إيران بين الوجه المعلن وثقافة مستترة.. من هم الفرس الجدد؟
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
دائما ما يكون للحقيقة وجهان، أحدهما معلن ظاهر والآخر خفى مستتر، يعلو أحدهما على الآخر، وحسب الصوت الأعلى وتصدر المشهد يبرز أحد الوجهين ليصبح هو العنوان الأهم للمشهد والصورة. يقول عالم الإيرانيات ريتشارد نلسون فراى «كان مجد إيران دومًا فى ثقافتها»، فقد تميزت الثقافة الإيرانية رغم مرورها بالعديد من المؤثرات الثقافية سواء فى العصر القديم أو الحديث بتمسكها بهويتها القومية، فاستفادت من الثقافات المختلفة، ولذلك أقامت لنفسها صرحًا ثقافيًا يتماشى مع هويتها القومية.
ولأن نظرتنا كثيرا ما تتأثر للتراث الثقافى والحضارى للدول بالوضع السياسى وتكون منطلقًا للحكم على ممارساتها السياسية، فقد تجلى هذا الأمر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن بصرف النظر عن الممارسات السياسية والحكم عليها فإن إيران تتمتع بتاريخ حضارى وثقافى قلما يوجد للكثير من الدول فى العالم، وهو ما يجعلنا نتساءل عنه، عن ذلك الجانب الخفى من المشهد، إيران ثقافيا وحضاريا، من هو الإيراني، الفارسى الجديد، أهو ذلك المشاكس الذى لا يملك من القوة سوى نوويتها، ويفتح دوما صدره للعالم متباه بما يملك، أم أن له وجها ثقافيا وحضاريا لا يعرفه الكثيرون، حتى ناء واستتر تحت وطأة الوجه الأعلى صوتا والذى فرضه عليه التوجه السياسي؟
يجيبنا عن ذلك التساؤل الدكتور أحمد سامي، استاذ اللغة الفارسية والدراسات الإيرانية بكلية الآداب جامعة عين شمس، حيث يقول:
إن النظر إلى الثقافة الفارسية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التراث الثقافى الفارسي، حيث إن إيران دولة صاحبة حضارة تمتد لآلاف السنين قبل الميلاد، وقد خضعت لحكم إمبراطوريات عظيمة كالإمبراطورية الهخامنشية والأشكانيين والبارثيين والساسانيين، وقد كان الملك كوروش الهخامنشى صاحب أول ميثاق لحقوق الإنسان منذ عام 539قبل الميلاد بعد أن استولى على مدينة بابل عام 539 قبل الميلاد، وتشجع تلك الاسطوانة المكتوبة بالنقوش المسمارية على حرية العبادة فى جميع أنحاء الامبراطورية الفارسية، وتسمح للسكان الذين تم تهجيرهم بالعودة إلى أوطانهم.الدكتور أحمد سامي
وقد كانت هناك إمبراطوريتان عظميان سيطرتا على العالم فيما قبل الإسلام هما إمبراطوريتا الفرس والروم، وبالرغم من أن كلتيهما قد تم فتحهما على يد المسلمين، فإن الثقافة والحضارة الإسلامية قد انتشرت فى العالم الإسلامى آنذاك وتولت الفرس إدارة شئون الإسلام وساهمت فى نهضته التى كانت أساسًا للنهضة الأوروبية فيما بعد، بينما لم تضطلع الحضارة الرومانية بمثل هذا الدور الذى أحرزه الفرس.. وأما منذ ما بعد الإسلام وحتى الوقت الحاضر فقد كان وما زال لدى إيران إرثٌ حضارى كبير فى الأدب والشعر والفنون والعمارة والخط والموسيقى، وأضيف إليه فى العصر الحديث السينما الإيرانية.
حُكمت إيران بعد الإسلام من قبل العديد من الدول وقامت فى العديد من الحركات والدويلات بدءًا من الطاهرية والصفارية والسامانية والغزنوية والسلجوقية مرورًا بالتيموريين والصفويين والقاجاريين والبهلويين ثم الجمهورية الإسلامية.
