رأي.. فريد زكريا يكتب: كيف ظهرت الفوضى بالجامعات الأمريكية في ظل احتجاجات حرب غزة؟
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
هذا المقال بقلم فريد زكريا، الكاتب السياسي ومقدم برنامج Fareed Zakaria GPS على قناة CNN، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
من الصعب فهم الاضطرابات التي تحدث في حرم الجامعات الأمريكية هذه الأيام، الاحتجاجات والاستقطاب والترهيب والمرارة العامة.
في مقال كاشف بصحيفة "وول ستريت جورنال"، يربط مراسل التعليم العالي دوغلاس بلكين هذه الأحداث بخلفية أوسع: اختفاء الشعور بالانتماء للمجتمع.
يتساءل المرء عما إذا كانت خسارة المجتمع هذه قد أدت إلى المزيد من عدم الثقة، والخلافات الحادة، والمزيد من الغضب. يلتقي الناس ببعضهم البعض في هذه الاحتجاجات غالبًا للمرة الأولى، وغالبًا ما يكونون غرباء.
كان الحرم الجامعي الذي ذهبت إليه منذ عقود مليئاً بالخلافات السياسية، لقد كان ذلك في زمن رونالد ريغان، والحرب الباردة، وحركة "التجميد النووي"، وسحب الاستثمارات من جنوب إفريقيا. تم بناء الخيام ومدينة الصفيح في الساحة خارج مكتب الرئيس، ولكن أجرينا أيضًا مناقشات طويلة وبحثية حول هذه القضايا.
في كل مجموعة كنت فيها، سواء في الصف أو الأنشطة خارج نطاق المناهج الدراسية، كان الناس يختلفون حول القضايا، ولكنهم كانوا يفعلون ذلك بجدية ويستمعون إلى الآخرين وينخرطون فيما كان في الغالب خطابًا متحضرًا، (رغم أنه من السهل إضفاء طابع رومانسي على الماضي، فعندما جاء وزير دفاع ريغان، كاسبار واينبرغر، للتحدث، حاول الطلاب المتظاهرون مرارًا وتكرارًا تعطيل خطابه، لكن الغالبية العظمى من الحاضرين في الغرفة الذين اختلف معظمهم بشكل شبه مؤكد مع واينبرغر، أطلقوا صيحات الاستهجان ضد المتظاهرين).
عندما ذهبت إلى جامعة ييل، كانت مكانًا مليئًا بالفصول الدراسية وقاعات الاجتماعات المكتظة والحفلات والمناظرات والمسرحيات والأحداث الرياضية التي تحظى دائمًا بحضور جيد، مما أحدث مجتمعًا ثريًا. إن العديد من أصدقائي المقربين اليوم هم أشخاص التقيت بهم في تلك الغرف المزدحمة منذ 4 عقود.
لقد عدت إلى حرم جامعتي عدة مرات منذ ذلك الحين، ولسنوات عديدة شعرت أنه المكان نفسه الذي كنت فيه منذ عقود. لكن على مدى العقد الماضي، بدت الحياة في الحرم الجامعي أقل كثافة، ثم جاء فيروس كورونا (كوفيد-19)، الذي قضى مثل قنبلة نيوترونية على الحياة المجتمعية في الحرم الجامعي بينما ترك جميع المباني الجميلة كما هي.
في مقالته، ينقل بلكين عن مساعد سكن جامعي سابق في كلية أخرى كانت وظيفته المساعدة في التواصل الاجتماعي للطلاب الجدد، قوله: "لا يغادر الكثيرون غرفهم حتى لحضور اجتماعات السكن الجامعي، ويسألون عبر الرسائل النصية عما إذا كان بإمكانهم الدردشة عبر اتصال الفيديو بدلًا من ذلك". وأضاف مندهشًا: "لقد كنت حرفيًا عبر القاعة". وأشار مسؤول في جامعة أخرى إلى أن "هذا قد يكون الوضع الطبيعي الجديد، وقد لا تكون هناك عودة حقيقية إلى الماضي".
في حين أن جائحة كورونا ربما كانت المعجل الكبير، فإن تراجع "رأس المال الاجتماعي" (الروابط التي تدعم المجتمعات)، كان موضوع العمل الأكاديمي لعقود من الزمن. العمل الأساسي حول هذا الموضوع كان عبارة عن مقال أكاديمي كتبه عالم السياسة في جامعة هارفارد روبرت بوتنام عام 1995 (تم توسيعه لاحقًا وتحويله إلى كتاب، بعنوان "البولينج وحيدًا").
ويستمد العنوان من البيانات التي أظهرت أن عددًا أكبر من الأمريكيين كانوا يلعبون البولينج، ولكن عدد أقل وأقل كان يلعب في دوريات مجمعة.
يتابع بوتنام تراجع المجموعات الاجتماعية ويحاول تحديد الأسباب، ومن هنا لاحظ ببصيرة أن "المؤشر الأكثر ثباتًا هو التلفزيون". لقد أتاحت التكنولوجيا والإنترنت للناس جعل أوقات الفراغ نشاطًا خاصًا وليس نشاطًا جماعيًا.
