لم توجد مدينة في العالم تزهو بمقابرها مثلما تزهو القاهرة بمساكن موتاها، فأفسحت لهم المساحات الشاسعة، وأطلقت على مدنهم أسماء مبهجة، مثل "البساتين" و"تربة الزعفران" و"باب النصر" و "البقيع" و "غراس أهل الجنة".

ومنذ أن تطأ قدماك القرافة، تأخذك لعالم آخر، يرقد فيه الأموات في هدوء أبدي لايدرون بما يدور حولهم من صخب وغضب واحتراب، وأنت تدب بقدميك فوق مقابر جبل المقطم أو "ترَّب" باب النصر أو الإمام أو السيدة عائشة وغيرها، وتشاهد أمامك قبور الأولياء والعلماء والعامة والملوك والأمراء، وشواهد من مئات السنين، لن يكبح جماحك إلا أن تخلع نعليك وتمشى الهوينا فى هدوء وإجلال، فكل التراب كان من أجساد غاليات، وعيون حسان، وصدور خافقات، ويحضرك ما قاله أبو العلاء المعري وهو يخاطب صاحبه:

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد؟

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد

وعندما تصل إلى "باب النصر" تتذكر أنه في هذا المكان دفن شيخ المؤرخين والعالم والفقيه تقي الدين المقريزى، والعلامة اللغوي ابن هشام صاحب الألفية في النحو، ومؤسس علم الاجتماع الحديث عبدالرحمن بن خلدون، الذين ضاعت قبورهم وأزيلت منذ سنوات قليلة بحجة التنظيم والتطوير، ولم يفلت منها سوى ضريح أمير المؤمنين فى الحديث العلامة ابن حجر العسقلاني ، وبالقرب منهم دفن العز بن عبدالسلام، والليث بن سعد.

ضريح شيخ الإسلام قاضي القضاة العز بن عبدالسلام بمقابر البساتين (الجزيرة)

والغرابة أن "القرافة" التي تتعرض للاغتيال يوما بعد آخر، تضرب بقوة في أعماق التاريخ، إذ إنها تفوق فى عمرها القاهرة التى اختطها جوهر الصقلي في 17 شعبان سنة 358 هجرية، ويرجع تاريخها إلى بداية الفتح الإسلامي لمصر بقيادة عمرو بن العاص، الذي دفن بها ومعه ابنه عبدالله، مع جملة من الصحابة وأولادهم، وعلى رأسهم مسلمة بن مخلد، وعقبة بن عامر، ومحمد بن أبى بكر الصديق، ومعاوية بن خديج -رضي الله عنهم.

وبين يوم وآخر تكتشف الآثار التي ترجع لبدايات بناء القرافة، وكان آخرها، العثور على شاهد يزيد عمره عن 1225 عاما بمنطقة الإمام الشافعي لقبر أثري غير مُسجل لسيدة عاشت بالفسطاط وعاصرت الإمام الشافعي ودفنت بجواره التماسًا للبركة، و"سيدة الفسطاط" تُدعى عُبيدة بنت كامل القرشي، وقد كُتب على شاهد قبرها أكثر من 15 سطرًا تشهد على إيمانها بالله وملائكته وكتبه ورسله.

جسر النهضة يشق المقابر وفي طريقه هدمت المئات من المقابر بقرافة القاهرة (الجزيرة) الأرض المقدسة

"القرافة" هي مدينة الموتى في قلب القاهرة الآن، وٌقِفَت "مقبرة للمسلمين" بأمر الخليفة عمر بن الخطاب، ووصفت المنطقة المجاورة للإمام (الإمام الشافعي) بأنها "غراس أهل الجنة " و(البقيع الثاني) لقداسة أرضها الطاهرة المباركة، لكثرة ما دفن فيها من الأولياء، وآل البيت ممن حضروا إلي مصر، والشيوخ والعلماء والملوك وأمراء الأسرة العلوية، ولهذا يقصدها بالزيارة رؤساء وملوك العالم.

