من خلال مراكز تعبئة إجبارية.. الحوثيون يجندون موظفي الدولة تحت مسمى الجهاد المقدس
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
بموازاة المراكز الصيفية لطلاب المدارس، دشنت ميليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، مراكز تعبئة وحشد لاستهداف موظفي الجهات والمؤسسات الحكومية من خلال تنفيذ سلسلة من الدورات الطائفية التي تروج لفكر الجهاد والتطرف.
وتستهدف مراكز التعبئة هذه المرة أكثر من 40 جهة مركزية في مناطق سيطرة الجماعة، حيث تعتزم الميليشيات الحوثية عبر تلك المراكز إخضاع الموظفين والموظفات لأنشطة وفعاليات طائفية ومتطرفة تهدف بشكل مباشر إلى حشد مزيد من المقاتلين وإلحاق ما تبقى من الموظفين في القطاع الحكومي في الجانب العسكري وإلحاقهم بجبهات القتال تحت شماعة "الجهاد المقدس" ومواجهة العدوان الإسرائيلي والأميركي والبريطاني".
وجرى تدشين تلك المراكز السبت، بحضور عدد من القيادات الحوثية البارزة بينهم القيادي أحمد يحيى المتوكل المعين في منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى، ومفتي الميليشيات الحوثية القيادي شمس الدين شرف الدين، والقيادي أحمد حيان المعين في منصب مدير التعبئة العامة.. وآخرون. وأكدت القيادات الحوثية أن الهدف من المراكز التي تم تدشينها في صنعاء هو التفاعل والمشاركة في قضايا الأمة والحشد والتعبئة والاستعداد للجهاد ضد العدوان الإسرائيلي على حد وصفهم.
وأشارت القيادات الحوثية إلى أن تحركهم لإنشاء هذه المراكز يندرج ضمن الاستعداد لمواجهة ما أسموه "قوى الطغيان" ومساندة الشعب الفلسطيني ودحر قوى الشر المفسدين في الأرض". إضافة إلى أن إقامة الدورات -بحسب القيادات الحوثية- هدفها تجهيز وتدريب الموظفين والعاملين في الجهاز الرسمي لمواجهة الأخطار التي تحدق بالأمة الإسلامية عامة والشعب الفلسطيني خاصة.
مراكز التعبئة التي جرى تدشينها تأتي تواصلاً لاستثمار ميليشيا الحوثي، للعمليات العسكرية الجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، واستغلالا لشعارات الوقوف مع غزة من أجل إجبار موظفي قطاعات الدولة، في مناطق سيطرتها، على المشاركة في "دورات عسكرية"، وتهددهم باتخاذ إجراءات إدارية بحق المتخلفين عنها. وهذا أكده القيادي الحوثي زيد الحمران، الذي كلفته الميليشيات ليكون مسؤول التعبئة العامة في الجانب الرسمي.
وقال القيادي الحوثي، إن الموظفين سيخضعون إلى جانب الورشة والدورات الطائفية لتدريبات وتقوية القدرات القتالية لمواجهة الخطر الأمريكي والبريطاني تنفيذا لدعوة زعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي.
وبحسب مصادر حكومية لـ"نيوزيمن": أن الميليشيات الحوثية عبر دائرة ما يسمى "إدارة التعبئة العامة" أصدرت تعميمات مكثفة خلال الأيام الماضية، تطالب مديري الإدارات والمؤسسات الحكومية بضرورة رفع أسماء الموظفين والموظفات الملتحقين بالدورات والفعاليات التي ستقيمها "إدارة التعبئة" عبر المراكز الرئيسية التي جرى تأسيسها. كما طالبت القيادات الحوثية برفع أسماء الرافضين لحضور الدورات التي تقام واتخاذ بحقهم إجراءات صارمة تصل إلى إسقاط أسمائهم من كشوفات المرتبات (نص الراتب الذي تصرفه الميليشيات بعد عدة أشهر).
وأضافت المصادر: إن المشرفين الحوثيين في المؤسسات والمرافق الحكومية يقومون بالتركيز فقط على الموظفين غير الموالين لهم فقط، وتشمل الدورات محاضرات إجبارية لقيادات دينية حوثية، وكذا مقاطع متلفزة لخطابات ومحاضرات سابقة لمؤسس الميليشيات الحوثية في اليمن، وزعيم الميليشيات الحالي. وتتركز المعلومات على ضرورة الجهاد والأفكار والمعتقدات الطائفية المستوحاة من النهج الشيعي والإيراني، قبل أن يتم نقل الموظفين إلى معسكرات نائية لتدريبهم على استخدام الأسلحة المتنوعة.
وتسعى الميليشيات الحوثية من خلال مراكز التعبئة لتجنيد الموظفين واستخدامهم كمخزن بشري لرفد جبهاتها القتالية الداخلية، في ظل الاستنزاف المستمر لعناصرها وقياداتها. فالكثير من الموظفين يتم استغلال حاجتهم في ظل انقطاع المرتبات وإرسالهم لمتارس القتال في عدة محافظات استغلالاً لشعارات نصرة غزة، واستعدادا للحرب البرية التي ستقوم بها إسرائيل وأميركا وبريطانيا على اليمن.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: المیلیشیات الحوثیة القیادات الحوثیة
إقرأ أيضاً:
هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
هناك أكثر من سردية لبداية الحرب في السودان، ومن هو صاحب المصلحة في إشعال الحرب، لكن السردية الحكومية الرسمية تقول إن ميليشيا «قوات الدعم السريع» تمردت على سلطة الدولة وحاولت الاستيلاء على السلطة، فاضطر الجيش للتصدي لها. لكن حتى من يقول بتلك السردية يعترف بأن «قوات الدعم السريع» تكونت في عهد حكومة الإنقاذ الإسلامية، وكانت مهمتها هي القيام بالأعمال التي لا يمكن للجيش أن يقوم بها، بخاصة في دارفور التي كانت مشتعلة. وصدر قانون «الدعم السريع» في ظل حكومة الإنقاذ، وتم السماح لها بالتمدد من ناحية العدد ونوعية التسليح حتى صارت تشكل خطراً حقيقياً، ثم جاء الفريق عبد الفتاح البرهان وعدّل قانون «الدعم السريع» ليمنحها مزيداً من الصلاحيات، ويعطيها قدراً من الاستقلالية عن القوات المسلحة السودانية.
إذا افترضنا حسن النية في كل ما حدث، إن كان ذلك ممكناً، فالطبيعي أن يتعلم الناس من التجربة، ويمتنعوا عن تكرارها، على الأقل في المستقبل القريب، ويتجهوا ناحية تقوية الجيش الرسمي، وإعادة تأهيله وتسليحه وتدريبه ليكون القوة الوحيدة الحاملة للسلاح، ولكن ما حدث عكس ذلك تماماً.
أعلنت الحكومة الاستنفار، وكان المفهوم هو قبول متطوعين من المدنيين للالتحاق بالجيش. وفعلاً بدأ هذا العمل في عدد من الولايات، لكن في الوقت ذاته ظهرت «كتيبة البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية، وبدأت من جانبها فتح باب التجنيد وسط الشباب، واتخذت لنفسها شعاراً وراية مختلفين، وأدبيات مستوحاة من تاريخ الحركة الإسلامية وفصائلها المسلحة في العهد الماضي، ثم أعلنت حركات دارفور المتحالفة مع الحكومة تخليها عن الحياد وانضمامها لصفوف الجيش، مع فتح معسكرات للتجنيد والتدريب داخل وخارج السودان، وبالتحديد في دولة إريتريا المجاورة، ثم ظهر نحو خمسة فصائل من شرق السودان فتحت معسكراتها في إريتريا وبدأت تخريج المتطوعين. وكان الملمح الظاهر لكل هذه المجموعات المسلحة، بما فيها حركات دارفور وشرق السودان، هو الطابع القبلي للحشد والتعبئة والتجنيد.
الاختلاف الوحيد ظهر في منطقة البطانة، شرق الجزيرة، وولايتَي سنار والنيل الأزرق، حيث ظهرت مجموعات مسلحة انضمت لـ«الدعم السريع»، بقيادة أبو عاقلة كيكل في منطقة البطانة، والبيشي في منطقة سنار، والعمدة أبو شوتال في النيل الأزرق. وبالطبع كان الطابع القبلي لـ«قوات الدعم السريع» أظهر من أن يتم إخفاؤه؛ فقد اعتمدت بشكل أساسي على القبائل العربية في ولايات دارفور.
كانت التحذيرات تتردد من دوائر كثيرة، ليست فقط بين المجموعات المدنية التي وقفت ضد الحرب، ولكن حتى من بين صفوف السلطة والقوات المسلحة، واتفقت كلها على أن تمرد ميليشيا لا يمكن محاربته بتكوين عشرين ميليشيا أخرى لا تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات المسلحة، وإنما لسلطة القبيلة.
بعد الانقلاب الكبير الذي قاده أبو عاقلة كيكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وانضمامه للقوات المسلحة مع قواته المسماة «درع السودان»، شنت «قوات الدعم السريع» حملات انتقامية على مدن وقرى منطقة البطانة وشرق النيل، وقتلت المئات من المدنيين، وشردت مئات الآلاف من قراهم، ونهبت متاجرهم وممتلكاتهم. ورغم السخط الكبير على كيكل باعتبار أنه كان مسؤولاً عن استيلاء «قوات الدعم السريع» على ولاية الجزيرة، فإنه استفاد من التعبئة القبلية في المنطقة وضاعف حجم قواته، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة ضد «الدعم السريع».
مع تقدم الجيش وتحقيق الانتصارات سرعان ما بدأ صراع الفصائل يظهر على السطح، بخاصة من خلال صفحات «السوشيال ميديا»، بين مجموعات «القوات المشتركة» المكونة أساساً من حركات دارفور المسلحة، وقوات «درع السودان» التي تمددت في منطقتَي شرق وغرب الجزيرة حتى غطت على ما عداها، ومجموعات الكتائب الإسلامية التي أحست بوجود منافسة مبنية على الأساس القبلي والمناطقي تحد من تمددها في المناطق المختلفة. وتحولت الانتقادات إلى اتهامات بالفساد وارتكاب الجرائم والتصفيات، ووصلت لمرحلة تبادل اتهامات الخيانة والعمالة. وتزامن ذلك مع تبني البرهان وأركان الحكومة لما يُعرف بـ«خريطة الطريق» لمرحلة ما بعد الحرب، والتي أعدتها قوى سياسية ومسلحة متحالفة مع البرهان لم تشرك الحركة الإسلامية في إعدادها. وتضمن «الخريطة» للبرهان حكماً مطلقاً خلال فترة انتقالية قادمة، رأت فيها بعض الفصائل إنكاراً لدورها في الحرب.
الخطر الذي يخشاه السودانيون هو تحول هذه الصراعات الإسفيرية إلى صراعات ميليشيات مسلحة على الأرض، وهو ما بدا ظاهراً الآن؛ إذ تحول السودان إلى «كانتونات» تدخل البلاد في دوامة لا يعرف أحد حدودها وخطوط نهايتها.
فيصل محمد صالح
نقلا عن الشرق الأوسط