تشو شيوان **

اختُتمت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الصين يوم الجمعة الماضي، وتم التوصل إلى 5 نقاط من التوافقات بين الصين والولايات المتحدة خلال لقائه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين، وهذه هي الزيارة الثانية التي يقوم بها بلينكن إلى الصين بعد يونيو عام 2023، وهي أيضًا زيارة ثانية لكبار المسؤولين الأمريكيين إلى الصين منذ مطلع العام الجاري بعد زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين.

تم التوصل إلى سلسلة من التوافقات والنتائج المهمة خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى سان فرانسيسكو في نوفمبر عام 2023، وخلق "رؤية سان فرانسيسكو" ذات التوجه المستقبلي. وفي يناير العام الجاري، تبادل الرئيس شي جين بينغ ونظيره الأمريكي جون بايدن رسائل التهنئة بمناسبة الذكرى الـ45 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، وأعرب الجانبان عن رغبتهما في تعزيز التنمية المستمرة للعلاقات الصينية الأمريكية. وفي الثاني من إبريل، أجرى الرئيس شي مكالمة هاتفية مع الرئيس بايدن، وأكد شي على 3 مبادئ شاملة ينبغي أن توجه العلاقات الصينية الأمريكية في عام 2024.

أولًا: يجب تقدير السلام، ويتعين على الجانبين وضع أرضية عدم الصراع وعدم المواجهة تحت العلاقات، ومواصلة تعزيز النظرة الإيجابية للعلاقات الثنائية.

ثانيًا: يتعين إعطاء الأولوية للاستقرار، ويتعين على الجانبين الإحجام عن إعادة العلاقات إلى الوراء أو إثارة أي حادث أو تجاوز الخط، من أجل الحفاظ على الاستقرار الشامل للعلاقات.

ثالثًا: يجب التمسك بالمصداقية، ويجب على الجانبين احترام التزاماتهما تجاه بعضهما البعض من خلال العمل، وتحويل "رؤية سان فرانسيسكو" إلى واقع.

الجانبان بحاجة إلى تعزيز الحوار من خلال الالتزام بالاحترام المتبادل، وإدارة الخلافات بحكمة، ودفع التعاون بروح المنفعة المتبادلة، وتعزيز التنسيق في الشؤون الدولية بطريقة مسؤولة.

وخلال هذه الفترة، أجرت الصين والولايات المتحدة سلسلة من الاتصالات المهمة على كافة المستويات وفي مختلف المجالات بين رؤساء الجانبين في المجالات الدبلوماسية والأمنية ​​والاقتصادية والتجارية والمالية والعسكرية، وفي مجالات مكافحة تغير المناخ وإنفاذ القانون والزراعة والثقافة وغيرها من المجالات الأخرى. وعلى أساس هذه الاجتماعات والمكالمات والزيارات، يمكن القول إنه في ظل التوجيه الاستراتيجي لرئيسي الدولتين، أظهرت العلاقات الصينية الأمريكية اتجاها واضحا لوقف التدهور والعودة إلى الاستقرار. وتعد زيارة بلينكن إلى الصين جزءًا مهمًا من جهود الصين والولايات المتحدة لتنفيذ التوافق الذي توصل إليه رئيسا الدولتين في اجتماع سان فرانسيسكو، والحفاظ على الحوار وإدارة الخلافات وتعزيز التعاون وتقوية التنسيق في الشؤون الدولية.

فإذا تمكن الجانبان من الالتقاء ببعضهما البعض في منتصف الطريق، فسيكونان قادرين على الحفاظ على استقرار العلاقات الصينية الأمريكية، حتى تعزيز العلاقات الثنائية للمضي قدمًا. ولكن للأسف الشديد، في عشية زيارة بلينكن للصين، واصلت الولايات المتحدة اتخاذ سلسلة من إجراءات الضغط بشأن القضايا المتعلقة بالمصالح الأساسية للصين واهتماماتها الرئيسية، ومن الواضح أن ذلك يتعارض مع سلسلة التوافقات التي توصل إليها الرئيسان الصيني والأمريكي خلال لقائهما في سان فرانسيسكو؛ بما في ذلك سلسلة من الالتزامات التي تعهد بها القادة الأمريكيون بشأن السياسة الأمريكية تجاه الصين.

إنَّ الصين والولايات المتحدة؛ باعتبارهما قوتين عالميتين، فإن الخلافات والمنافسات بينهما أمرٌ طبيعي، ولكن المنافسات ليست أساس العلاقات الصينية الأمريكية برمتها. وعلى الرغم من وجود خلافات بين الصين والولايات المتحدة، إلّا أن هناك مصالح مشتركة واسعة النطاق أيضًا، وهناك مساحة واسعة وضرورة للتعاون في العديد من القضايا الثنائية والمتعددة الأطراف. فإذا أظهرت الولايات المتحدة بشكل أعمى القوة والضغوط والاستفزاز للصين أو حتى تجاوز الخطوط الحمراء للسياسة الصينية، فلن تنجح في تحقيق استقرار العلاقات الصينية الأمريكية فحسب، بل ستؤدي إلى مزيد من الصراع والمواجهة بين البلدين، وطبعا هذا لا يصالح مصالح كلا البلدين.

وإذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع الصين لتعزيز التطور المستمر للعلاقات الصينية الأمريكية، فيجب عليها إظهار الإخلاص والعمل مع الصين لإدارة الخلافات والمنافسة بين الجانبين على أساس مبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي، والتعاون المربح. أما بالنسبة إلى الصين، فهي دائمًا ترغب في تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة وتستعد للعمل معها في تعزيز الرفاهية المشتركة لشعبي البلدين، والحفاظ على السلام والتنمية والاستقرار للعالم.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