وعن ذلك المزيج الذى يميز الحضارة والثقافة الإيرانية يضيف «سامي»:
امتزجت الحضارة الفارسية بالإسلام عند دخولها تحت رايته وأنجب هذا الامتزاج علماء وفلاسفة أثروا الحضارة الإسلامية، ومازالت آثارهم باقية إلى الوقت الحالي، ومن بين علماء الفرس فى الدولة الإسلامية نذكر منهم فى الطب ابن سينا وأبو بكر الرازى.. فى الرياضيات الخوارزمى.. فى الحديث البخارى ومسلم والنسائى.. فى الفلك: الخيام.. فى النحو: سيبويه. فى الفلك والرياضة أبو الريحان البيرونى.. والكثير غيرهم.. وفى الأدب حافظ وسعدى والعطار والخيام وغيرهم.. كل هؤلاء أثروا الحضارة والثقافة الإسلامية.
إن التراث الثقافى الإيرانى مزيج بين التراث الإسلامى الإيرانى وتراث ما قبل الإسلام، ويتضح ذلك فى الأسماء التى ترتبط بتاريخ ما قبل الإسلام مثل بهرام، رستم، جمشيد، والإسلام التى ترتبط بالإسلام الشيعى مثل علي، حسن، حسين، مهدى وغيرها.. كما تتضح الإزدواجية التراثية كذلك فى الأعياد التى تتنوع ما بين أعياد قومية إيرانية مثل «شب يلد» أو ليلة الميلاد، وعيد النيروز، وما بين الأعياد الإسلامية مثل عيد الأضحى وذكرى عاشوراء وغيرها..
ويتابع «سامي»: وأما فى العصر الحديث فإن إيران تعرف جيدًا قيمة القوة الناعمة والتراث الحضاري، وهى تقوم على رعايته جيدًا، حتى وإن كانت تستخدمه لصالح تصدير ثورتها الإسلامية والتغلغل فى الدول المجاورة، وهناك العديد من المؤسسات التى تتولى رعاية الأنشطة الثقافية نذكر منها على سبيل المثال فى مجال اللغة مركز نشر اللغة الفارسية، بنياد سعدي، مجمع اللغة والأدب الفارسى.
وفى مجال العمارة، فقد شيد الإيرانيون فى العصر الإسلامى كثيرًا من المساجد والأضرحة والمدارس والأسواق والخانات والقصور.
وفى مجال الموسيقى فقد كانت الموسيقى جزءًا من تراث الإيرانيين قبل الإسلام وخاصة فى عهد الساسانيين لأنها كانت تستخدم فى الطقوس الدينية الزرادشتية. ومن بين الآلات الموسيقة الفارسية التار والسه تار والطنبور وغيرها.. وتخافظ الموسيقى الإيرانية على هويتها، رغم أنها لم ترفض التأثر بالروافد الأخرى الشرقية منها أو الغربية.
وأما السينما الإيرانية، فقد دخلت إيران مع بدايات القرن العشرين منذ عهد الشاه مظفر الدين القاجاري، وخضعت لتحديات وتأثيرات فيما بعد كان من أهمها الثورة الإسلامية الإيرانية، ولكن السينما الإيرانية اليوم تحظى بشهرة عالمية، وحصدت عدة أفلام إيرانية وأفلام لمخرجين إيرانيين جوائز عالمية من بينها فيلم «جدایی نادر از سیمین» (انفصال نادر وسيمين) للمخرج أصغر فرهادي، وفيلم «لاك پشت ها هم پرواز میكنند» (السلاحف تسطيع الطيران) للمخرج بهمن قبادى وفيلم البائع الذي رشح لجائزة الاوسكار فى ٢٠١٧.
فرغم حصول الأفلام الإيرانية على جوائز عالمية، لكنها التزمت بالضوابط الموجودة فى البلاد.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: العالم الإسلامي الفرس السينما الإيرانية ابن سينا
إقرأ أيضاً: