عامر أبو خليل، أحد سكان الضفة الغربية، كان ناشطا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سُجن دون محاكمة وهو يتذكر التعذيب الروتيني زمن الحرب الجارية حاليا، والذي عاناه في سجن كتزيوت الإسرائيلي.

هكذا بدأت "هآرتس" تقريرا عن قصة المحتجز الفلسطيني السابق، قائلة إنه لا يوجد تشابه بين الشاب الذي جلس مع مراسليها هذا الأسبوع لساعات في فناء منزله الخلفي ببلدة دورا بالقرب من مدينة الخليل، وبين الفيديو الذي سجل لحظات إطلاق سراحه من السجن الأسبوع الماضي.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4مقال بفورين أفيرز يتحدث عن محور رباعي جديد يهدف لتغيير النظام الدوليlist 2 of 4لوموند تتابع رحلة متطرفين يهود يحلمون بإعادة استيطان غزةlist 3 of 4إندبندنت: حزب العمال يعيد نائبة طردت لاتهامها إسرائيل بالإبادة الجماعية في غزةlist 4 of 4كتاب إسرائيليون يدعون لإنهاء الحرب على غزة والموافقة على صفقة التبادلend of list

في مقطع الفيديو، يظهر أبو خليل ملتحيا، أشعث، شاحبا وهزيلا، وكان بالكاد قادرا على المشي، والآن يظهر بشكل جيد وهو يرتدي بنطالا رياضيا وسترة قرمزية مع منديل ملوّن مدسوس في جيبه. وكان قد اُجبر لمدة 192 يوما على ارتداء نفس الملابس بالسجن. وذلك ربما يفسر أناقته الشديدة الآن.

فوبيا الكلاب

وأضاف تقرير الصحيفة الإسرائيلية أنه لا يوجد أي تشابه بين ما رواه أبو خليل في سلسلة لا تنتهي من الكلمات التي يصعب إيقافها -المزيد والمزيد من الروايات المروعة، واحدة تلو الأخرى، مدعومة بالتواريخ والنماذج المادية والأسماء- وبين ما عُرف حتى الآن حول ما كان يحدث بمرافق الاحتجاز الإسرائيلية منذ بداية الحرب. ومنذ إطلاق سراحه، الأسبوع الماضي، لم ينم أبو خليل ليلا خوفا من القبض عليه مرة أخرى، وقد أصبحت رؤية كلب في الشارع ترعبه.

وتضيف "هآرتس" بأن شهادة أبو خليل، حول ما يجري في سجن كتزيوت في النقب، أكثر إثارة للصدمة من الرواية القاتمة التي نشرتها قبل شهر، لسجين آخر يدعى منذر (53 عاما) والذي كان معتقلا في سجن عوفر، حيث كان قد شبه سجنه بمعتقل "غوانتانامو". أما أبو خليل فقد أسماه سجن أبو غريب مستحضرا تلك المنشأة العقابية سيئة السمعة في العراق التي استخدمها الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة بعد الغزو.

غرائز بن غفير

وقالت الصحيفة إن مصلحة السجون الإسرائيلية يجب أن تكون التالية في قائمة العقوبات الأميركية، مضيفة أنه يبدو أن السجون هي المجال الذي تجد فيه كل الغرائز السادية لوزير الأمن إيتمار بن غفير منفذا لتفريغها.

وأوضح التقرير أن باحثين ميدانيين اثنين من منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان رافقا مراسليها في زيارة منزل أبو خليل، وهما منال الجعبري وباسل العدرة. ووردت تفاصيل حكاية أبو خليل في تقرير "هآرتس" كما يلي:

أبو خليل (30 عاما) متزوج من بشرى (27 عاما) ولهما ابن اسمه توفيق (8 أشهر) وُلد بينما كان والده في السجن. قابله أبو خليل لأول مرة الأسبوع الماضي، وصعب على الوالد، عاطفيا، حمل الرضيع بين ذراعيه.

أبو خليل تخصص في مجال الاتصالات من جامعة القدس في أبو ديس المجاورة للقدس وتخرج منها، ومن قبل كان ناشطا في فرع "حماس" بالمدرسة، وهو متحدث سابق باسم شركة الاتصالات الخلوية الفلسطينية "جوال".