ولعل هذا الجمع الغفير من موتى مشاهير مصر، لا يجتمع مثله في صعيد واحد في أي مكان في العالم، مما يمثل ظاهرة فريدة لجبانة انفردت بتسميتها بـ"القرافة" والدفن فيها مستمر لما يزيد عن 1420 عاما هجريا، ولهذا كانت "القرافة" نوعا من التراث الفريد والوحيد على مستوى العالم، ولفرادته تم تسجيله في نطاق القاهرة التاريخية على قائمة التراث العالمي باليونسكو عام 1979م وعلى قائمة التراث الإسلامي بالإيسيسكو عام 2019م.

وتعرضت "القرافة" للكثير من التعديات والانتهاكات من قبل الجهات الحكومية، مما دفع الناس لأن تظهر انزعاجها من هذا الوضع غير المألوف للمصريين للتعدي على حرمة الموتى، ممادفع المسؤولين في وزارة السياحة والآثار لمناقشة موضوع وضع القرافة على خريطة السياحة، ومع أنه لم تتخذ قرارات فعلية في هذا الملف حتى الآن.

ومع توالي التعديات التي لحقت القرافة خلال الفترة الأخيرة علت الأصوات مطالبة بضرورة الكف عن مزيد من الإزالات، والتفكير في استغلال القرافة التاريخية وتطويرها سياحيا لتضاف إلى معالم مصر السياحية بما تضمه من كنوز أثرية وشخصيات تاريخية وفنون أبدعتها يد الفنان المسلم على مر العصور، وكان الدكتور مصطفى الصادق مؤلف كتاب "كنوز مقابر مصر" وأحد المطالبين بحماية هذه الآثار، ووقف مدافعا عنها في كل المنابر، ويقول للجزيرة نت: لقد علمنا أنه تم تكوين لجنة جديدة للبت في منطقة القرافة برئاسة الدكتور جمال عبدالرحيم أستاذ الآثار، والدكتور مختار الكسباني أستاذ الآثار بجامعة القاهرة.

ويضيف الصادق قائلا: "ولذلك أنا غير متفائل لأن الأشخاص المسؤولين عن اللجنة من أنصار دعوة هدم المقابر، بحجة أنها غير مسجلة آثارا، وهذا ليس سببا للهدم، فتراخي المسؤولين عن تسجيل الآثار لا يعني هدمها، بل هي آثار بحكم القانون، وليس بحجة التسجيل، وبالفعل تم وضع علامة ( x ) الحمراء على بعض الأحواش، ومنها حوش مقبرة يحيى باشا إبراهيم رئيس وزراء مصر الأسبق من (1933 حتى 1934) وهذا معناه أن مسلسل هدم الآثار في القرافة مستمر ولم ينته بعد".

ضريح شيخ الاسلام الإمام المفسر الحافظ الفقيه ابن حجر العسقلاني بمقابر الإمام الشافعي (الجزيرة) حقب من التاريخ

وحول أهمية المقابر ومكانتها في وجدان المصريين على مدى التاريخ الطويل، يقول الدكتور خالد عزب خبير الآثار للجزيرة نت: أنفق المصري القديم الكثير من الوقت والجهد والمال للإعداد للموت وتجهيز مقبرته، وآثار مصر التي يقبل عليها السياح من كل أنحاء العالم ما هي إلا مقابر، الأهرام في الجيزة وسقارة ودهشور كلها مقابر، ووادي الملوك ووادي الملكات في الأقصر أيضا مقابر شيدها المصري القديم، وفي العصور الإسلامية مقابر المماليك في القرافة، وأشهرها مدرسة السلطان قايتباي ما هي إلا مقبرة للسلطان.

الآن مصر تزيل حقبة كاملة من تاريخها بإزالة مئات المقابر التي هي حلقة في تاريخ تطور عمارة المقابر منذ عصور ما قبل التاريخ إلى الآن، فالمقابر في مصر لم تكن مكانا لدفن الموتى بقدر ما هي تعبير عن الرغبة في حياة أبدية سعيدة في العالم الآخر، لذا صار للموت قدسية وحرمة في مخيلة المصريين، وصار للموت فلسفة في حياة المصريين، وحين تقوم بإزالة مقابرهم فأنت بذلك تجرح هذه المخيلة وتعرض نفسك للسخط واللعن.

