دوافع وطبيعة الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان: الفرضيات، السرديات والخطاب
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية
تعدد الفرضيات حول دوافع وطبيعة الحرب الجارية بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان يخفي وراءه أجندات ومصالح سياسية لأحد أطراف الحرب وحلفاؤهم ومعارضي الحرب. سنحاول في هذا المقال رصد هذه الفرضيات وتفكيك سرديتها وتحليل خطابها.
دوافع الحرب وطبيعتها: الفرضيات
لا ندعي الإحاطة ولا الشمول لكننا رصدنا حتى الآن الفرضيات التالية حول دوافع وطبيعة الحرب الجارية:
1. حرب الجنرالين: هذه الفرضية تركز على الدوافع الشخصية لقائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع وبالتالي تشير لطبيعة تنافس سلطوي بين القائدين
2. حرب الجيشين: هذه الفرضية تركز على الدوافع المؤسسية للجيش وقوات الدعم السريع وبالتالي تشير لطبيعة تنافس سلطوي بين المؤسستين
3. حرب الكيزان: هذه الفرضية تركز على دوافع الحزب الحاكم السابق، حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وبالتالي تشير لطبيعة تنافس سلطوي بين انصار النظام السابق وانصار التحول الديمقراطي
4. حرب المركز والهامش: هذه الفرضية تركز على أن الجيش وحلفاؤه ممثلين للمركز وان قوات الدعم السريع وحلفاؤها ممثلين للهامش وبالتالي تشير لطبيعة تنافس سلطوي بين المركز والهامش
5. حرب دولة ٥٦ ودولة ما بعد الحرب: هذه الفرضية تركز على أن الجيش وحلفاؤه ممثلين لدولة ما بعد استقلال السودان في ١٩٥٦ وان قوات الدعم السريع وحلفاؤها ممثلين لدولة السودان بعدها وبالتالي تشير لطبيعة تنافس سلطوي بين دولة الماضي ودولة المستقبل
دوافع الحرب وطبيعتها: رصد وتفكيك السرديات وتحليل الخطاب
لا ندعي الإحاطة ولا الشمول لكننا رصدنا حتى الآن السرديات والخطاب التالي حول الفرضيات المذكورة أعلاه لدوافع وطبيعة الحرب الجارية:
1. حرب الجنرالين: قد تكون هذه من اول الفرضيات التي طرحت وأكثرها شيوعا في الدول الغربية. تدعم هذه الفرضية سردية التنافس الغير معلن بين قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع قبل بداية الحرب ويعززها الخطاب الشخصي المعادي الذي ساد، خاصة في بداية الحرب، بين قائد قوات الدعم السريع وقائد الجيش. تعتبر هذه الفرضية أكثر الفرضيات ضعفا لأن إشعال حرب أهلية واستمرارها يتطلب تأييدا واسنادا بشريا وماديا يفوق قدرات اي جنرالين.
2. حرب الجيشين: قد تكون هذه اقوى الفرضيات وتنتشر وسط الجيش وانصاره بصيغة تمرد قوات الدعم السريع على الجيش الرسمي للدولة. تدعم هذه الفرضية سردية التنافس المعلن بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل بداية الحرب ويعززها الخطاب المعادي الذي ساد بين قادة سلاح المدرعات التابع للجيش وقوات الدعم السريع عند ما عرف بالمحاولة الانقلابية/ التمرد في سلاح المدرعات قبل الحرب. تعتبر هذه الفرضية أكثر الفرضيات قوة لأن إشعال حرب أهلية واستمرارها يتطلب تأييدا واسنادا بشري ومادي يماثل قدرات الجيشين.
3. حرب الكيزان: قد تكون هذه من اول الفرضيات التي طرحت وأكثرها شيوعا وسط أنصار التحول الديمقراطي. تدعم هذه الفرضية سردية التنافس بين انصار النظام السابق، اي حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وانصار التحول الديمقراطي، خاصة قوى الحرية والتغيير "قحت" وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، ويعززها الخطاب المعادي والمهدد بالحرب والذي ساد، قبل وبعد الحرب، بين الكيزان وقحت وتقدم. تهمل هذه الفرضية دوافع الأطراف الرئيسية للحرب، اي الجيش وقوات الدعم السريع، وتركز على مواقف أطراف مدنية مساندة ومعارضة لها. هذه الأطراف المدنية، شامل الكيزان داخل الجيش، ليس لها القدرة على إدارة حرب ولا التحكم فيها. لمزيد من التفاصيل، انظر مقالي حول الحرب الحالية هي حرب الجيش السوداني اولا وليس الحركة الإسلامية: مسببات وتداعيات تحميل بقايا المؤتمر الوطني الوزر الرئيسي للحرب على هذا الرابط: https://sudanile.com/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%87%d9%8a-%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%88/
4. حرب المركز والهامش: قد تكون هذه من الفرضيات الشائعة وسط قوات الدعم السريع وحلفاؤها. تدعم هذه الفرضية سردية أن غالبية الحواضن الاجتماعية للجيش من المركز وغالبية الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع من الهامش، ويعززها الخطاب الجهوي والقبلي المتصاعد بين حواضن الجيش وحواضن قوات الدعم السريع. تهمل هذه الفرضية حقيقة أن قوات الدعم السريع انشأت لغرض محاربة حركات التمرد المسلحة في الهامش وان أغلب هذه الحركات تحارب الان سوية مع الجيش ضد قوات الدعم السريع، لذا فتمثيل قوات الدعم السريع للهامش موضع شك كبير.
5. حرب دولة ٥٦ ودولة ما بعد الحرب: تتبنى قوات الدعم السريع هذه الفرضية وبذا تجد هذه الفرضية رواجاً وسط حلفائها. تدعم هذه الفرضية سردية أن هذه الحرب هي امتداد للحروب الأهلية السابقة والتي تسبب فيها اختلالات في بناء الدولة السودانية منذ الاستقلال وغياب التنمية المتوازنة وحقوق المواطنة المتساوية، ويعززها خطاب الغبن التاريخي الشائع وسط حواضن قوات الدعم السريع والناتج عن هيمنة الحواضن الاجتماعية للجيش على السلطة والثروة وهوية الدولة منذ الاستقلال. تهمل هذه الفرضية حقيقة أن قوات الدعم السريع انشأت لغرض محاربة حركات التمرد المسلحة ضد دولة ٥٦ وان أغلب هذه الحركات تحارب الان سوية مع الجيش قوات الدعم السريع، لذا فمعارضة قوات الدعم السريع لدولة ٥٦ موضع شك كبير.
خلاصة
تعتبر فرضية حرب الجيشين أو تمرد مليشيا الدعم السريع ضد الجيش الرسمي للدولة هي اقوى الفرضيات لتفسير دوافع وطبيعة الحرب الجارية في السودان. هذه الفرضية تعكس تطور العلاقة بين الجيش وقوات الدعم السريع. إذ تم تشكيل قوات الدعم السريع كمليشيا لمساعدة الجيش في حربه ضد حركات التمرد المسلحة في دارفور في ٢٠٠٣ ثم نمت هذا القوات عددا وعتادا ونفوذا ومالا، وتم شرعنتها بقانون في العام ٢٠١٧ ، وزادت استقلاليتها عن الجيش بتعديلات قانونية في ٢٠١٩ ، ثم انفجر التنافس بينها والجيش عند الاختلاف حول التحكم والسيطرة على عملية دمجها في الجيش إبان مفاوضات الاتفاق الإطاري في ٢٠٢٣.
معظم الوقائع تشير إلى أن الدافع الرئيسي للحرب الجارية هو التنافس حول السلطة والثروة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
الجدير بالذكر أن الحرب الجارية تختلف عن الحروب الأهلية السابقة في السودان لأن طرفها المقاتل للجيش ليس حركة تمرد مسلحة من الهامش/ الأقاليم بل مليشيا من صناعة المركز/ الدولة. لذا فالدرس المستفاد من هذه الحرب هو الخطورة الشديدة لاستخدام الدولة، في حروبها ضد حركات التمرد المسلحة، للمليشيات القبلية، إذ أن هذه المليشيات قد تنقلب في حروبها ضد الدولة التي انشأتها.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بین الجیش وقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع قد تکون هذه فی السودان حرب الجیش دولة ٥٦
إقرأ أيضاً:
كارثة إنسانية غير مسبوقة.. تقرير يرصد الدمار الذي خلفته الحرب في العاصمة السودانية
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا، للصحفية نسرين مالك، قالت فيه إنّ: "عاصمة السودان أُفرغت من مضمونها وجُرّدت أجزاء منها، ودُهس شعبها تحت وطأة صراع لم ينتهِ بعد"، موضحة: "قبل عشرة أيام، وفي نقطة تحوّل رئيسية في حرب دامت قرابة عامين، استعاد الجيش السوداني العاصمة من جماعة "قوات الدعم السريع" التي استولت عليها عام 2023".
وتابع المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّه: "ما نعرفه حتى الآن يرسم صورة لمدينة مزّقتها فظائع لا تُصدق؛ حيث أدّت الحرب لانزلاق السودان نحو أكبر كارثة إنسانية في العالم، متسببة في إبادة جماعية في غرب البلاد، ومجاعة هناك وفي مناطق أخرى".
وأضاف: "خاضت قوات الدعم السريع -التي تشكّلت رسميا ووُسّع نطاقها من بقايا الجنجويد- والجيش السوداني، الحليفان السابقان في السلطة، الحرب عندما انهارت شراكتهما. وكان الضحايا هم الشعب السوداني، الذي دُهست حياته تحت وطأة الحرب".
"إن مركزية الخرطوم في الحرب، سواء من حيث ازدهارها أو ما تمثله لقوات الدعم السريع كمقر للسلطة، قد جعلت المدينة عرضة لحملة انتقامية شديدة: فقد استولت قوات الدعم السريع عليها، ثم شرعت في نهبها وترويع سكانها لا حكم المدينة، بل جردت المدينة من ممتلكاتها" وفقا للمقال نفسه.
وأكّد: "يشعر أولئك الذين يغادرون منازلهم مترددين لاستقبال جنود القوات المسلحة السودانية بالجوع والعطش والمرض والخوف. يروون حصارا من السرقة والقتل، بينما أطلقت ميليشيا قوات الدعم السريع النار على من قاوموا مطالبهم. وخوفا من حمل قتلاهم إلى المقابر، دفن الناس قتلاهم في قبور ضحلة في شوارعهم وساحاتهم الخلفية. وفي أماكن أخرى، تُركت الجثث لتتحلل حيث سقطت".
وأبرز: "وردت تقارير عن انتشار العنف الجنسي ضد السكان المدنيين منذ الأيام الأولى للحرب. ويُعد عدم وجود تقدير موثوق لعدد القتلى مؤشرا على الحصار الشامل الذي كانت الخرطوم تعاني منه".
واسترسل: "في مناطق المدينة التي شهدت أشدّ المعارك، فرّ المدنيون، تاركين وراءهم مدينة أشباح. المشاهد مُروّعة. إذ تحوّلت مباني الخرطوم ومعالمها البارزة لهياكل محترقة، واكتست شوارعها بالأعشاب والنباتات. في تجسيد صارخ لقطع شريان الحياة في البلاد، احترق المطار، الذي كان يعمل حتى الساعات الأولى من الحرب، وكانت الرحلات تستعد للإقلاع، حتى تحول إلى هيكل أسود. ولا تزال بقايا الطائرات التي أوقفتها الحرب على المدرج".
ووفقا للتقرير نفسه، فإنّ "الدمار السريع لمطار الخرطوم، يُظهر السمة الأبرز لهذه الحرب -كم كانت مُتسرّعة-. كيف انسلخت السودان من حالتها الطبيعية بسرعة وغرقت في حرب لم تتصاعد بمرور الوقت، بل انفجرت بين عشية وضحاها"، مردفا: "حمل الملايين كل ما استطاعوا من ممتلكاتهم وفرّوا مع تقدم قوات الدعم السريع. وتم نهب ما تركوه وراءهم سريعا".
وأضاف: "ما حدث في الخرطوم هو أكبر عملية نهب لمدينة أفريقية، إن لم تكن لأي عاصمة، في التاريخ الحديث. من التراث الثقافي للبلاد إلى ممتلكات شعبها، لم ينجُ شيء. أُفرغ المتحف الوطني السوداني، الذي يضم قطعا أثرية ثمينة من الحضارتين النوبية والفرعونية. دُمّر ما لم يكن بالإمكان نقله".
"نُهبت المنازل والمحلات التجارية، وسُرق كل شيء من الأثاث إلى المتعلقات الشخصية. حتى الأسلاك الكهربائية لم تسلم: نُبشت وجُرّدت لبيعها. وتُظهر صور من المدينة بقايا سيارات، جميعها بعد إزالة عجلاتها ومحركاتها" وفقا للتقرير نفسه الذي ترجمته "عربي21".
ومضى بالقول إنّ: "حجم السطو والدمار الذي يظهر جليا يُشير إلى نهاية حصار الخرطوم، كلحظة مُبهجة وحزينة في آن واحد. إن التحرّر من آلام الاحتلال الوحشي هو مدعاة للارتياح والاحتفال، لكن حجم الخسائر، وما يتطلبه إعادة البناء، هائل ويمتد لأسس القدرات المادية والإدارية للمدينة".
وتابع: "هناك مسألة بناء الأمة وإنهاء الحرب في جميع أنحاء البلاد. لقد تفكك السودان عسكريا، واحتشد الشعب خلف القوات المسلحة السودانية لاستعادة وحدة أراضي البلاد وتخليصها من قوات الدعم السريع. لكن مسألة إخراج جميع الهيئات العسكرية من الحكم، وهو مطلب أحبطته شراكة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بعد ثورة 2019 التي أطاحت بعمر البشير".
وأبرز: "أصبحت معلقة في هذه العملية، ما دفع السودان أكثر نحو الحكم العسكري وتوحيده تحت قيادة القوات المسلحة السودانية. وتمّ استقطاب الوكلاء والمرتزقة وموردي الأسلحة، وأبرزهم الإمارات، التي دعمت قوات الدعم السريع. لقد أطالت هذه الجهات الفاعلة عمر الحرب وغرقت في الكثير من التكاليف في الصراع لدرجة أن مشاركتها ستجعل على الأرجح الانتصارات الكبيرة للقوات المسلحة السودانية غير حاسمة على المدى القصير".
وأكّد: "لقد تخلى المجتمع الدولي عن السودان تقريبا لمصيره، مع مئات الملايين من الدولارات من المساعدات التي تعهدت بها والتي لم تتحقق أبدا وتفاعلا سياسيا بائسا"، مردفا: "انتقلت ميليشيا قوات الدعم السريع الآن لمعقل في غرب البلاد، حيث تسيطر على كل مدينة رئيسية تقريبا".
وختم التقرير بالقول: "بلغ حجم العنف هناك ضد الجماعات العرقية والقبائل غير المتحالفة مع قوات الدعم السريع حد التطهير العرقي والقتل الجماعي الذي يُعيد إلى الأذهان إبادة الألفية الثانية، وتتحمّل القوات المسلحة السودانية، بقصفها المميت، مسؤولية سقوط العديد من الضحايا المدنيين، ولها نصيبها من الاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية".
واستطرد: "ما انتهى في الخرطوم وشرق السودان لا يزال مستعرا، وبشدة أكبر، في أماكن أخرى. ربما تكون قوات الدعم السريع قد فقدت جوهرة تاجها، لكن الحرب لم تنتهِ بعد".
إلى ذلك، أكّد: "في غضون ذلك، فإن القدرة على إحصاء الخسائر، بدلا من معايشتها فعليا، هو أفضل ما يمكن أن نتمناه. وما هذه الخسائر، ليس فقط لسكانها، وليس للسودان فحسب، بل لعالم فقد مدينة جميلة وتاريخية وعريقة. لقد تمزقت الخرطوم وتناثرت أجزاؤها في جميع أنحاء السودان. ما تبقى منها يسكن في قلوب أهلها".