كانت إسرائيل تهتم بصورتها الرائدة، فهي أرض اللبن والعسل والديمقراطية، وهي مبعوثة العناية الأوروبية البيضاء إلى الشرق المستبد، وهي شعب الله المختار، فنراها تسابق الدول على إرسال المساعدات في الزلازل والكوارث، وإنجاد المصابين، كنا نرى صورها وهي تنتشل المصابين من تحت الركام في زلزال تركيا، وفي صدارة أخبار الصحف ووكالات الانباء، وإذ بها تقود كارثة عالمية يعيا العالم كله عن حلها، ودول العالم قاطبة تدعوها لوقف إطلاق النار، إلا أن رئيس وزرائها المحارب يريد دخول رفح وأن يفتشها دار دار، زنقة زنقة، شبر شبر.
يُخلب كثير من الناس بالعمران، وبالإحسان، والخضرة والوجه الحسن والابتسامة، وكان شمعون بيريز يعتذر أحيانا، ويهدي عرفات هدايا ذرا للرماد في العيون المرمدة، لكن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر (طوفان الأقصى) أظهر شيخوخة إسرائيل، وأطاح برشدها، فأقطاب من الحكومة الإسرائيلية يدعون إلى مسح غزة من الوجود بالقنابل النووية!
قد يكون حظ غزة من الجمال قليلا، فليس في غزة ملاعب ولا ملاه، ولا ناطحات سحاب، وإن وجدت أبنية عالية، فطوابقها لا تجاوز العشرين، ناطحات سحابها -إن جاز لنا التعبير – أفقية، تحت الأرض. وهي أولى من تل أبيب ببناء ناطحات سحاب، لضيق المساحة، وحظر العمران، لذلك هاجرت بعمرانها إلى بطن الأرض، إما أحياء أو شهداء. غزة ضيقة، ليس بها منشآت ومصانع كالتي في تل أبيب أو القدس، وهما محتلتان، وليس لغزة فضائيات أو أرضيات، أو سفراء، وهي متهمة بالإرهاب وموسومة به، لكنها وهي في سباقها مع تل أبيب، خطفت قلوب طلاب جامعات أمريكا والعالم.
قالت العرب: الحق ثقيلٌ مريٌّ، والباطل خفيفٌ وبيٌّ. وثمة قول عربي: إن الحسن مكرم، وفي الأسطورة الإغريقية أن الإلهة الماكرة ألقت بين الربات الثلاث هيرا وأفروديت وأثينا؛ تفاحة ذهبية كتب عليها "للأجمل"، فتخاصمن أيهن الأجمل، واتفقن على الاحتكام إلى أول غريب يلتقينه، وكان الراعي الشاب باريس، فأغرته هيرا بالسلطة إن هو وهبها التفاحة، وأمّلته أثينا بالحكمة والمجد، ووعدته أفروديت ربة الجمال بأنها ستهبه أجمل نساء الأرض، ففضلها عليهن، فكانت حرب طراودة. ولو اختار السلطان لحظي بالجمال أيضا، لكن للجمال سلطانه وسكرته.
وقد أوتيت إسرائيل فنون القول والمجد واللغات والجمال العمراني والعلم والفن، وكانت مهوى قلوب الفرنجة، فبنو إسرائيل هم أهل المسيح، والعبرانيون قوم المسيح، ووسائل الإعلام العالمية يملكها مؤيدو إسرائيل، بينما تتكلم حماس ملثمة بالعربية، أو تنقل أخبارها الفضائيات.. والعربي والمسلم بعامة متهم بالإرهاب، مشبوه، لكن ليس كل ما يلمع ذهبا. يمكن أن نتذكر الصناديق الثلاثة في قصة تاجر البندقية لشكسبير: الذهب والحديد والرصاص، بل إن الذهب نفسه خداع. هناك معدن أثمن من الذهب، معدن الإنسان.
قيل في التحليلات إن إسرائيل "الحسناء"، بقية الغرب في الشرق، التي تبني أجمل الشقق العمرانية على الهضاب، وتزرع الصحراء، لا تمانع في بث صور الفلسطينيين النازحين في غزة، وهم يأكلون طعام البهائم، أو يشربون ماء المطر والبرك، أو يعيشون في الخرائب والخيام المصنوعة من الأقمشة التالفة، وطرائح النايلون، لمقارنتها بجمال الحياة الإسرائيلية الرغيدة، للتنفير منهم، وإظهار تخلفهم ورجعتيهم وبؤسهم، فصورة البائس مرذولة ومستقبحة.