ويستطرد عزب قائلا: القضية هنا أيضا ترتبط بأن المشاهير والأعلام من المصريين دفنوا في القرافة القاهرية منذ الفتح العربي إلى الآن، "ورش" وهو صاحب القراءة القرآنية الشهيرة في العالم مدفون في القرافة (رواية ورش عن نافع هي إحدى الروايات المتواترة التي يُقرأ بها القرآن الكريم، تنسب إلى أبي سعيد عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان الملقب بورش "110 هـ / 197هـ".

صورة خاصة من قريب لمقبرة الإمام ورش (الجزيرة)

ومن المدهش أن العديد من مقابر مشاهير المصريين ألفت حولها المؤلفات، الكندي والقضاعي وغيرهم ألفوا كتبا في الزيارة وإرشاد الزائرين لمقابر الأولياء والمشاهير، ونذهب معا إلى السيدة نفيسة التي دفن إلي جوارها أمير الشعراء أحمد شوقي (1868/1932) ومدفنه تحفة فنية، وبالقرب منه قبر حافظ ابراهيم (1872/1932م) الذي شيد بطريقة معمارية فريدة، وهو مثل تصميم قبر حافظ الشيرازي الشاعر الإيراني الشهير (نحو 725-792 هـ) المدفون في شيراز وحولت إيران قبره إلى مزار سياحي، وعلى بعد خطوات منهما قبر الشيخ محمد رفعت (1882/1950م) أشهر من قرأ القرآن الكريم في القرن الـ20، وهناك أيضا ضريح الشاعر محمود سامي البارودي باعث النهضة الشعرية الحديثة .

وما لا يعرفه الكثيرون -كما يقول خالد عزب- أن مناطق القرافة في مصر من مصر القديمة إلي العباسية إلي جوار سفح المقطم لو في بلد آخر لصارت منطقة حفائر أثرية ستقدم لنا الكثير من المعلومات المفقودة من تاريخنا وتكشف عن تراث مفقود، فمثلا مدينة العسكر التي كانت عاصمة مصر في العصر العباسي تقع أسفل مقابر السيدة نفيسة، بل إن مسجد السيدة نفيسة بني فوق المسجد الجامع لمدينة العسكر، وبالتالي ستجد حول هذه المنطقة تلالا أثرية أقربها التلال التي بنيت عليها منطقة زينهم.

تأكل القرافة

وعن نشأة "القرافة" وأهميتها التاريخية قال الدكتور محمد حمزة عميد كلية الآثار جامعة القاهرة الأسبق "للجزيرة نت"، "القرافة كانت وقفا على دفن موتى المسلمين بأمر الخليفة عمر بن الخطاب، عقب الفتح العربي الإسلامي لمصر بقيادة عمرو بن العاص فاتحها وأول ولاتها والذي دفن على أرضها بموضع قبة عقبة بن عامر، ولذلك كان العديد من الفقهاء لايجيزون سوى بناء الترَّب والمقابر بالقرافة لأنها وقف للدفن فقط".

ويضيف الدكتور محمد حمزة : "نمت القرافة وتمددت مع ميلاد مدينة الفسطاط وتوسعت في سفح المقطم شمالا وشرقا حتى ميدان العباسية الحالي، ولم يفصل بينها ويقطع وحدتها سوى القلعة في العصر الأيوبي، فأصبح لدينا قرافة شمالية بمسمياتها المختلفة حتى العباسية، وقرافة جنوبية بمسمياتها المختلفة أيضا حتى البساتين جنوب القاهرة حاليا، وكذلك كان للطرق الحديثة أثرها في فصل القرافة عن بعضها وقطع الاتصال بينها وهدم بعضها الآخر، ومنها طريق صلاح سالم منذ الخمسينيات وطريق الأوتوستراد منذ الستينيات، وهو ما يحدث حتى الآن بسبب المشروعات القومية وخلق محاور مرورية جديدة من أجل السيولة المرورية، وما أدى لتآكل القرافة وفقداننا لأجزاء ومقابر تاريخية كانت تعتبر مزارات مهمة، وهناك الآلاف من الأحواش والمقابر ذات الطراز المعماري المتميز والطابع الفني النادر في تراكيبها وشواهدها وأبوابها وسقفها التي يجب أن يحافظ عليها وتبقى في موضعها ويتم ترميمها وصيانتها وتحديد حرم لها وتسجيلها في عداد الآثار".