‏ الصين والعالم العربي.. شراكة استراتيجية عنوانها السلام والتنمية

تشو شيوان **

شهد شهر ديسمبر من عام 2022، انعقاد الدورة الأولى من القِمَّة الصينية العربية في العاصمة السعودية الرياض؛ لتكون علامة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية العربية، وهذا الحدث لم يكن مجرد اجتماع دبلوماسي عابر؛ بل انطلاقة لعصر جديد من التعاون والتكامل بين الجانبين، في إطار رؤية مشتركة لبناء مجتمع مستقبل مشترك في العصر الجديد، وهذه الانطلاقة تؤتي ثمارها على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية، وحتى على المستوى الشعبي.
وخلال العامين الماضيين، تعمَّقت الثقة الإستراتيجية المتبادلة بين الصين والدول العربية، وأسفرت هذه الثقة عن نتائج ملموسة في شتى المجالات، من التعاون الاقتصادي والتكنولوجي إلى التبادل الثقافي والشعبي. وقد تم ترقية العلاقات الثنائية بين الصين وعدد من الدول العربية؛ بما في ذلك البحرين وتونس وفلسطين، لتصل إلى مستويات شراكة استراتيجية مُتقدمة. واليوم، يُعد العالم العربي من أكثر المناطق كثافةً بشركاء الصين الإستراتيجيين؛ حيث أقامت الصين شراكات شاملة مع 20 دولة عربية إضافة لجامعة الدول العربية.
هذه الشراكة لا تقتصر على التبادلات الاقتصادية أو العلاقات الدبلوماسية؛ بل تتجاوز ذلك إلى دعم المصالح الجوهرية والشواغل الرئيسية لكل طرف. وبينما يواجه العالم تحديات مضطربة، وحروبًا مستمرة في الشرق الأوسط، أثبتت الصين أنها شريك موثوق يحمل رؤية موضوعية وعادلة، ويسعى لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بدون شروط إضافية أو تدخلات مفرطة، وهذا ما تحتاجه الدول العربية؛ شريك استراتيجي يتبنى قضاياها ويساندها في التنمية المستدامة مع الاحترام لمبادئ السيادة والوحدة الوطنية.
أبرز الأمثلة على هذا الدور الفاعل كان في مارس الماضي، عندما لعبت الصين دور الوسيط في المصالحة التاريخية بين السعودية وإيران؛ ما أدى إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة دامت سبع سنوات. كما واصلت الصين دورها البناء بعد اندلاع الصراعات الفلسطينية الإسرائيلية في أكتوبر الماضي؛ حيث حافظت على التنسيق الوثيق مع الدول العربية للعمل على وقف إطلاق النار وإيجاد حلول دائمة للصراع. وفي يوليو، دعمت الصين جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، في خطوة تؤكد التزامها بحماية القضية الفلسطينية والعمل على إنهاء النزاعات في قطاع غزة. هذه المواقف تأتي ضمن إطار رؤية الصين لتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بعيدًا عن المصالح الضيقة أو الحسابات السياسية.
الصين اليوم ليست فقط شريكًا اقتصاديًا قويًا للعالم العربي، بل أيضًا شريكٌ سياسي يسهم في حماية القيم الإنسانية وتحقيق العدالة. وهذا التعاون بين الجانبين يعكس إمكانيات هائلة لبناء مستقبل مشترك يحقق مصالح الطرفين ويعزز من مكانتهما في النظام العالمي.
الشراكة الصينية العربية ليست مجرد اتفاقيات أو بيانات مشتركة؛ بل هي نموذج جديد للتعاون الدولي يقوم على الثقة والاحترام المتبادل. ومع التحديات التي تواجه العالم، تبقى هذه الشراكة بارقة أمل لتحقيق السلام والتنمية في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابًا.
‏ومع التطوير علاقات الصداقة التقليدية الصينية العربية وتعميق الثقة السياسية المتبادلة، شهد التعاون العملي الصيني العربي في مختلف المجالات نتائج مثمرة وجوهرية. ووقعت الصين مع جميع الدول العربية وجامعة الدول العربية اتفاقيات بشأن البناء المشترك لمشروع "الحزام والطريق"، ونجحت الصين في تحقيق تكامل إستراتيجيات التنمية مع العديد من الدول العربية. ونفذت الصين والدول العربية أكثر من 200 مشروع تعاون، وتعد الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية لسنوات عديدة متتالية؛ حيث ارتفع حجم التجارة الصينية العربية من 36.7 مليار دولار أمريكي في عام 2004 إلى 398 مليار دولار أمريكي في عام 2023. وعلاوة على ذلك، زادت صناديق الثروة السيادية للسعودية والإمارات والكويت وبعض الدول العربية الأخرى من استثماراتها للصين.
‏وخلال العامين الماضيين، استمرت أعمال الترجمة والنشر المتبادل للكتب الصينية والعربية في التقدم، وشاركت الكتب الصينية معارض الكتب في الإمارات والمغرب والدول العربية الأخرى؛ مما أثار اهتمام السكان المحليين بالكتب الصينية. كما أُقيم العديد من معارض الآثار الثقافية للدول العربية في بكين ونانجينغ وشانغهاي وغيرها من المدن الصينية الأخرى؛ مما يسمح للصينيين بالتمتع بالسحرية الفريد للحضارة العربية. وبات تعلُّم اللغة الصينية أمرًا مشهورًا في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة؛ حيث قامت 4 دول عربية بما فيها الإمارات والسعودية ومصر وتونس بدمج اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية، وأنشأت 15 دولة عربية أقسامًا للغة الصينية في الكليات والجامعات، وأنشأت 13 دولة عربية 20 معهدًا كونفوشيوسًا، و2 من الفصول الدراسية الكونفوشيوسية المُستقلة. وفي العام الجاري، ارتفع عدد السياح الصينيين المسافرين إلى الدول العربية بشكل ملحوظ، وتضاعف عدد الرحلات الجوية من مصر والسعودية إلى الصين بالمقارنة مع عام 2019.
‏وختامًا.. يُمكننا القول إنَّ العلاقات بين الصين والدول العربية قد شهدت تطورًا ملحوظًا في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها من المجالات الأخرى، ونحن على ثقة تامّة بأن التعاون العملي بين الجانبين الصيني والعربي سيُحقق مزيد من النتائج المثمرة، والصين دائمًا مُستعدة للعمل مع الدول العربية لضخ قوة إيجابية لحفظ السلام والتنمية والاستقرار والازدهار في العالم.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية
 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • زعيما الصين وكوريا الشمالية يبعثان برسالة إلى الرئيس الروسي بوتين
  • وزارة الخزانة الأمريكية تتعرض لقرصنة إلكترونية وتتهم الصين
  • مع عودة ترامب.. هل ينجح بريكس في كسر القيود الأمريكية؟
  • ‏ الصين والعالم العربي.. شراكة استراتيجية عنوانها السلام والتنمية
  • الملك يؤكد على "العلاقات العريقة" بين المغرب والولايات المتحدة معزيا في وفاة كارتر
  • تفاصيل زيارة مستشار السفارة الصينية بالقاهرة لنقابة المهندسين
  • القوة الدافعة وراء العلاقات مع أمريكا .. الصين تنعى جيمي كارتر
  • النفط يتراجع وسط تعاملات ضعيفة والمستثمرون يترقبون بيانات الصين والولايات المتحدة
  • وزيرا الطاقة والري يحلان بوهران في زيارة عمل وتفقد مشتركة
  • إيران والولايات المتحدة تتحالفان ضد تركيا