحمد حسن الزيات إلى التجمع الوطنى المثالى فى هذه المناسبة، موضحا أثرها الإيجابى والإنساني، قائلا فى مقال له عن هذا اليوم فى مجلة الرسالة (عدد أبريل لعام ١٩٣٨) إن "شم النسيم فى مصر هو عيد الطبيعة والناس، والناس الذين يعيدون هذا العيد هم سكان هذا البلد الأمين، من كل جنس ونحلة، وهو بهذه الخصيصة يكاد لا يشبه عيدًا من أعياد الأمم. فإن أعياد الأمم إما أن تقوم لذكرى دينية فتكون لأهل هذا الدين، وإما أن تقوم لذكرى وطنية فتكون لأهل هذا الوطن، أما عيد شم النسيم فهو عيد إنسانى اشتراكى سمح، يفتح قلبه لكل دولة، ويخلص حبه لكل ملة، ويبذل أُنسه لكل جنس، فالمصريون على اختلاف الأديان، والأجانب على تباين الأوطان، يتلاقون فيه على بساط الربيع إخوانًا فى المودة، أخدانًا فى السرور، يتساقون راح الأنفس، ويتطارحون حديث القلوب، ويتجردون من فوارق الدنيا، ليقفوا أمام الطبيعة الصريحة أطهارا من رجس الحياة، أحرارا من إسار المادة، يرتعون بالجنة التى خُلق فيها أبوهم الأول، وينعمون بالصفاء الذى نشأت فيه أسرتهم الأولى".
والتفت عباس العقاد إلى ظاهرة خطيرة للغاية، فكتب عن شم النسيم محذرًا من التفريط فيه أو تغيير الثقافة الخاصة به، ملتفتا إلى الصهيونية التى تريد القفز على كل شيء كما قفزت على الأرض فى فلسطين المحتلة، فهى تحاول تغيير هوية أى مناسبة لصالحها.
فى هذا السياق، شرح العقاد فى كتابه "يوميات" بأن شم النسيم هو "أول عيد من أعياد الأمم، عاش أمس ويعيش غدًا، منذ عرفه التاريخ إلى هذا العام، ربما سبقته أعياد عريقة فى القدم يعرفها التاريخ أو لا تعرف الآن بين أبنائها ولا الغرباء عنها، ولكن شم النسيم عيد قديم متصل الماضى بالحاضر منذ عرفه التاريخ بوادى النيل".
في العدد الورقيالمصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: عيد شم النسيم الصهيونية شم النسیم هذا الیوم هذا العید
إقرأ أيضاً:
ثقافة أسوان تنظم مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية
نظمت الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية ضمن أجندة فعالياتها بمواقع فرع ثقافة أسوان، في إطار برامج وزارة الثقافة.
وعقدت مكتبة الطفل والشباب بدراو لقاء بعنوان "إشكاليات السرد وبناء الشخصية الأدبية"، من خلال ورشة المصطبة، بهدف تسليط الضوء على مشكلات السرد الأدبي في محافظة أسوان والتحديات التي يواجهها الكتاب.
شارك في النقاش عدد من كتّاب السرد البارزين والمهتمين بالشأن الثقافي، حيث تحدث طه الأسواني، رئيس نادي الأدب المركزي بثقافة أسوان، عن تاريخ السرد في أسوان وأهم كتابه البارزين، مشيرا إلى بعض المحاور الرئيسة مثل التهميش الإعلامي، موضحا أن الإعلام المحلي لا يُبرز الأعمال الأدبية الصادرة من أسوان بشكل كاف، مما يحد من انتشارها على المستوى الوطني، كما تم تناول قضايا غياب الورش التدريبية وندرة النشر المحلى.
وزير الاتصالات: مركز إبداع مصر الرقمية بجامعة أسوان حقق نجاحا منقطع النظير محافظ أسوان: استمرار تقييم مستوى الأداء وتطبيق الثواب والعقاب للقيادات المحلية أنشطة ثقافيةفي نهاية النقاش، اقترح المشاركون حلولا مثل تنظيم مهرجانات أدبية سنوية تحتفي بالسرد في أسوان، ورش عمل تدريبية للكتابة السردية، وتأسيس منصة إلكترونية لنشر قصص وأعمال كتّاب أسوان، وذلك لتعزيز انتشار الأعمال الأدبية من المحافظة، توثيق التراث الثقافي لأسوان وتوظيفه في الأعمال السردية لإبراز الهوية المحلية، ومن آليات تنفيذ الحلول التعاون بين المكتبات العامة ووزارة الثقافة لإطلاق مبادرات لدعم السرد، الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لخلق مجتمع أدبي افتراضي يعزز الحوار بين الكتّاب. إطلاق مسابقات أدبية محلية تهدف إلى اكتشاف المواهب الجديدة وتشجيعها. توثيق الحوار كنواة لسلسلة فعاليات مستقبلية تناقش تطور السرد في أسوان.
وفي الختام دعا الكاتب طه الأسواني إلى تعزيز التعاون بين الكتّاب والمؤسسات الثقافية، كما أشار إلى ضرورة التركيز على القصص المستوحاة من البيئة الأسوانية الغنية بالتراث الثقافي والطبيعي، لما لها من قدرة على جذب القراء والترويج للسرد.
في سياق آخر، وضمن أنشطة الفرع، برئاسة يوسف محمود، وبإشراف إقليم جنوب الصعيد الثقافي، برئاسة عماد فتحي، نظم بيت ثقافة دراو محاضرة بعنوان "التوحد عند الأطفال ودور الآباء" ألقاها محمد عبد القادر، أستاذ خدمة الفرد بجمعية أصدقاء المرضى. تطرق عبد القادر إلى مرض التوحد الذي يُعد اضطرابا في النمو العصبي ويؤدي إلى ضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي. كما استعرض المحاضِر كيفية تأثير التوحد على النمو المعرفي واللغوي للأطفال، مؤكدًا على أهمية فهم الأهل للسلوكيات المختلفة التي قد تظهر لدى الأطفال، مثل الصراخ أو الاعتداء على الآخرين.