رسالة في بريد رجل الدولة يجب ان تكون الاخلاق قبل العلم
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
و علموا النشء علما يستبين به سبل الحياة وقبل العلم اخلاقا رحم الله شاعرنا الفخم محمد سعيد العباسي و هو يرسي لنا بشعره مبدأ و مفهوم في غاية الأهمية في رقي و تقدم الأمم و هو ضرورة ان تسبق الاخلاق العلم وان تكون التربية قبل التعليم . استحضرت ذلك وانا اتابع ردود أفعال الاهل والأصدقاء و الأبناء حول فتح المدارس بمدينة بورتسودان لا شك في اننا نثمن الدور الذي قامت به حكومة الولاية في اتخاذ القرار الصائب بفتح المدارس وبالرغم من انه قد اتى متأخرا ولكن ان تأتي متأخرا خيرا من ان لا تأتي .
أولا يلاحظ ان القرار قد اتى من دون دراسة شاملة او تهيئة للظروف الملائمة لتنفيذه من قبل متخذ القرار و الذي كان من المفروض ان يستثمر الوقت في تذليل العقبات و دراسة كل السناريوهات التي من المتوقع حدوثها اثناء التنفيذ وإيجاد حلول عملية لها. فبعض المدارس حسب افادة التلاميذ لم تستطع ان تفتح أبوابها وان تبدء يومها الدراسي الأول بعد ان فوجئ التلاميذ بعدم خروج المقيمين منها و رفضهم الانتقال الى مراكز الايواء البديلة مما اضطر إدارات المدارس لتسريح الطلاب واعادتهم الى بيوتهم لحين اشعار اخر وكان الاجدى حل المشكلة اما بأقناع المقيمين بالرحول قبل دخول القرار حيز التنفيذ او تحديد المدارس التي ستكون بها الدراسة حتى يتم تفادي ان يتعرض التلاميذ لموقف ان يفكروا في ايهما اجدى إغاثة الملهوف وجبر الضرر عنه ام مواصلة الدراسة وتحصيل العلم .على حساب قيمة الايواء و اكرام الضيف.
ثانيا الرسوم الدراسية العالية والأرقام الفلكية التي حددتها المدارس لتسجيل الطلاب للعام الدراسي و التي لم يراعى فيها ظروف الحرب و تخفيض الرواتب وعدم استمرار دفعها إضافة الى الأحوال المادية السيئة لكل فئات المجتمع
ثالثا بالرغم من ان العملية التعليمية عملية تكاملية بين الدولة والمجتمع تلعب فيه المدرسة دور أساسي لزرع القيم التي تقرها الدولة عبر المناهج الدراسية في عقول النشء لإخراج أجيال قادرة على تحمل المسؤولية كأفراد صالحين في المجتمع .
هذه المفاهيم يجب ان تتجذر في عقلية رجل الدولة ومتخذ القرار المكلف بإدارة العملية التعليمية والمعلم الذي يقوم بالتدريس و ولي الامر الراعي للطالب و أطياف المجتمع عموما الذين يشكلون البيئة و الحاضنة لاستمرار العملية التعليمية لبلوغ هدفها دون انحراف . لذا يجب ان تتضافر الجهود لتذليل العقبات ويجب ان تكون هناك مبادرات شعبية لإيجاد الحلول والمشكلات التي تواجه استمرارية العام الدراسي . و يحمد لأنسان بورتسودان الدور الرائد الذي يقوم به في دعم العملية التعليمية و الوقوف مع الدولة في الظروف الصعبة على مستوى رجال الاعمال واعيان المدينة بالمال والجهد والوقت .
لا سيما اذا توفرت النية الصادقة من الدولة في رغبتها للعمل من اجل الصالح العام و ليس من اجل الدعاية و الكسب السياسي .
