صحيفة المرصد الليبية:
2025-02-17@01:01:58 GMT

غزة وانكشاف أزمة القيادة العالمية

تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT

غزة وانكشاف أزمة القيادة العالمية

غزة – تحوّلت غزة إلى محور العالم سياسيًا. كانت هذه الحرب الأكثر حشدًا في تاريخ إسرائيل، عسكريًا وسياسيًا. فلم يسبق لتل أبيب أن سعت لحشد الدعم الدوليّ بهذا القدر الذي شهدناه، ولم يسبق أن حدث فعلًا، دعم غربي بهذا المستوى لحرب إسرائيليّة.

لقد اعتادت التحالفات الدولية لدولة الاحتلال أن تخوض حملات دعمها لفترات وجيزة تحتمل معها التبعات الأخلاقية لحملة قتل إسرائيليّة في مكان ما داخل فلسطين أو على أطرافها في نطاق زمني ومكاني محدودَين.

لم يصمم الغرب دعمه المنفلت للفترات الطويلة، التي تفرضها حرب غزة اليوم بعد انقضاء أكثر من ستة أشهر على الإبادة الجماعية.

عجز غربي

رغم تحولات الموقف السياسي الدولي من إسرائيل بسبب تنامي حضور الحركة الاجتماعية العالمية التضامنية مع فلسطين وارتكازها الغربي، فإن الدول الحليفة لإسرائيل لا تزال حتى اللحظة تكشف عن عجز لا يمكن تفسيره في السياق المصلحي المباشر، فالسياق الإنساني أو القانوني تجاوزناه منذ أسابيع الحرب الأولى.

تفشل هذه الدول في اتخاذ مواقف ذات معنى من أجل ممارسة الضغط لوقف الحرب. بل إنها تمارس في المقابل حملات تأييد من نوع مختلف لحرب الإبادة من خلال التضييق والمنع والقمع المباشر الذي شهدناه في أشكال مختلفة منذ بداية الحرب، وكان آخرها حملات القمع والاعتقال في أعرق جامعات الولايات المتحدة لطلبة وأساتذة جامعيين مسالمين.

الجامعات التي تُعتبر الحصن الأخير للديمقراطية المستقلة عن حسابات النخبة السياسية، ظهرت رهينةً للمانحين، وظهر رؤساء الجامعات تحت سطوة سياسة التخويف والتصفية المدنية عبر تشويه السمعة، والترهيب بخسارة الموقع الوظيفي، وإنهاء الحياة المهنية.

ينتج مثل هذا العجز عن ارتباطات معقدة داخل النخبة السياسية الحاكمة ومؤسسات صناعة القرار في الغرب. ويولّد مواقف تافهة تجعل من عمليات الضغط التي تقوم بها دولة مثل الولايات المتحدة تجاه دولة الاحتلال مسألة مثيرة للسخرية. مثل اقتراحات العقوبات على كتيبة محددة للجيش الإسرائيلي بمنع استفادتها من المساعدات الأميركية، أو بعقوبات رمزية على مستوطنين ارتكبوا أعمالًا إرهابية في الضفة الغربية وَفقًا لكل المقاييس الغربية والعالمية. وهو ما يدفع بالجمهور إلى تصعيد أكبر مع تزايد القناعات بالانحياز المريع الذي لا بدّ من وقفه.

نزيف أخلاقي

يدرك السياسيون الغربيون حجم ورطتهم عالميًا في استمرار دعم الإبادة، وبعجزهم عن الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، وبالتالي وقف نزيفهم الأخلاقي. لكن عجزهم الأكبر يكمن في عدم القدرة على الإخلال بقواعد العلاقة التي تجمعهم بهذا الكيان الذي سبب لهم كل هذا الأذى. هنا تتكشف حقيقة المؤسسة السياسية التي ترتبط بشبكة ولاءات رهيبة، لا تجعل من آلياتها في لحظات حقيقة كهذه قادرة حتى على الدفاع عن نفسها وعن أكثر قيمها الدستورية رسوخًا، مثل حرية التعبير عن الرأي، التي كانت اللواء الغربي خلال الحرب الباردة.

