الجيش السوداني مفرخة للمليشيات
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
الجيش السوداني مفرخة للمليشيات
طارق الشيخ
مرّ عام على الحرب في السودان، وأكثر ما يلفت النظر فيها، غيرُ الدمار الكبير في العاصمة الخرطوم وما خلّفته المعارك من ملايين النازحين، في داخل البلاد وخارجها، التناسل الكثيف “من رحم القوات المسلّحة السودانية”، كما كان يحلو لقادة الجيش أن يردّدوا في أيام دفاعهم المُسْتَمِيت عن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فقد تناسلت “رحم الجيش”، هذه المرّة، لتنثر في أرض السودان مليشيات عديدة، بأسماء مختلفة.
أول هذه المليشيات، التي أعادها الجيش إلى الواجهة، ما بقي من حركات دارفور، التي قاتلت الجيش الحكومي: حركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية، جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان، بقيادة مني أركو مناوي. حركتان أغلب أعضائهما من الحركة الإسلامية، اصطفّتا إلى جانب رئيس حزب المؤتمر الشعبي السوداني، في حينه، الراحل حسن الترابي (2016)، بعد الانشقاق الكبير في الحركة الإسلامية الحاكمة، وفي مواجهة تلميذ الترابي، علي عثمان محمد طه. كذلك، أعاد الجيش إلى الواجهة الزعيم القبلي، موسى هلال، الذي أُقصيَ من قيادة “الجنجويد” لمصلحة قريبه حميدتي، وأعلن هلال، المؤسّس الأول لهذه المليشيا، القتالَ إلى جانب الجيش السوداني في مواجهة ابن عمّه، قائد “الدعم السريع”، حميدتي. ومهمٌّ القول إنّ “الجنجويد” قامت حائطَ صدّ استعانت به حكومة عمر البشير لامتصاص الغضب الدولي، واتهامات المحكمة الجنائية الدولية لقيادات في الحركة الإسلامية (علي طه وعمر البشير) بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية في دارفور. أضف إلى ذلك مجموعاتٍ أخرى تتبع نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، قائد “الحركة الشعبية – شمال”، ومجموعات أخرى مُنشقّة عن الحركات المسلّحة، التي شكّلت جبهة الشرق وأُهّلَت بإشراف قيادة الجيش في مدينة كسلا في شرق السودان.
أكثر هذه المليشيات أهمّية كتيبة البراء، التي تتبع مباشرة الحركة الإسلامية، تحظى بالدعم الأكبر سياسياً، وبرعاية مباشرة من قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وتحظى بالتمويل والتسليح، وبدعاية إعلامية مكثّفة، حتى تقدّم دورُها دورَ الجيشِ نفسِه. فعند استعادة مقرّ الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون في أمّ درمان (مارس/ آذار 2024)، ومع أنّ الظاهر أنّ الجيش هو من استعاد المقرّ، إلا أنّ الضجّة الإعلامية نصّبت كتيبة البراء فاعلاً رئيساً، ونسبت إليها الفضل في استعادته. وثمّة ظهور آخر أعظم خطراً، لمجموعة تنتسب إلى الحركة الإسلامية، لم تحمل، اسماً، بل عَمَّدَتْ حضورها الحرب بأعمال مستفزّة، فرفعت رؤوس قتلى “الدعم السريع” التي قُطِعَتْ، وأطرافهم التي بُتِرَتْ، ما أثار امتعاضاً واستهجاناً واسعاً داخل السودان. أضف إلى هذا كلّه طيفاً من المليشيات المسلّحة، من مدنيين استجابوا لدعوة الجيش إلى القتال معه.
إذاً، يتعمّد النظام القديم، الذي تقوده الحركة الإسلامية، نشر المليشيات والسلاح بكثافة، ظنّاً أنّها الطريقة المُثلى لاستعادة الحكم الذي أطاحته ثورة ديسمبر (2019)، وبقوة السلاح. أين مكمن الخطر هنا؟ الإجابة المباشرة تكمن في تفاصيل كلّ مكوّن لهذه المليشيات، التي تتشارك في أنّها مجموعات مُنشقّة عن حركات مسلّحة، كما في حالة “العدل والمساواة”، وحركة تحرير السودان، و”الأسود الحرّة بشرق السودان”، ومجموعة البجا. بمعنى أنّنا أمام مشهدٍ يتقاتل فيه الكلّ ضدّ الكلّ. والجديد هنا أنّ أرض المعركة ليست دارفور، التي هي تحت قبضة “الدعم السريع”، بل شرق السودان، الذي لم تطاوله بعد ألسنة لهب الحرب الحالية. في أرض الواقع، تكبّدت هذه المليشيات والمُسْتنْفِرون المدنيّون خسائر فادحة، قتلاً وأسراً، في آخر العمليات العسكرية ضدّ “الدعم السريع”. وهذا يقود إلى السؤال: لماذا يلجأ الجيش، الذي طالما ادّعى أنّه قادر على حسم سريع للمعركة ضدّ قوات الدعم السريع، إلى نشر السلاح وسط المدنيين؟ وما قدراته الفعلية لمقارعة “الدعم السريع” من دون إقحام مزيد من المدنيين في الحرب؟
الثابت، أنّ قوات الدعم السريع لا تزال، بعد مرور عام، متفوّقةً على الجيش، بحكم المساحة الخاضعة لسيطرته، وبحكم المواقع الاستراتيجية التي يتحكّم فيها. لكن، في غياب أيّ سلطة حكومية حقيقية، يبدو أن الجيش، الذي يفترض أنّه يقود هذه الحرب باسم الشعب، لا يضع أيّ اعتبار للشعب. ومع أنه وجّه أحاديث كثيرة وجّهها إلى الشعب، إلا أن قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، لم يُفسّر لماذا الحرب، وكيف الخروج منها ووضع حدّ لآلام ملايين من السودانيين. والواضح أنّ قيادة الجيش لا تكترث بأمر الشعب، بدليل أنّه لم تصدُر خريطة طريق لكيفيّة وقف الحرب وحقن الدماء، في حين أنّ قائد “الدعم السريع” يبدي موقفاً واضحاً وثابتاً يقبل وقفَ الحرب، والتفاوض لأجل السلام.
ليس في الطريق التي تسير فيها قيادة الجيش إلا المُجرّب تاريخياً، براعة تكوين مليشيات تقاتل بعضها بعضاً، فيما يتنصّل الجيش مما هو في صميم واجباته؛ صون الوطن والمواطنين. وأكثر ما يخشاه الناس، أن يقود وجود المسلّحين والسلاح في شرق السودان إلى انفجار، ستكون له، قطعاً، عواقب وخيمةٌ للغاية، بحكم التعدّد العرقيّ والقَبَلِيّ هناك، وامتداداته شرقاً حتى إريتريا وإثيوبيا، وشمالاً حتى مصر. فمتى تستفيق قيادة الجيش من وهم مطاردة أشباح حرب بلا نهاية؟.
نقلاً عن “العربي الجديد”
الوسومالجيش الحركات الدعم السريع مليشياالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الحركات الدعم السريع مليشيا
إقرأ أيضاً:
إدارة بايدن تدرس إعلان ما يجري في السودان إبادة جماعية وفرض عقوبات على حميدتي وميليشيا الدعم السريع
قالت صحيفة بوليتيكو الاميركية، ان إدارة بايدن تقوم بجهود في اللحظة الأخيرة لمعالجة الحرب الأهلية المدمرة في السودان، والتي أصبحت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية المستمرة في العالم.
ويدرس المسؤولون في الإدارة خطط لإعلان الفظائع في السودان إبادة جماعية وفرض سلسلة من العقوبات الجديدة على ميليشيا سودانية تسعى للسيطرة في الحرب، وفقًا لأربعة مسؤولين حاليين وسابقين مطلعين على الأمر تحدثوا لصحيفة بوليتيكو الاميركية.
تشمل هذه العقوبات استهداف قائد ما يسمى بميليشيا قوات الدعم السريع، محمد حمدان “حميدتي” دقلو، ومؤسسات أخرى تابعة لهذه القوات.
وقد اتهمت الولايات المتحدة كلًا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب، ووجهت اتهامات لقوات الدعم السريع بتنفيذ تطهير عرقي.
ويدفع مسؤولون وخبراء آخرون من خارج الإدارة فريق بايدن لتعيين مسؤول رفيع من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية للإشراف على استمرار تدفق المساعدات الأميركية والدولية إلى البلاد التي دمرتها الحرب، في ظل استعداد واشنطن لتغيير السلطة بين إدارتَي جو بايدن ودونالد ترامب، وقد مُنح هؤلاء المسؤولون السرية لمناقشة المداولات الداخلية بحرية.
وتأتي هذه الجهود مع توجه وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى نيويورك يوم الخميس لعقد اجتماع رفيع المستوى للأمم المتحدة حول السودان ودفعت الولايات المتحدة قبيل الاجتماع، إلى إنشاء ممرات إنسانية جديدة إلى المناطق الأكثر تضررًا في السودان، بما في ذلك الخرطوم، عاصمة البلاد.
وتشكل هذه الإجراءات مجتمعة محاولة أخيرة من فريق بايدن لدفع تقدم في إنهاء الحرب الأهلية السودانية بعد جولات عدة من محادثات السلام الفاشلة وضغوط متزايدة من المشرعين الأميركيين والجماعات الإنسانية لفعل المزيد خلال الشهر الأخير للإدارة في السلطة.
ورغم أن الصراع في السودان يحصل على جزء بسيط من الاهتمام العام أو تمويل الإغاثة الإنسانية مقارنة بالحروب في الشرق الأوسط أو أوكرانيا، إلا أنه دفع الملايين إلى حافة المجاعة، كما أصبح برميل بارود جيوسياسي، حيث تتنافس قوى أجنبية، بما في ذلك السعودية وإيران ومصر والإمارات وروسيا، على النفوذ بين الأطراف المتحاربة، مما يطيل أمد الحرب ويزيد من حدتها.
وواجهت إدارة بايدن انتقادات حادة من مشرعين مثل السيناتور جيم ريش (جمهوري من ولاية أيداهو)، الرئيس القادم للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لعدم اتخاذها خطوات كافية لمحاسبة الجهات المحركة للحرب الأهلية السودانية.
كما انتقدت منظمات حقوق الإنسان إدارة بايدن لعدم محاسبتها علنًا للإمارات العربية المتحدة على دورها في النزاع، وقد اتُهمت الإمارات، وهي شريك رئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على نطاق واسع بتمويل وتسليح قوات الدعم السريع التي تنفذ حملة من القتل الجماعي والاغتصاب في أنحاء السودان.
وقال السيناتور بن كاردين (ديمقراطي من ولاية ماريلاند)، الرئيس المنتهية ولايته للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لصحيفة بوليتيكو “الولايات المتحدة بحاجة إلى فعل المزيد، وعلى الإمارات أن تتوقف عن تأجيج الصراع هناك”.
وقال كاميرون هادسون، الخبير في العلاقات الأميركية-الأفريقية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن أي خطوات أخيرة تتخذها إدارة بايدن بشأن السودان قد “تعفي ترامب من اتخاذ تلك القرارات” وتمنح المشرعين الذين يركزون على النزاع فرصة “لاستخدام هذا كوقود لمواصلة الضغط على ترامب لمواصلة قيادة الولايات المتحدة بشأن السودان”.
وأضاف: “أي زخم يمكن أن يأتي من هذا يعد أمرًا جيدًا إذا تمكن من الانتقال إلى الإدارة القادمة”.
ويُنظر إلى إعلان الإبادة الجماعية أو الفظائع المتجددة كأداة سياسية مهمة لجذب انتباه المجتمع الدولي إلى الأزمة.
وذكر مسؤولان أن وزارة الخارجية ما زالت تناقش إعلان الإبادة الجماعية، والذي يتطلب مراجعات قانونية وتقنية داخلية مكثفة، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان بلينكن سيؤيد مثل هذا الإجراء.
وقد حذر خبراء الأمم المتحدة بالفعل من أن الصراع في السودان يشبه بشكل متزايد الإبادة الجماعية.
ورفضت وزارة الخارجية التعليق بشكل محدد على الأمر، قائلة إنها لا تناقش علنًا العقوبات أو القرارات الجديدة مسبقًا، وأضافت أنها تدفع من أجل وقف فوري للقتال وفتح ممرات إنسانية في السودان للوصول إلى أكثر المدنيين ضعفًا. كما رفض مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض التعليق.
صحيفة السوداني
إنضم لقناة النيلين على واتساب