صافح الفراغ.. حقيقة فيديو بايدن المثير للجدل
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
في سياق المنشورات التي تصف الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالعجز وعدم القدرة على الاضطلاع بمهامه كرئيس أقوى دولة في العالم، نشرت صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بلغات عدة حول العالم مقطع فيديو قيل إنه يُظهر بايدن وهو "يصافح الفراغ" في ما اعتبره الناشرون دليلا على تردي صحته العقلية. لكن هذا الادعاء غير صحيح، فبايدن كان يحيي جزءا غير مرئي في الكاميرا من الحضور في مهرجان انتخابي، ولم يصافح "الفراغ".
ويظهر في الفيديو الرئيس الأميركي، البالغ من العمر 81 عاما، في لقاء انتخابي عُقد في الثالث والعشرين من شهر أبريل الجاري في فلوريدا، وهو يبتعد عن مركز المنصة الواقف عليها ومشيرا بيده إلى جهة اليمين.
قال بايدن امس فى لقاء انتخابى إن "السلطات الأميركية لا يمكن الوثوق بها"، ثم ذهب فجأة لمصافحة الفراغ... لا أحد!!! pic.twitter.com/H1eQi5jiWV
— Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) April 24, 2024وجاء في التعليقات المرافقة أن الفيديو يُظهر بايدن وهو "يُصافح الفراغ".
حصدت هذه المنشورات آلاف المشاركات والتفاعلات بلغات عدة حول العالم كما نشرتها وسائل إعلام غربية أيضا.
وهذا واحد من منشورات كثيرة ظهرت في السنوات الماضية تنتقد بايدن وتُشكك بأهليته في أداء مهامه الرئاسية، وقد تحققت خدمة تقصي صحة الأخبار في وكالة فرانس برس من عدد منها بلغات عدّة.
لكن ما قيل عن الفيديو غير صحيح، وبايدن لم يكن يُصافح "الفراغ" بل كان يحيي جزءا من الحضور إلى يمينه لم تلتقطه عدسة الكاميرا، لكن يمكن مشاهدة هذا الجزء من الحضور في مشاهد للحدث نفسه التقطتها كاميرات وسائل إعلامية أميركية عدة.
وأكد صحفي في وكالة فرانس كان حاضرا في اللقاء وجود حضور في جهة يمين المنصة - إلى حيث استدار بايدن وأشار بيده - كما في يسارها.
وأيد ذلك مصور في فرانس برس كان حاضر أيضا، قال إن الجزء من الحضور الموجود إلى اليمين، الذي حيّاه بايدن، كان يضم سياسيين محليين وأشخاصا آخرين يبدو أنهم مقربون منه.
وتُظهر المشاهد التي بثتها وسائل إعلام أميركية بايدن وهو يتجه إلى اليمين ليحيي الحضور هناك، ثم يعود إلى الوسط ويقول "شكرا لكم" وبعدها إلى اليسار باتجاه الجزء الموجود من الحضور هناك.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: من الحضور
إقرأ أيضاً:
كووج إيْ نُومْ أو رحيل الحضور لدينق قوج
خالد فضل
ليسمح لي د. فرانسيس دينق في استخدام عبارته من لغة أهلنا دينكا نقوك التي أوردها في كلمته الرصينة وفاءا لحق أستاذه وزميله الراحل بروفسير محمد إبراهيم خليل قبل ايام , وبالفعل فإنّ المرء ليأسى حقا عند رحيل أؤلئك النفر الكرام من السودانيين/ات الذين شكّلوا أحد الدعائم الأساسية في مسيرة حياة هذا الشعب الذي ما يزال يكابد لتحقيق أدنى مقومات البقاء على قيد الحياة ؛ حفظ الارواح نفسها . ولعل شهادة قيّمة ممن هم في قامة فرانسيس دينق تعتبر في حد ذاتها قبس من الوعي والتنوير التي تزداد حاجتنا إليها في أوقات العطب الإنساني/الوطني الراهن فهي ليست شهادة عاطفية في لحظة الفقد إنّما خبرة حياة بذلها الراحل في سبيل الغايات النبيلة التي يهفو إليها أغلبية أبناء وبنات شعبه , عرضها صديقه وزميله بإسلوبه البديع ولغته الحيّة وسرديته الروائية المبدعة . للبروف الراحل محمد إبراهيم خليل واسع الرحمات والعزاء لأسرته ولكل من عرف مقامه وفضله . بيد أنّني هنا استلف عبارته من لغة الدينكا (كُووج إيْ نُومْ) ومعناها إيقاف الرأس في وضع مستقيم , ودلالاتها الروحية (لا نحزن على شخص ترك وراءه أطفالا ليستمر اسمه وتأثيره في هذا العالم )
فقد فُجع آلاف السودانيين/ات في شطري البلد الكبير شمالا وجنوبا بالرحيل المفاجئ لدينق قوج مما كان وقعه قاسيا على القلوب والمشاعر , ولعل محجوب شريف قد عبّر عن الذهول في يابا مع السلامة لروح عبدالكريم ميرغني عليهم جميعا رحمات الله :
يا موت لو تركتو مننا قد سرقتو
كنا نقول ده وقتو لكنك حقيقة
في الواقع عبّر الجميع عن الجميع فيما كتبوه عن دينق قوج , فما من سطر خُطّ أو كلمة قيلت وفاء له إلا وكانت هي لسان الآخرين ولو جاءت بعبارة أخرى , هنا يستوقفني قول فرانسيس عن الإنسان الذي يموت ورأسه في وضع مستقيم . إنّ دينق قد خلّف آلاف الأبناء بهذا المعنى لهذا ضمن خلود اسمه وتأثيره في هذا العالم , فكل كلمة ؛ ولابدّ أنّها صادقة قيلت عنه هي مولود يحيا ويؤثر في الحياة , وليس بالضرورة الأولاد البيولوجيين الذين رُزق بهم فحسب . وهذه مأثرة وميزة لا يحوزها كثيرون , فكم من راحل لم يأبه بفقده أحد .وكم من يسعد بعض الناس برحيله . ومن السيئ أن يعمد بعض ذوي السلطة والنفوذ إلى حجب الناس ومنعهم من التعبير عن الفقد على أضيق نطاق , فقد حدث منع إقامة سرادق العزاء للراحل د. خليل إبراهيم في منزل عائلته بحي السلمة جنوب الخرطوم بسبب أنّ المرحوم كان على خصومة مع السلطة الإسلامية الحاكمة وقتذاك . مع الأسف تكرر هذا الموقف مرّة أخرى قبل أيام , حسبما قرأت في أحد المواقع السودانية _إنْ صحّ الخبر_ أنّ عناصر من قوات الدعم السريع قد منعت إقامة سرادق عزاء لأحد الضباط في القوات المسلحة السودانية من منطقة تُلس بجنوب دارفور كان قد قُتل في معارك الفاشر . أمّا الأسوأ مطلقا و هذه مرحلة سحيقة من مراحل فقدان الحس الإنساني على كل حال أنْ يتم التمثيل بالجثث بعد قتلها ذبحا أو بالرصاص مثلما وقع من مشاهد مقززة من كلا الجانبين في محرقة السودان الراهنة , فيما كان دينق قوج يفتح داره ويوفر ما يستطيعه ليس للفارين من الحرب فحسب بل حتى قطعان المواشي يتعهد بضمان سلامتها في منطقة الرنك .
فقد اثبت عمليا قيمة الفرد عندما يرتقي كإنسان , وكم تهفو النفوس السوية إلى الكمال الإنساني , ويكدح الفرد الحر المستنير إلى ذلك المقام عساه يبلغ منه درجات , لذلك يبدو رحيله كحضور قوي وآسر وفعّال أكثر منه غياب . أذكر أنّ الأب الراحل جون فراشيني (إيطالي الجنسية كان قسيسا ضمن بعثة كمبوني ) قد ألقى ما يعرف بوعظ الأحد أمام جمع من المصلين في إحدى الكنائس بأم درمان ؛ كان موضوعها عن فكرة الموت , تمّ بثها مسجلة في عزاء قصير أقامته مدرسة كمبوني الخرطوم حينها , قال ما معناه : إنّ الناس هنا تحزن وهي تردد , أبونا كان معانا قبل شوية , كنت اسمعه يتحدث قبل قليل .. إلخ في الحقيقة انتقلت الروح إلى الحياة الأبدية بجوار الأب , هل ألحياة وسطكم أفضل أم الحياة بجواره ؟ أليس كل ما نرجوه بعد موتنا أن تسكن أرواحنا بسلام وأمان إلى جواره ؟ فلا تبكوا أو تحزنوا إذا حضرتم الإسبوع القادم وقالوا لكم أبونا جون مات ..لقد كانت مصادفة ذات مغزى في تقديري أنّ ذلك الأب كان يتحدث ويضرب المثل بنفسه, ليتوفى في نفس اليوم . وبقيت كلماته تلك مؤثرة حتى الآن .
ودينق الذي يقف رأسه في وضع مستقيم ؛برزق الله , كان تأثيره متعديا لحدود ضيّقة , لقد وضح أنّه يمثل روح وطن إنساني كبير جدا , ذابت في لحظات وفاته أي سمات تميّز بين هذا أو ذاك من الناس وانهمرت المشاعر الصادقة في التعبير عن فداحة الفقد و ولعل روحه الآن ترقد بسلام في رحاب الرب الخالق الأحد , وفي مقام أفضل من أي مقام في دنيا الناس.
حضور دينق في موته جعلني أفكّر من زاوية أخرى في حجم ما يضيع على الناس نتيجة جهلهم بالآخر أو تصنيفه مسبقا بأي صفة لاحقة لجوهره كإنسان . أعني هنا مباشرة , لو أنّ دينق بكل خلاله وسجاياه التي عرفها عنه من عرفه لاحقا كان قد توفي قبل إتفاقية السلام الشامل , عندما كان أعضاء وعناصر الحركة الشعبية وربما كلّ الجنوبيين تلحقهم الدمغة المقيتة من خائن وعميل وصهيوني وكافر صليبي على مستوى الخطاب الإعلامي والرسمي , ونعوت التحقير في الثقافة الشعبية السائدة في معظم أرجاء الشمال وأواسط السودان تُرى هل كان أيّا منها ينطبق عليه حقّا ؟ الإجابة الصحيحة في تقديري , أنّ تلك الصفات الذميمة إنما مجرد هُراء والدليل أنّ دينق قوج وربما مئات الآلاف أو الملايين ممن دمغوا بها إتضح في الحقيقة أنّهم من ذوي القيم الرفيعة . فهل نفكّر الآن فيمن لا نعرف قبل دمغهم جملة واحدة بما ليس فيهم ؟ تُرى كم نظلم الآخر لمجرد جهلنا به .
إنّ الوفاء لروح دينق قوج والحرص على بقاء تأثيره مستمرا في الحياة تجعلنا أكثر تمسّكا لنشر وممارسة ما كرّس له حياته القصيرة العامرة من قيم الخير والنقاء والصدق والشهامة والوفاء , نشر روح المحبّة والتسامح ولجم خطاب الكراهية والعداء للآخر المختلف . هذا هو سبيل الشفاء مما نعانيه من شقاء .ولروح صديقنا وزميلنا الراحل صادق الدعوات بالرحمة والمغفرة , لأسرته وجميع من عرفه خالص العزاء