إن تشابكَ المصالح الداخليَّ بين لوبيات إسرائيل ونخبة السياسة الغربية قد لا يكفي وحده لفهم هذا الانحسار القيمي والإنساني. فثمة أسباب أخرى تأتي في سياقات الأزمات الدولية المتلاحقة ترتبط بفقدان العالم نفسه للقيادة.

لقد جاءت الحرب في ظل افتقار العالم للقيادة. فلم يحدث أن انكشفت الدول الغربية الكبرى – وهي التي تقود النظام الدولي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية – على أزمة قيادة بهذا الشكل الذي نشهده اليوم. اعتاد العالم على التعامل مع قيادات – ذات أوزان وحضور ثقيلين – تتناسب مع حجم الأدوار العالمية لتلك الدول.

ففي الولايات المتحدة – التي لاتزال تمسك بأغلب أوراق اللعِب في المنطقة رغم كل ما يقال عن انكفائها – هناك صراع مؤسسي وأيديولوجي حول هوية الولايات المتحدة وأدوارها الأمنية عالميًا، يعكسها صعود ترامب من جديد كمرشح للحزب الجمهوري، وعجز الديمقراطيين عن بدائل أكثر شبابًا. في بريطانيا، يكاد يصعب على المتابع السياسي المهتم، فضلًا عن العاديين من الناس، أن يتذكر أسماء رؤساء الوزراء بعد توني بلير، الذي يمثل آخر كاريزما غير كوميدية لقيادة المملكة المتحدة. وربما تحكي عودة ديفيد كاميرون، الذي شغل منصب رئيس الوزراء لست سنوات، كوزير خارجية حالي جانبًا من هذه الأزمة.

افتراق عالمي

في ألمانيا وفرنسا، لا أدوار أوروبية تُذكر بعد أنجيلا ميركل وجاك شيراك. برلين تكافح اختلال الأمن في أوروبا تحت ظلال الحرب الروسية الأوكرانية، وفرنسا تبدو كمن بلع مشهد الانقلابات العسكرية الناجحة في مستعمراتها السابقة في القارة السمراء. يشكّل الاتحاد الأوروبي مؤسسة اقتصادية كبرى، لكنه يفشل في السياسة الخارجية التي تحكمها بيروقراطية الإجماع. يظهر الاتحاد عاجزًا عن بلورة أدوار سياسية من معظم قضايا الشرق الأوسط توازي أو تليق بموقعه التاريخي والجيوسياسي، وبالأخص إن تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

وفي المقابل، قد تبدو قيادة الصين وروسيا ذات حضور ما في السياسة الدولية، لكن هذه القيادة لا تنخرط كفايةً في عُقَد المنطقة، وخاصة الملف الفلسطيني- الإسرائيلي. فالصين تحاول الانخراط عبر مسار التجارة الدولية، وتبدو كمن يُؤْثر الابتعاد عن البوابة السياسية؛ لحماية ذلك المسار.

ففرصة الصين الإستراتيجية تكمن في الحفاظ على الوضع الراهن الدولي الذي سبّب لها صعودًا عالميًا خلال العقود الثلاثة الماضية. ويبدو تحرّك الصين مرتبطًا أكثر بالحفاظ على شروط هذا الوضع. أمّا روسيا فهي تخوض معركتها الكبرى مع الغرب في أوكرانيا، والتي قد تحدد دورها المستقبلي لعقود قادمة.

على صعيد الأمم المتحدة، فقد تقلص تأثير المنظمة السياسي، وتراجعت مكانة الأمين العام للأمم المتحدة دوليًا، حيث باتت زياراته لمناطق النزاع والصراع لا تعكس أكثر من أدوارٍ تضامنية بمستوى تلك التي تقوم بها منظمات غير حكومية مهنية أو إنسانية.

لم تعد آليات الأمم المتحدة قادرة على استيعاب التطورات في التفاعلات الدولية التي تزداد تقييدًا بمصالح الخمسة الكبار في مجلس الأمن، الذين تتعاظم الفجوة بينهم. تعكس المبالغة في استخدام الفيتو مظهرًا من مظاهر الافتراق العالمي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصراع في الشرق الأوسط.

وعند مفصل الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته، يرضى العالم بأن تفقد المنظمة كثيرًا من هيبتها مع كل حملة ردح وشتم يقوم بها مسؤول إسرائيلي دون رادع أو محاسب. خلال حرب غزة، كان الفيتو الأميركي كاشفًا بوضوح لأزمة المنظمة الدولية، التي شكّلت أبرز ملمحٍ من ملامح نظام الدوليّ المعاصر.