الأمر يتجاوز الحرم الجامعي. في كتابي "عصر الثورات"، أشير إلى أن ما تسبب بالفعل بالعزلة في أمريكا، حتى عندما ظلت الدخول ثابتة أو مرتفعة، كان انهيار المجتمع في البلدات الصغيرة بأمريكا: "المتاجر التي تمتلكها الأسر الصغيرة تتلاشى إذ باتت غير قادرة على منافسة أمازون. ومراكز التسلية بألعاب الفيديو استبدلت بالألعاب عبر الإنترنت. ودور السينما المحلية بالبلدات تتراجع أمام Netflix وغيره من مقدمي خدمة البث حسب الطلب. والكنائس، حيث يتجمع الكثير من الأميركيين كل يوم أحد، أصبحت فارغة على نحو متزايد".
إن محطات المترو المركزية الكبيرة التي يتوافد عليها الجميع لديها مجتمعات، لكنها مجتمعات تشكلت إلى حد كبير من خلال وظائفنا. أشار الصحفي نيكولاس ليمان ذات مرة إلى أنه عاش في خمس مدن أمريكية: واشنطن ونيو أورليانز وأوستن وكامبريدج وبيلهام ونيويورك، ورأى أن المدينتين "الأكثر افتقارًا إلى فضائل بوتنام" (رأس المال الاجتماعي)، هما كامبريدج وواشنطن.
يرجع السبب، على حد تعبيره، إلى أن "هذه الأماكن تمثل فرصة كبرى. العمل يمتص كل الطاقة. والمجتمع يتم تعريفه وظيفيًا، وليس مكانيًا: إنه مجموعة أقران محترفة أكثر من كونه منطقة أو حي". ومن الطبيعي أن نتساءل عما إذا كان هذا الشعور بالانتماء للمجتمع هشًا، بحيث إذا فقدت وظيفتك، فسيتم إلغاء عضويتك في المجتمع معها.
لا يزال الحرم الجامعي اليوم من الأماكن المثيرة، حيث إنه مليء بالطلاب الأذكياء وذوي النيات الحسنة والأساتذة المتميزين وجميع أنواع الفرص التعليمية والأنشطة خارج المنهج الدراسي، لكنها ضعفت كمجتمعات فعلية، يختلط فيها الناس ويتفاعلون ويتعرفون ويثقون ببعضهم البعض.
وبهذا المعنى، فإن الجامعات اليوم لا تختلف كثيرًا عن المجتمع الأمريكي الأوسع، التي تعد انعكاسًا له.
أمريكاإسرائيلغزةنشر الاثنين، 29 ابريل / نيسان 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: غزة الحرم الجامعی إلى أن
إقرأ أيضاً:
.. وبعد أن ظهرت نتائج "إجادة"!
محمد بن حمد البادي **
mohd.albadi1@moe.om
كتبتُ في مقال سابق بعنوان "منظومة قياس الأداء الفردي.. إجادة" والذي نُشر في جريدة الرؤية العمانية منذ أكثر من سنة من الآن عن أساليب التطوير والتحسين في هذه المنظومة.
ولكن بعد ثلاث دورات من تطبيقها لا زالت معايير وأسس التقييم غير واضحة، ولا زالت الرؤية ضبابية، وفي مجملها تفتقد الشفافية، فالموظفون يدور في بالهم نفس التساؤل: كيف لي أن أتشرف بتحقيق درجة الامتياز وأتجنب الحصول على تقييمات أدنى منها، وتساؤل آخر: لماذا تظهر نتيجة تقييم الموظف بمستوى جيِّد رغم أن النتائج في أهدافه الرئيسية جميعها تفوق التوقعات؟ لا أحد يدري، وعندما تسأل أحد القائمين على إدارة هذه المنظومة العجيبة؛ التي لم يتم فك رموزها بعد؛ عن أسس ومعايير التقييم؛ يأتي لك بمبررات غير منطقية وتفسيرات غير مقبولة.
معظم الموظفون يشعرون بالامتعاض الشديد من منظومة إجادة، فنتائجها دائمًا- حسب منظور أغلبهم- غير منطقية، مثيرة للاشمئزاز، ظالمة، ومثيرة للفتنة داخل بيئات العمل، وباخسة للحقوق وقاتلة للطموح وغير مشجعة على العمل وتئد الإبداع في مهده.
ولقد كشفت المنظومة عن بعض نقاط ضعفها، فمثلًا ليس لها القدرة على قياس الأهداف الإبداعية، فهي مكيفة على قياس الأهداف البسيطة الروتينية، فليس للإبداع أي قيمة عندها، ولا تلقي له بالًا؛ وأكثر ما تحبه هو العمل الروتيني، فكيف لموظف وضع أهدافاً إبداعية وحققها جميعاً بما يفوق التوقعات تظهر نتيجة تقييمه في مستوى جيد؟
وآخر وضع لنفسه أهدافاً روتينية بسيطة، وجاء تقييمه بدرجة ممتاز؟
اكتشفنا أن هذه المنظومة لا تهتم بالكيف؛ بل جُل اهتمامها بالكم، اكتشفنا أنها مميزة جدًا في إثارة جميع المشاعر السلبية لدى الموظف، وعدم الرضا الوظيفي، واليأس، والإحباط، والإحساس بالظلم، والإحساس بعدم المصداقية، والحقد والضغينة والبغضاء؛ سواءً على المسؤول المباشر أو على ذلك الموظف الذي أعطي درجة ممتاز بغير حق، كما يرى البعض.
ومن غرائبها أن أحد المعلمين من الذين أكملوا ما يزيد عن ربع قرن في العمل، ويعتبر من الكفاءات والخبرات والقدوات في مدرسته بشهادة مسؤوليه المباشرين، ثم يأتي تقييمه بمستوى جيد في ثلاث دورات متتالية "هاترك"! وأكاد أجزم أنه ليس الوحيد الذي نال هذا الشرف العظيم، أليس هذا الظلم بعينه، ألم تشفع له خبرته وكفاءته التي اكتسبها طيلة تلك السنوات ليحصل ولو لمرة واحدة على الأقل على درجة جيد جدًا، فأين التحسين والتطوير في ذلك، ربما للمنظومة عينٌ ثاقبة تبصر ما لا يُبصره الجميع.
انتقادات وسلبيات وثغرات وعثرات وهفوات لا تعد ولا تحصى رغم أن الثوب الذي توشحته المنظومة مرقع من كل مكان إلا أنه كما يبدو أن الثغرات خارجة عن نطاق السيطرة، وكأن العطار عاجز عن إصلاح ما أفسده الدهر.
كثير من الموظفين ينادي بإلغاء هذه المنظومة المجحفة للحقوق أو على الأقل تحسينها وتطويرها ومعالجة كل السلبيات التي ظهرت فيها بأسرع ما يمكن لكي تحقق الأهداف التحسينية والتطويرية في بيئات العمل المختلفة.
فمثلًا في القطاع التربوي، لا بُد من مراعاة طبيعة العمل في هذا القطاع، وخصوصية المهام الوظيفية التي يقوم بها المعلم في المدرسة، فعمله لا يقتصر على الحصص التدريسية في الغرف الدراسية، بل يتعداها إلى أعمال أخرى كثيرة منها على سبيل المثال الاحتياط والمناوبة والمشاركة في الأنشطة المدرسية والمسابقات في الأطر التربوية، والمراقبة على الامتحانات، وربما في بعض الأحيان يتقمص دور الممرض والمسعف والسائق وغيرها من المهام التي من الصعب فصلها عن المهام الرئيسية الموكلة إليه، لذلك لابد من إيجاد معايير وأسس منطقية للتقييم، تعطي كل ذي حق حقه.
كما أنه من المناسب جدًا وضع أهداف موحدة لكل تخصص، فطبيعة عمل التخصصات التربوية تختلف عن بعضها، والمسميات الوظيفية تختلف من موظف إلى آخر.
كذلك يجب إعادة النظر في نسب التقييم؛ فمن المجحف أن تحدد نسبة الممتاز بـ 10% والجيد جدا 35% والجيد 55%، على أي أساس وضعت هذه النسب؟ لماذا أكثر من نصف العاملين في المؤسسة بمستوى جيد وليس ممتاز؟ فيا من نصبتم هذه المنظومة مثالًا للعدل والمساواة، أليس هذا بخس واضح جدًا للحقوق؟
لذلك من المناسب عدم تحديد هذه النسب، يجب ترك المجال مفتوح للجميع لأخذ ممتاز إن كان يستحقها، والجيد جدًا لمن يستحق، والجيد لمن يستحق، يجب إيجاد آلية واضحة منصفة للجميع تحقق العدالة والمساواة وتعطي الموظف التقييم العادل الذي يستحقه.
أو على أقل تقدير؛ وهو الرأي الذي ربما يكون كحل وسط؛ تبديل النسب بين هذه المستويات الثلاثة بحيث تكون نسبة الممتاز هي الأعلى (55%) ثم جيد جدا (35%) ثم أقلها جيد (10%).
وأخيرًا، يا أيتها المنظومة رفقًا بمديري المدارس الذين أوكلتِ إليهم أصعب جزء من عملك، ثم تخليت عنهم بكل برود، ليواجهوا إعصارًا مدمرًا للنفسيات بعد ظهور النتائج، رغم أن الذنب ليس ذنب المدير؛ ففي ظل عدم توافر معايير وأسس منطقية للتقييم، يجد المدير نفسه مجبرًا على اختيار هذه النسب، ولا يملك الصلاحيات لتقييم جميع موظفيه بدرجة ممتاز؛ رغم أنَّه يراهم مُستحقين لذلك.
** أخصائي توجيه مهني
رابط مختصر