برونو ماسياس
ترجمة: أحمد شافعي
في عشاء خاص قبل أشهر قليلة، شرح لي وزير أوروبي مخضرم ما سيجري في حال فوز دونالد ترامب بانتخابات الولايات المتحدة الرئاسية في نوفمبر وسحبه كل الدعم لأوكرانيا. إذ قال: إنه ما لم تتقدم البلاد الأوروبية الكبيرة لتحل محل الجهد الأمريكي ـ وهو فرض مستبعدـ فلن يكون من خيار لبلده العضو في الناتو، إلا أن يقاتل مع الأوكرانيين من داخل أوكرانيا.
شعر بعض حاضري ذلك العشاء بالاطمئنان إلى أنه ليس جميع من في أوروبا مستعدين لتحول أوكرانيا إلى ضحية وقربان. وتخوف آخرون من أن يؤدي هذا التضامن إلى حرب على المستوى القاري. ولكن ذلك على وجه التحديد هو ما كان يطرحه الوزير: هل يمكننا القول إن الحرب لا تعنينا؟ لعل كل أوروبي ـ علم ذلك أم لم يعلم ـ منخرط في صراع أكبر كثيرا مما بدا قبل سنتين.
على مدار العام الماضي، أقامت روسيا وأوكرانيا تحصينات ثقيلة بطول خط التماس في منطقة الدونباس، استعدادا لحرب طويلة. والجيران أيضا كانوا يستعدون. ففي يناير، أقرت لتوانيا ولاتفيا وإستونيا خطة لإقامة خط دفاع مشترك في البلطيق بطول الحدود مع روسيا وبيلاروسيا، مستلهمةً في ذلك أنظمة الدفاع الفعّالة القائمة في أوكرانيا.
إن القوات التي تغذي الصراع اليوم أقوى من القوات الرامية إلى حفظ النظام. ولعل هذا هو السبب في أن حروبا كثيرا للغاية تبقى بلا حلول. صحيح أنها قد تغيب عن أنظارنا، شأن صراعي سوريا أو اليمن، ولكن غيابها هذا لا يتم إلا بقوة التكرار، وتوالي الأهوال اليومية بوتيرة ثابتة. والرجاء الآن هو أن تفلت أوكرانيا والشرق الأوسط من هذا المصير، أما الخوف فهو أن تتحول بعض الصراعات إلى حروب أكبر.
لقد ساد ارتياح كبير عقب ضربة إسرائيل المحدودة لإيران في التاسع عشر من أبريل، لما بدا أن حربا كاملة بين البلدين قد اجتنبت. أم ترى هذه الحرب قد بدأت بالفعل؟ في النهاية، كانت ضربة إيران المذهلة بالصواريخ والمسيَّرات لإسرائيل في الثالث عشر من أبريل لتبدو غير مطروحة قبل أسبوعين من وقوعها. وحتى مستوى ضبط النفس الذي أظهرته إسرائيل وإيران في هذه الواقعة قد لا يشير إلى غير تخطيط محكم لصراع طويل فيه جولات كثيرة قادمة. والصراعات في عصر الخطر قد لا تكون لها بدايات أو نهايات واضحة.
في الوقت نفسه، ينتشر الخراب من الأطراف إلى مركز القوة داخل النظام العالمي، وينهار الفارق أصلا بين المركز والأطراف. وتأملوا أوكرانيا مرة أخرى. لقد كان جزء من أهمية الصراع الأوكراني التاريخية يتمثل في أنه أبرز اللحظة التي انعزلت فيها البلاد الديمقراطية من وظيفة «شرطي» العالم ـ أي الوسطاء الرامين إلى إعادة النظام في مختلف نقاط التوتر ـ لتصبح هي نفسها بؤر توتر نشطة. فحتى العراق وأفغانستان تم تقديمهما بوصفهما عمليات شرطية تستهدف الإرهاب أكثر من كونهما حربين عاديتين. ومنذ بدء الحرب على أوكرانيا، بدت الأحداث هنا بصورة لافتة أحداثا جديدة وخطيرة، لا لأنه كان أكبر صراع كبير في أوروبا منذ الحرب العالمية الأولى ـ فهو لم يكن كذلك ـ ولكن لأنه مع تورط الكثير من قوى العالم الكبيرة في الصراع لم يبق من قوة لاحتواء الصراع.
