#جيل_الحرب و #مقاومة_الاستعمار
د. #عبدالفتاح_طوقان
معظم ابناء جيلي نشاؤوا و تربوا علي القومية العربية ومقاومة الاستعمار لاحتلال الدول العربية، و شائت الصدف ان نعيش النكسة أو حرب حزيران أو حرب الأيام الستة وهي حرب نشبت بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وكل من مصر وسوريا والأردن عام 1967، انتهت باحتلال إسرائيل لقطاع غزة والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان.
وتعد حرب 1967 الحرب الثالثة ضمن سلسلة الصراع العربي الإسرائيلي وقد انتهت باستيلاء إسرائيل على كامل دولة فلسطين هذه المنطقة الجغرافية التي كانت السلطة القائمة عليها ما بين عام 1923 وحتى عام 1948 تحت الانتداب البريطاني وتدعو الأرض القائمة عليها فلسطين1967
وحرب الاستنزاف المصرية الاسرائيلية وهي حرب الألف يوم كما أطلق عليها بعض الإسرائيليين. تشير إلى القتال الذي اندلع بين إسرائيل من جهة ومصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية وسوريا من جهة أخرى من 1967 إلى 1970 وإن استمرت الاشتباكات على الحدود السورية واللبنانية لغاية 1973. ،
وثم حرب أكتوبر أو حرب تشرين وهي الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة التي شنتها كل من مصر وسوريا بدعم عربي عسكري وسياسي واقتصادي على إسرائيل عام 1973. بدأت الحرب في يوم السبت 6 أكتوبر 1973 الموافق ليوم 10 رمضان 1393 هـ بهجوم مفاجئ من قبل الجيش المصري والجيش السوري على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان.
وتابعنا الحرب العراقية الإيرانية، أطلقت عليها الحكومة العراقية آنذاك اسم قادسية صدام بينما عُرفت في إيران باسم الدفاع المقدس (بالفارسية: دفاع مقدس)، هي حرب نشبت بين العراق وإيران من سبتمبر 1980 حتى أغسطس 1988، انتهت بلا انتصار لطرفي الصراع وقبولهما لوقف إطلاق النار، وبالرغم من ذلك خلَّفت الحرب نحو مليون قتيل وخسائر مالية بلغت 400 مليار دولار أمريكي، ودامت لثمانِ سنوات لتكون بذلك أطول نزاع عسكري في القرن العشرين.
وعشنا الحرب الأهلية اللبنانية التي هي حرب أهلية متعددة الأوجه في لبنان، واستمرت من عام 1975 إلى عام 1990، وأسفرت عن مقتل ما يقدر بـ 120 ألف شخص. في عام 2012، كان ما يقرب من 000 76 شخص لا يزالون مشردين داخل لبنان. كان هناك أيضا نزوح لما يقرب من مليون شخص من لبنان نتيجة للحرب.
واليوم نعيش عمليّة طُوفان الأقصى، أو الحرب الفلسطينية الإسرائيلية أو حرب حماس وإسرائيل وفي إسرائيل يطلق عليهاعمليّة السُّيُوف الحديديَّة، كما تُشير إليها بعض المصادر بالانتفاضة الثالثة أو مجزرة غزة، وهو صراع مسلح مستمر بدأ في 7 أكتوبر 2023 بين الجماعات الفلسطينية المسلحة بقيادة حركة حماس من جهة بمفردها دون اي مساندة تذكر عربية وبين الجيش الإسرائيلي من جهة أخرى، و لا تزال مستمرة.
ستون عاما من اعمارنا ضاعت وجيلي يعيش رازحا تحت الحروب ز و الجيل قبلنا شاهد و عاصر الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 وتسمى أيضًا بحرب النكبة واختصارا حرب 1948 هي أولى الحروب العربية الإسرائيلية، حدثت عقب إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان قيام إسرائيل. نشبت الحرب على أرض فلسطين بين كل من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المصرية ومملكة العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية ضد المليشيات الصهيونية المسلحة في فلسطين والتي تشكّلت من البلماخ والإرجون والهاجاناه والشتيرن والمتطوعين اليهود من خارج حدود الانتداب البريطاني على فلسطين. أودت الحرب بحياة آلاف الجنود من الطرفين، وانتهت بهزيمة العرب، فأطلقوا عليها حرب النكبة.