ومنذ اعتقاله لأول مرة، عام 2019، أمضى فترة تراكمية قدرها 47 شهرا بالسجن الإسرائيلي، معظمها في "الاعتقال الإداري" حيث لا يتم تقديم المعتقل للمحاكمة. كما أرادت السلطة الفلسطينية احتجازه في وقت واحد، لكنه لم يحضر للاستجواب. ومثل بعض أشقائه، نشط أبو خليل في "حماس" لكنه ليس "شخصية بارزة فيها" كما يقول في كلماته العبرية القليلة.

مشبوه بكل الحالات

في إحدى المناسبات، استدعي أبو خليل للاستجواب من قبل جهاز الأمن العام (الشاباك) من خلال مكالمة إلى والده. رد أبو خليل على محقق عندما سأله عن سبب عدم صلاته بالسجن في الآونة الأخيرة بقوله "عندما أكون هادئا أكون مشبوها. وعندما لا أكون هادئا، أكون مشبوها أيضا!".

وكان أبو خليل يدخل غرف الاستجواب ويخرج منها، حتى 4 ديسمبر/كانون الأول 2022، عندما تم اقتحام منزله في جوف الليل، تم اعتقاله مرة أخرى، وإرساله إلى الاعتقال الإداري دون محاكمة. وهذه المرة كان لمدة 4 أشهر تم تمديدها مرتين 4 أشهر إضافية، وكان من المقرر إطلاق سراحه في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ولكن بعد ذلك اندلعت الحرب وخضع السجن لتغيير جذري، وتغيّرت شروط احتجاز جميع أسرى "حماس" الذين كان من المقرر إطلاق سراحهم ومن بينهم أبو خليل.

وفي فترة احتجازه الأخيرة، عمل طباخا بجناح "حماس" في السجن. ويوم الخميس قبل اندلاع الحرب، فكر في إعداد الفلافل لنزلاء الجناح البالغ عددهم 60 شخصا، لكنه قرر بعد ذلك تأجيل ذلك حتى السبت. ويوم الجمعة ألقى خطبة صلاة الجمعة وتحدث عن الأمل. واستيقظ السبت الساعة 6 صباحا لتحضير الفلافل، لكن لم يعد يسمح للسجناء هناك بإعداد طعامهم أو إلقاء الخطب.

صواريخ المقاومة

ولم يمض وقت طويل بعد ذلك حتى بثت القناة 13 الإسرائيلية صورا لشاحنات صغيرة من "حماس" تسيّر عبر سديروت، وسقط وابل من الصواريخ التي أطلقت من غزة شمال القدس، في الضفة الغربية بينما ردد السجناء "الله أكبر" واختبؤوا تحت أسرتهم من الصواريخ إذ ظنوا للحظة أن إسرائيل قد تم غزوها.

وحوالي منتصف النهار، وصل حراس السجن وصادروا جميع أجهزة التلفزيون والراديو والهواتف المحمولة التي تم تهريبها. وصباح اليوم التالي لم يفتحوا أبواب الزنازين. ثم بدأ التقييد والضرب وسوء المعاملة في 9 أكتوبر/تشرين الأول.

وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول، دخلت قوات كبيرة السجن وصادرت جميع الأشياء الشخصية بالزنازين، بما في ذلك الساعات وحتى الخاتم الذي كان يرتديه أبو خليل، كان ذلك بداية 192 يوما لم يتمكن خلالها من تغيير ملابسه. وزنزانته، التي كان من المفترض أن تحتجز 5 سجناء، تحتجز الآن 20 نزيلا، وبعد ذلك 15 شخصا ومؤخرا 10 نزلاء ينام معظمهم على الأرض.

كلاب ودماء

في 26 أكتوبر/تشرين الأول، اقتحمت قوات كبيرة من "وحدة كيتر" التابعة لدائرة السجون للتدخل التكتيكي، برفقة كلاب، وأطلق العنان لأحدها ليدخل السجن. ويتذكر أبو خليل أن الحراس والكلاب دخلوا في حالة من الهياج، وهاجموا النزلاء الذين ترك صراخهم أرجاء السجن بأكملها في حالة من الرعب. وسرعان ما غطيت الجدران بدماء النزلاء، وكان أحد الحراس يصيح في وجه المحتجزين "أنت حماس، أنت داعش، أنت اغتصبت، قتلت، اختطفت والآن حان وقتك" وكانت الضربات التي أعقبت ذلك شديدة الوحشية، وتم تقييد المحتجزين.

