أهداف وأبعاد استراتيجية للحرب على غزة
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
لا يخفى على المتابعين للحرب على غزة التي تجاوزت نصف العام أنها تكاد تكون حربا عالمية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فهي حرب تقف وراءها الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأولى في العالم، كما تحضر فيها بكافة أسلحتها الحربية والسياسية والدبلوماسية، كما تم فيها حشد المعسكر الغربي بكاملة لأجل الفوز فيها، ولهذا فإننا لا نرى أنها فقط مجرد حرب على القطاع الذي لا يتجاوز 365 كيلومترا مربعا أو أنها مجرد حرب للقضاء على المقاومة الإسلامية وعلى رأسها حماس، كما أنها ليست مجرد حرب لتركيع الشعب الفلسطيني البطل وإجباره على الاستسلام للإرادة الصهيونية، وإن كان ذلك كله وارد ومقصود بشكل واضح.
فالحرب كما تستهدف ضرب أهمّ مراكز المقاومة والحضور الإسلامي، التي تجسدت في المقاومة الإسلامية المرابطة عند أهم قضايا الأمة وعلى أبواب بيت المقدس، وخاصة أنها نجحت في اجتذاب كل كوامن الإخلاص والحيوية في مجتمعاتنا بتياراتها المختلفة، إنما تستهدف أيضا دك ثقافة المقاومة في الشارع العربي والإسلامي تمهيدا لحقبة ركوع جديدة أصبحت ضرورية لقرن أمريكي جديد!
فالحرب على غزة التي تتكلف أسبوعيا ما يقرب من 3 مليارات دولار تهدف إلى تركيع وترهيب الشعوب الإسلامية، وإعادتها إلى حظيرة التبعية والخضوع والاستسلام التي بدأت منذ الحقبة الاستعمارية، الحرب تعمل على توطيد أركان المشروع الصهيوني الذي يمثل بدوره أخطر أدوات تقويض الحضارة الإسلامية أو أي نهضة إسلامية للمنطقة؛ فوق كونه من أهم ركائز المشروع الغربي والمصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقةوذلك بعد أن تبين أنها لفظت جرعات الإخضاع السابقة التي أخضعتها لقرنين كاملين وأصبحت تشهد حالة عصيان وتمرد، فعادت تعبّر من جديد عن ضميرها الحي وتبحث عن إرادتها الحرة في كل المناطق وكل الساحات (في صناديق الانتخابات- في ساحات الدفاع والمقاومة- في المساجد- في العودة الجارفة لقيم الإسلام).
كما لم يعد خافيا أن الحرب على غزة إنما تهدف لاستكمال ضرب مراكز الحضور الإسلامي واليقظة والتي بدأتها حملة ما سُمي بالحرب على الإرهاب التي بدأت منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، والتي عملت على استكمال هيمنة القطب الغربي الأوحد، وانطلقت مع سقوط القطب الثاني (الاتحاد السوفييتي)، وذلك في إطار اجهاض أي عملية أو محاولة لتشكيل قطب بديل، يعتقدون أن ثقافته الإسلامية المؤهلة للمقاومة كفيلة بإحيائه مرة أخرى، ليصبح ندا وخصما للحضارة الغربية.
كما ليس بعيدا عن هذه الحرب الوحشية والمدمرة، العمل الحثيث على إعادة إحكام قبضة التغريب، التي تحطمت ولفظت أنفاسها بخاصة خلال الأعوام الخمسين الأخيرة، بعد أن حاصرتها مظاهر الإحياء الإسلامي، وأحرجتها تكوينات الصحوة الإسلامية المعاصرة، والتي كشفت مدى الفشل الذي لحق بعملية إدماج العالم الإسلامي في منظومة الحضارة الغربية الغالبة، بل كشفت التجارب أن رد الفعل والحضور الإسلامي كان مرتبطا بمدى الحرص على التغريب كما في (مصر- الجزائر- تركيا- إيران)، وهو ما استدعى اليوم ذلك الحضور والإجماع الغربي العسكري والسياسي والاقتصادي، والوقوف صفا واحدا في وجه المقاومة الفلسطينية، لإرسال رسائل إرهاب للمجتمعات العربية والإسلامية من ورائها، وهو ما صرح به الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتسوغ" بشكل واضح حين أعلن بأن إسرائيل تقف في خط الدفاع الأول عن الحضارة الغربية.
كما يجب أن ننتبه إلى أن الحرب تعمل على توطيد أركان المشروع الصهيوني الذي يمثل بدوره أخطر أدوات تقويض الحضارة الإسلامية أو أي نهضة إسلامية للمنطقة؛ فوق كونه من أهم ركائز المشروع الغربي والمصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
ولا يخفى أن ذلك التمهيد النيراني قد أصبح ضروريا لاستكمال بناء الممر الاستراتيجي الغربي (الهند- الخليج- إسرائيل- أوروبا)، وهو المشروع الذي يدعم مركزية إسرائيل في منطقتنا ويحاصر جيوسياسيا مراكز النفود والقيادة الإقليمية الإسلامية التقليدية والمرشحة لتغيير أوضاع المنطقة، سواء من حيث مؤهلاتها أو طموحاتها (تركيا- إيران- مصر).
