هل هذا وقت مناسب لبحث «حل الدولتين»؟!
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
تنظر جميع دول العالم، تقريبا، إلى خيار «حل الدولتين» باعتباره الخيار الأنسب للقضية الفلسطينية، وهو الخيار العربي الذي ما زالت تتبنّاه جامعة الدول العربية، وتدعو إليه، شكليا على الأقل، القوى الكبرى في العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا. وأكد أمس المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض الالتزام بحل الدولتين بوصفه خيارا لإنهاء الصراع والحروب في المنطقة، وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان: « وفي سياق غزة، يعد هذا التزاما حقيقيا بحل الدولتين، وهو طريق ذو مصداقية ولا رجعة فيه إلى دولة فلسطينية، وهذا هو الحل الوحيد المعقول والموثوق الذي يضمن لنا عدم الاضطرار إلى العودة إلى نفس الوضع بعد عامين أو ثلاثة أو أربعة أعوام».
ويقترح خيار «حل الدولتين» إنشاء دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب «إسرائيل». ورغم الاحتفاء العالمي بهذا الخيار وما مرّ به عبر السنوات الماضية من مفاوضات وما صادفه من تطور في السياسات العالمية، والتغيرات الديموغرافية التي يفترض أن تكون جميعها قد أقنعت دول العالم وأقنعت المحتل الإسرائيلي أنه خيارها الأفضل إلا أن إسرائيل ما زالت لا تضع هذا الخيار، أبدا، ضمن أجندة سياساتها أو ضمن أي مستوى من مستويات خياراتها الاستراتيجية حتى في أفضل المناخات السياسية لديها، أمّا الآن وفي هذا المناخ السياسي المضطرب وفي ظل هذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة فإن وضع «حل الدولتين» ضمن أجندة مباحثات سياسية فهذا أدعى إلى تحويل الخيار إلى لعبة سياسية منه إلى خيار استراتيجي.
وسبق أن طرحت هذه الجريدة في هذه المساحة التحديات الجديدة التي أضيفت إلى تحديات «حل الدولتين» في ظل حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي. وتلك التحديات تضاف إلى التحديات البنيوية الداخلية في فلسطين نفسها في ظل الانقسام بين غزة والضفة الغربية وفي ظل الكثير من الأطروحات السياسية التي تبدو محقة جدا عندما تعتبر أن سياق «حل الدولتين» لا يلبي تطلعات أكثر من سبعة عقود من النضال من أجل تحرير فلسطين المحتلة.
رغم ذلك فإن عموم الشعب الفلسطيني وصل إلى ما يشبه القناعة بخيار «حل الدولتين» على أن تكون فلسطين دولة كاملة الاستقلال وعاصمتها القدس الشرقية وليس «أبوديس» كما طرحت إسرائيل ذات يوم، وأن تهدم إسرائيل كل المستوطنات غير القانونية التي أنشئت في أعقاب اتفاق أوسلو.
لكن المشكلة الأكبر في «حل الدولتين» تكمن في إسرائيل نفسها؛ فهذا الخيار وفقا للفلسفة الإسرائيلية المتطرفة محفوف بالكثير من التحديات السياسية والأيديولوجية. ولا تظهر حكومة نتنياهو -المدعومة بأحزاب يمينية ودينية متطرفة- أي اهتمام بهذا الحل، بل إنها تسخر منه في كل مناسبة.
كما أن إمعان إسرائيل في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي ولكن ينظر إليها على أنها حق ديني وتاريخي في إسرائيل، يعقد «حل الدولتين» تماما ويمنح أي محاولة حقيقية لترسيم الأراضي المطلوب لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
على أن هذا ليس هو التحدي الأكبر ولا الأهم؛ فالكثير من المستوطنين الإسرائيليين و«رجال الدين!» باختلاف طوائفهم يفسرون مفهوم الدولة اليهودية بطريقة لا تتوافق مع خيار «حل الدولتين» وفق ما يطرحونه لأرض الكتاب المقدس.. وهذا التفسير هو أكبر تحد لفكرة إقامة «الدولتين» وأي جهد لإحلال السلام في فلسطين.. ولذلك لا يمكن تجاهل هذه الأطروحات في أي مرحلة يناقش فيها العرب خيار «حل الدولتين»؛ لأنه دون تغيير حقيقي لهذه القناعات الإسرائيلية فإن الحديث عن «حل الدولتين» ليس إلا تسطيحًا للقضية وهروبًا من جوهرها. وإسرائيل الآن رغم مأزقها الكبير والمعقد إلا أنها في أكثر لحظاتها تطرفا وهذا يقودها إلى الضعف والتآكل من الداخل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دولة فلسطینیة حل الدولتین
إقرأ أيضاً:
جورج مارشال أهم الشخصيات العسكرية الأمريكية.. لماذا عارض تأييد إسرائيل؟
يصادف اليوم ذكرى ميلاد جورج مارشال، أحد أبرز الشخصيات السياسية والعسكرية الأمريكية في القرن العشرين، يُعتبر رمزًا للقيادة الحكيمة خلال الحرب العالمية الثانية. شغل مارشال مناصب هامة، بما في ذلك رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الأمريكي ووزير الخارجية ووزير الدفاع. ورغم إنجازاته العديدة، فإن موقفه من إقامة دولة إسرائيل يبرز كأحد أبرز المحطات الجدلية في مسيرته السياسية.
في عام 1947، اقترحت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة عربية وأخرى يهودية. ورغم أن العديد من السياسيين الأمريكيين، بمن فيهم الرئيس هاري ترومان، أيدوا الخطة، فإن مارشال، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الخارجية، كان لديه رأي مختلف تمامًا.
مارشال كان يعارض إقامة دولة إسرائيل لأسباب استراتيجية وسياسية:
1. التداعيات الإقليمية: كان مارشال يرى أن دعم قيام دولة إسرائيل قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وهي منطقة استراتيجية غنية بالموارد الطبيعية ومهمة على الصعيد الجيوسياسي.
2. تأثير الصراع على المصالح الأمريكية: خشي مارشال من أن يؤدي انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل إلى الإضرار بعلاقاتها مع الدول العربية والإسلامية.
3. غياب الدعم العسكري الكافي: كان مارشال يعتقد أن إسرائيل الناشئة ستكون عرضة للهجمات، خاصة في ظل معارضة الدول العربية لوجودها، ما قد يجر الولايات المتحدة إلى صراعات عسكرية غير ضرورية.
وصلت الخلافات بين مارشال وترومان إلى ذروتها في عام 1948، حين أصر ترومان على الاعتراف بإسرائيل فور إعلانها الاستقلال. أعرب مارشال عن استيائه من هذا القرار، بل ذهب إلى حد التهديد بالاستقالة، معتبرًا أن هذا الاعتراف يعكس ضغوطًا سياسية أكثر من كونه قرارًا استراتيجيًا مدروسًا.
رغم انتصار وجهة نظر ترومان في نهاية المطاف، إلا أن موقف مارشال ظل حاضرًا في النقاشات السياسية حول السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. ويعتبر البعض أن رؤيته الاستراتيجية كانت صحيحة بالنظر إلى ما شهده الشرق الأوسط من صراعات متلاحقة بعد إقامة دولة إسرائيل.