د. عبد المنعم مختار

استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

تعدد الفرضيات حول دوافع وطبيعة الحرب الجارية بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان يخفي وراءه أجندات ومصالح سياسية لأحد أطراف الحرب وحلفاؤهم ومعارضي الحرب. سنحاول في هذا المقال رصد هذه الفرضيات وتفكيك سرديتها وتحليل خطابها.

كما سنعمل على مضاهاة ذلك بالوقائع قبل الحرب.

دوافع الحرب وطبيعتها: الفرضيات

لا ندعي الإحاطة ولا الشمول لكننا رصدنا حتى الآن الفرضيات التالية حول دوافع وطبيعة الحرب الجارية:

1. حرب الجنرالين: هذه الفرضية تركز على الدوافع الشخصية لقائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع وبالتالي تشير لطبيعة تنافس سلطوي بين القائدين

2. حرب الجيشين: هذه الفرضية تركز على الدوافع المؤسسية للجيش وقوات الدعم السريع وبالتالي تشير لطبيعة تنافس سلطوي بين المؤسستين

3. حرب الكيزان: هذه الفرضية تركز على دوافع الحزب الحاكم السابق، حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وبالتالي تشير لطبيعة تنافس سلطوي بين انصار النظام السابق وانصار التحول الديمقراطي

4. حرب المركز والهامش: هذه الفرضية تركز على أن الجيش وحلفاؤه ممثلين للمركز وان قوات الدعم السريع وحلفاؤها ممثلين للهامش وبالتالي تشير لطبيعة تنافس سلطوي بين المركز والهامش

5. حرب دولة ٥٦ ودولة ما بعد الحرب: هذه الفرضية تركز على أن الجيش وحلفاؤه ممثلين لدولة ما بعد استقلال السودان في ١٩٥٦ وان قوات الدعم السريع وحلفاؤها ممثلين لدولة السودان بعدها وبالتالي تشير لطبيعة تنافس سلطوي بين دولة الماضي ودولة المستقبل

دوافع الحرب وطبيعتها: رصد وتفكيك السرديات وتحليل الخطاب

لا ندعي الإحاطة ولا الشمول لكننا رصدنا حتى الآن السرديات والخطاب التالي حول الفرضيات المذكورة أعلاه لدوافع وطبيعة الحرب الجارية:

1. حرب الجنرالين: قد تكون هذه من اول الفرضيات التي طرحت وأكثرها شيوعا في الدول الغربية. تدعم هذه الفرضية سردية التنافس الغير معلن بين قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع قبل بداية الحرب ويعززها الخطاب الشخصي المعادي الذي ساد، خاصة في بداية الحرب، بين قائد قوات الدعم السريع وقائد الجيش. تعتبر هذه الفرضية أكثر الفرضيات ضعفا لأن إشعال حرب أهلية واستمرارها يتطلب تأييدا واسنادا بشريا وماديا يفوق قدرات اي جنرالين.

2. حرب الجيشين: قد تكون هذه اقوى الفرضيات وتنتشر وسط الجيش وانصاره بصيغة تمرد قوات الدعم السريع على الجيش الرسمي للدولة. تدعم هذه الفرضية سردية التنافس المعلن بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل بداية الحرب ويعززها الخطاب المعادي الذي ساد بين قادة سلاح المدرعات التابع للجيش وقوات الدعم السريع عند ما عرف بالمحاولة الانقلابية/ التمرد في سلاح المدرعات قبل الحرب. تعتبر هذه الفرضية أكثر الفرضيات قوة لأن إشعال حرب أهلية واستمرارها يتطلب تأييدا واسنادا بشري ومادي يماثل قدرات الجيشين.

3. حرب الكيزان: قد تكون هذه من اول الفرضيات التي طرحت وأكثرها شيوعا وسط أنصار التحول الديمقراطي. تدعم هذه الفرضية سردية التنافس بين انصار النظام السابق، اي حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وانصار التحول الديمقراطي، خاصة قوى الحرية والتغيير "قحت" وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، ويعززها الخطاب المعادي والمهدد بالحرب والذي ساد، قبل وبعد الحرب، بين الكيزان وقحت وتقدم. تهمل هذه الفرضية دوافع الأطراف الرئيسية للحرب، اي الجيش وقوات الدعم السريع، وتركز على مواقف أطراف مدنية مساندة ومعارضة لها. هذه الأطراف المدنية، شامل الكيزان داخل الجيش، ليس لها القدرة على إدارة حرب ولا التحكم فيها. لمزيد من التفاصيل، انظر مقالي حول الحرب الحالية هي حرب الجيش السوداني اولا وليس الحركة الإسلامية: مسببات وتداعيات تحميل بقايا المؤتمر الوطني الوزر الرئيسي للحرب على هذا الرابط: https://sudanile.com/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%87%d9%8a-%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%88/

4. حرب المركز والهامش: قد تكون هذه من الفرضيات الشائعة وسط قوات الدعم السريع وحلفاؤها. تدعم هذه الفرضية سردية أن غالبية الحواضن الاجتماعية للجيش من المركز وغالبية الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع من الهامش، ويعززها الخطاب الجهوي والقبلي المتصاعد بين حواضن الجيش وحواضن قوات الدعم السريع. تهمل هذه الفرضية حقيقة أن قوات الدعم السريع انشأت لغرض محاربة حركات التمرد المسلحة في الهامش وان أغلب هذه الحركات تحارب الان سوية مع الجيش ضد قوات الدعم السريع، لذا فتمثيل قوات الدعم السريع للهامش موضع شك كبير.

5. حرب دولة ٥٦ ودولة ما بعد الحرب: تتبنى قوات الدعم السريع هذه الفرضية وبذا تجد هذه الفرضية رواجاً وسط حلفائها. تدعم هذه الفرضية سردية أن هذه الحرب هي امتداد للحروب الأهلية السابقة والتي تسبب فيها اختلالات في بناء الدولة السودانية منذ الاستقلال وغياب التنمية المتوازنة وحقوق المواطنة المتساوية، ويعززها خطاب الغبن التاريخي الشائع وسط حواضن قوات الدعم السريع والناتج عن هيمنة الحواضن الاجتماعية للجيش على السلطة والثروة وهوية الدولة منذ الاستقلال. تهمل هذه الفرضية حقيقة أن قوات الدعم السريع انشأت لغرض محاربة حركات التمرد المسلحة ضد دولة ٥٦ وان أغلب هذه الحركات تحارب الان سوية مع الجيش قوات الدعم السريع، لذا فمعارضة قوات الدعم السريع لدولة ٥٦ موضع شك كبير.

خلاصة

تعتبر فرضية حرب الجيشين أو تمرد مليشيا الدعم السريع ضد الجيش الرسمي للدولة هي اقوى الفرضيات لتفسير دوافع وطبيعة الحرب الجارية في السودان. هذه الفرضية تعكس تطور العلاقة بين الجيش وقوات الدعم السريع. إذ تم تشكيل قوات الدعم السريع كمليشيا لمساعدة الجيش في حربه ضد حركات التمرد المسلحة في دارفور في ٢٠٠٣ ثم نمت هذا القوات عددا وعتادا ونفوذا ومالا، وتم شرعنتها بقانون في العام ٢٠١٧ ، وزادت استقلاليتها عن الجيش بتعديلات قانونية في ٢٠١٩ ، ثم انفجر التنافس بينها والجيش عند الاختلاف حول التحكم والسيطرة على عملية دمجها في الجيش إبان مفاوضات الاتفاق الإطاري في ٢٠٢٣.

معظم الوقائع تشير إلى أن الدافع الرئيسي للحرب الجارية هو التنافس حول السلطة والثروة بين الجيش وقوات الدعم السريع.

الجدير بالذكر أن الحرب الجارية تختلف عن الحروب الأهلية السابقة في السودان لأن طرفها المقاتل للجيش ليس حركة تمرد مسلحة من الهامش/ الأقاليم بل مليشيا من صناعة المركز/ الدولة. لذا فالدرس المستفاد من هذه الحرب هو الخطورة الشديدة لاستخدام الدولة، في حروبها ضد حركات التمرد المسلحة، للمليشيات القبلية، إذ أن هذه المليشيات قد تنقلب في حروبها ضد الدولة التي انشأتها.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: بین الجیش وقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع قد تکون هذه فی السودان حرب الجیش دولة ٥٦

إقرأ أيضاً:

اتهامات للدعم السريع بقتل العشرات في ولاية الجزيرة وشمال دارفور

قتل 13 شخصا بالرصاص في هجوم نسب لقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة السودانية اليوم الأحد، في حين اتهمت شبكة أطباء السودان تلك القوات بقتل 15 شخصا في هجوم بشمال دارفور أمس السبت.

وقال مصدر طبي -فضل عدم كشف هويته- إن 13 شخصا قتلوا نتيجة لإطلاق قوات الدعم السريع الرصاص على المدنيين في بلدة الهلالية، والتي تبعد 70 كيلومترا شمال ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

وكانت هذه الولاية الخاضعة للجيش شهدت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي مقتل 124 شخصا ونزوح 120 ألفا آخرين على الأقل جراء هجمات لقوات الدعم السريع، بحسب الأمم المتحدة.

وأظهر تعداد لوكالة الصحافة الفرنسية -استنادا إلى مصادر طبية وناشطين- مقتل 200 شخص على الأقل في ولاية الجزيرة الشهر الماضي، إذ صعّدت قوات الدعم السريع هجماتها هناك "بعد انشقاق أحد قادتها وانضمامه إلى الجيش".

وقد أفادت "لجان المقاومة"، وهي مجموعات مدنية، بأن قوات الدعم السريع حاصرت وهاجمت قريتين الأسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل 124 شخصا وإصابة 200 آخرين.

وأثارت تلك الهجمات تنديدا من منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة كليمنتاين سلامي، التي قالت في بيان الأسبوع الماضي "لقد صدمت بشدة لتكرار انتهاكات حقوق الإنسان من النوع الذي شهدناه في دارفور العام الماضي، مثل الهجمات المستهدفة والعنف الجنسي والقتل الجماعي في ولاية الجزيرة".

من جهتها، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) كاثرين راسل في بيان "تلقينا تقارير فظيعة عن حالات اغتصاب وعنف جنسي، بالإضافة إلى احتجاز أطفال".

"قتل ونهب"

وقد قالت "شبكة أطباء السودان" في بيان، أمس السبت، إن قوات الدعم السريع قتلت 15 شخصا، وأصابت 5 آخرين بمنطقة "برديك" بولاية شمال دارفور.

كما اتهمت الشبكة قوات الدعم السريع بنهب أدوية ومستلزمات طبية ومولدات الطاقة الكهربائية من مستشفى "الطندب" بولاية الجزيرة، وسط السودان.

ونشر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي عبر حسابه على منصة إكس، مقطعا مصورا، قال إنه لحرق قوات الدعم السريع للقرى بولاية شمال دارفور، مضيفا أن هذه "جرائم تصنف تحت مسمى التطهير العرقي".

ونشرت "تنسيقية لجان مقاومة الفاشر"، كشفا قالت إنه "أوليا"، لقتلى وجرحى "مجزرة منطقة برديك، والقرى المجاورة  لها في شمال مدينة كتم، بولاية شمال دارفور".

وفي وسط السودان، قال شهود عيان لمنصة "مؤتمر الجزيرة" المحلية إن "قوات الدعم السريع قتلت 19 مواطنا بقرية ود السيد، كما فارقت سيدة مسنة الحياة متأثرة بنزوحها سيرا على الأقدام، بينما تفرّق بقية مواطني القرية على دور إيواء النازحين في مدن حلفا الجديدة (شرق السودان) وشندي (شمالا)".

واندلعت المعارك في السودان منتصف نيسان/أبريل 2023 بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو "حميدتي".

وقد خلفت الحرب عشرات آلاف القتلى، وشردت أكثر من 10 ملايين سوداني، وتسببت -وفق الأمم المتحدة- بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، في ظل اتهامات متبادلة بين طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب عبر استهداف المدنيين ومنع المساعدات الإنسانية.

مقالات مشابهة

  • مساجد السودان في بنك أهداف قوات الدعم السريع
  • اتهامات للدعم السريع بقتل 11 مدنيا داخل مسجد في السودان
  • انتهاكات الدعم السريع ضد الكوادر الطبية في السودان: قتل ونهب واسع
  • اتهامات للدعم السريع بقتل العشرات في ولاية الجزيرة وشمال دارفور
  • مسؤول سوداني يكشف عن اتفاق بين جوبا و«الدعم السريع» لحماية أنابيب النفط
  • هجمات للدعم السريع غربي السودان تودي بحياة العشرات
  • اتهامات لقوات الدعم السريع بقتل 12 في غرب السودان
  • 12 قتيلا في غرب السودان جراء قصف لقوات الدعم السريع  
  • غوتيريش يندد بهجمات قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة في السودان
  • هكذا تستهدف قوات الدعم السريع المساجد في السودان