إعادة إحكام السيطرة على المنطقة الإسلامية التي تعد من أهم مكونات استراتيجية أمريكا الكونية، وخاصة أن ذلك قد أصبح ضروريا لحرمان روسيا والصين من الاستفادة منها في بناء نفوذها الدولي والتموقع فيها بما يدعم تنافسيتهما للانفرادية الأمريكية.. ومما يؤكد ذلك أن "الممر الاستراتيجي الغربي" المزمع كما يحقق جزءا مهما من السيطرة على المنطقة فإنه يؤهل إسرائيل لمكانة ودور مركزي فيها، في الوقت الذي يضعف مكانة الدول الإقليمية الكبرى (تركيا- مصر) ويقطع الطريق على الممر الاستراتيجي الآخر "الحزام والطريق".
أولويات النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في منطقتنا لا تزال موجهة نحو محاصرة كل مصادر القوة التي يمكنها أن تعيد ترميم العالم الإسلامي، وتعمل على تجريف ومصادرة كل مراكز الحراك الإسلامي وتعطيل محركاته، وذلك برغم الانشغالات الكبرى والصراع المحموم على سقف العالم
لهذا وغيره فإن أولويات النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في منطقتنا لا تزال موجهة نحو محاصرة كل مصادر القوة التي يمكنها أن تعيد ترميم العالم الإسلامي، وتعمل على تجريف ومصادرة كل مراكز الحراك الإسلامي وتعطيل محركاته، وذلك برغم الانشغالات الكبرى والصراع المحموم على سقف العالم، وهو ما يؤكد أن المعركة من أجل استبعاد الحضارة الإسلامية واستمرار استنزاف العالم الإسلامي وعرقلة كل مشاريع استعادة حضوره لا تزال مستمرة، وأن اتساع عمليات هذه المعركة في العقود الأخيرة إنما يهدف لنسف كل أسس العودة للإسلام ومظاهر الوعي التي أصبحت أهم مكونات اليقظة المعاصرة، والتي بدت أهم مؤشرات استعادتها لزمام المبادرة وامتلاكها لقرارها في اتساع رقعة الرفض والمقاومة للمشروع الصهيوني في المنطقة.
فقد ثبت أن عملية احتواء الإسلام وإقصاء العالم الإسلامي من دوائر التأثير على الخريطة الدولية، والتي يجري تفعيلها منذ أكثر من خمسة قرون إبان الكشوف الجغرافية الاستعمارية وما أعقبها من حملات استعمارية مباشرة، هي عملية فاشلة..
كما أن كل المؤامرات التي تعرضت لها القضية الفلسطينية قد ذهبت أدراج الرياح وعادت القضية بكرا كأول يوم، وأصبح من المستحيل الالتفاف عليها أو محاصرتها..
كذلك أصبح التطبيع الذي يعد هدفا صهيونيا استراتيجيا في خبر كان، بل أصبح الخيار المستحيل.. كما بات واضحا انكشاف الحكومات التي وقفت عاجزة وتلك التي تواطأت على فلسطين كما لم تنكشف من قبل، ومن ثم قوة دفع جديدة لمحركات وعجلات التغيير.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الغربي الإسرائيلي إسرائيل غزة الغرب المسلمين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العالم الإسلامی حرب على على غزة
إقرأ أيضاً:
أليك تطلق “استراتيجية الروبوتات” التي تهدف إلى أتمتة 5٪ من أعمال البناء بحلول عام 2030
أعلنت شركة أليك عن “استراتيجية الروبوتات” التي تركز على تحويل عمليات البناء الأساسية من خلال استخدام حلول الأتمتة المتطورة، وجاء هذا الإعلان خلال فعالية يوم الابتكار السنوية التي تنظمها الشركة. وتماشياً مع أجندة الابتكار الأشمل التي تنتهجها الشركة، سيتضمن هذا البرنامج عقد أليك لشراكات استراتيجية مع الشركات الرائدة في مجال الروبوتات على مستوى العالم بهدف تطبيق حلول مبتكرة في مشاريع البناء التي تنفذها، وإدخال هذه التقنيات إلى المنطقة، مما سيسهم بالارتقاء بقطاع البناء بأكمله.