لا يمكن عزل أزمة القيادة التي يعيشها الغرب عمومًا عن موقفه الحالي تجاه الحرب في غزة، والصدع بين النخبة السياسية الحاكمة والحزبية وقواعد الجماهير والرأي العام. فهذا الدعم يتسبب في نشوء واحدة من كبرى الحركات الاجتماعية العالمية ومركزها الغرب نفسه. تتشكل هذه الحركة من جزء غير قليل من جمهور مؤثر بطريقة ما في الحياة السياسية العامة. مع ذلك، وبرغم الانهيار الكبير للقيم الديمقراطية التي لا تُخطئها عين، لم يدفع هذا الوضع حتى الآن قيادة فاعلة في الغرب للبحث عن حلول أكثر من العتب الرقيق على إسرائيل لوضع حدّ ينهي المشهد الذي يستنزف الجميع.

 

المصدر : الجزيرة نت

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

علي هامش افتتاح مسجد الدكتور محمود بكري.. مصطفى بكري يشيد بمواقف شقيقه الوطنية ويدعو للالتفاف خلف القيادة السياسية

علي هامش افتتاح مسجد الدكتور محمود بكري بمسقط رأسه بقرية المعنى، بحضور الدكتور خالد عبد الحليم محافظ قنا، والعديد من القيادات التنفيذية والشعبية.

ألقى الكاتب الصحفي الكبير مصطفى بكري عضو مجلس النواب، كلمة تناول فيها مواقف شقيقه الراحل الوطنية، حيث استعرض الدور البارز الذي لعبه الدكتور محمود بكري في خدمة قضايا الوطن، مشيرًا إلى حبه العميق لمصر وحرصه الدائم على مصلحة شعبها، كما دعا النائب مصطفى بكري إلى الاصطفاف خلف القيادة السياسية التي استطاعت إنقاذ مصر في أوقات صعبة، مؤكدًا موقفه الثابت والداعم للقضية الفلسطينية ورفض التهجير.

و من جانبه، أعرب الدكتور خالد عبد الحليم محافظ قنا، عن سعادته بمشاركته في افتتاح هذا الصرح الديني الهام، مؤكدًا أن المسجد سيكون منارة للعلم والدعوة في القرية، ووجه الدعاء بالثواب لكل من ساهم في بناء المسجد، مقدمًا شكره الخاص للنائب مصطفى بكري على جهوده المستمرة في خدمة أهالي قريته.

وأضاف عبد الحليم أن مكتبه مفتوح أمام الجميع للاستماع إلى طلبات المواطنين والعمل على حلها بالتعاون مع السادة أعضاء البرلمان، مشددًا على ضرورة تكاتف الجميع من أجل تحسين الخدمات وتلبية احتياجات المواطنين.

مقالات مشابهة

  • رئيس تعليم "الشيوخ": القيادة السياسية تدعم بقوة ملف الشركات الناشئة
  • الأونروا: الاحتلال هجّر أكثر من 40 ألف فلسطيني في الضفة.. والوضع المالي للوكالة في أزمة
  • الكشف عن الوحدة السرية الجديدة التي ستقود حرب الظل الروسية ضد الغرب
  • خالد عبدالغفار: مصر حريصة على دعم الفلسطينيين بتوجيهات القيادة السياسية
  • وزير الصحة: جميع قطاعات الدولة تحرص على دعم الفلسطينيين بتوجيهات من القيادة السياسية 
  • وزير الصحة: الدولة المصرية حريصة على دعم الفلسطينيين بتوجيهات القيادة السياسية
  • أكثر من 150 ألف يشاركون في مظاهرة لندن ضد التهجير القسري لأهالي غزة
  • برلماني يطالب بالاصطفاف خلف القيادة السياسية لمقاومة المخطط الأمريكي الصهيوني
  • برلماني: القيادة السياسية الداعم الأول للقضية الفلسطينية بموقفها الثابت ضد التهجير
  • علي هامش افتتاح مسجد الدكتور محمود بكري.. مصطفى بكري يشيد بمواقف شقيقه الوطنية ويدعو للالتفاف خلف القيادة السياسية