صحيفة المرصد الليبية:
2024-07-26@02:28:48 GMT

غزة وانكشاف أزمة القيادة العالمية

تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT

غزة وانكشاف أزمة القيادة العالمية

غزة – تحوّلت غزة إلى محور العالم سياسيًا. كانت هذه الحرب الأكثر حشدًا في تاريخ إسرائيل، عسكريًا وسياسيًا. فلم يسبق لتل أبيب أن سعت لحشد الدعم الدوليّ بهذا القدر الذي شهدناه، ولم يسبق أن حدث فعلًا، دعم غربي بهذا المستوى لحرب إسرائيليّة.

لقد اعتادت التحالفات الدولية لدولة الاحتلال أن تخوض حملات دعمها لفترات وجيزة تحتمل معها التبعات الأخلاقية لحملة قتل إسرائيليّة في مكان ما داخل فلسطين أو على أطرافها في نطاق زمني ومكاني محدودَين.

لم يصمم الغرب دعمه المنفلت للفترات الطويلة، التي تفرضها حرب غزة اليوم بعد انقضاء أكثر من ستة أشهر على الإبادة الجماعية.

عجز غربي

رغم تحولات الموقف السياسي الدولي من إسرائيل بسبب تنامي حضور الحركة الاجتماعية العالمية التضامنية مع فلسطين وارتكازها الغربي، فإن الدول الحليفة لإسرائيل لا تزال حتى اللحظة تكشف عن عجز لا يمكن تفسيره في السياق المصلحي المباشر، فالسياق الإنساني أو القانوني تجاوزناه منذ أسابيع الحرب الأولى.

تفشل هذه الدول في اتخاذ مواقف ذات معنى من أجل ممارسة الضغط لوقف الحرب. بل إنها تمارس في المقابل حملات تأييد من نوع مختلف لحرب الإبادة من خلال التضييق والمنع والقمع المباشر الذي شهدناه في أشكال مختلفة منذ بداية الحرب، وكان آخرها حملات القمع والاعتقال في أعرق جامعات الولايات المتحدة لطلبة وأساتذة جامعيين مسالمين.

الجامعات التي تُعتبر الحصن الأخير للديمقراطية المستقلة عن حسابات النخبة السياسية، ظهرت رهينةً للمانحين، وظهر رؤساء الجامعات تحت سطوة سياسة التخويف والتصفية المدنية عبر تشويه السمعة، والترهيب بخسارة الموقع الوظيفي، وإنهاء الحياة المهنية.

ينتج مثل هذا العجز عن ارتباطات معقدة داخل النخبة السياسية الحاكمة ومؤسسات صناعة القرار في الغرب. ويولّد مواقف تافهة تجعل من عمليات الضغط التي تقوم بها دولة مثل الولايات المتحدة تجاه دولة الاحتلال مسألة مثيرة للسخرية. مثل اقتراحات العقوبات على كتيبة محددة للجيش الإسرائيلي بمنع استفادتها من المساعدات الأميركية، أو بعقوبات رمزية على مستوطنين ارتكبوا أعمالًا إرهابية في الضفة الغربية وَفقًا لكل المقاييس الغربية والعالمية. وهو ما يدفع بالجمهور إلى تصعيد أكبر مع تزايد القناعات بالانحياز المريع الذي لا بدّ من وقفه.

نزيف أخلاقي

يدرك السياسيون الغربيون حجم ورطتهم عالميًا في استمرار دعم الإبادة، وبعجزهم عن الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، وبالتالي وقف نزيفهم الأخلاقي. لكن عجزهم الأكبر يكمن في عدم القدرة على الإخلال بقواعد العلاقة التي تجمعهم بهذا الكيان الذي سبب لهم كل هذا الأذى. هنا تتكشف حقيقة المؤسسة السياسية التي ترتبط بشبكة ولاءات رهيبة، لا تجعل من آلياتها في لحظات حقيقة كهذه قادرة حتى على الدفاع عن نفسها وعن أكثر قيمها الدستورية رسوخًا، مثل حرية التعبير عن الرأي، التي كانت اللواء الغربي خلال الحرب الباردة.