وأخيرا اتجهت وزارة السياحة للاهتمام بالقرافة والتخطيط لوضع القرافة على خريطة السياحة الثقافية، فهذا أمر جيد، ولكن أنبه إلى أن هذا الاهتمام لا يجب أن يقتصر على الاهتمام بمزارات آل البيت فقط، فهناك في القرافة مزارات مهمة ومن الممكن أن تجذب إليها الملايين من السياح في كل عام من مؤرخين وأولياء وعلماء، وإن كنا فقدنا الكثير من مقابرهم مثل مقبرة المقريزي المؤرخ العظيم، ومقبرة عبدالرحمن بن خلدون رائد علم الاجتماع في العالم كله، فضلا عن مقبرة سلطان العلماء العز بن عبدالسلام التي انهارت بالإهمال، دون أن يلتفت أحد لترميمها بحجة أنها ليست مسجلة كأثر، وهناك الآلاف من المقابر المهمة غير مسجلة، وهذا ليس سوى إهمال وتجاهل من المسؤولين، ثم تأتي الهجمة التتارية بإزالة المئات من هذه المقابر بحجة التطوير والمشروعات القومية.

ضريح رقية بنت علي الرضا بن موسى الكاظم بالقاهرة (الجزيرة) التاريخ لا ينسى

ويستطرد الدكتور محمد حمزة: "وأقول للمسؤولين بمحافظة القاهرة والجهات المسؤولة عن التنفيذ والحكومة إذا كان ماتقومون به من مشروعات قومية مهمة سوف يذكرها التاريخ، فإن التاريخ نفسه لن ينسى من كان وراء هدم التراث وتشويهه وعدم المحافظة عليه وصيانته وترميمه وتطويره وتنمية بيئته ومحيطه، ولنا في التاريخ عبرة وعظة، فهل نسي التاريخ حرق تراث مكتبة الإسكندرية عام 48 ق م رغم إنجازات القيصر المتسبب في ذلك؟ وهل نسي التاريخ ما فعله صلاح الدين (رغم إنجازاته وشهرته) في مكتبة الفاطميين بعد أن قضى على دولتهم 567 هجرية/1171م؟ وهل نسي التاريخ ما فعله المغول أو التتار على يد هولاكو في مكتبة بغداد العظيمة 656 هجرية/1258 م؟ وهل نسي التاريخ حريق مكتبة ابن رشد على يد خليفة الموحدين رغم إنجازاته وشهرته؟ وهل نسي ما فعله الأمير جهاركس الخليلي في عهد السلطان الظاهر برقوق في تربة الخلفاء الفاطميين المعروفة بتربة الزعفران وإقامة خان محلها، المعروف بخان الخليلي حتى الآن؟"

ويضيف "حسبنا قراءة ما قيل عنه وحدث له في المقريزي وابن تغري بردي وابن إياس وعلى باشا مبارك وغيرهم؛ ولم ينس التاريخ القديم والوسيط والحديث تحويل المعابد المصرية القديمة إلى أديرة وكنائس، وتحويل الكنائس إلى مساجد ثم تحويل المساجد إلى كنائس، وهل نسي التاريخ القريب حريق المجمع العلمي المصري عقب أحداث ثورة 25 يناير 2011م؟".

ضريح فاطمة العيناء بنت القاسم الطيب بن المأمون بن جعفر الصادق (الجزيرة)

ويتساءل حمزة قائلا: "هل يعقل أو يتصور أن تقوم الجهات المعنية بهدم الجانب الغربي من معبد الأقصر لتوسيع الكورنيش وإنشاء كوبري من أجل الصالح العام والمنفعة العامة ونفس الشيء في وادي الملوك وهل يتصور هدم أي من المقابر من أجل المشروعات التنموية والسياحية وبالتالي الصالح العام والمنفعة العامة في المنطقة، ومع ذلك فلو كان الهدم هو الحل الوحيد فيجب عدم القيام بعملية فك وإعادة البناء في موقع آخر وليس الهدم، ومن ثم على الجهات المعنية أن تحافظ على قرافات القاهرة وجبانتها التاريخية الفريدة على مستوى العالم".