وايضا عاصر الجيل الذي سبقنا العدوان الثلاثي أو حرب 1956 كما تُعرف في مصر والدول العربية أو أزمة السويس أو حرب السويس كما تُعرف في الدول الغربية أو حرب سيناء أو حملة سيناء أو العملية قادش كما تُعرف في إسرائيل، هي حرب شنَّتها كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956، وهي ثاني الحروب العربية الإسرائيلية بعد حرب 1948، وتعدَّ واحدةً من أهم الأحداث العالمية التي ساهمت في تحديد مستقبل التوازن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت حاسمة في أفول نجم القوى الاستعمارية التقليدية، وتألُّق نجوم جديدة على الساحة الدولية.
اقصد ان عدو العرب الازلي الطامع في المنطقة العربية من جهة و الذي زرع خنجر في ظهر العرب بأسم كيان مصطنع هو اسرأئيل هو الاستعمار المكون من امريكا وفرنسا وبريطاينا تسانده قوى من الرجعية العربية و الانظمة التي زرعها الاستعمار.
جيل امضى حياته في حروب لم تنته وصراعات اكلت خيراته وامواله وشبابه ولم يسلم من فتك الاستعمار بل وقع في مصيدة و شرك معاهدات استسلامية قضمت ما تبقى من دول و باتت الفتن والفرقة بين الدول العربية و حكوماتها -لا الشعب العربي -هي القاسم المشترك و تحول الدفاع عن الامة العربية و تحرير فلسطين الي الدفاع عن اسرائيل و بكل الطرق و انهاء المقاومة هي الهدف لدي بعض من الخون المهرولين في الركب الاستعماري الذي لم ينته برحيل المستعمر عن الارض و عاد علي شاكله قروض من بنوك دولية و اتفاقات و معاهدات عسكرية فقدت الدول العربي السيادة.
اليوم الجيل علي مفترق طرق ، فاما النصر و المقاومة والشهادة و اما الانكسار و التبعية الظالمة للاستعمار وهو مرفوض من كل الشعوب ، بما فيها الشعب الامريكي نفسه الذي انتفض طلاب 22 جامعة امريكية تاييدا للحق الفلسطيني بينما بعض من الحكام اعينهم مغلقة واذانهم صمت عن الحق وباعوا انفسهم للمستعمر الشيطان الذي لن يرحمهم بعد “غزة”.
واذكر هنا بكلمات الممثلة داليا البحيري من فيلم “السفارة في العمارة ” وقد حملها الزعيم عادل امام علي كتفيه وهي تقود المظاهرة ب “حماس” تصرخ ” مش حنسلم مش حنبيع”. فعلا “حماس” اشعل في قلب الشعب العربي والعالم “مش حنسلم مش حنبيع”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: جيل الحرب العربیة الإسرائیلیة الدول العربی أو حرب من جهة هی حرب
إقرأ أيضاً:
هيرست: أثبت شعب فلسطين قدرته على تحمل حرب شاملة دون أن يتزحزح من أرضه
قال الكاتب البريطاني المشهور ديفيد هيرست إن الشعب الفلسطيني أثبت للعالم كله أنه قادر على تحمل حرب شاملة دون أن يتزحزح من أرضه.
كلام هيرست جاء في مقال مطول نشره موقع "ميدل إيست آي" تعليقا على التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي أعلنت عنه قطر أمس.
وقال هيرست إن غزة أثبتت للفلسطينيين وللعالم بأنها قادرة على تحمل الحرب الشاملة، وأنها لن تستفز من الأرض التي تقف عليها. إنها تقول للعالم، بفخر مبرر، إن المحتلين ألقوا بكل ما لديهم علينا، ومع ذلك لم تحدث نكبة أخرى.