وهناك عدة حلول يمكن ان تتخذ مثل
1- عدم الزامية الطلاب بارتداء الزي المدرسي و بذلك تتخلص الاسر من عبئ تكلفة الزي المدرسي
2- عمل مبادرة لجمع الكتاب المدرسي القديم و التبرع بها لتوفير كتاب لكل طالب و بالتالي توفر الاسر كلفة الكتاب المدرسي.
3- عمل مبادرة لتوفير وجبات مدرسية مدعومة تسهم فيها الدولة والخيريين تقدم للطلاب لتخفيف العبء على الاسر
4- عمل مبادرة لخط دائري في المدينة يمر بالمدارس مخصص فقط لطلاب المدارس يتم دعمه بواسطة الدولة يعمل على مدار اليوم الدراسي لتوصيل الطلاب مجانا لتخفيف تكلفة الترحيل على الاسر ويمكن التنسيق مع باصات المؤسسات و الوحدات العسكرية مع مراعاة إعادة جدولة توقيت بداية اليوم الدراسي للاستفادة القصوى من الفكرة.
5- إعادة العمل بنظام الدراسة المسائية للصفوف المتقدمة و يمكن فتح مدارس البنات صباحا و البنين مساء وبذلك يمكن تجنب عدم افراغ كل المدارس من المقيمين فيها و تحقيق قيمة الايواء مع عدم الاخلال بالعملية التعليمية .
6- تحفيز المعلمين وتذليل العقبات التي تواجههم في إتمام العملية التعليمية و إقامة ورش عمل يتم فيها الاستماع الى أفكارهم و آرائهم في تقييم وتقويم العملية التعلمية في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
يوسف عيسى عبدالكريم
yousufeissa79@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العملیة التعلیمیة
إقرأ أيضاً:
حفلات التخرج وغيرها بين الوعي والمبالغة
منذ أن كنت في الميدان، وأنا ضدّ حفلات التخرج خارج المدارس.
كانت الحفلات في المدارس، تحت مسمَّى ختام الأنشطة، ومن ضمنها توديع خريجات العام، وتكريم المتميزات من الطالبات، وعرض الأنشطة وكل ذلك يتم غالباً بحضور الأمهات وبعض مسؤولات التعليم، والمكان هو المدارس، والوقت متاح صباحاً أو مساءً. ولست أنسى قراراً من الملك سلمان حفظه الله حين كان أميراً للرياض وكنت مديرة للثانوي بعثه للتعليم آنذاك يمنع فيه حفلات التخرج خارج أسوار المدارس والجامعات.
كان قرار الملك مكتوباً بصيغة أدبية تربوية حاسمة وعظيمة لا شك أنني أحتفظ به لكن أين؟ يحتاج للبحث المتكرر وكم أتمنى إيجاده فقد بحثت عنه ولا زلت أبحث ففيه تحدث حفظه الله عن التربية والأخلاق والتجاوزات التربوية حين تخرج حفلات التخرج عن مسارها لا شك أن هذا الخطاب الرائع موجود في أرشيف المدرسة والذي لازلت أذكره وقد وافق رغبةً ورأياً عندي. لكن في فترة ما، ومن سنوات، خرجت حفلات التخرج للتعليم العام عن نطاق المعقول، وصارت في القاعات الكبرى وبمظاهر غير مناسبة للأسف.
وخلال الأيام الماضية، سمعنا بقرار أصدرته وزارة التربية والتعليم (عفواً) وزارة التعليم حول حفلات التخرج، ومنع القرار الاحتفال بذلك خارج نطاق المدارس، حقيقة كان القرار صائباً، ويصب في مصلحة الجميع طالبات وأولياء أمور ومدارس بمنسوبيها ومنسوباتها، وتشكر الوزارة على هذا القرار، فقد اعترى حفلات التخرج في السنوات الأخيرة مبالغات ومظاهر لا تنتمي للتربية والتعليم! وانقسم الناس بعد سماعهم لهذا القرار بين مؤيد ومعارض لكن المؤيدين أكثرية. وكثيرون رأوا أن يكون الاحتفال داخل المدارس وبالزي المدرسي، وأن تتوشح الخريجات بما يميزهن من عباءة أو وشاح تخرج، وتحتفل معهن زميلاتهن من صفوف أخرى لم تتخرج بعد، ويشاركهن جميع منسوبات المدرسة.