هل الولايات المتحدة متورطة مباشرة في حرب أوكرانيا؟ يؤسفني أنها كذلك. فلقد تورطت مباشرة في اللحظة التي قرر بوتين فيها استعمال ترسانته النووية وسيلة ابتزاز للحد من الدعم الغربي لكييف. لعل سياسة مختلفة كان يمكن تبنيها، لكن إدارة بايدن سارعت إلى استنتاج أن انهيار الخطوط الروسية قد يستفز الكرملين إلى استعمال سلاح نووي في أوكرانيا، فيصبح بعد ذلك أمن المواطنين الأمريكيين نفسه مهددا. وجو بايدن وكبار مسؤوليه على قناعة بأن خطر التصعيد النووي حقيقي. وهذا الخطر يصوغ كل التقديرات، بما فيها مدى دعم أوكرانيا بالتكنولوجيا العسكرية المتقدمة. لقد أصبحت الأسلحة النووية هجومية ـ لا دفاعية ـ تيسر حروب الغزو بتحصينها جيشا غازيا من خطر التعرض للهزيمة. وهي وحدها التي حولت انتصارا أوكرانيًّا ـ بدا لوهلة أنه في الإمكان ـ إلى احتمال متزايد البعد.
وكشف تطور ثان حدود القوة الغربية: وليس ذلك يقتصر على أن الاقتصاد الروسي الخاضع للعقوبات لم ينهر ـ مثلما توقع بايدن في أيام ما بعد الغزو ـ بل إنه سجل أرقام نمو أفضل من ألمانيا أو بريطانيا منذ عام 2022. وعلى مدار العقد الماضي أو نحوه، يتحدث محللون عن إعادة توزيع القوة الاقتصادية لصالح عمالقة آسيويين من قبيل الصين والهند. وقد عمد بوتين ببساطة إلى استعمال تلك التطورات لعزل الاقتصاد الروسي عن الغرب. استمر النفط في التدفق، مغذيا آلة الحرب الروسية. وإنكم لتسمعون في بعض الأحيان أن أوروبا لم تعد معتمدة على النفط الروسي لأنها توقفت عن شرائه. لكنها في واقع الأمر لم تزل معتمدة على الإمدادات الروسية التي تباع ـ حتى لو لم يكن ذلك لأوروبا ـ فتحافظ على انخفاض أسعار الطاقة العالمية. ومنذ عقدين، حين كانت روسيا معرضة لأزمات الدين المدمرة أو إفلاس البنوك، ما كان بوتين ليجرؤ على محاربة أوكرانيا.
لقد كان مشهدًا استثنائيًا ذلك الذي بدت فيه البلاد الديمقراطية الغربية عند تخفيض منزلتها من المقعد الإمبراطوري لتصبح في حلبة المصارعين. فبغتة، أزيلت كل القواعد والقيم المطلقة، وحلت محلها حماسة لمعركة بين «نحن» و«هم». وبات هذا التغير في النهج أوضح مع حرب غزة. ففي يوم من الأيام حاولت الولايات المتحدة أن تضع نفسها في موضع الوسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكان لذلك الدور انحياز دائم، ثم وقع السابع من أكتوبر فكان مختلفا اختلافا نوعيا.
ومثلما قال لي الأمير تركي الفيصل ـ رئيس المخابرات السعودية السابق ـ خلال حوار في الرياض في مارس، فإن إحساس التوازن بات مفقودا. تشعر واشنطن أنها تخوض حربا في جانب إسرائيل، ومثلما يحدث في الحروب دائما، تكون الحقيقة أول الخسائر. تخضع المعلومات لسيطرة دقيقة، والمتحدثون الرسميون في واشنطن كثيرا ما يذكرونني بالمتحدث الرسمي العراقي خلال حرب بغداد 2003 [أي محمد سعيد الصحاف]. ففي الثاني من أبريل زعم مستشار اتصالات الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي ـ مرددا نغمة قديمة ـ أن القوات الإسرائيلية لم تنتهك أي قانون دولي منذ أكتوبر.
تبقى الولايات المتحدة بلدا فريد القوة، لكنه لم يعد يملك الموارد الاقتصادية والروحية لتمثيل فكرة النظام العالمي. وفي كل يوم يظهر من مسؤوليها أنهم عاجزون تمام العجز عن فهم الرؤى المختلفة. ولكن مثلما يتبين من اقتراعات الأمم المتحدة على وقف فوري لإطلاق النار في غزة، تواجه وجهة النظر الأمريكية اعتراضات متزايدة من أغلبية ساحقة من البلاد.
عندما ينهار النظام، ينهار بسرعة وفي كل موضع. ففي بعض البلاد الغربية بات حتى التفكير في وجهات نظر معارضة يعد الآن ضربا ما من الخيانة. وينزاح الاهتمام بالقضايا المعقدة مفسحا المجال لأبسط السرديات، حيث يبدو العدو باعتباره قوة عالمية خبيثة.
ونرى هذا في حظر المظاهرات والأصوات المناصرة للفلسطينيين من المؤتمرات، كما هو الحال بصورة متزايدة في ألمانيا. وفي الولايات المتحدة، لو أن للحرب في غزة أن تحظى بأي نوع من الاهتمام المستمر، فعليها أولا أن تتحول إلى حلقة من الحروب الثقافية في الجامعات الأمريكية. وفيما أكتب هذا المقال، تكشف أطقم الطوارئ الفلسطينية مقابر جماعية في مستشفيي الشفا وناصر في غزة. ولا يحتمل الدليل المصور بالفيديو تشكيكا، ومع ذلك فما من اهتمام يذكر من وسائل الإعلام الغربية.
وليس الغرب وحيدا في فرض رؤيته على بقية العالم. فقد تبنت السلطات في بكين الطريقة نفسها في بداية حرب أوكرانيا حينما اعتبرت مقاومة كييف مؤامرة أمريكية. واختارت الهند أن تبقى بعيدة عن التورط، برغم أن تعاطفها مع الحصان الأقوى واضح في حالتي روسيا وإسرائيل. في الوقت نفسه، خلال العقد الماضي، أعادت إيران إسكان سوريا بمستوطنات من أجل زيادة نفوذها. بعد أن هرب السكان السنّة السابقون من قتال مسلح ثم لم يسمح لهم بالرجوع إلى بيوتهم.
غالبا ما يُعتقد أن الحروب تخاض طلبا للنظام، بين قوتين متعارضتي الرؤية لما يعنيه النظام. في السودان، يحرمنا الصراع المستمر والقاسي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من مثل هذه الأفكار. فقد تأسست قوات الدعم السريع سنة 2013 في دارفور لكنها تنامت حتى أصبحت أقرب إلى شركة أمن خاصة تخوض حربا في اليمن، بتمويل من بعض الدولارات النفطية الخليجية. والجيش الخاص لا يكون مسؤولا أمام أي دولة ولكن أهدافه كثيرا ما تكون غير محددة عن عمد. وكما أن على كل شركة أن تعظِّم عوائدها وأرباحها، فالميلشيا الخاصة لا بد أن تعظِّم عائداتها. ويتصادف أن العائدات تقاس بعدد الجثث والقرى المحروقة. ومن الصعب للغاية تسريح الجنود بعد أن تهدأ الحرب، مثلما جرى في اليمن. فبدلا من ذلك يجري إيجاد ميادين قتال جديدة.
وإنه لحتمي أن ينتشر هذا النموذج، ولو لأنه ما من مبدأ آخر يبدو في قوة إقناع مبدأ «تعظيم العوائد». ومثلما قال الأكاديمي السوداني مجدي الغزولي، ففي حزام البلاد الممتد من اليمن إلى السودان، ومن العراق إلى أفغانستان، أصبح شكل الميلشيا هو أداة السيطرة الأشد فعالية. إذ أثبت فعاليته في حفظ وظائف المجتمعات داخل نظام سوقي بات تشغيل المراهقين فيه ضمن الجيوش هو السلعة الأيسر توافرا. ويعتقد الغزولي أن هذه النزعة سوف تستمر لتسود في المستقبل. فهل يمكن أن تصير نزعة عالمية؟
في وقت مبكر يرجع إلى عام 2016، أدركت قوات الدعم السريع أن الميليشيا الخاصة يمكن أن تظفر باحتكار سلع ذات قيمة من قبيل الذهب وتؤمِّن المسارات التجارية والوصول إلى الأسواق الخارجية. وقد تعلمت مجموعة فاجنر من نظيرتها في السودان هذه الحرفة في عام 2017، قبل أن تنقلها إلى جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي. وفي الشمال، تم نشر قوات الدعم السريع لحراسة الحدود مع ليبيا ووقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا. وتنامت هذه التجارة هي الأخرى.
في كلمة أمام الكونجرس الأمريكي في الحادي عشر من أبريل، تحدث رئيس الوزراء الياباني كيشيدا فوميو عن أفق أمني عالمي واحد، إذ قال: إن «أوكرانيا اليوم قد تصبح شرق آسيا غدا». وثمة أمر محتوم في عولمة الصراع، وهو أن كل فاعل سوف يبحث عن شركاء وحلفاء حيثما يتسنى له العثور عليهم، وبخاصة حينما تصبح الحرب احتمالا واقعيا. وعلى هذا النحو، يكون الأفق الأمني اليوم شبيها بالديناميكيات المفضية إلى الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن العشرون. ولعل الحرب العالمية لا تعدو ببساطة حربا لا يقف فيها أحد خارج الحلبة. وبهذا المعنى نكون بالفعل في حرب عالمية.
قد يبدو السفر إلى شرق آسيا اليوم في بعض الأحيان أشبه بالرجوع إلى زمن مفقود، إلى عالم يبدو فيه الصراع العسكري بعيد الاحتمال، لأن الطاقة الاجتماعية مركزة تحديدا على التطور التكنولوجي والاقتصادي. وهذا وهم. فقد أنهيت زيارة إلى تايوان في عام 2023 خلال اليوم الوطني للجزيرة، واقتنعت أنه قد لا تكون الحرب وشيكة ولكن يجري بالفعل إرساء أسس صراع قادم. فقد انهار التفاهم الهش المتفق عليه بين ماو تسيدونج وريتشارد نيكسن بشأن تايوان قبل نصف قرن. لم تعد الصين تقبل أن يكون الوضع القائم، الذي تؤثره الأغلبية في تايوان ـ قابلا للدوام، والولايات المتحدة مقتنعة بأن إعادة التوحيد السلمي بين تايوان والصين قد لا تكون مقبولة الآن بعد أن أصبحت الصين منافسا ذا شأن. وفي تقرير لصحيفة نيوستيتسمان في ديسمبر 2023، كتبت أن اللحظة الراهنة في تايوان قد تقارن بأوكرانيا في 2004، أي في سنة الثورة البرتقالية قبل عقد من أول حرب روسية وقبل قرابة عقدين من بدء الحرب الحالية الأكبر حجما. فحديث كيشيدا لم يخلُ من وجاهة.
وعولمة الصراع تعني في نهاية المطاف أن المبدأ العالمي الوحيد هو الصراع نفسه، فما من حل لتوتر يكمن في جاذبية أفكار النظام. ومراكز الأبحاث والشركات الاستشارية، التي يحلو لها أن تناقش المخاطر والتهديدات، ترى أن العالم على الحافة. وفي عصر الخطر، قد يتبين أن هذه التصورات شديدة التفاؤل. فالخطر يشير إلى المستقبل، في حين أننا نعيش بالفعل وسط الأنقاض.
برونو ماسياس مراسل أجنبي لنيوستيتسمان ووزير أوروبا السابق في البرتغال، ومؤلف كتاب «الجغرافية السياسية لزمن النهاية من الوباء إلى الأزمة المناخية».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدعم السریع من أبریل
إقرأ أيضاً:
خبير عسكري: "صواريخ أتاكمز" تزيد احتمال هزيمة أوكرانيا
دخلت الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة بالغة الخطورة من التصعيد بعد استخدام أوكرانيا للصواريخ بعيدة المدى التي حصلت عليها من الولايات المتحدة وبريطانيا لضرب أهداف في العمق الروسي، في الوقت الذي عدلت فيه موسكو عقيدتها النووية بما يسمح لها باستخدام ترسانتها النووية ردا على أي هجوم كبير بأسلحة تقليدية.
واضطرت الولايات المتحدة، الثلاثاء، إلى إغلاق سفارتها في العاصمة الأوكرانية كييف وطالبت كل العاملين فيها بالدخول إلى الملاجئ في حال سماع صافرات الإنذار، في ظل المخاوف من هجوم روسي ضخم على كييف، واستهداف مبان أميركية ردا على سماح واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى أتاكمز لضرب العمق الروسي.
وفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأميركية قال دانيال إل. ديفيز الزميل والخبير العسكري في مؤسسة أولويات الدفاع والضابط السابق في الجيش الأميركي إنه من غير الواضح السبب الذي دفع الرئيس الأميركي جو بايدن، في هذه المرحلة المتأخرة من الحرب وفي اللحظة الأخيرة من رئاسته، القيام بإجراء يحمل في طياته مخاطر تصعيد الحرب بشكل كبير، ومن الواضح جدًا أن هذا القرار يمثل خطرا كبيرا وغير ضروري على الولايات المتحدة، في حين يزيد احتمالات هزيمة أوكرانيا، وليس العكس.
في المقابل هناك شخصيات معروفة في واشنطن أشادوا بقرار بايدن بالسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ أتاكمز لمهاجمة أهداف في عمق روسيا.