وأكد هيرست إن "إسرائيل" ورغم كل التوحش التي أبدته طيلة 15 شهرا فإنها أخفقت على كل الجبهات.
كما أكد أن الأحداث أثبتت أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو كان العقبة الرئيسية في طريق وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي كان يسبب إحباطاً هائلاً لدى وفده المفاوض.
وفيما يلي الترجمة الكاملة لمقال هيرست:
عندما حان وقت الحسم، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول من يرمش.
ظل نتنياهو، وعلى مدى شهور، العقبة الرئيسية في طريق وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي كان يسبب إحباطاً هائلاً لدى وفده المفاوض.
وهذا ما تجلى بكل وضوح قبل أكثر من شهرين عندما غادر وزير دفاعه يوآف غالانت، المهندس الرئيسي للحرب المستمرة منذ خمسة عشر شهراً، قائلاً إنه لم يبق لدى الجيش ما يفعله داخل غزة.
ومع ذلك أصر نتنياهو على الاستمرار، رافضاً في الربيع الماضي صفقة وقعت عليها حركة حماس بحضور مدير الـ"سي آي إيه" وليام بيرنز، ومفضلاً شن هجوم على رفح.
وفي الخريف، توجه نتنياهو من أجل الخلاص نحو خطة الجنرالات والتي كانت تهدف إلى تفريغ شمال غزة من السكان تمهيداً لإعادة توطين الإسرائيليين فيه. كانت الخطة تقضي بتجويع وقصف السكان في شمال غزة من خلال الإعلان عن أن كل من يرفض المغادرة طواعية فسوف يعامل كما لو كان إرهابياً.
كانت تلك الخطة غاية في التطرف، وغاية في التناقض مع القواعد الدولية المتعارف عليها في الحرب، لدرجة أنها تعرضت للتنديد على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعالون باعتبارها جريمة حرب وتطهيراً عرقياً.
من أبرز ما تضمنته الخطة إقامة ممر يتألف من طريق عسكري وسلسلة من المواقع الأمامية، يخترق وسط قطاع غزة، ويمتد من الحدود الإسرائيلية إلى البحر. كان من شأن ممر نيتساريم فعلياً اختزال الكتلة الأرضية في المنطقة إلى ما يقرب من الثلث، بحيث تصبح حدود "إسرائيل" الجديدة من الجهة الشمالية. وتقضي الخطة بعدم السماح لأي فلسطيني يغادر شمال غزة بالعودة إليه.
إزالة الخطوط الحمراء
لم يجبر أحد من إدارة بايدن نتنياهو على إعادة النظر في هذه الخطة. لا الرئيس جو بايدن نفسه، وهو الصهيوني حتى النخاع، الذي ظل، بغض النظر عن كل خطاباته، يزود "إسرائيل" بالأدوات والوسائل التي تمكنها من ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة. ولا أنتوني بلينكن، وزير خارجيته، الذي اكتسب عن جدارة في المنطقة لقب الدبلوماسي الأدنى مصداقية على الإطلاق.
حتى بينما كانت توضع اللمسات الأخيرة على اتفاق وقف إطلاق النار، خرج بلينكن على الناس في مؤتمر صحفي أخير قبل المغادرة وجه من خلاله اللوم لحركة حماس محملاً إياها المسؤولية عن رفض العروض السابقة، مع أن العكس تماماً هو الصحيح.
ما من صحفي إسرائيلي شارك في تغطية أخبار المفاوضات إلا وأكد أن نتنياهو هو الذي رفض جميع الصفقات السابقة، وأنه هو الذي يتحمل المسؤولية عن التسويف الذي أخر التوصل إلى صفقة. ولم يجد نفعاً مع نتنياهو حتى يوقف الحرب المستمرة منذ خمسة عشر شهراً سوى لقاء قصير جمعه مع المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ستيف ويتكوف.
بعد لقاء واحد فقط، أزيلت جميع الخطوط الحمراء الذي ظل نتنياهو يرسمها بهمة، ثم يعيد رسمها المرة تلو الأخرى، على مدى خمسة عشر شهراً من الحرب.
قال المعلق السياسي الإسرائيلي إيريل سيغال: "نحن أول من يدفع ثمناً مقابل انتخاب ترامب. لقد تم فرض الصفقة علينا. كنا نظن أننا سوف نتحكم بشمال غزة، وأنهم سوف يتركوننا نعيق دخول المساعدات الإنسانية".
ثمة إجماع على ذلك. بل إن المزاج العام داخل "إسرائيل" يشكك في مزاعم النصر. وعن ذلك كتب الصحفي في "واي نيت" يوسي يهوشوا يقول: "لا يوجد داع لتحلية حقيقة أن صفقة وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن سيئة بالنسبة لإسرائيل، ولكن لا خيار لديها سوى القبول بها".
فما تم تداوله من بنود اتفاق وقف إطلاق النار ينص بوضوح على أن "إسرائيل" سوف تنسحب في نهاية المطاف من ممر فيلادلفيا ومن ممر نيتساريم، وهي الشروط التي كان قد رفضها نتنياهو من قبل.
وحتى بدون ذلك، تشير مسودة الاتفاقية بوضوح إلى أن الفلسطينيين بإمكانهم العودة إلى منازلهم، بما في ذلك في شمال غزة، وبذلك تكون محاولة إخلاء هذه المنطقة من سكانها قد باءت بالفشل، وهذا أكبر إخفاق يُمنى به الغزو البري الإسرائيلي.
القتال من جديد
وهناك قائمة من الأمور الأخرى. ولكن قبل أن نسردها، لابد من الإشارة إلى أن نكبة ويتكوف تؤكد على أن "إسرائيل" كانت تعتمد على واشنطن في كل يوم من أيام الذبح المريع الذي مارسته في غزة. حتى أن مسؤولاً في سلاح الجو الإسرائيلي اعترف بأن الطائرات كان يمكن أن تصبح بلا قنابل خلال بضعة شهور لولا تزويد الولايات المتحدة لها بالعتاد اللازم.
لقد وقر في الرأي العام الإسرائيلي أن الحرب تنتهي بدون إنجاز أي من الأهداف الرئيسية لـ"إسرائيل".
فقد خرج نتنياهو ومعه الجيش الإسرائيلي عازمين على "دحر" حماس بعد المهانة والصدمة التي حلت بهم بسبب الهجوم المباغت على جنوب إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023. من الواضح أنهم لم يتمكنوا من تحقيق هذه الغاية.
خذ بيت حانون في شمال غزة كنموذج للمعركة التي شنتها حماس ضد القوات الغازية. كانت تلك قبل خمسة عشر شهراً هي المدينة الأولى في غزة التي تحتلها القوات الإسرائيلية، والتي خلصت إلى أن أضعف كتائب حماس تتواجد فيها.
ولكن بعد موجات متتالية من العمليات العسكرية، وكان يفترض في كل واحدة من هذه الموجات أنها كفيلة بإخلاء المدينة من مقاتلي حماس، ثبت أن بيت حانون وحدها كبدت الجيش الإسرائيلي أكبر حجم من الإصابات.
ظلت حماس تنبعث من تحت الأنقاض لتقاتل مجدداً محولة بيت حانون إلى حقل ألغام للجنود الإسرائيليين. منذ إطلاق أحدث العمليات العسكرية في شمال غزة، قضى خمسة وخمسون ضابطاً وجندياً إسرائيلياً حتفهم في هذا المحور، خمسة عشر منهم في بيت حانون فقط خلال الأسبوع الأخير.
لو كان هناك جيش يتعرض للاستنزاف والإنهاك اليوم، فإنه جيش "إسرائيل". فالحقيقة العسكرية البسيطة للحياة في غزة هي أنه بعد مرور خمسة عشر شهراً، مازال بإمكان حماس التجنيد والتجديد بمعدل أسرع من قدرة "إسرائيل" على قتل زعمائها أو مقاتليها.