إن تشابكَ المصالح الداخليَّ بين لوبيات إسرائيل ونخبة السياسة الغربية قد لا يكفي وحده لفهم هذا الانحسار القيمي والإنساني. فثمة أسباب أخرى تأتي في سياقات الأزمات الدولية المتلاحقة ترتبط بفقدان العالم نفسه للقيادة.

لقد جاءت الحرب في ظل افتقار العالم للقيادة. فلم يحدث أن انكشفت الدول الغربية الكبرى – وهي التي تقود النظام الدولي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية – على أزمة قيادة بهذا الشكل الذي نشهده اليوم. اعتاد العالم على التعامل مع قيادات – ذات أوزان وحضور ثقيلين – تتناسب مع حجم الأدوار العالمية لتلك الدول.

ففي الولايات المتحدة – التي لاتزال تمسك بأغلب أوراق اللعِب في المنطقة رغم كل ما يقال عن انكفائها – هناك صراع مؤسسي وأيديولوجي حول هوية الولايات المتحدة وأدوارها الأمنية عالميًا، يعكسها صعود ترامب من جديد كمرشح للحزب الجمهوري، وعجز الديمقراطيين عن بدائل أكثر شبابًا. في بريطانيا، يكاد يصعب على المتابع السياسي المهتم، فضلًا عن العاديين من الناس، أن يتذكر أسماء رؤساء الوزراء بعد توني بلير، الذي يمثل آخر كاريزما غير كوميدية لقيادة المملكة المتحدة. وربما تحكي عودة ديفيد كاميرون، الذي شغل منصب رئيس الوزراء لست سنوات، كوزير خارجية حالي جانبًا من هذه الأزمة.

افتراق عالمي

في ألمانيا وفرنسا، لا أدوار أوروبية تُذكر بعد أنجيلا ميركل وجاك شيراك. برلين تكافح اختلال الأمن في أوروبا تحت ظلال الحرب الروسية الأوكرانية، وفرنسا تبدو كمن بلع مشهد الانقلابات العسكرية الناجحة في مستعمراتها السابقة في القارة السمراء. يشكّل الاتحاد الأوروبي مؤسسة اقتصادية كبرى، لكنه يفشل في السياسة الخارجية التي تحكمها بيروقراطية الإجماع. يظهر الاتحاد عاجزًا عن بلورة أدوار سياسية من معظم قضايا الشرق الأوسط توازي أو تليق بموقعه التاريخي والجيوسياسي، وبالأخص إن تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

وفي المقابل، قد تبدو قيادة الصين وروسيا ذات حضور ما في السياسة الدولية، لكن هذه القيادة لا تنخرط كفايةً في عُقَد المنطقة، وخاصة الملف الفلسطيني- الإسرائيلي. فالصين تحاول الانخراط عبر مسار التجارة الدولية، وتبدو كمن يُؤْثر الابتعاد عن البوابة السياسية؛ لحماية ذلك المسار.

ففرصة الصين الإستراتيجية تكمن في الحفاظ على الوضع الراهن الدولي الذي سبّب لها صعودًا عالميًا خلال العقود الثلاثة الماضية. ويبدو تحرّك الصين مرتبطًا أكثر بالحفاظ على شروط هذا الوضع. أمّا روسيا فهي تخوض معركتها الكبرى مع الغرب في أوكرانيا، والتي قد تحدد دورها المستقبلي لعقود قادمة.

على صعيد الأمم المتحدة، فقد تقلص تأثير المنظمة السياسي، وتراجعت مكانة الأمين العام للأمم المتحدة دوليًا، حيث باتت زياراته لمناطق النزاع والصراع لا تعكس أكثر من أدوارٍ تضامنية بمستوى تلك التي تقوم بها منظمات غير حكومية مهنية أو إنسانية.

لم تعد آليات الأمم المتحدة قادرة على استيعاب التطورات في التفاعلات الدولية التي تزداد تقييدًا بمصالح الخمسة الكبار في مجلس الأمن، الذين تتعاظم الفجوة بينهم. تعكس المبالغة في استخدام الفيتو مظهرًا من مظاهر الافتراق العالمي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصراع في الشرق الأوسط.

وعند مفصل الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته، يرضى العالم بأن تفقد المنظمة كثيرًا من هيبتها مع كل حملة ردح وشتم يقوم بها مسؤول إسرائيلي دون رادع أو محاسب. خلال حرب غزة، كان الفيتو الأميركي كاشفًا بوضوح لأزمة المنظمة الدولية، التي شكّلت أبرز ملمحٍ من ملامح نظام الدوليّ المعاصر.

لا يمكن عزل أزمة القيادة التي يعيشها الغرب عمومًا عن موقفه الحالي تجاه الحرب في غزة، والصدع بين النخبة السياسية الحاكمة والحزبية وقواعد الجماهير والرأي العام. فهذا الدعم يتسبب في نشوء واحدة من كبرى الحركات الاجتماعية العالمية ومركزها الغرب نفسه. تتشكل هذه الحركة من جزء غير قليل من جمهور مؤثر بطريقة ما في الحياة السياسية العامة. مع ذلك، وبرغم الانهيار الكبير للقيم الديمقراطية التي لا تُخطئها عين، لم يدفع هذا الوضع حتى الآن قيادة فاعلة في الغرب للبحث عن حلول أكثر من العتب الرقيق على إسرائيل لوضع حدّ ينهي المشهد الذي يستنزف الجميع.

 

المصدر : الجزيرة نت

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

العفو الدولية تحذر أمريكا من التواطؤ في جرائم الحرب بغزة

24 يوليو، 2024

بغداد/المسلة الحدث: حذرت منظمة العفو الدولية، الولايات المتحدة الأمريكية من “التواطؤ في جرائم الحرب” ودعتها إلى فرض حظر أسلحة على “إسرائيل” قبل خطاب رئيس وزراءها بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأربعاء.

جاء ذلك في بيان، اليوم الأربعاء، على الموقع الإلكتروني للمنظمة بعنوان: “تحذير من تواطؤ الولايات المتحدة في جرائم الحرب في غزة”.

وقال المدير التنفيذي للمنظمة في الولايات المتحدة بول أوبراين في البيان: “حصلت الحكومة الأمريكية على أدلة وافرة من خبراء في جميع أنحاء العالم على أن الأسلحة الأمريكية الصنع تستخدمها الحكومة الإسرائيلية في جرائم حرب وعمليات قتل غير مشروعة”.

وحذر أوبراين من أن “استمرار عمليات نقل الأسلحة سيجعل الولايات المتحدة متواطئة في انتهاكات القانون الدولي التي تُرتكب بهذه الأسلحة”.

وأضاف: ” أظهرت أبحاث منظمة العفو الدولية أن الحكومة الإسرائيلية استخدمت الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، فضلا عن القانون والسياسة الأمريكية”.

ولفت أن محكمة العدل الدولية “قررت أنه من المعقول رؤية أن القوات الإسرائيلية استخدمت الأسلحة الأمريكية لانتهاك القانون الإنساني الدولي”.

وأردف: “يجب على الرئيس بايدن أن ينهي تواطؤ الولايات المتحدة مع حكومة إسرائيل في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي”.

وتابع: “على بايدن أن يعلق عمليات نقل الأسلحة إلى الحكومة الإسرائيلية فورا”.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تشن “إسرائيل” بدعم أمريكي عدوانا على غزة أسفرت عن نحو 129 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة: الغرب يجد صعوبة في تجاهل الفساد بأوكرانيا
  • «11 عاما من التحديات والانجازات».. ندوة تثقيفية لمستقبل وطن بالشرقية
  • تقرير أممي صادم.. من المسؤول عن تفشي المجاعة في السودان؟
  • الأمم المتحدة تعلن عن فقدان أكثر من 40 مهاجراً أفريقياً في حادثة غرق قبالة سواحل تعز
  • العفو الدولية تحذر أمريكا من التواطؤ في جرائم الحرب بغزة
  • أنا قرفان إذن انا موجود.. ما العلاقة بين شعورك بالاشمئزاز ومواقفك السياسية؟
  • مصر.. أزمة محمد صبحي والمتحدة بمرحلة جديدة بعد تدخل أشرف زكي
  • انعكاسات أزمة الشرق الأوسط على الانتخابات الرئاسية الأمريكية
  • الجبوري: حكومة السوداني تضع مصالحها فوق الشعب وتثير أزمة داخل البرلمان!
  • الحكومة: تأثيرات محدودة على مصر بعد أزمة العطل التقني العالمي الجمعة الماضية