وتطرّق السيد باري لويس، الرئيس التنفيذي لشركة أليك إلى أن الشركة بتبنيها لهذه الاستراتيجية المبتكرة تظهر التزامها العميق بدعم المبادرات الحكومية في المنطقة، حيث قال: “نظراً لكون قطاع البناء يوظف نسبةً كبيرة من القوى العاملة، وانطلاقاً من كون أليك شركة مبتكرة وذات تفكير مستقبلي، فإنها تدرك مدى أهمية دمج الروبوتات في عملياتها. كما نعمل في الوقت ذاته بشكل وثيق مع جميع الأطراف ذات الشأن في هذا القطاع، فكل تقدّمٍ يطرأ على القطاع يعتبر تقدّماً لجميع الجهات العاملة فيه، وهذا يعني أن زيادة الاعتماد على الأتمتة على مستوى قطاع البناء كاملاً ستساعد في حل العديد من التحديات الكبيرة التي تواجه القطاع، بدءًا من تعزيز الاستدامة ومعالجة نقص العمالة الماهرة إلى الإيفاء بالمتطلبات الدقيقة للمشاريع.”
وتمثل استراتيجية الروبوتات الجديدة التي تتبعها أليك امتداداً لمبادرة “الروبوتات المصغّرة” التي أطلقتها أليك خلال عام 2017، والتي تضمّنت منذ إطلاقها قيام الشركة باختبار تسعة حلول مبتكرة مرتكزة على الروبوتات، وتطبيق هذه الحلول بشكل فعلي في مشاريعها. وامتداداً لهذه الجهود الكبيرة، ستتعاون الشركة الآن بشكل وثيق مع الجهات الحكومية والجامعات المحلية والدولية والشركات المخضرمة والناشئة في مجال الروبوتات لتقييم ما يصل إلى 20 فكرة وشراكةً في مجال الروبوتات كل عام. وتهدف الشركة على مدار خمس سنوات إلى أتمتة 5% من أعمال البناء في مشاريعها من خلال تطبيق حلول روبوتية مدروسة ومتقدمة.
وخلال المرحلة الأولى من استراتيجية الروبوتات التي ستتبناها الشركة، تعتزم أليك التركيز على تحقيق الريادة في استخدام تقنيات الروبوتات العالمية التي أثبتت جدارتها بشكل فعلي، إضافةً إلى المساعدة في تسريع التقدّم الذي تحققه مشاريع الروبوتات الواعدة التي ما زالت قيد التطوير. وقد قامت الشركة بالفعل بتحديد بعض مزودي هذه التقنيات، واستعرضت أعمال العديد منهم ضمن فعاليات يوم الابتكار الذي تنظمه الشركة.
ومن بين الشركات الرائدة في مجال روبوتات البناء من جميع أنحاء العالم التي حضرت هذه الفعالية المتميزة، والتي كان عددها 14 شركة، كانت جامعة نيويورك أبوظبي، والتي تستكشف حلول الذكاء الاصطناعي والروبوتات لاكتساب البيانات بشكل ذاتي في مشاريع البناء. كما قدمت شركة (هيلتي HILTI) عرضاً توضيحياً مذهلاً لروبوتها (جايبوت Jaibot)، وهو روبوت بناء شبه مؤتمت، ومصمم لأعمال التركيب الميكانيكية والكهربائية وأعمال السباكة والتشطيب الداخلي. بينما أذهلت شركة (كونستركشن روبوتيكس Construction Robotics) الحضور بروبوتها (ميول MULE) ، وهو حل روبوتي مخصص للمساعدة على رفع الأوزان الثقيلة، وهو مصمم لتحميل المواد الثقيلة ونقلها وتنزيلها في مواقع البناء. أما في مجال الحلول المرتكزة على الطائرات المسيّرة الذي يشهد تقدّماً سريعاً، فقد تميزت شركة (أنجيلز وينغ Angelswing) بمنصتها الرقمية المزدوجة المبتكرة التي ترتكز في عملها على الطائرات المسيرة، والتي تعزز الفعالية والكفاءة طيلة فترة المشروع من مرحلة التخطيط وحتى إتمام التنفيذ.
وفي هذا الصدد، قال السيد عماد عيتاني، رئيس قسم الابتكار في شركة أليك: “في خضم التحولات الكبيرة التي يشهدها سوق البناء، يمثل الوعي البيئي والتقدم التكنولوجي السريع فرصةً مثالية أمام قطاع البناء لتحقيق القدّم السريع نحو عصر يتسم بالكفاءة المعززة والاستدامة والتميز، وتقود أليك مسيرة التحول هذه. ومن خلال الدعم الكبير الذي يقدمه قسم الابتكار الذي نمثله، فقد تم إدماج ثقافة الابتكار في التكوين الجوهري للشركة. كما مكنتنا أطر العمل المصممة بدقّة متناهية من وضع أهداف واضحة ذات معالم ملموسة تضمن استمرارية التطور. وبصفتها شركة البناء الرائدة في المنطقة، فإنّ أليك تدرك تماماً أن نجاحاتها ستقف شاهدةً على القيمة والجدوى التي تتمتع بها الأساليب الجديدة المتبعة في عالم البناء. وانطلاقاً من هذا الإدراك، سنواصل التعاون وعقد الشراكات مع أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم لتقديم أفضل الحلول والتفوق على توقعات المساهمين لدينا”.