حفلات التخرج التي تقيمها المدارس هي مناسبات تربوية تعليمية إقامتها في قاعات زواجات غير مناسب للهدف منها إذ أنها مناسبات تربوية تحفيزية تعلن عن انتهاء مرحلة تعليمية ودخول مرحلة أخرى قد تكون في ذات المدرسة إن كانت مجمعاً تعليمياً خاصاً أو عاماً أو الانتقال لمدرسة أخرى مختلفة.
في حفلات التخرج المدرسية، تطرح جهود عام كامل وتستعرض نشاطاته وطالباته المتميزات ويتبادل الجميع بطاقات التقدير والشكر والعرفان تفرح الطالبات، وتزهو فخراً الأمهات والمعلمات، وتتذكر الطالبات أن الرحلة مع التعليم لم تنته بعد وأن هناك مشواراً تعليمياً قادماً يستحث الهمم ويستعرض التجارب ليستفيد الجميع من سلبياتها وإيجابياتها.
هذا ما تعنيه حفلات ختام الأنشطة والتخرج إنها (مدرسة داخل مدرسة) لكنها تفقد ذلك وأكثر حين تخرج من نطاق المدارس إلى أروقة القاعات الكبرى. ولعل المناسب لحفلات التخرج حين رغبة المدرسة وطالباتها والأمهات أن تكون قاعة كبيرة، فلتكن في مسارح رسمية تمتلكها مدارس كبيرة فتستأجر منها بمبالغ رمزية غير مرهقة لميزانية المدرسة أو الأهل فهناك مسارح الجمعيات الخيرية أيضاً وفي ذلك خير للجميع وتعاون مع الجمعيات.
على أي حال، وإذا كان لابدّ من خروج حفلات التخرج من نطاق المدرسة، فليكن في الأماكن الرسمية لأنها أكثر مناسبة للحفلات المدرسية.
أما إذا كانت حفلات التخرج خاصة من الأهل، فتلك حريتهم الشخصية يحتفلون أينما أرادوا، ولو أنني أتمنى من المجتمع الوعي الشديد تجاه هذه الحفلات وغيرها من حفلات مستحدثة دخيلة على مجتمعنا وعدم الانسياق وراءها، فهي لا تمت لقيمنا وديننا بصلة، وأطلقوا العنان للوعي السليم والفكر الصحيح وتجنبوا اللهث وراء المستحدثات من المناسبات السلبية.
نتمنى من مجتمعنا المسلم العربي المستنير عدم المبالغة في الحفلات فالمبالغة غير المنطقية لها آثار غير محمودة على التربية وقد صارت عند البعض منهجاً متبعاً في مناسبات عديدة بسبب وجيه وغير وجيه، فصاروا يحتفلون (بجنس المولود) ،وصاروا يحتفلون (بتوديع العزوبية)، ويحتفلون (بالخلع تارة)، و(بالطلاق أخرى)، ناهيكم عن (أعياد الميلاد)، و(عيد الحب) (ورأس السنة)، وغير ذلك! للأسف انتهاج بعض العائلات لهذا المنهج، ينعكس بسطحيةً في التفكير وقلة وعي على بناتهم.
لا يعتقد أحد أنني ضدّ الحفلات، بل بالعكس أنا من محبي السعادة والسرور ولست ضد حفلات التخرج أو حفلات قدوم مواليد أو الابتهاج بالخطبة والزواج ، ومع الرقي في الاستعداد والترتيب الجميل للمناسبات لكنني ضدّ المبالغة الممقوتة وفي الأماكن العامة بالذات.
حفظ الله مجتمعنا، ووفق بناتنا وأبناءنا لكل خير. ودمتم.
(اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً).