هل سيتم تشكيل الحكومة القادمة في الأردن على أساس حزبي؟
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
الرواشدة: لا قرار حتى الآن بموعد محدد لحل البرلمان أو رحيل الحكومة
من بوابة مشروع التحديث السياسي، وقرب الأردنيين من خوض معركة الانتخابات النيابية بقانون جاء تعزيزا لقوة الأحزاب وطمس المكونات التقليدية، فتحت الصالونات السياسية التكهنات والحديث عن تشكيل حكومة على أساس حزبي، خصوصا أن الأحزاب ستظفر بواحد وأربعين مقعدا وصولا إلى مرحلة أن تكون غالبية التمثيل البرلماني منوطة بالأحزاب السياسية.
اقرأ أيضاً : "المستقلة للانتخاب" تفتح باب الاعتماد للمراقبين المحليين للانتخابات النيابية
ووفق استطلاع أجراه مركز الحياة - راصد، أظهرت النتائج أن عدد الأحزاب السياسية التي تنوي المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة بلغ 32 من أصل 35 حزباً أجابت على الاستطلاع، فيما وصل عدد الأحزاب التي لم تحسم أمرها بعد بما يتعلق في المشاركة بالترشح للانتخابات النيابية المقبلة إلى 3 أحزاب سياسية.
وفي هذا الصدد تساءل الكاتب والمحلل السياسي حسين الرواشدة هل سيتم تشكيل الحكومة القادمة على أساس حزبي من داخل البرلمان؟
وقال الرواشدة: "استدعاء السؤال ضروري لسببين، الأول: استدراك محاولات رفع سقف التوقعات لعملية التحديث السياسي التي صُممت لتكون متدرجة، متراكمة، ومتكاملة ومستمرة، وعلى ثلاث مراحل، تبدأ بتمكين التجربة الحزبية داخل البرلمان، وصولا إلى إفراز حالة حزبية ناضجة وقادرة على التنافس للمشاركة في صناعة القرار. الثاني: تصحيح مسار بعض السباقات الحزبية التي تحاول ركوب موجة الانتخابات، بأسماء أشخاص وزعامات، لا باسم أحزاب لها برامج وطنية واضحة، هؤلاء الاشخاص بدأوا بتقديم أوراق اعتمادهم إلى الناخبين تحت لافتة (رئيس وزراء قادم)، فيما الحقيقة أن هذا غير وارد ، ربما يُدرج في سياق الدعاية الانتخابية المغشوشة، لكنه ليس صحيحا، ولا يعكس الفهم المطلوب لمشروع التحديث السياسي، ولا الدور الذي يجب أن تنهض به الأحزاب في هذه المرحلة الانتخابية، لهؤلاء، ولمن يفكرون بمقايضتهم في أسواق ( العرض والطلب)، أقول : اهدأوا، لا حكومات حزبية في هذه المرحلة".
وأضاف: "منذ ثلاث سنوات، أطلق الملك قطار التحديث السياسي، وبعد اكتمال التوافقات الوطنية والبُنى التشريعية اللازمة للبناء عليه، وضمان استمراره، جاءت الإرادة الملكية بإجراء الانتخابات الأولى وفقا لهذا المسار، الآن من واجب الأحزاب التي تشكل رافعة أساسية لإنجاح التجربة أن تتقدم للأردنيين ببرامج وخرائط سياسية واقتصادية حقيقية، تتناسب مع طموحاتهم، ولكي تنجح بإقناعهم للمشاركة والتصويت لابد أن تتحرر من خطابات الزعامة المتفردة، وجردة المكاسب الشخصية، ومنطق توزيع الغنائم السياسية، لابد، أيضا، أن تصارح الناخبين، وأن تتعامل معهم بشفافية في إطار مصالح الدولة وإمكانياتها، لا في إطار دغدغة العواطف، أو تسويق الأوهام، أو محاولة شراء الذمم".
وتابع الرواشدة: "لا يوجد، حسب معلومات موثوقة، أي قرار، حتى الآن، بموعد محدد لحل البرلمان، أو رحيل الحكومة، كما أن نتائج "البروفة" الأولى للتجربة الحزبية في البرلمان القادم، باعتبارها تمرينا قابلا للقراءة والتقييم، لا تساعد، وربما لا تصلح، لإنتاج حالة تشاورية وآلية ناضجة لتنسيب أسماء لرئاسة حكومة جديدة، هذا يعني أنه لا تغيير على آليات اختيار رئيس الحكومة في هذه المرحلة، ولا نصيب للأحزاب أو الكتل البرلمانية في ذلك؛ الدولة الأردنية حين اختارت مسار التحديث السياسي على مركب الأحزاب وفق دسترة مراحله بتدرج مدروس، أرادت أن تتجنب القفز في المجهول، إذ لا يمكن رفع مداميك الانتقال الديمقراطي إلا بضمان بناء أساسات قوية، تستند إلى مشاركة الأردنيين بالعملية الحزبية، وثقتهم بها، وإصرارهم على إنجاحها".
وقال الرواشدة: "للتذكير، مشروع التحديث السياسي هو مشروع الدولة الأردنية، ولن يُسمح لأي جهة - كما قال الملك مرارا- بالتدخل فيه، أو إعاقته، أو تعطيله، فهو ضرورة لتجديد قوة الدولة واستقرارها واستمرارها، كما أنه يشكل قوة دفع وحماية للنظام السياسي، وفرصة مهمة لمشاركة الأردنيين في بناء دولتهم، واستعادة ثقتهم بأنفسهم ومؤسساتهم، وصناعة مستقبلهم. وعليه، لابد أن يتوافق الأردنيون، أقصد إدارات الدولة و المجتمع بأحزابه ونخبه، على عنوان واحد، وهو «الفشل ممنوع»، صحيح أننا أمام امتحان وتجربة انتخابية جديدة، لكن الصحيح أنها فرصتنا، لإثبات قدرتنا وعزيمتنا على النجاح والتقدم للأمام، وهذا ما سيكون بإصرار الأردنيين وإرادتهم الصلبة. هذه الانتخابات تتزامن مع وضع قادم مزدحم بالأخطار والاستحقاقات التي يواجهها بلدنا، والمنطقة كلها، نخوضها في اجواء ملبدة بالغيوم السياسية والتحديات، ولا يمكن أن نتجاوزها إلا بمؤسسات قوية، وجبهة وطنية متماسكة، وهمة أردنية تتسامى على السباق للمواقع، أو الاستغراق باليأس، أو الهروب من تحمل المسؤولية".
المصدر: رؤيا الأخباري
كلمات دلالية: الانتخابات النيابية الأحزاب الأحزاب السياسية الحكومة التحدیث السیاسی
إقرأ أيضاً:
مصر: السُلطوية ونفي المواطنة عن الجسد السياسي (1)
في المقالات القادمة (4 مقالات)، سنرى كيف استخدمت الدولة المصرية، تاريخيا وإلى الآن، التقنيات الحداثية في إيجاد ونفي أجساد وأسماء المصريين من أجل بقائها وهيمنتها.
قررت محكمة جنايات القاهرة، يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2024، رفع أسماء مئات الأشخاص من قوائم "الكيانات الإرهابية"، في إطار توجيهات رئاسية بمراجعة موقف المدرجين على هذه القوائم تنفيذا لطلبات الحوار الوطني. وفق بيان للنيابة العامة المصرية، شمل القرار نحو 716 شخصا من المدرجين على قوائم الإرهاب من أصل 4408 اسما آخر موضوعا على القائمة حتى آب/ أغسطس من عام 2024.
وضعُ أي اسم مواطن مصري على قوائم الإرهاب، يعني تجميد أمواله، ما يعني حظر التصرف فيها، كما يُمنع من السفر ويُترقب عند الوصول، بالإضافة إلى سحبِ جواز سفره أو إلغائه أو يُمْنَع من تجديده، سواء كان مقيما في الداخل أو في الخارج، كما يفقد صفة "حسن السيرة والسلوك" اللازمة لتولي المناصب العامة والنيابية، فضلا عن فقدانه كلّ معاملاته الخاصة به مع الدولة كونه مواطنا مصريا، أي تُسحب منه صفة المواطنة. وهذا ما يعني أنه في يد السُلطوية السياسية في مصر، بعد تطويعها للمنظومة القضائية وتشريعها للمادة رقم 1 من قانون رقم 8 لسنة 2015، في ظل حكم الطوارئ والاستثناء في عهد السيسي، نفي سمةِ المواطنة عن أي مصري تعتبره معارضا لها.
ضعُ أي اسم مواطن مصري على قوائم الإرهاب، يعني تجميد أمواله، ما يعني حظر التصرف فيها، كما يُمنع من السفر ويُترقب عند الوصول، بالإضافة إلى سحبِ جواز سفره أو إلغائه أو يُمْنَع من تجديده، سواء كان مقيما في الداخل أو في الخارج، كما يفقد صفة "حسن السيرة والسلوك" اللازمة لتولي المناصب العامة والنيابية، فضلا عن فقدانه كلّ معاملاته الخاصة به مع الدولة كونه مواطنا مصريا، أي تُسحب منه صفة المواطنة
المواطنة، هذا المفهوم القديم وحتى وقتنا الحالي؛ تطوَّر ضمنَ دلالات وتعريفات عدّة، دلَّت بعضها، ولا سيما الحديثة أي بعد الثورة الفرنسية عام 1789 وأحداث أُخرى، على التعايش المشترك بين الأفراد والجماعات، بما يضمن للجميع الحقوق والحريات، تحت سقف الدولة الواحدة. لكن علاقة هذه الدولة بالجماعات هي علاقة قديمة جدا، حددتها أعراف وقوانين ونظريات متباينة ومتداخلة في ما يعرف بعصر التنوير، تحديدا القرنين السابع والثامن عشر، إذ ساهم مفكرون في صياغة وتطوير نظرية العقد الاجتماعي، أبرزهم توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو، وخلص الثلاثة إلى أن العقد الاجتماعي بين الدول والجماعات هو ضروري لحفظ الأمن والحريات والحقوق للثانية، بما أن الأولى هي الضامنة لعدم تعدّي أي من فئات الثانية على الآخر، وهذا فيما يخص الدين والاقتصاد والسياسة والحقوق وغير ذلك. من هنا، ومع التطورات الذي لحقتْ بالدول الغربية مثل الثورات الصناعية والانفصالات وترسيمات الحدود، نشأت الدساتير، كعقد اجتماعي، يوثِّق ويحفظ العلاقة بين الدولة والجماعات.
أما في مصر، منذ تاريخها القديم، كانت الإمبراطوريات هي التي تحكم الشعب دون أي عقد اجتماعي مَنصوص ومُتفق عليه بين الطرفين، وتتداول الإمبراطوريات المنتصرة في المعارك حكمها لمصر، وصولا إلى الحكم العثماني الذي جاء بمحمد علي حاكما لمصر أوائل القرن التاسع عشر، فيما اعتبره المؤرخون بداية تاريخ الدولة المصرية الحديثة، لما أحدثه من تقدم "حداثي" في مجالات مختلفة، من حيث العمران والطب والتعليم والصحة، والأهم الجيش، إذ كان بناء الجيش المصري، هو نواة قيام الدولة الحديثة، تحديدا فيما يخص قطاعات الصحة والتعليم.
خلال سنوات حكم محمد علي (1805-1849)، تأسست تقنيات المواطنة بشكلها الرسمي، لا الفعلي، إذ بدأت الدولة المصرية في إحصاء السكان، وتسجيلهم، لا من أجل معرفة بنيويَّة الجماعات المصرية، من حيث اختلافها واحتياجاتها وخصوصيّاتها ومشاركتها في صياغة عقد اجتماعي جديد للدولة، يحفظ بدوره الحقوق والحريات لهذه الجماعات، كما كان يحدث بنسبٍ مختلفة في دول أُخرى.. بل كان التسجيل والإحصاء يهدف إلى توسّع محمد علي في مشروعه، وبنائه على أسس معرفية تحوي تعداد السكان وأعمارهم، وغير ذلك. إذ بدأت السُلطوية الباشويَّة في تجنيد الفلاحين المصريين، لبناء جيشه الحديث (1821)، نواة دولته التي يحلم بتوسّعها وهيمنتها في الجوار. لذا، كانت أهمية إحصاء السكان تكمُن في السيطرة والرقابة على الفلاحين الذين سلكوا كل الطرق والوسائل هربا من التجنيد الإجباري.
في عام 1845، أقرَّت الجمعية العمومية بوزارة المالية المصرية، البدء في تعداد سكان القُطر المصري، فيما عرف بـ"تعداد النفوس". وقد تولى وقام بهذه المهمة مشايخ وعُمَد البلدات والقرى والأحياء، وغيرهم ممَّن وكّلتهم الدولة، وزارة الداخلية تحديدا، بحصر الأعداد. في عام 1848، جُمعتْ تلك القوائم بإجمالي عدد سكان القُطر المصري، وكان قرابة 4 ملايين ونصف نسمة. ومع مجيء الاحتلال البريطاني لمصر عام 1982، بدأ إنشاء السجلات المدنية للدولة الحديثة في مصر، بهدف إحصاء سكاني لمصر أكثر دقة وحوكمة، يساعد الدولة أكثر في المعرفة والضبط والسيطرة على من تحكمهم.
حتى وقتنا الحالي، وفي ظل تحديث تقنيات إحصاء السكان، وبالتوازي، تطورت أهداف هذا الإحصاء، وأصبح تسجيل أي اسم، كإنسان مصري، ليس بهدف وجوده كمواطن ضمن عقد اجتماعي يحفظ حقوقه، بل كجسد ملك لهذه الدولة، تتعامل معه وفقا لأهدافها، تستخدمه وتسخّره وتراقبه وتسجنه وتستبعدَه، وحتى تُحييه أو تقتله، وغير ذلك من تمثلات متباينة لممارسات الدولة المصرية، عبر أنظمتها المختلفة، الملكية والجمهورية، مع مفهوم المواطنة للمصريين، فكيف حدث هذا، لا سيما في عهد السيسي؟ هذا ما سنراه في المقال القادم.