اختلاف كلاب الصيد من حظ الأرنب.!!
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
هنالك مثل من دارفور يقول:(اختلاف كلاب الصيد من حظ الأرنب)، لقد انكشف الخلاف الكبير بين قائد الجيش ونائبه من جهة، ومساعده ومليشيات الحزب البائد من الجهة الأخرى، وسبق أن أعلن مساعد القائد موقفه الداعم للإخوان المسلمين المختطفين لقرار القوات المسلحة، الدامجين لكتائبهم الإرهابية في المؤسسة العسكرية، هذا الخلاف يؤكد على أن المشعلين الحقيقيين لنار الحرب، هم هؤلاء الاخوانيون المسيطرون على مؤسسات الأمن والاستخبارات في البلاد، الذين لم تستطع لجان التفكيك والإزالة من تنظيف هذه الأجهزة الحكومية من وجودهم الهدّام فيها، وقد مضى وقت الحكم الانتقالي دون أن ينالهم صارم القانون الحاسم ولا مهند الشرعية الثورية الصارم، إلى أن جاء السيف البتّار – الدعم السريع – فقام بواجب الإزالة عملياً، بعد ان أطلق المتطرفون الطلقة الأولى، فلحقهم قصاص الرب بحد هذا السيف البتّار، ومن محاسن الصُدف وتصاريف الأقدار أن دبّ الخلاف بين الجناحين، الذين كتما غيظهما تجاه بعضهما البعض إلى حين، ثم انفجرت الصدور بما حملته من أثقال، وتحركت ترسانة الطيران المسيّر لتدك حصون بعضهما البعض، والعامل الفاعل والمشهود في عوالم انهيار الامبراطوريات، هو التفتت الداخلي الذي يصيبها فيتشقق جدرانها ثم تنهار، كما هو جارٍ الآن من تدحرج سريع لكرة منظومة جيش الحزب الثيوقراطي، إذ أنه ليس هنالك ما هو أفيد لدعاة التغيير والتحرر والانعتاق من وجود هذا العامل الفعّال، فمع تقدم قوات الدعم السريع العاملة بجد على تجريف قلاع الظلم والإرهاب، تتفاقم الخلافات الداخلية لأمراء حرب أبريل المتدثرين برداء الصحابي الجليل البراء بن مالك، وذلك لما للضغوط الدولية من أثر كبير في اجبار بعض قادة الجيش لكي يجنحوا للسلم.
اختلاف كلاب فلول النظام البائد يجعل أرنب الشعب المسكين في مأمن من عسف الدويلة القديمة، ويكشف الغطاء الزائف للطغمة اليائسة المحاولة إكساب الحرب طابعاً وطنياً، فهذا التباعد بين الخطين المشعلين للحرب يجعل من الاستحالة بمكان نجاح مشروع الحرب، ويوقف طموح المهووسين باستعادة امبراطورية الفساد والإفساد، التي لم يتمكن المدنيون في عهد الانتقال من كسر شوكتها، لتجذّر عروقها في أرض السودان، بعد أن قضت أكثر من ربع قرن وهي تنفّذ مخططاتها القذرة العابرة للحدود، والمساندة للجماعات والأحزاب المتطرفة مثل حزب الله وحركة الجهاد، وطالبان وتنظيم القاعدة وداعش وجبهة الإنقاذ الجزائرية، فالمردود الإيجابي الكبير العائد على عموم أفراد الشعب من تنظيف مفاصل الدولة، من هذا السوس الناخر في أحشاء الوطن، يتمثل في تحويل مسار صرف وإنفاق موارد الدولة إلى الداخل، ولجم قنوات الفساد الناهبة للثروات الوطنية المهرّبة إلى خارج حدود الوطن، إنّ أكثر ما أضر بالدولة السودانية إبّان تمكن وتمكين جماعة الإخوان المسلمين، هو جعل البلاد بؤرة من بؤر الإرهاب الدولي، بإيواء الجماعات المعروفة عالمياً بإضرارها بالسلم والأمن الدوليين، وهذا الاحتضان لأفاعي العالم بالضرورة يعني استنزاف موارد الدولة، بصرفها على هذه المنظمات الضالعة في ارتكاب جرائم الحرب، والعاملة على زعزعة الأمن والاستقرار العالميين، ومن الجرائم المشهودة لمنظمات مافيا الإرهاب الدولي تفجير سفارتي الولايات المتحدة بكينيا وتنزانيا، ومحاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك بالعاصمة الإثيوبية، وتوفير الملاذ الآمن لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، وإيواء المجرم الفنزويلي كارلوس المتهم في جرائم قتل وخطف.
كان لابد لبلد مثل السودان منكوب بحكم جماعة الاخوان المسلمين، أن يشهد حرباً ضروساً تقضي على الأخضر واليابس، لحقيقة أن مشاريع الحكم الخالطة للدين بالسياسة دائماً وأبداً تورث الشعوب المتساهلة في قضاياها المصيرية، الحروب العبثية والفوضى وتدمير البنى التحتية والتشريد والتجويع، وتجارب هذه المشروعات السياسية المتخذة من الدين وسيلة لامتطاء صهوة حصان السلطة تكون نهاياتها مأساوية، لأنها قائمة على الميتافيزيقيا وبعيدة كل البعد عن الواقعية، فهي أطروحات لا تعير بالاً لاستحقاق الناس للأمن والصحة والعيش الكريم والتعليم والتقدم التقني، فتجعل من البلدان التي تحكمها سجون كبيرة يقبع بداخلها الأبرياء والمسحوقون من عامة الناس، ويسطو على حياتها العامة الساسة الدجالون والحكام المشعوذون وضاربو الرمل وقارئو الفناجين، والتجربة الإنسانية عبر التاريخين القديم والحديث ملأى بمثل منظومات الحكم هذه – طالبان وحزب الله وحماس والحوثيين والخمينيين، التي جعلت من سماوات وأراضي هذه البلدان مشتعلة بنيران الحرب، وفي المقابل هنالك العالم السعيد غير مكفهر الوجه، الذي لا يعد الحكام فيه شعوبهم جنات عرضها السماوات والأرض، وإنّما يجبرونهم على دخول الأسواق المحلية والعالمية، ليعرضوا بضائعهم، ويشجعونهم على الانخراط في مضمار التنافسية الموصلة لتصدر مؤشرات الجودة العالمية، وأخيراً سوف تقام في السودان مؤسسات الدولة الحديثة، بعد أن تم تصفير العداد، وسيكون للسودان وزيراً للمالية لا يشكو عجزه لأبواب السماء المفتوحة، ووزيراً للدفاع يعتمد الرادار لا العين المجرّدة في رصد اختراقات الأجواء.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
رفع أنقاض الماضي
حتى بعد دخول الحرب عامها الثالث لا يزال السودانيون يخوضون حروبا كلامية على جبهات جدلٍ عقيم بحثاً عمّا يُكسِبها عقلانيةً ، مشروعيةً أو على الأقل تبريرًا سياسيًا. على غير مظهرها هي حربٌ معقّدة . من ذلك أنها ليست بين أعداء - كما هي الحروب - بقدر ماهي حرب حلفاء داخل معسكر واحد . مع ذلك هي حربٌ تستهدف خصما خارج جبهات الاقتتال تفوق خسائر ه الفردية والجمعية كلفة خسائر المتقاتلين . هي كذلك حربٌ خارج القاموس السياسي التقليدي إذ لا تستهدف إعادة رسم الجغرافية السياسية، بدوافع فكرية أو سياسية. بل منطلقها وغايتها فقط احتكار السلطة وغنائمها .كذلك هي لا تستهدف تثبيت السلم الاجتماعي بين ثقافات وأعراق متنازعة بل تُمعن في تحطيم المعمار الاجتماعي . لذلك لن تبدأ مهام السلام برفع أنقاض المباني بل من عند كنس الماضي السياسي والاجتماعي برمته تكريسا لسلام مستدام
*****
نعم توجد تناقضات تأخذ طابعَ الصراعات داخل المجتمع السوداني. أحيانًا تبلغ السطح .لكنها ظلت دائما تحت مظلة الدولة ،ليس فقط بتفعيل هيمنة السلطة .بل بفعل هيبتها كذلك خوفاً من خروج الصدام عن سيطرة الفرقاء أو توريط الدولة فيه. فالقبائل المتنازعة ظلت تنظر إلى الدولة كيانا فوقياً محايدا لا ترغب في كسر حياديته. لذلك ظل مألوفا إسكات تلك الصدامات القبلية فئ بداياتها بجهود سلمية (الجودية) .في ظل فقدان الجنجويد مشروعا سياسيا لجأ (متفذلكون )إلى محاولة تلبيس تورط الميليشيا في الحرب الرعناء رداءً قبلياً بغية اكساب تلك الحماقة مشروعية زائفة. أكثر فذلكات خطابهم السياسي السابق لقاء نيروبي بلاغة استهدفت تأكيد امتشاقهم السلاح اضطرارا للدفاع عن حقوق مهدرة .
*****
اجتماع نيروبي محاولة باهتة من الجنجويد وحلفاء لتصميم مشروع سياسي للخروج من كنف القبيلة إلى رحاب الوطنية. لكن جوهره تبرير التورط في الحرب أكثر من تأطيره مشروعًا سياسيا. لذلك اخفق الميثاق رغم فصاحته السياسية عن تخليق آلية تحويله مشروعا فسقط في مهده كسيحًا . مما زاده بؤسًا ارتداد صانعيه بالدولة من الوحدة إلى التجزئة. .هذا الانسلاخ القسري عن الدولة الموحدة لا يُحدِث صدىً إيجابياً في دوائر الفكر السياسي او الصعيد الشعبي.من مفارقات الردة المحزنة إعداد هذا المشروع بأيد كتبةٍ عاقين جاحدين . فأكثر طهاة طبخة نيروبي بريقاً ليسوا فقط من ثمار (دولة ٥٦). بل هم من قطاف الفاكهة المحرّمة على شعب ( ٥٦) نفسه ! لكنهم يستبدلون العقوق بالامتنان أو على الأقل الاعتداد ! صورة شائهة أخرى لمحاولات الاستثمار في الأزمة !
*****
إذ يصدق مصطلح الانسلاخ في متن حروب الكلام فهو انسلاخ حميدتي عن معسكر دولة الانقاذ. ذلك هو المبرر المنطقي ليس لاشعال الحرب فقط بل من أجل توسيع جبهاتها. الحرب اشتعلت في سياق الصراع المسلح على السلطة . هذه ظاهرة شاخصة في العالم الثالث. لذلك تسقط محاولات تلبيس الحرب أقنعة جاذبة. فوراء هذه الحرب تبقى شاخصة الدوافع الأربعة الوارده في كتاب ريشارد ليبو (لماذا تتحارب الأمم)وهي الخوف، المصلحة،المكانة والانتقام. فهاجس الخوف ظل حمىً تسكن أجنحة الانقاذ مثلما تسري بينها .كل شهود العيان من الداخل يتحدثون عن تربص الفرقاء قبيل الانفجار. تسريبات حديثة تفضح اصرار المتطرفين على استرداد السلطة كاملة إبقاءً على المصالح . العمليات العسكرية المتصاعدة تكشف اصرار كل طرف على تركيع الآخر .مع ذلك لا تستبعد مصادر نافذة عبور المتقاتلين فوق كل هذا الدم و الركام إلى التصالح مجددًا( إذا جنح الجنجويد إلى السلام ).لذلك عند اعمال النقد الفكري تنتفي عن هذه الحرب أي عناصر سياسية تبرر العديد من الحروب الأهلية ،مثل التناحر الطبقي أو الديني. رفع شعار التهميش يبقى مثل التلويح بالقتال من أجل الديمقراطية هراءٌ فاضح.
*****
على وقع هذه المؤشرات يمكن بسهولة فهم الحرب الراهنة فصلا ًمتوحشا في سيرة الانقاذ المتوحشة. فدوافع الحرب وغاياتها احتفاظ أجنحة الإنقاذيين بامتيازات السلطة .ذلك هدفٌ مشرّبٌ بالدم و عنف مألوف منذ سطوهم على الدولة في ٨٩ ١٩. هناك فاصل إعدام الضباط الجماعي، فصل محرقة التقتيل في الجنوب ثم فصل التخلي عنه .فصول الاغتصاب والإبادة في دارفور. فاصل المفاصلة السياسية بين الأجنحة .فصل انقلاب اكتوبر على الثورة . كل تلك الفصول الدامية ليس فيها ما يجعلها مشروعًا اصلاحيا للدولة . فجميع محاورها الصراع على غنائم السلطة. الحرب الراهنة حلقة اكثر توغلاً في الدم تفضح جنون الافتنان باحتكار السلطة ولو على ركامات الجثث و البنى التحتية. وَسمُها بحرب الكرامة تزييف متعمد لصراعات الانقاذ الدموية. فثمة بونٌ فاضح بين كرامة الشعب وأجندة مصالح أقطاب الانقاذ.
*****
إن استوجبت حرب فرقاء الانقاذ أولوية إعادة البنى التحتية في الوطن فإن حروب الكلام تقتضي حتمية إعادة تأهيل البنى الفوقية للشعب ؛النخب السودانية عامةً والسياسية خاصة. ربما هذه أولوية تستبق مهمة البنى التحتية . الشعب يحتاج إلى رفع أنقاض الماضي بأسره في ضوء دليل سلوك اجتماعي يجعله أكثر صرامة تجاه الشارع العام،الحق العام والمال العام. النخب تحتاج إلى إعادة بناء أدمغتها وأفئدتها على نسق أخلاقي مغاير يجردها من الأنانية ، الذاتية والانتماءات الضيقة، ويكرس إعلاء مصالح الوطن و الشعب. تلك مهام تبدأ من اعادة البناء المعرفي ،بل إعادة هيكلة البناء نفسه بغية التخلص من كل التشوهات السائدة وسط النخب .تلك مهمة حتمية من أجل إعادة تشييد معمار اجتماعي حداثي .بناء وفق مشروع قومي تتكامل فيه جميع الاثنيات والقوميات ،فترفع أنقاض العداوات والتنافر المتراكمة .هذه أجندة يتصدرها اصلاح العملية التعليمية أولا وبرمتها.
aloomar@gmail.com
نقلا عن العربي الجديد