في تصريح لصحيفة "ذي وول ستريت جورنال"، قال الجنرال الإسرائيلي المتقاعد أمير أفيفي: "إننا في وضع باتت سرعة حماس في إعادة بناء نفسها أكبر من قدرة إسرائيل على اجتثاثها". وأضاف قائلاً إن محمد السنوار، الشقيق الأصغر لزعيم حماس المقتول يحيى السنوار "هو الذي يدير المشهد بأسره".
لو كان هناك ما يثبت عدم جدوى قياس النجاح العسكري فقط من خلال عدد الزعماء الذين يتم قتلهم، أو الصواريخ التي يتم تدميرها، فإنه هذا هو الأمر.
مخالف لكل التوقعات
في حرب التحرير، بإمكان الضعيف عدة وعتاداً تحقيق النجاح مخالفاً بذلك كل التوقعات. فهذه الحروب ما هي سوى معارك إرادة. ليست المعركة هي التي يعول عليها، وإنما القدرة على الاستمرار في القتال.
في الجزائر وفي فيتنام، كانت الجيوش الفرنسية والأمريكية تتمتع بتفوق عسكري كاسح، ولكن انتهى الأمر بالقوات في كلتا الحالتين إلى الانسحاب بعد سنين عديدة في حالة من الخزي والإخفاق. تحقق ذلك في فيتنام بعد ست سنين من هجوم تيت، والذي كان، تماماً كما هو حال هجوم السابع من أكتوبر 2023، يعتبر في حينه عملية عسكرية فاشلة. ولكن رمزية القتال من جديد بعد كل تلك السنين من الحصار أثبتت أنها العامل الحاسم في الحرب.
في فرنسا، مازالت ندبات التجربة في الجزائر حية حتى اليوم. في كل حرب من حروب التحرير، يثبت تصميم الضعيف على المقاومة أنه أشد حسماً من القدرات العسكرية للقوي.
في غزة، كان تصميم الشعب الفلسطيني على البقاء في أرضه – حتى وهي تتحول إلى ركام – هو العامل الحاسم في هذه الحرب. وهذا إنجاز مذهل إذا ما أخذنا بالاعتبار أن المنطقة التي لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً كانت مقطوعة بالكامل عن العالم، بدون حلفاء يساعدون في كسر الحصار وبدون تضاريس طبيعية تساعد على الاختباء.
صحيح أن حزب الله قاتل في الشمال، ولكن ذلك لم يسعف الفلسطينيين في غزة بشيء على الأرض، وهم الذين كانوا عرضة للقصف الليلي المستمر وللهجمات التي كانت تشن عليهم بالطائرات المسيرة لتمزيق الخيام التي تؤويهم.
لا المجاعة القسرية، ولا البرودة، ولا المرض، ولا التنكيل الوحشي والاغتصاب الجماعي على أيدي الغزاة، فت في عضدهم أو نال من تصميمهم على البقاء في أرضهم.
لم يحدث من قبل أن أظهر المقاتلون والمدنيون الفلسطينيون مثل هذا المستوى من المقاومة في تاريخ الصراع، ولعل ذلك يكون نقطة تحول تاريخي.
وذلك لأن ما خسرته "إسرائيل" في حملتها التي كانت تهدف إلى سحق غزة لا يمكن حسابه. فلقد هدرت عقوداً من الجهود الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية المستدامة، التي بذلتها من أجل إقناع الرأي العام الغربي بأنها بلد غربي ليبرالي ديمقراطي.
ذاكرة الأجيال
لم تخسر "إسرائيل" جنوب المعمورة فحسب، رغم ما استثمرته من جهود في أفريقيا وفي جنوب أمريكا. بل لقد خسرت أيضاً دعم جيل من أبناء الغرب، الذين ليست لديهم تلك الذاكرة الطويلة التي لدى بايدن.
لست صاحب هذه الفكرة، وإنما صاحبها هو جاك ليو، الرجل الذي عينه بايدن سفيراً لدى "إسرائيل" قبل شهر واحد من هجوم حماس.
ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة "ذي تايمز أوف إسرائيل" بمناسبة مغادرته لمنصبه، قال ليو، وهو يهودي أرثوذكسي، إن الرأي العام في الولايات المتحدة مازال إلى حد كبير مناصراً لـ"إسرائيل"، ولكن ذلك آخذ في التغير.