لم تنطلِ حيلة الإرهاب ومعاداة السامية على طلاب الجامعات الأمريكية، وعلى الشباب الغربي عموما، فجلّ الضحايا في غزة من الأطفال، والإنسان بالفطرة يميل إلى القوة، وإلى الحق أيضا إن عرفه وميّزه، وقوة إسرائيل قوة فاجرة، تتجاوز القوانين والأعراف الإنسانية، ولم يعد الإعلام مركزيا كما كان
العرب متهمون بأنهم يزدرون الديمقراطية، وأنهم مستبدون بالطباع، والحق أن الذي يمنعها عنهم هم الغرب، فأمريكا هي الباب العالي الذي يولي الولاة. وقد جرت انتخابات نزيهة في الجزائر وفي فلسطين وفي مصر لكن الغرب قلب لها ظهر المجن، فقد جاءت كلها بالإسلاميين، وقد رأوا من حماس وهي حركة صغيرة محاصرة ما لم يروه سابقا. كما أن أفضل محاسن إسرائيل هي الديمقراطية، ورئيس وزرائها بات يشبه الحكام المستبدين المتمسكين بالسلطة حتى آخر رمق، فشعاره: لا صوت فوق صوت المعركة.
أجري اختبار اجتماعي عند إشارة مرور على متطوعين ممثلين تجاوزوا إشارة المرور الحمراء، فسارع الناس إلى تنبيه حسني الهندام والهيئة والمظهر وتحذيرهم من الخطر، وأمسكوا عن الشُعث الغُبر.. وحكام إسرائيل بيض، بينما أهل غزة شعث غبر، يعيشون في الخيام والبيوت الضيقة.
لم تنطلِ حيلة الإرهاب ومعاداة السامية على طلاب الجامعات الأمريكية، وعلى الشباب الغربي عموما، فجلّ الضحايا في غزة من الأطفال، والإنسان بالفطرة يميل إلى القوة، وإلى الحق أيضا إن عرفه وميّزه، وقوة إسرائيل قوة فاجرة، تتجاوز القوانين والأعراف الإنسانية، ولم يعد الإعلام مركزيا كما كان. ورأى الطلاب المنتفضون نصرة لغزة أنواعا من الجمال في غزة لم يروها سوى في الأفلام، مثل: جمال القناعة، وجمال الصبر، وجمال الثبات، وجمال الإيمان.
انشغل الأدب كثيرا بالصراع بين الجمال والحق، أو بين الجمال والقبح، يمكن تذكر رواية صورة دوريان غراي لأوسكار وايلد، ورواية "سيرانو دي بريراك" للكاتب الفرنسي إدموند روستان.. يربح الجمال المزيف أول جولة، أو ينجح في خداع بعض الناس، لكن الحق يكسب وجماله الثقيل في النهاية.
twitter.com/OmarImaromar
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل غزة إسرائيل احتجاجات غزة جرائم مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة غزة من
إقرأ أيضاً:
تقرير إسرائيلي: تهجير الفلسطينيين من الضفة جريمة حرب ترعاها الدولة
فلسطين – أكدت منظمتان إسرائيليتان، امس الجمعة، أن تل أبيب ترعى رسميا عنف وإرهاب المستوطنين بالضفة الغربية الذي أدى إلى تهجير مئات العائلات الفلسطينية من منازلها في 7 تجمعات رعويّة خلال أقل من عامين.
جاء ذلك في تقرير مشترك أعدته منظمتا “ييش دين” و”أطباء من أجل حقوق الإنسان”، والذي خلص إلى أن إسرائيل ترتكب “جريمة حرب في الضفة عبر التهجير القسري والتطهير العرقي” للفلسطينيين.
وقال التقرير، الذي حمل عنوان: “مُجتمعات مُهجرّة، أناسُ منسيون”، إن تهجير هذه العائلات من منازلها جاء كنتيجة لـ”سياسة تنتهجها إسرائيل وعنف المستوطنين”.
التقرير، الذي تلقت الأناضول نسخة منه، أوضح أنه “لم يكن هذا رحيلا طوعيا بل تهجير قسري، جراء عدة عوامل متداخلة منها، القمع المؤسسي طويل الأمد، والعنف الجسدي اليومي، والإرهاب النفسي، والأضرار الاقتصادية الجسيمة”.
وأضاف: “كل هذه العوامل أدّت إلى فقدان الشعور بالأمان الشخصي، وتفكيك نسيج الحياة اليومية في 7 تجمّعات رعوية فلسطينية، اضطُرّت إلى الرحيل عن أراضٍ اعتبرتها وطنا وبيتا لها”.
وأشار التقرير إلى أن السلطات الإسرائيلية صنّفت هذه التجمعات (الفلسطينية) على أنها “غير معترف بها”، و”مارست بحق سكانها سياسات تنكيل استمرت لسنوات”.
إلا أن نقطة التحوّل جاءت حين أقام المستوطنون بؤرا استيطانية زراعية قرب هذه التجمعات الرعوية الفلسطينية.
وفي هذا الصدد، أوضح التقرير أن “تصاعد العنف المنطلق من هذه البؤر (الاستيطانية) خلال العامين الأخيرين خلق بيئة لا تُحتمل، لا تتيح سُبل العيش أو البقاء للتجمعات الرعوية الفلسطينية، وعمليا أجبرها على النزوح والتهجير من منازلها”.
وتابع: “رغم أن إسرائيل تتنصل رسميا من أفعال المستوطنين بحجة أن البؤر غير قانونية، فإنها عمليا تدعمها وتستفيد من نتائج العنف ضد الفلسطينيين، ما يُسهم في تحقيق أهداف الدولة نفسها”.
وأوضح التقرير، أن إسرائيل “تمس بشكل منهجي ومتواصل بحقوق المجتمعات الرعوية الفلسطينية في الضفة الغربية، بما يشمل: الحق في الحياة والأمان، الحق في الصحة، حرية الحركة والتنقل، الحق في الملكية الخاصة، الحق في العمل وكسب الرزق، والحق في الكرامة الإنسانية”.
وخلص إلى أن إسرائيل “تتحمّل المسؤولية عن ارتكاب جريمة حرب متمثّلة في النقل القسري للفلسطينيين في الضفة الغربية، وهي جريمة تُرتكب بدعم مباشر من الدولة، سواء عبر مؤسساتها أو من خلال مواطنيها”.
وأضاف أن “التدخل العميق للدولة، وطبيعة هذه الممارسات ومنهجيتها وتكرارها في مواقع مختلفة، تقود إلى استنتاج لا مفرّ منه، وهو أن إسرائيل تنفّذ في بعض مناطق الضفة الغربية ممارسات تطهير عرقي بحق الفلسطينيين”.
وتابع التقرير: “تنتهج إسرائيل السياسة ذاتها، وبالأساليب نفسها التي يستخدمها المستوطنون، في مناطق أخرى من الضفة، ما يثير مخاوف من أن تتحول هذه الأنماط إلى استراتيجية سلطوية طويلة الأمد، تهدف إلى تطهير عرقي واسع النطاق، لا سيما في المنطقة (ج) التي تشكل نحو 60 بالمائة من مساحة الضفة الغربية”.
وحتى الساعة 16:45، لم يصدر عن الحكومة الإسرائيلية تعليق رسمي على مضمون هذا التقرير.
ووفق تقارير فلسطينية، فإن “عدد المستوطنين في الضفة بلغ نهاية 2024 نحو 770 ألفا، موزعين على 180 مستوطنة و256 بؤرة استيطانية، منها 138 بؤرة تصنف على أنها رعوية وزراعية”.
وفي 20 يوليو/ تموز 2024، قالت محكمة العدل الدولية إن “استمرار وجود دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني”، مشددة على أن للفلسطينيين “الحق في تقرير المصير”، وأنه “يجب إخلاء المستوطنات الإسرائيلية القائمة على الأراضي المحتلة”.
وتعتبر الأمم المتحدة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وتحذر من أنه يقوض فرص معالجة الصراع وفق مبدأ حل الدولتين، وتدعو منذ سنوات إلى وقفه دون جدوى.
ومنذ بدئه حرب الإبادة على قطاع غزة، صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 944 فلسطينيا، وإصابة قرابة 7 آلاف، واعتقال 15 ألفا و700، وفق معطيات فلسطينية رسمية.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 165 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
الأناضول