وأصبح الضرب شأنا يوميا. ومن حين لآخر كان الحراس يطالبون الأسرى بتقبيل العلم الإسرائيلي ويأمرونهم بقول "أنا يسرائيل تشاي!" أي "يعيش شعب إسرائيل". كما أمروهم بالإساءة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وتم حظر الأذان في الزنازين. وأصبح السجناء يخشون نطق أي كلمة تبدأ بحرف "ح" خشية أن يشك الحراس في أنهم قالوا "حماس".

في 29 أكتوبر/تشرين الأول، توقف إمداد الزنازين بالمياه الجارية، باستثناء ما بين الساعة 2 مساء و3:30 مساء، ولم يسمح لكل زنزانة سوى بزجاجة واحدة لتخزين المياه ليوم كامل.

وكان من المقرر مشاركة ذلك من قبل 10 نزلاء، بما في ذلك للاستخدام في المرحاض داخل الزنزانة. وتمت إزالة أبواب المرحاض من قبل الحراس، فاضطر المحتجزون لستر أنفسهم ببطانية عند قضاء حاجتهم.

وخلال ساعة لا تتوفر فيها المياه الجارية، خصص السجانون 5 دقائق في المرحاض لكل محتجز بالزنزانة. ومع عدم وجود مواد التنظيف، قاموا بتنظيف المرحاض والأرضية بقليل من الشامبو الذي تم إعطاؤه لهم، باستخدام أياديهم العارية.

ولم تكن هناك كهرباء على الإطلاق. وكان الغداء يتكون من كوب صغير من الزبادي ونقانق صغيرة نصف مطبوخة و7 شرائح خبز. وفي المساء يتلقون وعاءً صغيرا من الأرز، وفي بعض الأحيان يقوم الحراس بتسليم الطعام عبر رميه على الأرض.

هآرتس: مصلحة السجون الإسرائيلية يجب أن تكون التالية بقائمة العقوبات الأميركية (رويترز) تجريد من الملابس

في 29 أكتوبر/تشرين الأول، طلب نزلاء زنزانة أبو خليل ممسحة لغسل الأرض. وكان الرد على ذلك هو إرسال "وحدة كيتر" المرعبة إلى زنزانتهم.

"الآن ستكونون مثل الكلاب" هكذا قال الحراس. وكانت أيدي السجناء مكبلة خلف ظهورهم واُمروا بالتحرك فقط مع ثني الجزء العلوي من أجسامهم، ثم نُقلوا إلى المطبخ، حيث تم تجريدهم من ملابسهم وإجبارهم على الاستلقاء كل منهم فوق الآخر. كومة من 10 سجناء عراة. وهناك، تعرضوا للضرب بالهراوات والإهانة.

ويجلس أبو خليل في المنزل الآن، وهو يحكي قصته، وينظر إلى الأسفل، ويتباطأ تدفق الكلمات. إنه محرَج من الحديث عن هذا. وبعد ذلك -يتابع- انحنت الكلاب عليهم وهاجمتهم. ثم سُمح لهم بارتداء ملابسهم الداخلية قبل إعادتهم إلى زنزانتهم، حيث وجدوا ملابسهم ملقاة في كومة. كما خضعوا لفحوصات بجهاز الكشف عن المعادن وهم عراة.

الأسوأ لم يأت بعد

في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، يتذكر أنه كان بعد ظهر يوم الأحد، قررت الإدارة نقل أسرى حماس من بلوك 5 إلى بلوك 6. واُمر نزلاء الزنازين 10 و11 و12 بالخروج بأيديهم مقيدة خلف ظهورهم والمشي المعتاد المنحني. وأخذهم 5حراس (ذكر أبو خليل أسماءهم) إلى المطبخ. مرة أخرى تم تجريدهم. وكان الحراس يندفعون نحوهم ويركلونهم، يندفعون ويركلون، مرارا وتكرارا. وحشية لا تتوقف لمدة 25 دقيقة، هزوهم ودفعوهم مثل الكرات من زاوية لأخرى في الغرفة، ثم نقلوهم إلى زنازينهم الجديدة في البلوك 6.