ومن ناحيته قال الدكتور جمال عبدالرحيم، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة وعضو اللجنة الدائمة للآثار، إن الدولة ممثلة في الهيئة العليا للآثار لا تدعو إلى هدم المقابر، الدولة لا تهدم المقابر أو أي مبنى أثري، لكنها تسعى لتطوير هذه الأماكن، وتقديم أفضل الخدمات لسكان هذه المناطق، من خلال إنشاء المشروعات القومية، موضحا أن قرار إنشاء مقبرة الخالدين أمر مدروس.

مؤكدًا أن المقابر في الإمام الشافعي الآن تتعرض لمجموعة من العوامل التي تهدد وجودها، خاصة وجود المياه الجوفية، كما أن هناك أكثر من 100 مقبرة مهددة بالانهيار، ولهذا تضع الدولة خطة لإنشاء مقبرة الخالدين تضم أبرز الرموز في جميع التخصصات، كما أنها ستكون بمثابة مزار سياحي لأن هذه المقبرة بمثابة أرشيف للشخص المتوفى.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الإمام الشافعی فی العالم

إقرأ أيضاً:

ماذا قالت صحف العالم عن جولة مسقط للمباحثات بين إيران وأمريكا؟

مسقط "عمان": اهتمت الصحف العربية والعالمية الصادرة الأحد بجولة المحادثات الأولى التي جرت السبت في سلطنة عمان، وأفردت لها مساحات إخبارية وتحليلية بالنظر إلى ما تحمله الجولة من دلالات سياسية عميقة تتجاوز حدود الملف النووي، لتطال مستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط. وانقسمت تغطية الصحف العالمية والإقليمية بين من يرى في هذه المحادثات بارقة أمل، وبين من يتعامل معها بتشكك في النوايا والنتائج. في هذا التقرير، نستعرض أبرز ما نشرته الصحف الأمريكية والبريطانية والإيرانية والعربية حول جولة مسقط، من العناوين إلى التفاصيل، وصولاً إلى قراءة السياقات والاحتمالات.

نيويورك تايمز: انفراج حذر في مسقط

افتتحت صحيفة "نيويورك تايمز" تغطيتها بالإشارة إلى أن المحادثات بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين، والتي عُقدت بوساطة عُمانية في مسقط، انتهت بمصافحة بين الطرفين ووصف مشترك بأنها كانت "بناءة". ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أن هذه الجولة قد تفتح الطريق أمام أول مفاوضات رسمية مباشرة بين البلدين في عهد الرئيس دونالد ترامب، منذ انسحابه من الاتفاق النووي التاريخي في 2018.

وأوضحت الصحيفة أن النقاشات تمحورت بشكل أساسي حول منع إيران من تطوير سلاح نووي، دون الإصرار على تفكيك منشآتها النووية، أو مطالبتها بوقف دعمها لجماعات إقليمية مثل حزب الله وحماس والحوثيين. وذكرت أن ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الخاص، لم يطلب من إيران وقف تخصيب اليورانيوم بالكامل، بل ركز على عدم تحويل المواد المخصبة إلى سلاح.

وأشارت الصحيفة إلى أن اللقاء تم على شكل محادثات غير مباشرة، استمرت ساعتين ونصف، حيث جلس الطرفان في غرفتين منفصلتين ونقل وزير الخارجية العماني معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي الرسائل بينهما، قبل أن يلتقي ويتكوف وعراقجي في ختام الجولة لفترة قصيرة.

وتوقفت "نيويورك تايمز" عند تعقيد الخلفيات السياسية، مشيرة إلى استهداف مسؤولين أمريكيين من قبل قراصنة إيرانيين، والتوتر الذي ساد العلاقات بين البلدين خلال حملة الانتخابات الأمريكية 2024. واعتبرت أن رغبة ترامب في التوصل إلى اتفاق تُعد من بين دوافعه لاستئناف هذا المسار، خاصة في ظل رغبته في إبراز إنجاز دبلوماسي وسط فشل مبادراته في غزة وأوكرانيا.

الجارديان البريطانية: نجاح أولي... وإشارات تفاؤل حذر

من جانبها وصفت صحيفة "الجارديان" البريطانية الجولة الأولى من المباحثات بأنها "ناجحة"، موضحة أن المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن ركزت على منع إيران من تحويل برنامجها النووي إلى برنامج تسليحي. وأضافت أن الجانبين اتفقا على عقد جولة جديدة يوم 19 أبريل.

وأشارت الصحيفة إلى أن انهيار المحادثات كان محتملاً لو أصر ترامب على تفكيك البرنامج النووي الإيراني، لكنها رأت في تفادي ذلك مؤشراً على مرونة أمريكية جديدة. كما أبرزت الجارديان دور سلطنة عمان المركزي، حيث وصفته بـ"الوسيط الصامت والموثوق"، واعتبرت أن هذه الجولة أعادت فتح نافذة الحوار التي كانت مغلقة منذ سنوات.

وذكرت الصحيفة أن من أبرز التحديات المطروحة هي كيفية التخلص من مخزون إيران الكبير من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وسبل إعادة تفعيل نظام الرقابة الدولية على منشآتها.

وول ستريت جورنال: مطالب اقتصادية إيرانية مقابل تقليص التخصيب

ركزت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تغطيتها على الشروط الإيرانية، حيث كشفت أن طهران طالبت بالسماح لها بالوصول إلى مليارات الدولارات المجمدة في الخارج، ووقف الضغوط الأمريكية على المشترين الصينيين للنفط الإيراني.

وأشارت إلى أن إيران عرضت في المقابل العودة إلى مستويات التخصيب التي نص عليها اتفاق 2015، لكنها شددت على أنها لن تقبل بتفكيك البرنامج النووي، ولن تتخلى عن طبيعته "السلمية" كما تدّعي.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قدّم ما وصفه بـ"الخطوط الحمراء" الإيرانية، معرباً عن الاستعداد لمواصلة الحوار، لكن دون تجاوز تلك الحدود.

صحيفة اعتماد الإيرانية: المفاوضات اختبار حقيقي للنوايا

وفي تغطية موسعة، نشرت صحيفة "اعتماد" الإيرانية سلسلة مقالات ومقابلات سلطت فيها الضوء على الزوايا الإيرانية المختلفة. اعتبرت الصحيفة أن المفاوضات في مسقط تُعد بمثابة اختبار مبكر لنيات الطرفين، مشيرة إلى أن الحديث عن اتفاق شامل يبدو بعيدًا، لكن التفاهم على خطوات مرحلية يظل ممكنا.

وقال الدبلوماسي السابق كوروش أحمدي للصحيفة إن المحادثات التي جرت في مسقط ليست سوى بداية لمسار تفاوضي طويل، موضحا أن الاجتماع الأول كان أقرب إلى تحديد الإطار العام والآليات، وليس للخوض في القضايا الجوهرية بعد. وأضاف أن احتمال التوصل إلى اتفاق مؤقت على غرار ما حدث في 2014 يظل قائما.

أما الباحث السياسي حسن بهشتي بور، فقد رأى أن الاتفاق المؤقت بمعناه الزمني (3 إلى 6 أشهر) يعزز مناخ عدم الثقة، ودعا إلى نهج "الإجراء مقابل الإجراء" الذي يضمن خطوات متزامنة لبناء الثقة.

إطلاعات: إشادة إيرانية بالدور العُماني

في المقابل، سلطت صحيفة "إطلاعات" الإيرانية الرسمية الضوء على البيان الصادر عن البيت الأبيض، مشيرة إلى أنه وصف المحادثات بأنها إيجابية وبنّاءة، وأن اللقاء المباشر القصير بين ويتكوف وعراقجي كان بمثابة خطوة إلى الأمام.

كما أبرزت الصحيفة إشادة عراقجي بوساطة وزير الخارجية العماني السيد بدر البوسعيدي، مؤكدا أن اللقاء جرى في أجواء من الاحترام المتبادل، وأن الجانبين اتفقا على الاستمرار في التفاوض خلال الأيام المقبلة.

الجزيرة نت: تأكيد على استمرار المحادثات

أشارت "الجزيرة نت" إلى تصريحات ترامب بأن المحادثات تمضي بشكل جيد، رغم أنه لا يريد الحديث عن تفاصيلها حاليا. كما نقلت عن ستيف ويتكوف تأكيده على أن الجولة القادمة ستُعقد يوم 19 أبريل، في ظل أجواء إيجابية.

وأبرزت الشبكة تصريح البيت الأبيض بأن ويتكوف تلقى تعليمات مباشرة من الرئيس الأمريكي للعمل على حل الخلافات مع إيران بالطرق الدبلوماسية.

موقف إسرائيل: الرفض المطلق

ونقلت معظم الصحف، ومن بينها "نيويورك تايمز" و"الجارديان"، تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال إن أي اتفاق مع إيران يجب أن يتضمن تدمير المواقع النووية الإيرانية تحت إشراف أمريكي مباشر، وإلا فإن الخيار العسكري سيكون هو الحل الوحيد.

ويرى محللون في توقيت المحادثات دلالة على حاجة كل من واشنطن وطهران إلى تقليل التصعيد. فإيران تعاني من أزمة اقتصادية خانقة بفعل العقوبات، والانقطاعات المتكررة للكهرباء، وتراجع نفوذها الإقليمي، بينما يريد ترامب تحقيق اختراق دبلوماسي في سياق إعادة انتخابه وإخفاقاته الخارجية الأخرى.

وفي المقابل، تبقى إسرائيل متحفزة عسكريا، فيما تراقب العواصم الخليجية المسار بحذر، في ظل إدراك أن أي انفجار في العلاقات الأمريكية الإيرانية قد يؤثر مباشرة على أمنها الداخلي والاقتصادي.

وتشير جولة مسقط إلى بداية انفراج دبلوماسي محتمل، وإن كان هشًا. غياب الشروط المسبقة، والإقرار المتبادل بالحاجة إلى الحوار، وتأكيد جميع الأطراف على أجواء إيجابية، هي مؤشرات مشجعة. غير أن عقبات كثيرة لا تزال قائمة: من بينها مخزون اليورانيوم المخصب، ومطالب إيران الاقتصادية، وتحفظات إسرائيل.

وركزت الصحف في تغطيتها على أن سلطنة عُمان، تبقى كعادتها، الدولة التي تنجح في الحفاظ على مكانتها كوسيط موثوق في واحدة من أعقد ملفات المنطقة، ما يعزز دورها الإقليمي المتزن. الجولة الثانية من المفاوضات، المقررة يوم 19 أبريل، ستكون اختبارا عمليا للنيات، وقد تحدد إن كانت هذه العودة إلى طاولة المفاوضات ستؤسس لمسار تفاوضي جديد، أم أنها لحظة دبلوماسية عابرة في مشهد معقّد.

مقالات مشابهة

  • أقدم 4 مدن مأهولة في التاريخ.. مدينة لبنانية في الصدارة!
  • الموتى أيضا يضحكون
  • 4 شهداء في قصف للاحتلال على خان يونس وبيت لاهيا ومدينة غزة
  • افتتاح ملتقى التوظيف الـ18 بـصيدلة القاهرة بمشاركة مساعد رئيس هيئة الدواء
  • رابطة العالم الإسلامي تُدين الهجمات التي تعرّضت لها مخيمات النازحين حول مدينة الفاشر بالسودان
  • ماذا قالت صحف العالم عن جولة مسقط للمباحثات بين إيران وأمريكا؟
  • تجديد حبس 6 عاطلين بتهمة التنقيب عن الآثار بالقاهرة
  • حلم الثراء السريع.. القبض على المتهمين بالتنقيب عن الآثار بمصر القديمة
  • من الملاعب إلى المقابر.. ما هو مرض إبراهيم شيكا؟
  • ضبط 3 أشخاص لقيامهم بأعمال الحفر والتنقيب عن الآثار في القاهرة