قد خرج الجنرالات السابقون جاك كين وباري ماكافري ويسلي كلارك لدعم قرار الرئيس، في حين انتقد كين وجود قيود كثيرة جدا على استخدام الصواريخ الأميركية في أوكرانيا.
ويرى ديفيز أن "هؤلاء الجنرالات الذين يرفغون شعار الحرب الأول قدموا نصائح كارثية على شاشات التلفزيون طيلة هذا الصراع، مشيرا إلى أنه في سبتمبر من العام الماضي، عندما تم الكشف عن فشل هجوم الصيف الأوكراني، أعلن الجنرال ديفيد بترايوس أن أوكرانيا لا تزال قادرة على التسبب في "انهيار" الدفاعات الروسية، في حين أن ديفيز كتب قبل أشهر من بدء هجوم الصيف أن أساسيات الحرب أظهرت أن أوكرانيا ليس لديها أي فرصة تقريبا للنجاح، فهل لا يفهم جنرال سابق يحمل أربعة نجوم وشغل أعلى المناصب في العسكرية الأميركية هذه الأساسيات حتى بعد أشهر من ظهور الفشل بوضوح لكي يواصل الادعاء بأن الروس سوف ينهارون".
ويقول ديفيز إنه "في يوليو 2023 وبعد شهر واحد من بدء هجوم الصيف الأوكراني وشهرين من ادعاء بتريوس بأن قوات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مازالت قادرة على تحطيم الدفاعات الروسية، كتب مقالا قال فيه إنه من الواضح أن الهجوم قد فشل. وأن المسار الأكثر حكمة وعقلانية وأخلاقية لكييف والغرب هو "السعي إلى تسوية تفاوضية تحافظ على أكبر قدر ممكن من الحرية والأراضي لكييف وأن إنهاء الحرب ال ن من شأنه أن يوقف مسلسل القتل والإصابة لعشرات الآلاف من المقاتلين الشجعان والأبطال في أوكرانيا الذين ستحتاجهم كييف لإعادة بناء بلادهم بمجرد انتهاء الحرب".
ويقول ديفيز إن هذا "يكشف حقيقة الموقف الصعب للقوات الأوكرانية سواء قبل الهجوم أو أثناءه أو بعده. ومع ذلك، تجاهلها كبار الجنرالات في الولايات المتحدة، ونصحوا الحكومات الغربية بمواصلة الحرب، وهو ما أدى إلى مقتل آلاف الأوكرانيين الذين كان يمكن أن يظلوا على قيد الحياة لو اعترف بايدن بالحقائق العسكرية الأساسية في صيف عام 2023 وسعى إلى تسوية تفاوضية للحرب".
ويضيف ديفيز أن "الحقيقة اليوم أشد وضوحا. فعدد الصواريخ بعيدة المدى التي تمنحها الولايات المتحدة لأوكرانيا لن يغير في الأمر شيئا، فهذه الصواريخ لا تستطيع وحدها تغيير ديناميكية ساحة المعركة - تمامًا مثل الدخول السابق للدبابات الغربية، وناقلات الجنود المدرعة، وقطع المدفعية، وأسلحة الدفاع الجوي، وأنظمة هيمارس، أو حتى طائرات إف16 المقاتلة إلى المعركة. لقد خسرت كييف الحرب. هذه هي الحقيقة الوحيدة والاستمرار في تجاهل الواقع - والاستماع إلى الجنرالات - سيزيد التكلفة النهائية لخسارة الحرب بالنسبة لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن ما يفعله بايدن الآن أسوأ لأنه يخاطر بتوسيع الحرب، مما قد يجر الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع روسيا".
كانت روسيا واضحة في تصريحاتها بأن إدخال صواريخ بعيدة المدى أميركية أو غربية في الحرب ضد روسيا يمثل انخراطاً مباشراً للغرب ضد روسيا ويفرض عليها "رداً".
ويقول ديفيز إن "المخاطرة بتوسيع الحرب من خلال السماح باستخدام الأسلحة الأميركية بعيدة المدى ضد روسيا تمثل مجازفة متهورة إلى أقصى حد، خاصة وأن هذا لا يحقق أي فائدة عسكرية لأوكرانيا، بل يمثل خطرا استراتيجيا كبيرا يتمثل في احتمال تورط واشنطن في الحرب، ورغم أن الرئيس السابق دونالد ترامب فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لأنه تعهد بإنهاء الحرب في أوكرانيا، قد تدمر مخاطرة بايدن الأخيرة أي فرصة قد تكون لدى ترامب لتحقيق السلام".