وقال: "ما قلته للناس هنا إن ما ينبغي أن يخشوا منه عندما تنتهي هذه الحرب هو أن ذاكرة هذا الجيل لا تمتد لتصل إلى تأسيس الدولة ولا إلى حرب الأيام الستة ولا إلى حرب أكتوبر ولا حتى إلى الانتفاضة. بل تبدأ بهذه الحرب، ولا يمكن للمرء تجاهل أثر هذه الحرب على صناع القرار في المستقبل، وليس على من يصنعون القرار اليوم، وإنما من أعمارهم اليوم 25 أو 35 أو 45، والذين سوف يكونون هم الزعماء خلال الأعوام الثلاثين أو الأربعين القادمة".
وقال ليو إن بايدن كان آخر رئيس من أبناء جيله الذين تمتد ذاكرتهم في القدم لتشمل حكاية تأسيس "إسرائيل".
ما تحدث عنه ليو في تصريحه الأخير الموجه ضد نتنياهو توثقه بشكل كاف استطلاعات الرأي الأخيرة. فأكثر من ثلث الشباب اليهود الأمريكيين يتعاطفون مع حماس، بينما يعتقد 42 بالمائة بأن "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية في غزة، ويتعاطف 66 بالمائة مع الفلسطينيين كشعب بالمجمل.
ليست هذه ظاهرة جديدة. فقد أظهر استطلاع للرأي أجري قبل الحرب بعامين أن ربع اليهود الأمريكيين يتفقون مع مقولة إن "إسرائيل دولة فصل عنصري"، ناهيك عن أن أعداداً كبيرة ممن استطلعت آراؤهم لم يجدوا في هذه العبارة معاداة للسامية.
ضرر عميق
لقد غدت الحرب في غزة المنشور الذي يرى من خلاله الجيل الجديد من زعماء المستقبل في العالم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهذه خسارة استراتيجية كبيرة لبلد كان يظن حتى السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بأنه طوى ملف القضية الفلسطينية وأن الرأي العام العالمي بات في جيبه.
إلا أن الضرر أبعد وأعمق من ذلك.
لقد أوجدت الاحتجاجات ضد الحرب، والتي نددت بها الحكومات الغربية أولاً باعتبارها معاداة للسامية ثم راحت تشرع ضدها باعتبارها إرهاباً، جبهة عالمية لتحرير فلسطين، بينما غدت حركة مقاطعة "إسرائيل" أقوى من أي وقت مضى.
تقف "إسرائيل" اليوم في قفص الاتهام داخل المحاكم الدولية، وهو أمر لم يسبق أن حدث من قبل. لا يقتصر الأمر على صدور مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ولا على استمرار قضية الإبادة الجماعية المرفوعة لدى محكمة العدل الدولية، وإنما ثمة عدد كبير من القضايا الأخرى التي توشك أن تغرق بها المحاكم في كل واحدة من الديمقراطيات الغربية الكبرى.
هناك قضية مرفوعة داخل بريطانيا ضد شركة "بريتش بتروليوم" لقيامها بتزويد "إسرائيل" عبر خط أنابيبها الممتد من أذربيجان إلى تركيا بالنفط الخام، والذي يزعم أنه يستخدم بعد ذلك من قبل الجيش الإسرائيلي.
إضافة إلى ذلك، قرر الجيش الإسرائيلي مؤخراً إخفاء هويات جميع جنوده الذين شاركوا في الحملة على غزة خشية أن تتم ملاحقتهم قانونياً حينما يسافرون إلى الخارج.
كانت شرارة هذا الحراك الكبير قد أطلقتها مجموعة صغيرة من النشطاء أطلقت على نفسها اسم الفتاة هند رجب، التي كانت في السادسة من عمرها عندما قتلتها القوات الإسرائيلية في غزة في كانون الثاني/ يناير 2024.
تقدمت المجموعة التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها من المحكمة الجنائية الدولية بأدلة ضد ألف إسرائيلي بتهمة ارتكاب جرائم حرب. تشتمل الأدلة على مقاطع مصورة ومسموعة وعلى تقارير صادرة عن الطب الشرعي وغير ذلك من الوثائق.
لن يكون وقف إطلاق النار نهاية كابوس فلسطين، وإنما بداية كابوس "إسرائيل". لن تلبث هذه التحركات القانونية أن تكتسب مزيداً من الزخم كلما تكشفت حقائق ما جرى في غزة وحينما يبدأ توثيقها بمجرد توقف الحرب.
الانقسامات الداخلية
محلياً، سوف يعود نتنياهو من الحرب إلى بلد يعاني من انقسامات داخلية غير مسبوقة. فهناك معركة بين الجيش والحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية. وهناك معركة بين العلمانيين من جهة والصهاينة القوميين المتدينين من جهة أخرى. وبانسحاب نتنياهو من غزة، ينتاب اليمين المتطرف إحساس بأن فرصة إقامة "إسرائيل الكبرى" تم انتزاعها من فكي الانتصار العسكري. وطوال الوقت، لم تزل "إسرائيل" تشهد خروجاً غير مسبوق لليهود منها.
على مستوى الإقليم، تبقى لدى "إسرائيل" قوات داخل لبنان وسوريا. لعله من الحماقة الظن بأن هذه العمليات المستمرة سوف تستعيد الردع الذي فقدته "إسرائيل" عندما هاجمتها حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
لربما تلقى محور المقاومة الذي تقوده إيران بعض الضربات المستدامة بعد القضاء على قيادة حزب الله، وبعد أن وجد الحزب نفسه ينتشر فوق طاقته في سوريا. ولكن مثله مثل حماس، لم يتعرض حزب الله لضربة قاضية باعتباره قوة قتالية.
يضاف إلى ذلك أن العالم العربي السني يشعر بانزعاج شديد غير مسبوق بسبب ما جرى في غزة وما يمارس من قمع داخل الضفة الغربية.
كما أن مساعي "إسرائيل" المكشوفة لتقسيم سوريا إلى كانتونات يثير حفيظة السوريين من كل المذاهب والعرقيات، وكذلك الحال بالنسبة لخططها ضم مناطق (ب) و(ج) في الضفة الغربية، وهو ما يشعر الأردن بأنه يشكل تهديداً وجودياً له. سوف يتم يتعامل في عمّان مع ضم تلك المناطق من الضفة باعتباره عملاً حربياً.
سوف تكون إزالة التضارب بمثابة العمل الصبور لعقود من إعادة البناء، ولكن ترامب ليس رجلاً صبوراً.
والآن، سوف تتخذ حماس وغزة مقعداً خلفياً. فمع التكلفة الباهظة التي تكبدها الناس فيما فقدوه من أرواح، لم تبق عائلة واحدة لم تتضرر. إلا أن ما حققته غزة على مدى الشهور الخمسة عشر الماضية قد يحدث تحولاً جذرياً في الصراع.
لقد أثبتت غزة للفلسطينيين وللعالم بأنها قادرة على تحمل الحرب الشاملة، وأنها لن تستفز من الأرض التي تقف عليها. إنها تقول للعالم، بفخر مبرر، إن المحتلين ألقوا بكل ما لديهم علينا، ومع ذلك لم تحدث نكبة أخرى.
تقول غزة لـ"إسرائيل" إن الفلسطينيين موجودون، وأنهم لن يدجنوا حتى، وما لم، يتحدث معهم الإسرائيليون على قدم من المساواة عن حقوق متساوية.
قد يستغرق استيعاب ذلك سنوات عديدة أخرى، ولكن ذلك حصل لدى البعض، مثل الكاتب يائير أسولين الذي قال في مقال له في صحيفة هآريتس: "حتى لو غزونا الشرق الأوسط بأسره، وحتى لو استسلم الجميع لنا، فإننا لن نكسب هذه الحرب".
إلا أن ما حققه كل من بقي ثابتاً صامداً في غزة لهو أمر بالغ الأهمية من الناحية التاريخية.