وزعم الحراس أنهم سمعوا أبو خليل يدعو الله من أجل غزة. وفي المساء، دخلت "وحدة كيتر" زنزانته وبدأت في ضرب الجميع، بمن فيهم إبراهيم الزير (51 عاما) من بيت لحم، والذي لا يزال في السجن. كانت إحدى عينيه ممزقة تقريبا من الضربات. ثم اُجبر المحتجزون على الاستلقاء على الأرض بينما داس الحراس عليهم. وفقد أبو خليل وعيه. وبعد يومين جاءت جولة أخرى من الضربات وأغمي عليه مرة أخرى. "هذه هي النكبة الثانية" قالها الحرس، في إشارة إلى الكارثة التي عاشها الفلسطينيون وقت تأسيس إسرائيل. وضرب أحدهم أبو خليل على رأسه بخوذة.

إغماء قبل التعذيب

بين 15 و18 نوفمبر/تشرين الثاني ظل المحتجزون بزنزانة أبو خليل يتعرضون للضرب 3 مرات يوميا. وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني، سأل الحراس المحتجزين إن كان أي منهم عضو في حركة حماس، فلم يرد أحد. ولم تكن مدة الضربات طويلة هذه المرة. وسُئلوا بعد ذلك "هل بينكم بسام؟" مرة أخرى لم يرد أحد، لأنه لا يوجد بينهم من يحمل اسم بسام، ومرة ثالثة تم استدعاء "وحدة كيتر". وجاؤوا في المساء. وقال أبو خليل إنه قد أغمي عليه، هذه المرة، قبل أن يتعرض للضرب، من الخوف الشديد.

وفي هذا الوقت تقريبا، توفي طير أبو عصب (38 عاما) وهو معتقل بسجن كتزيوت. ويُشتبه في أنه تعرض للضرب حتى الموت من قبل الحراس لرفضه أن يحني رأسه كما اُمر. واحتُجز 19 حارسا لاستجوابهم للاشتباه في أنهم هاجموا أبو عصب. واُفرج عنهم جميعا دون توجيه أي تهم إليهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات ترجمات نوفمبر تشرین الثانی أکتوبر تشرین الأول أبو خلیل فی مرة أخرى بعد ذلک من قبل کان من

إقرأ أيضاً:

NYT: بعد 7 أكتوبر غيّرت إسرائيل قواعد الإشتباك ولم تعد تهتم بالمدنيين

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرا، لمجموعة من مراسليها قالت فيه إنّ: "إسرائيل تساهلت في القواعد لملاحقة مقاتلي حماس بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ما أدى إلى مقتل المزيد من المدنيين في غزة".

وتابع التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي "أصدر في الساعة الواحدة مساء تماما من يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر أمرا أطلق العنان فيه لواحدة من أكثر  حملات القصف كثافة في الحروب المعاصرة".

وأضاف: "اعتبارا من ذلك الوقت، بات لدى الضباط الإسرائيليين من ذوي الرتب المتوسطة سلطة ضرب آلاف المسلحين والمواقع العسكرية، وهي التي لم تكن أبدا أولوية في الحروب السابقة في غزة".

وأضاف: "بموجب الأمر أصبح للضباط الآن فرصة ملاحقة ليس فقط كبار قادة حماس، ومستودعات الأسلحة وقاذفات الصواريخ التي كانت محور الحملات السابقة، ولكن أيضا المقاتلين من ذوي الرتب الدنيا". 

"سمح الأمر للضباط في كل ضربة، المخاطرة بقتل ما يصل لـ20 مدنيا. ولم يحدث أن صدر هذا الأمر، الذي ليس له مثيل في تاريخ إسرائيل العسكري. ومنح ضباط الوسط صلاحية لضرب أكبر عدد من الأهداف ذات الأهمية العسكرية وبثمن كبير على المدنيين" وفقا للتقرير نفسه.

وأكد: "كان هذا يعني على سبيل المثال، ضرب الجيش للمسلحين العاديين وهم في منازلهم ووسط أقاربهم وجيرانهم، بدلا من استهدافهم فقط عندما يكونون بمفردهم في الخارج".

وأبرز: "في الصراعات السابقة مع حماس، لم تتم الموافقة على العديد من الضربات الإسرائيلية إلا بعد أن خلص الضباط بعدم تعرض أي مدني للخطر"، مردفا: "في بعض الأحيان، كان الضباط يخاطرون بقتل ما يصل إلى خمسة مدنيين، ونادرا ما ارتفع الحد إلى 10 أو أكثر، على الرغم من أن عدد القتلى الفعلي كان أعلى من ذلك بكثير في بعض المرات".

وأكد: "لكن القيادة العسكرية غيّرت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر قواعد الاشتباك، حيث اعتقدت أن إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا، وفق مسؤول عسكري وضح الأمر بشرط عدم الكشف عن هويته".


وقال المسؤول، وفقا للصحيفة، إنه: "بعد ساعات من دخول مقاتلي حماس إسرائيل وسيطرتهم على بلدات وقواعد عسكرية، وقتل 1,200 شخصا واحتجاز 250 أسيرا، خشيت إسرائيل من غزو يأتي من الشمال وتنفذه الجماعات الموالية لإيران، مثل حزب الله اللبناني".

وفي خطاب ألقاه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في 7 تشرين الأول/ أكتوبر: "كل الأماكن التي انتشرت فيها حماس بغزة، وكل الأماكن التي اختبأت فيها حماس وتعمل منها، سوف تتحول إلى أنقاض".

إلى ذلك، توصل تحقيق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز"  إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي أضعفت بشدة نظام الضمانات الذي كان يهدف إلى حماية المدنيين، واعتمدت أساليب تعاني من القصور للعثور على الأهداف، وتقييم خطر وقوع إصابات بين المدنيين.

كذلك، بحسب التحقيق نفسه: "فشلت بشكل روتيني في إجراء مراجعات ما بعد الضربة وتقييم الأذى الذي لحق بالمدنيين أو معاقبة الضباط على المخالفات وتجاهلت التحذيرات من داخل صفوفها ومن كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين بشأن هذه الإخفاقات". 

إثر ذلك، راجعت الصحيفة عشرات السجلات العسكرية وأجرت مقابلات مع أكثر من 100 جندي ومسؤول، بمن فيهم أكثر من 25 شخصا ساعدوا في فحص الأهداف أو الموافقة عليها أو ضربها. 

وتوفر رواياتهم مجتمعة صورة لا مثيل له لكيفية شن الاحتلال الإسرائيلي لواحدة من أعنف الحروب الجوية في هذا القرن. فيما نقلت الصحيفة شهادات الجنود والإسرائيليين شريطة عدم الكشف عن هويتهم. وقامت "نيويورك تايمز" بالتثبت من الأوامر العسكرية مع ضباط على معرفة بمحتواها. 

ووجد التحقيق الذي قامت به "نيويورك تايمز" الآتي:
أولا: وسع الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير نطاق الأهداف العسكرية التي يسعى إلى ضربها في الغارات الجوية الاستباقية، وزاد في الوقت نفسه عدد المدنيين الذين قد تعرضهم أوامر الضباط للخطر في كل هجوم. 

ما أدّى إلى إسقاط ما يقرب من 30,000  قذيفة على غزة في أول 7 أسابيع من الحرب، وهو ما يزيد عن عددها في الأشهر الثمانية التالية مجتمعة. 

ثانيا: في عدد من المناسبات، وافق المسؤولون البارزون على هجمات ضد قادة حماس، كانوا يعرفون أنها تعرض حياة 100 من المدنيين أو غير المقاتلين لخطر الموت.

ثالثا: ضرب جيش الاحتلال بوتيرة سريعة، كان من الصعب التأكد فيما إن كان يضرب أهدافا شرعية. استنفذت الغارات كل الأهداف العسكرية التي تم التأكد منها في قاعدة بيانات ما قبل الحرب، وخلال عدة أيام. 

وتبنى الجيش نظاما لم تتم الموافقة عليه للبحث عن أهداف جديدة واستخدم الذكاء الإصطناعي وعلى قاعدة واسعة.

رابعا: اعتمد جيش الاحتلال على نموذج إحصائي بدائي لتقييم خطر إلحاق الضرر بالمدنيين، وفي بعض الأحيان شنّ غارات على الأهداف بعد عدّة ساعات من تحديد موقعها، الأمر الذي زاد من نسبة الخطأ. 
واعتمد النموذج بشكل أساسي على تقديرات استخدام الهاتف المحمول في الأحياء، بدلا من المراقبة المكثفة لمبنى محدد، كما كان شائعا في الحملات الإسرائيلية السابقة.

خامسا: منذ اليوم الأول للحرب، قلّل جيش الاحتلال ممّا يطلق عليه الطرق على الأسطح أو الطلقات التحذيرية التي منحت المدنيين فرص الهروب من هجوم محتوم. وعندما كان بوسع الجيش استخدام ذخائر أصغر حجما وأكثر دقة لتحقيق نفس الهدف العسكري، كانت الضربات تتسبب أحيانا بأضرار أكبر من خلال إسقاط "القنابل الغبية"، فضلا عن القنابل التي تزن 2,000 رطلا.

إلى ذلك، تعلق الصحيفة أن الحملة العسكرية ضد غزة كانت في أعلى المستويات كثافة خلال الأشهر الأولى الخمسة من الحرب. واستشهد أكثر من 15,000 فلسطينيا، أو ثلث الحصيلة الكاملة للقتلى، حسب وزارة الصحة الفلسطينية.


ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 فصاعدا، بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلي بالتقليل من الهجمات وتشديد قواعد الإشتباك، وخفض عدد المدنيين الذين قد يتعرضون للخطر عند ضرب المسلحين من ذوي الرتب المنخفضة الذين لا يشكلون أي تهديد وشيك، إلى النصف.

وفي الأسابيع الأولى من الحرب، استشهد أكثر من 30,000 فلسطينيا. وفي الوقت الذي شككت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي بالأرقام إلا أن أعداد الشهداء استمرت بالارتفاع.

وعندما قدمت الصحيفة نتائج تحقيقها لجيش الاحتلال الإسرائيلي، رد ببيان مكتوب من 700 كلمة، اعترف فيه بأن قواعد الإشتباك تغيرت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فيما زعم أن قواته استخدمت وبشكل متناسق الوسائل والأساليب الملتزمة بقواعد القانون. 

وأضاف البيان أن: "التغييرات جاءت في سياق صراع غير مسبوق ولا يمكن مقارنته بمسارح أخرى للأعمال العدائية في جميع أنحاء العالم"، مبررا أنها أتت إثر هجوم حماس وجهود المسلحين للاختباء بين المدنيين في غزة وشبكة الأنفاق الواسعة.

وكان أقارب أحد القادة في حركة مرتبطة بحماس، شلدان النجار، أول الضحايا لتغير قواعد الإشتباك الإسرائيلية. فعندما ضرب طيران الاحتلال الإسرائيلي بيته قبل 9 أعوام لم يصب أحد من أفراد عائلته بمن فيها نفسه. 

ولكن بحسب التقرير، عندما استهدفت البيت في الحرب الجديدة لم يقتل النجار فحسب بل و20 فردا من عائلته، وذلك حسب شقيقه سليمان الذي عاش في البيت الذي ضرب وشاهد آثار ما بعد الضربة مباشرة.

وتزعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، المتّهمة بارتكاب إبادة جماعية أمام محكمة العدل  الدولية أنها تتخذ الإجراءات قبل الضربات، من ناحية إفراغ مدن بكاملها وإسقاط الملصقات. 

وبحسب البروتوكول العسكري الإسرائيلي فهناك أربع فئات لتجنب تعريض المدنيين للخطر: مستوى صفر، الذي يمنع الجنود من تعريض المدنيين للخطر. مستوى واحد، ويسمح بقتل خمسة مدنيين. مستوى اثنين، ويسمح بقتل على الأقل 10 مدنيين. مستوى ثلاثة، ويسمح بقتل 20 مدنيا على الأقل. وقد أصبح الأخير هو المعيار المعمول به بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

وفجأة، أصبح بإمكان الضباط أن يقرّروا إسقاط قنابل تزن طنا واحدا على قطاع  من البنية التحتية العسكرية، بما في ذلك مخازن الذخيرة الصغيرة ومصانع الصواريخ، علاوة قتل جميع مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي.

وكان تعريف الهدف العسكري يشمل أبراج المراقبة والصرافين المشتبه في تعاملهم مع أموال حماس، وكذا مداخل شبكة الأنفاق تحت الأرض. ولم يكن الحصول على إذن من كبار القادة مطلوبا إلا إذا كان الهدف قريبا للغاية من موقع حساس، مثل مدرسة أو منشأة صحية، رغم أن مثل هذه الضربات كانت تتم الموافقة عليها بانتظام أيضا.

وكان الأثر حاسما، فقد وثقت "إيروارز"، التي ترصد  النزاعات من مقرها في لندن، 136 هجوما قتل فيها على الأقل 15 مدنيا في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023. 

وتقول المنظمة إن الرقم هو خمسة أضعاف ماوثقته في نزاع آخر، ومنذ بداية عملها قبل عقد من الزمان. وبحسب أربعة ضباط إسرائيليين شاركوا في اختيار الأهداف، سمح أحيانا باستهداف حفنة من قادة حماس، طالما وافق كبار الجنرالات أو القيادة السياسية في بعض الأحيان.

وقال ثلاثة منهم إن واحدا من المستهدفين كان إبراهيم بياري، وهو قائد كبير في حماس استشهد في شمال غزة في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، في هجوم قدرت منظمة "إيروارز" أنه أسفر عن استشهاد 125 آخرين على الأقل. 

أمر آخر، أصدرته القيادة العسكرية العليا في الساعة 10:50 مساء يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر ويعطي صورة عن حجم الخسائر المدنية التي تعتبر مقبولة. وقالت إن الضربات على الأهداف العسكرية على غزة سمح لها بتعريض ما يصل إلى 500 مدنيا للخطر كل يوم.


ووصف المسؤولون العسكريون الأمر بأنه إجراء احترازي يهدف للحد من عدد الضربات التي يمكن أن تحدث كل يوم. وقال الباحث في الأكاديمية العسكرية، ويست بوينت، مايكل شميدت،  لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنّ: "الأمر قد يفهم  من قبل الضباط من ذوي الرتب المتوسطة على أنه حصة يجب عليهم الوصول إليها".

كذلك، زاد الخطر على المدنيين بسبب الاستخدام الواسع النطاق لجيش الاحتلال الإسرائيلي للقنابل التي يبلغ وزنها 1,000 و2,000 رطلا، وكثير منها من صنع الولايات المتحدة، والتي شكلت 90 في المئة من الذخائر التي أسقطها الاحتلال الإسرائيلي في الأسبوعين الأولين من الحرب.

وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر، قال ضابطان، إن: القوات الجوية ألقت عددا كبيرا من القنابل التي يبلغ وزنها طنا واحدا حتى أنها بدأت تعاني من نقص في مجموعات التوجيه التي تحول الأسلحة غير الموجهة، أو "القنابل الغبية"، إلى ذخائر موجهة بدقة. وهو ما أجبر الطيارين الإعتماد على قنابل أقل دقة.

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: لن نسمح للحوثيين بمهاجمة إسرائيل
  • حماس تدين العدوان الصهيوني على اليمن وتصفه بالإرهاب والاعتداء السافر على السيادة اليمنية
  • NYT: بعد 7 أكتوبر غيّرت إسرائيل قواعد الاشتباك ولم تعد تهتم بالمدنيين
  • NYT: بعد 7 أكتوبر غيّرت إسرائيل قواعد الإشتباك ولم تعد تهتم بالمدنيين
  • «موقع استراتيجي».. عمرو خليل يشرح خطورة احتلال إسرائيل لجبل الشيخ
  • عمرو خليل: إسرائيل تخطط لتوسيع أمد الحرب وشن هجوم أكبر على اليمن
  • إسرائيل قد تبقى في لبنان.. إقرأوا آخر خبر!
  • إسرائيل ترد على اتهامات حماس بعرقلة الهدنة
  • وزارة الداخلية المصرية تنفي مقتل محتجز تحت التعذيب.. وشهود يؤكدون (شاهد)
  • هآرتس: الحرب مع إسرائيل تعزز قبضة الحوثيين على الداخل وتثير قلق دول الخليج (ترجمة خاصة)