علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
في عام 1999، صدر كتاب بعنوان "نصرٌ بلا حرب" للرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون (9 يناير 1913- 22 أبريل 1994)، وهو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابع والثلاثين (1969- 1974) ونائب الرئيس الأمريكي السادس والثلاثين ليندون جونسون، وقام بنقله الى اللغة العربية المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة وزير الدفاع والإنتاج الحربي الأسبق بجمهورية مصر العربية.
ومن المعروف عن الرئيس نيكسون أنه صاحب مدرسة سياسية مُميزة؛ حيث أحاط نفسه طوال عُهدته الرئاسية بعدد من النُخب المميزين، أبرزهم وزير خارجيته هنري كيسنجر. ولخص نيكسون استراتيجيته لتحقيق نظرية "نصر بلا حرب" في نقطتين:
الأولى: تشويه سمعة البلد المُستهدف وتعبئة الرأي العام الأمريكي والدولي ضده، وتهييج الوسط الشعبي داخله؛ بما يهزّ قوته وسيطرته السياسية والإدارية في الداخل وصورته في الخارج.
الثانية: حشد أكبر قدر ممكن من الجيوش والأساطيل الأمريكية والاستعداد للحرب بحيث يدخل في عقل البلد المقصود أن الحرب واقعة لا محالة، وأن النصر على الولايات المتحدة بكل إمكاناتها العسكرية والاقتصادية والتقنية أمر مستحيل. عندئذ يستسلم الهدف ويتحقق النصر من دون حرب. وتحدث عن الصين كمارد نائم يجب ألّا يتم إيقاظه، كما قال نابليون بونابرت.
نقطتا نيكسون شكلتا عصب السياسة الخارجية الأمريكية لعقود؛ حيث حققت أمريكا من خلال رؤيته هذه، العديد من الانتصارات على خصومها بلا حرب، بفعل آلة إعلامية ضخمة ومؤثرة، وحشد أكبر عدد من الجيوش والأساطيل تجاه العدو المستهدف؛ فيما عُرف بسياسة "حافة الحرب".
عرِفت نظرية نيكسون التفكك التدريجي الواضح في العقدين الأخيرين، ولعل السببين الرئيسين في ذلك يعودان بالدرجة الأولى إلى تكشفها للعالم أولًا، وإلى اختيار بعض الخصوم للمواجهة المباشرة مع أمريكا وتحديها، كحالتي إيران وكوريا الشمالية، وبالنتيجة تراجعت أمريكا في لحظات مفصلية حفاظًا على ماء وجهها، ومكانتها الدولية. يضاف إلى ذلك دخول العالم في شبكات تواصل اجتماعي معقدة ومتعددة، مكّنت العالم من التواصل ومعرفة الجديد أولًا بأول، مُتخطِّين وسائل الإعلام التقليدية والتي كانت في غالبيتها تحت الملكية أو التأثير الأمريكي خصوصًا، والغربي بشكل عام.
وبما أن الأمريكي معروف عنه النوم على منجزاته والعيش بأثر رجعي، فلم يستوعب تخطي العالم للكثير من احتكاره وتأثيره، كما لم يُدرك تشكُّل العالم من أقطاب متعددة بعد انهيار وتفكك غريمه الاتحاد السوفييتي، وبروز التكتلات الاقتصادية المنافسة للقطبية الأمريكية الواحدة، وعلى رأس المنافسين تكتل مجموعة بريكس (البرازيل- روسيا- الهند- الصين- جنوب أفريقيا).
"طوفان الأقصى" اليوم قلب النظرية رأسًا على عقب، وجعلها "حرب بلا نصر"، بعد 6 أشهر من حصار وتدمير وتجويع قطاع غزة. ولم يبرهن "طوفان الأقصى" للأمريكي ورديفه الغربي، أن استثمارهم الاستراتيجي المتمثل في الكيان الصهيوني المؤقت قد خرج من الخدمة فعليًا منذ حرب يوليو 2006؛ بل إن الأمريكي ورديفه الغربي، عاجِزان تمامًا عن تحقيق نصر بحرب حقيقية في الميدان.
الأَمَرُّ من هذا بالنسبة للأمريكي، يتمثل في فشله في اجتزاء صورة نصر سياسي تحفظ ماء وجهه، كما اعتاد في مواجهات سابقة، كحالة تهديده بضرب بنك أهداف في سوريا عام 2013، والتي انتهت- وكما نعلم- بمسرحية أخرجها الروسي وتمثلت في السلاح الكيماوي السوري.
الأمريكي اليوم ورديفه الغربي، في مأزق حقيقي عنوانه غزة؛ حيث تهاوت قواتهم وقواهم وسردياتهم وادعاءاتهم؛ فقد عادت عليهم الحرب على غزة بارتدادات عنيفة جدًا داخل بلدانهم، تُنذر ليس بسقوط رؤوس وحكومات فحسب؛ بل بثقافات وأنماط ونظريات حُكم ستَعْرِف الكثير من المُراجعات من جيل المُستقبل في الغرب، والذي يُناصر غزة اليوم وبكل قوة في الجامعات والشوارع ووسائل الإعلام الاجتماعي وبصور غير مسبوقة.
قبل اللقاء.. في الحروب ينتصر السلاح الأقوى، وفي الصراعات تنتصر الإرادة الأقوى. وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً: