هل اعتماد النقود الرقمية دون استعداد كاف يهدد بتعطيل الأسواق المالية؟
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
يسلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء الضوء على أهمية النقود الرقمية في تعزيز الاستقرار المالي والشمول المالي في البلدان الجزرية في المحيط الهادي. وقد أصدرت مدونة صندوق النقد الدولي IMF) Blog) مقالًا بعنوان «النقود الرقمية التي تدار بعناية قد تساعد على تحقيق النمو والمساواة في جزر المحيط الهادي» يسلط الضوء على هذا الموضوع الهام.
تواجه البلدان الجزرية في المحيط الهادي تحديات كبيرة في توفير الخدمات المالية وتحقيق الشمول المالي، وذلك بسبب حجمها الصغير وتبعيتها للمناطق النائية والمتناثرة في العالم. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد هذه البلدان بشكل كبير على تدفقات التحويلات، مما يعرضها لتأثير غير عادل لانخفاض العلاقات المصرفية المراسلة.
وتتسبب هذه الوضعية في انعدام المساواة واستمرار الفقر في تلك الدول.
مع ذلك، يمكن للبلدان الجزرية في المحيط الهادي الاستفادة من الفرص التي توفرها النقود الرقمية، بما في ذلك العملات الرقمية (Stablecoins) والعملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCS).
فالنقود الرقمية يمكن أن تسهم في تطوير أنظمة الدفع وتوسيع نطاق الشمول المالي وتعزيز الاتصالات العابرة للحدود. وبالتالي، يمكن للأفراد الذين كانوا يعانون من نقص الخدمات المالية الحصول على وسائل الوصول إلى الخدمات المالية والدعم الحكومي.
ومع ذلك، يجب أن يتم تبني النقود الرقمية بنية تحتية مستقرة وآمنة. يجب أن يكون هناك إعداد كافٍ للنظم والتكنولوجيا المطلوبة، ويجب أن تكون هناك تشريعات واضحة تنظم النقود الرقمية وتحمي حقوق المستخدمين وتحدد المسؤوليات القانونية لمقدمي الخدمات والسلطات الإشرافية.
إذا تم اعتماد النقود الرقمية دون إعداد وضمان كافٍ، فإنه قد يتعطل الاقتصاد والأسواق المالية. وقد تتتعرض البيانات الشخصية والمعاملات المالية للخطر من التهديدات الإلكترونية مثل الاختراقات والاحتيال. لذلك، يجب توفير إجراءات أمان قوية وحماية البيانات لضمان سلامة المستخدمين وثقتهم في النظام.
بخلاف ذلك، يمكن أن توفر النقود الرقمية فرصًا اقتصادية وتنموية هامة للبلدان الجزرية في المحيط الهادي. يمكن أن تقلل من تكاليف النقل النقدي والتحويلات المالية الدولية، وتعزز الشفافية والكفاءة في النظام المالي، وتدعم التجارة الإلكترونية والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وقد بدأت بعض البلدان في المنطقة بتجربة النقود الرقمية، مثل جزر المارشال وتونغا والباهاما. وقد أظهرت هذه التجارب نتائج إيجابية في تعزيز الشمول المالي وتسهيل العمليات المالية.
بصفة عامة، يجب أن يكون هناك توازن بين تعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي وضمان الاستقرار المالي وحماية المستهلكين. ينبغي أن تكون الحكومات والمؤسسات المالية والجهات المنظمة والمجتمع المدني جميعها مشاركة في إعداد إطار قوي ومستدام للنقود الرقمية في جزر المحيط الهادي.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
تنامي نفوذ الصين في أعالي البحار يهدد الأمن القومي الأمريكي
ظلت الولايات المتحدة على مدى عقود تتعامل مع أمن خطوط الملاحة العالمية كأمر مفروغ منه، مفترضة أن سفنها التجارية والحربية يجب أن تتحرك بسلاسة عبر بحار العالم.
لكن وفي ظل سيطرة حالة الرضا عن النفس على أمريكا، وسّعت الصين نفوذها البحري لضمان تدفق بضائعها وسفنها بانتظام، في الوقت الذي تطور فيه قدرتها على عرقلة سلاسل الإمداد الأمريكية، إذا أرادت ذلك، بحسب تحليل للباحثين مارك كيندي، وكريستا برزوزوفسكي، نشره مركز "ويلسون" الأمريكي.
ويقول مارك كيندي عضو الكونغرس السابق، ومدير معهد وهبة للمنافسة الاستراتيجية التابع لمركز ويلسون، وكريستا برزوزوفسكي مساعد وزير الأمن الداخلي لشؤون الأمن التجاري والاقتصادي، في تحليلهما إن "التدخل الصيني في عملية شحن عسكرية بأحد موانئ بولندا، يجب أن يكون جرس إنذار للولايات المتحدة من تنامي النفوذ البحري الصيني، الذي لم يعد تهديداً مجرداً للمصالح الأمريكية. فقد أصبح نفوذ الصين في الموانئ والخدمات اللوجستية العالمية حقيقة، يمكن أن تعرقل الاقتصاد الأمريكي وقدرة الولايات المتحدة على حشد قدراتها في حالة حدوث أزمة جيوسياسية".
While recent action securing ports at the Panama Canal is a start, America still has a blind spot to the maritime risks it faces on the high seas. Co-authored with @cmbrzozo. @WahbaInstitute @TheWilsonCenter #MaritimeRiskhttps://t.co/7lZWVtWcYH
— Mark Kennedy (@MarkKennedyUSA) March 6, 2025ويرى المحللان أن الولايات المتحدة ربما تكون القوة العظمى العالمية الوحيدة في التاريخ، التي تبدو راضية بموقف ضعيف بشكل مذهل عندما يتعلق الأمر بالتجارة البحرية. فالصين تمتلك أكثر من 5500 سفينة تجارية عابرة للمحيطات، بينما تمتلك الولايات المتحدة 80 سفينة فقط، كما أن القدرات الضخمة لقطاع بناء السفن في الصين تجعل أمريكا قزماً في هذا القطاع، حيث تعادل قدرة القطاع الصيني 232 مثل الطاقة الإنتاجية لبناء السفن في الولايات المتحدة.
وبينما استثمرت الصين في أكثر من 100 ميناء حول العالم، فإن الولايات المتحدة لا تمتلك سوى عدد قليل من الموانئ الاستراتيجية في العالم.، وحتى داخل حدود الولايات المتحدة نفسها، تسيطر كيانات أجنبية على الغالبية العظمى من الموانئ. وتعتمد الولايات المتحدة بشكل أساسي على شبكة معقدة من الحلفاء والمشغلين الأجانب - بعضهم أصدقاء وبعضهم غير ذلك - للحفاظ على انتظام سلاسل التوريد الخاصة بها.
ولا يقتصر التوسع البحري الصيني على طرق الشحن التقليدية. فبوصفها دولة "قريبة من القطب الشمالي"، سعت بكين بقوة إلى الوصول إلى طريق البحر الشمالي، ونشرت كاسحات الجليد، وبنت شراكات مع روسيا، واستثمرت في مشروعات استغلال ممرات التجارة والموارد الطبيعية في القطب الشمالي. والواقع أن عواقب هذا التمدد بالنسبة لمصالح الغرب ككل واضحة، فالصين تعمل على تأمين طرق بديلة لتجاوز قنوات الشحن التقليدية التي يسيطر عليها الغرب، في الوقت الذي تعمل فيه على زيادة نفوذها على التجارة العالمية.
كما أن سيطرة الصين على الخدمات اللوجيستية البحرية ستكون لها تداعيات عسكرية مباشرة، ناهيك عن التداعيات الاقتصادية. ففي أي صراع كبير، يمكن أن يعتمد الجيش الأمريكي على خطوط الشحن التجارية لنقل ما يزيد على 90% من احتياجاته، لذلك ستضطر الولايات المتحدة للاعتماد على سفن تحمل أعلام دول أجنبية، في ظل عدم امتلاكها أسطول خاص بها، وهي نقطة ضعف يمكن أن تستغلها الصين بسهولة.
وفي الوقت نفسه، تتمتع الصين بسيطرة رقمية واسعة على الخدمات اللوجيستية العالمية، من خلال تطبيق "لوجينك"، المدعوم من الدولة والذي يقدم خدمة المتابعة اللحظية للشحنات البحرية على مستوى العالم، كما يستخدم التطبيق في المراكز التجارية الرئيسية باليابان وكوريا الجنوبية أوروبا، وهو ما يعطي الصين رؤية واضحة لسلاسل الإمداد، ويمنحها ميزة محتملة في حال نشوب أي نزاعات اقتصادية أو جيوسياسية.
وفي حين حظر الكونغرس على وزارة الدفاع الأمريكية استخدام الموانئ التي تعتمد على تطبيق لوجينك، فإن التجارة الأمريكية مازالت تستخدم هذه الموانئ.
وهذا المستوى من السيطرة يمنح الصين قدرة متزايدة على فرض إرادتها وممارسة الضغط الاقتصادي عند الحاجة، وإعطاء الأولوية لمصالحها الخاصة على مصالح الدول المنافسة، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفائها. على سبيل المثال، تسمح هيمنة الصين على البنية التحتية للموانئ العالمية لها بوضع قواعد ولوائح جديدة للملاحة البحرية الدولية. ومن خلال السيطرة على الموانئ وسلاسل الخدمات اللوجستية المرتبطة بها، يمكن للصين وضع معايير جديدة لرسوم الشحن، والوصول إلى الموانئ، وسياسات الجمارك التي قد تضر بالشركات الأمريكية.
كما يمكن للصين بهذا النفوذ الاقتصادي، أن تضغط على الدول الأصغر حجماً للتوافق مع سياساتها أو المخاطرة باضطرابات التجارة. وإذا تصاعدت التوترات، فقد تعطل الصين الوصول إلى خدمات الشحن، أو تبطئ الخدمات اللوجستية، أو تجمع معلومات استخباراتية عن تحركات الجيش الأمريكي. ويعكس القرار الأخير لوزارة الدفاع الأمريكية بوضع شركة كوسكو الصينية للشحن على قائمة المخاطر التي تهدد الأمن القومي، القلق المتزايد بشأن قدرة الصين المتنامية على التحكم في الخدمات اللوجستية البحرية.
ويرى المحللان كيندي وبرزوزوفسكي أنه رغم حدة الخطر الصيني، ما تزال الاستجابة الأمريكية له هشة وغير متماسكة، حيث تتولى أجهزة حكومية متعددة أجزاء منفصلة من المشكلة الصينية. وتعمل وزارتا الدفاع والنقل بشكل وثيق مع الإدارة البحرية لتأمين الموانئ البحرية الاستراتيجية الأمريكية، وضمان مرونة الخدمات اللوجستية العسكرية، في حين تعمل وزارة الدفاع على إقامة بنية تحتية بحرية جديدة في الفلبين. وتراقب وزارة الأمن الداخلي وخفر السواحل الأمريكي السيطرة الأجنبية على البنية التحتية للموانئ الأمريكية، وخاصة وجود الرافعات الصينية الصنع التي يشتبه في أنها تستطيع جمع المعلومات الاستخباراتية.
واتخذت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة التابعة لوزارة الخزانة، إجراءات أجبرت شركة كوسكو الصينية على بيع حصتها في محطة حاويات لونغ بيتش الأمريكية. وتحقق اللجنة البحرية الاتحادية في ممارسات الشحن غير العادلة الصينية. وفي الوقت نفسه، تعمل جهات مثل وزارة الخارجية ومؤسسة التمويل الإنمائي الدولية الأمريكية على توفير بدائل لاستثمارات الصين في موانئ الدول الأخرى، وإن كانت تفتقر في كثير من الأحيان إلى القوة المالية اللازمة لمواجهة الاستثمارات الضخمة لبكين. كما أنشأ مجلس الأمن القومي قطاعاً جديداً يركز على المخاطر البحرية، إلا أنه لا يزال ناشئاً ويفتقر إلى السلطات اللازمة، لحشد جهود الوكالات الأخرى في اتجاه التصدي لهذه التهديدات.
ويقترح كيندي وبرزوزوفسكي 4 محاور لتستعيد الولايات المتحدة ريادتها البحرية التجارية: أول هذه المحاور هو قيام الحكومة بتحديد الموانئ العالمية الحيوية للمصالح الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، وتطوير القدرة على ضمان استمرار هذه الموانئ محايدة أو تحت سيطرة حلفاء لواشنطن. فالاكتفاء بتحذير الدول الأخرى من استقبال الاستثمارات الصينية لا يفيد. لكن على واشنطن تقديم بدائل قادرة على المنافسة لهذه الدول.
وأما المحور الثاني، فيستهدف التصدي لسيطرة الصين الرقمية على الخدمات اللوجيستية العالمية. فتطبيق لوجينك وغيره من التطبيقات والمنصات المدعومة من الصين يتيح لبكين وصولاً غير مسبوق لبيانات التجارة وأنماط الشحن على مستوى العالم. كما يجب تعزيز القدرات الأمريكية في مجال الأمن السيبراني. وعلى واشنطن دعم تطوير منصات لوجيستيات بديلة للعالم لمنع الصين من جمع البيانات وإمكانية التلاعب بتدفقات التجارة العالمية.
ويرتبط المحور الثالث بضرورة استثمار الولايات المتحدة في تنمية قدراتها البحرية، وتحسين التنسيق مع الدول الحليفة، كما يجب عليها مراجعة نوع الاستثمار المطلوب في القدرات المحلية، وطبيعة التنسيق المطلوب مع الحلفاء، من أجل ضمان امتلاك القدرات المطلوبة في مجال الشحن وبناء السفن.
وأخيراً، على الولايات المتحدة وضع استراتيجية متماسكة للأمن البحري، لضمان التنسيق بين جهود مختلف الوزارات والوكالات، والقدرة على مواجهة هذه المخاطر بسرعة وبطريقة فعالة.