تصعيد ضد الإمارات وتقارب مع روسيا: البرهان يحاول الإيحاء بأن أزمته خارجية
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
الخرطوم/ العرب الدولة– يحاول الجيش السوداني الإيحاء بأن أزمته خارجية من خلال التصعيد مع الإمارات من جهة والسعي لعقد تحالفات من جهة أخرى، وذلك لتبرير عجزه عن حسم الصراع لصالحه بعد أكثر من سنة من نشوب القتال ضد قوات الدعم السريع.
وبدأ وفد روسي برئاسة المبعوث الرئاسي الخاص بالشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف زيارة الأحد إلى السودان تستمر يومين، بعد ساعات من طلب تقدمت به الخرطوم لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن تبحث ما قالت إنه “عدوان إماراتي على الشعب السوداني ودعم قوات الدعم السريع”.
وتقلل خسارة قوات الدعم السريع لعدد من مواقعها مؤخرا من واقعية الاتهامات التي لا يتوقف الجيش السوداني عن توجيهها إلى الإمارات لتبرير عجزه عن حسم المعركة لصالحه.
وبعد أن كان الجيش يتهم خصمه الدعم السريع بالاستعانة بمجموعة فاغنر دون تقديم أدلة على ذلك، بات يجاهر بالتقرب من روسيا رغم ما يشكله من تحد للإدارة الأميركية القلقة من الانتشار الكبير لروسيا في ليبيا ومنطقة الساحل.
الزيارة تغير انطباع أن البرهان كان يناور فقط بورقة الانحياز إلى موسكو، وتشير إلى تحول المناورة إلى ممارسة فعلية
وأكد بوغدانوف، عقب لقائه قائد الجيش الجنرال عبالفتاح البرهان في بورتسودان الأحد، أن مجلس السيادة هو “السلطة الشرعية التي تمثل الشعب السوداني وجمهوريته”، ما يوحي بانحياز روسي إلى الجيش.
وتغيّر هذه الزيارة انطباع أن البرهان يناور فقط بورقة الانحياز إلى موسكو بعد شعوره بأن الولايات المتحدة خذلته في حربه ضد قوات الدعم السريع، وأن المناورة يمكن أن تتحول إلى ممارسة فعلية إذا تطورت العلاقات مع روسيا أكثر من اللازم، في أجواء تخيّم عليها ملامح قلق غربي من تنامي دور موسكو على الساحة الأفريقية.
كما تؤكد أن قائد الجيش السوداني يستثمر في قوى مناهضة للدول الغربية من أجل حث الأخيرة على تغيير مواقفها منه ودفعها للانحياز إليه قبل أن يقوم بتعزيز علاقاته مع روسيا، وربما إيران التي أعاد البرهان علاقات السودان السياسية معها مؤخرا.
ويتخطى البرهان محاذير إقليمية ودولية رأت أن دخول موسكو وطهران أو كليهما ملعب السودان في خضم الصراع العسكري الممتد يوحي بحدوث تغيير في التوازنات الإقليمية والدولية الدقيقة التي حافظ عليها منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عام.
وبحث ميخائيل بوغدانوف في موسكو قبل أيام مع مدير جهاز الاستخبارات السوداني أحمد إبراهيم فضل، خلال مشاركته في المؤتمر الأمني الدولي الثاني عشر، الوضع العسكري والسياسي في السودان، وسبل مواصلة تطوير العلاقات بين البلدين.
ويقول متابعون إن قائد الجيش السوداني قرر تفعيل ورقة موسكو لتغيير المعادلتين السياسية والعسكرية، حيث يمنحه تطوير العلاقات مع روسيا صديقا يمكن أن يؤيده دبلوماسيا على الساحة الدولية بصراحة.
ويضيف المتابعون أن موسكو شعرت بأنها ستفقد السودان وما يمثله من أهمية حيوية في إستراتيجيتها الأفريقية إذا تركته لأوكرانيا، التي من المؤكد أنها توجهت إلى دعم الجيش في خضم حربها الضروس ضد روسيا بالتنسيق مع بعض الدول الغربية، وهو الدعم الذي يمكن أن يتزايد بطرق أخرى إذا أهملت موسكو تداعياته.
وتلقى وزير الخارجية السوداني الجديد حسين عوض برقية تهنئة من وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بعد تكليفه بمنصبه مؤخرا، أكدت على عزم موسكو تعزيز العلاقات مع السودان، ودعم بلاده للخرطوم بهدف تحقيق السلام والتوافق الوطني.
وقال المحلل السياسي محمد أحمد مختار إن السودان يسعى لإعادة ترتيب علاقاته الخارجية لتحقيق مكاسب، مستفيدا من الصراع المتصاعد بين الغرب والشرق، وهو ما يفسر اتجاه السودان نحو موسكو وطهران بعد أن فترت علاقاته مع بكين منذ اندلاع الحرب.
ولفت في تصريحه لـ”العرب” إلى أن “الجيش يريد الحصول على سلاح يتماشى مع المعدات العسكرية التي لديه ومعظمها جاء من روسيا، ويحاول الاستفادة من علاقاته في مجال التعدين مع موسكو كي يتمكن من إبرام المزيد من الصفقات العسكرية”.
قائد الجيش السوداني قرر تفعيل ورقة موسكو لتغيير المعادلتين السياسية والعسكرية، حيث يمنحه تطوير العلاقات مع روسيا صديقا يمكن أن يؤيده دبلوماسيا على الساحة الدولية بصراحة
وأوضح أن مجلس السيادة السوداني اتجه نحو روسيا لتوصيل رسالة مفادها أن السلاح الأوكراني الذي شارك في الحرب تم عبر صفقة سلاح رسمية عقدتها الخرطوم مع كييف، وليس عبر مشاركة قوات أوكرانية بجانب الجيش السوداني.
وتوقع المحلل السوداني أن تنجح روسيا في توظيف حاجة السودان إلى السلاح لأجل إعادة طرح النقاش حول تدشين القاعدة العسكرية على ساحل البحر الأحمر، غير أنه من المستبعد أن تستجيب الحكومة لتلك المساعي في الوقت الراهن لأنها بذلك تصبح عدوة لأطراف إقليمية حليفة ترفض الوجود الروسي بالقرب منها.
وعام 2020 وقع السودان مع روسيا اتفاقية إنشاء قاعدة ومركز دعم لوجستي للبحرية الروسية في ميناء بورتسودان المطل على البحر الأحمر.
وزاد التواصل بين البلدين على المستوى الرسمي في الفترة الماضية، يما يشير إلى وجود ترتيبات بينهما لتطوير العلاقات؛ فقد عقد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني جبريل إبراهيم اجتماعا مع بوغدانوف بموسكو في الخامس عشر من يناير الماضي، تناول سبل تنشيط التعاون المشترك بين البلدين، وضرورة تفعيل اللجان المشتركة، ووضع خطط للدفع بالعلاقات الاقتصادية إلى مستويات أعلى.
وصرّح السفير الروسي لدى السودان أندريه تشيرنوفول مؤخرا بأن الصراع في السودان يرجع إلى أن أول قنبلة موقوتة في أساس الدولة زرعها الغربيون مع “مشروعهم للتحول الديمقراطي عام 2019” بعد تفكيك نظام عمر البشير.
وذكر تشيرنوفول أن قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) لم يطلب من موسكو المساعدة، ما ينطوي على إشارة إلى أن موسكو تجد مصالحها مع البرهان، والذي لوح من قبل بالانفتاح الإستراتيجي على روسيا.
/////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الجیش السودانی العلاقات مع قائد الجیش مع روسیا یمکن أن
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني ومفترق الطرق
بعد إعلان القوات المسلحة السودانية عن تحرير عاصمة البلاد يتساءل الجميع عن الخيارات التي سوف يلجأ إليها الجيش علي المستويين العسكري والسياسي ، وما تأثير هذه الخيارات علي مستقبل السودان وقدرته علي مواجهة التحديات الوجودية الماِثلة .
أمامنا مجموعة من الرسائل الصادرة عن الفريق عبد الفتاح البرهان وزير الدفاع ورئيس أركانه ياسر العطا وأيضا وزير الخارجية علي يوسف، كذلك لدينا معطيات علي الأرض مطلوب التعامل معها فضلا عن طبيعة التوجهات الدولية إزاء السودان والتي صدرت بعد تحقيق الجيش لانتصارات فارقة علي الأرض جعلت قوات الدعم السريع تنسحب نحو حواضنها الاجتماعية التقليدية في غرب البلاد .
علي المستوى العسكري سيكون أول الخيارات المطروحة علي الجيش في هذه المرحلة هي الاستمرار في العمليات العسكرية والتوجه نحو دارفور تحت مظلة خطاب سياسي وإعلامي يتبني فكرة تحرير كامل التراب الوطني السوداني وهو خيار عبر عنه الفريق عبد الفتاح البرهان. الآلية المستخدمة سوف تكون سلاح الطيران عبر الغارات الجوية يقوم بها الجيش علي دارفور بالتوازي مع عملياته لتحرير الخرطوم. ومن المتوقع أن تستمر هذه الآلية نظرا للعجز الذي يعانيه الجيش في سلاح المشاة من ناحية، وإعتماده خلال فترة حكم البشير علي وكلاء دارفوريين يتحالفون معه من ناحية أخري، بما يوسع من إمكانية الصراعات العسكرية في دارفور علي أسس قبلية وعرقية، حيث تكون مهددة في هذه الحالة لدولة تشاد المجاورة.
الإنعكاسات السياسية المتوقعة لعسكرة السلطة السودانية هي هندسة التفاعلات الداخلية في إطار أن البلاد في حالة حرب وهو مايتيح سيطرة للجيش علي السلطة، لفترة زمنية تمتد لـ ٣٩ شهرا كما تم الإعلان عنها في الوثيقة التي تم تعديلها من جانب الجيش مؤخرا وتعود بجذروها إلى عام ٢٠١٩ حين كان شركاء الجيش هم القوى الثائرة على نظام البشير والمعروفة في هذا التوقيت بتحالف قوي الحرية والتغيير .
هذه الإجراءات سوف تتيح للجيش تكوين حكومة موالاة من التكنوقراط ، صلاحياتها التنفيذية من المنتظر أن تنحسر في الإطارين الأمني والخدمي للمواطنيين، وسيكون متاحا في هذه الحالة الإعتماد علي كوادر الجبهة القومية الإسلامية من الوجوه غير المحسوبة علي نظام البشير ولم تكن فاعلة فيه، وربما يتم الإستعانة في هذا السياق بوجوه من مجموعة الـ 52 من الذين تحركوا ضد نظام البشير في مراحله الأخيرة وحذروه عبر بيانات منشورة من الإستمرار في الحكم في إطار الاحتقانات السياسية التي برزت ضده بعد عام ٢٠١٣ .
هذه الحالة مرجحة في تقديري وستكون مبررة بطبيعة التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد وهي التحديات غير المرتبطة بالدعم السريع فقط، ولكن أيضا بحالة التشظي العسكري الفصائلي والجهوي، وحالة التشظي في النسيج الاجتماعي السوداني والتي عمقتها هذه الحرب.
التداعيات المرجحة لهذا الخيار علي إقليم دارفور هي إستمرار الصراعات المسلحة في كل من دارفور ومناطق من ولاية كردفان، بما يتيح فرصا إضافية لعبد العزيز الحلو في التوسع، وهو أمر سوف يجُب الخلافات الراهنة بين قادة حركته بجبال النوبة.
هذا الخيار سوف يفتح الباب لقلائل في شرق السودان حيث سوف يحرك الدعم السريع حلفاءه هناك، كما سيتيح فرصا لميليشات من جنوب السودان بعيدة عن سيطرة سلفا كير للتدخل في صراعات دارفور وكردفان علي النحو الذي أشار إاليه وحذر منه رئيس أركان الجيش السوداني ياسر العطا. وربما الأخطر من ذلك كله هو السعي لإستثمار التناقضات الناتجة عن التحالف بين الجيش وفصائل مدنية متحالفة معه.
هذا المسار من التطورات سوف يفتح الباب أمام تدخلات المجتمع الدولي والتي سوف تتبلور في تحركات كل من لندن وواشنطن بالتحديد، وهي قد برزت مؤخرا بترتيب مؤتمر للمساعدات الإنسانية في لندن دون دعوة ممثلي الحكومة السودانية الحالية، وكذلك البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية والداعي إلى إلقاء السلاح، وعدم وجود حل عسكري للصراع السوداني.
تحركات المجتمع الدولي سوف تعمل تحت مظلة الوضع الإنساني المتردي في السودان، وتدعو الي إنهاء معاناة المدنيين عبر تفاوض ربما يفضي الي حكم ذاتي لدارفور ومناطق من كردفان، أو علاقة فيدرالية بالمركز علي النمط الذي هندسه الغربيون في الصومال مثلا، هذا التوجه من جانب كل من لندن وواشنطن والذي من المتوقع أن يبلور تحالفا دوليا لدعمه، سوف يجد مؤازرة من جانب أطراف سياسية سودانية، والتي تعبر عن هذا التوجه في أدبياتها الإعلامية علي وسائل التواصل الاجتماعي، كما عبر عنه وزير الخارجية السوداني علي يوسف بأن التفاوض مع الدعم السريع لن يكون الا بعد إنتهاء الحرب.
الخيار الثاني أمام الجيش السوداني هو خيار المصالحة الوطنية الشاملة والوقوف علي مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية السودانية، وهو خيار يعني الابتعاد عن السلطة مع وجود فرصة للقوات المسلحة السودانية لبلورة توافقات مع المكون المدني بشأن طبيعة دورها في المرحلة الانتقالية للحفاظ على أمن البلاد وإستقرارها، وهو الخيار الأكثر صعوبة في التنفيذ، حيث سيكون علي الجيش التدخل لإنهاء حالة الاستقطاب السياسي الراهنة، ومواجهة التحديات المرتبطة بشركائه وحلفائه في تحقيق الإنتصارات العسكرية من الفصائل المسلحة، والذين يرون في سيطرة الجيش علي الحكم وتولي الفريق البرهان حكم البلاد في الفترة الإنتقالية هو الضمانة الحقيقية لتحقيق أمنهم واستمرارهم السياسي، حيث تقدموا قبل شهرين تقريبا بوثيقة للفريق البرهان تتضمن معظم التعديلات التي جرت على الوثيقة الدستورية الأم الموقعة في أغسطس 2019.
على المستوى المصري خيار المصالحة الوطنية الشاملة في السودان هو الخيار الذي يلبي متطلبات ومصالح الأمن القومي المصري على المستوى الاستراتيجي في تقديري، وإذا انخرطت القاهرة في دعمه وتنشيطه سوف تضمن الآتي:
دورا في دعم الجيش السوداني بلا حساسيات ولا عقبات كبيرة والمشاركة في إعادة تكوينه بمعايير قومية سودانية طبقا للنموذج المصري في الاندماج الوطني ووجود الجيش الوطني القومي وهو النموذج الملهِم لشعوب المنطقة.
ضمان وجود واستمرار القوات المسلحة السودانية بمعايير مهنية، تساهم في الحفاظ على استقرار السودان السياسي، عبر عدم التدخل في السلطة، وهو الشرط الملبي لطبيعة المعطيات السياسية والاجتماعية السودانية المغايرة للمعطيات المصرية.
تقليص فرص الصعود السياسي للإخوان المسلمين، وحزب المؤتمر الوطني السوداني حيث سيكونون أحد المكونات السياسية علي الصعيد المتوسط، ولن يتمتعوا بكونهم القوى الحاكمة والقائدة، وهو الثمن الذي يتوقعونه لمشاركتهم في الحرب السودانية ضد الدعم السريع.
تغيير الصورة التي يتم ترويجها علي نحو سلبي من المنافسيين الإقليميين بأن مصر معادية للحكم المدني في السودان، وضمان صياغة علاقات جديدة مع غالبية التيار المدني من قوى سياسية ومجتمع مدني ونخب مستقلة، وبالتالي سيكون دورها وازنا في عمليات إعادة الإعمار وذلك بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية.
استثمار أولا الاحتضان المصري لنازحي الحرب السودانية والذي يتمتع بالإيجابية في مجمله علي الصعيدين الرسمي والشعبي، واستثمار ثانيا الخبرة الكبيرة للمكون المدني السوداني التي تكونت خلال السنوات التالية للثورة بشأن ضرورة الانحياز لفكرة تصفير المشكلات مع مصر للمضي قدما في تنمية وتقدم السودان، وإستثمار ثالثا التواصل المصري مع القوى السياسية السودانية والذي تم في صيف ٢٠٢٤ بمؤتمر ضم كل الأطراف السياسية السودانية.
توفير مناخ إيجابي من التفاهم بشأن حل المشكلات الحدودية بين مصر والسودان، والحفاظ على أمن البحر الأحمر، والتعاون في أطر حوض النيل على نحو يضمن توافق القوي السياسية السودانية إلى حد معقول بشأن بلورة وهندسة عملية توازن للمصالح بين مصر والسودان تضمن شراكة متوازنة .
بالتأكيد المجهود المصري في دعم هذا التصور الإستراتيجي للعلاقات المصرية السودانية لن يكون سهلا، ويحتاج إلى مجهود كبير وإعتماد آليات متنوعة بعضها جديد، وسوف يجد أطرافا مصرية غير داعمة له منطلقة من حالة القوى السياسية السودانية من حيث الانقسام، وإنتهازية وأنانية قطاع منها ، ولكني أظن أن الانخراط المصري في عمليات شاملة من بناء الثقة مع المكون المدني، والتبشير بالمصالحة الوطنية كطريق لرتق النسيج الاجتماعي السوداني، من شأنها أن تحجم الإنتهازيين وداعميهم من المنافسين الإقليميين، وتساهم في دور لمصر يليق بها وبشعبها.
مصر 360