المتابع للأحداث في وطننا العربي يصاب بنوع من الانفصام، والانفصام هو فهم الواقع بشكل غير طبيعي ولا منطقي لاضطراب عقلي أو نفسي، ما يجري من أحداث في وطننا الكبير خاصة القضايا الأساسية مثل السياسة والأخلاق والسلوك ويشمل ذلك جميع التعاملات الخاصة بالفرد، بين الناس بعضهم مع بعض وبين الناس والدولة بمؤسساتها والناس هنا أفرادا وجماعات هو شيء محير مع وجود بعض الاستثناءات هنا وهناك والاستثناء بالطبع لا يقاس عليه؟، فانظر معي في علاقاتنا الاجتماعية وهذا إلى حد ما بعيدا عن الدولة وهنا أتحدث عن محيط الفرد الذي يملك التصرف فيه نجد أن في عموم علاقاتنا تنتشر خصائص بعيدة كل البعد عن قيمنا الدينية قبل الاجتماعية مثل الكذب ولدور الكذب المهم في تغيير وتدمير الأفراد والمجتمعات اخترته هنا حيث يقول صلى الله عليه وسلم: “وإيّاكم والكذِبَ، فإنّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإِنّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النّارِ وَمَا يزَالُ العبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذّابا”، فالكاذب من كثرت كذبه لن يصدّق الصادق بل لن يصدق أحدا ويكون في شك دائم في أمره كله وهذا ما يعرف في وقتنا بالمرض النفسي، وقد يلجأ الإنسان إلى الكذب لتزيين الحديث وجعله جذابا للسامع أو الكذب على آخر لشيء في نفسه كالتشويه وغيره فتفسَد العلاقات وتنتشر الخلافات وقد يصبح الكذب عادة يمارسها الكذّاب في وقت الحاجة وغير الحاجة، ومن الكذب أيضا شهادة الزور وكم بيننا من لا يعير الشهادة اهتماما فيرمي الناس بهتانا فيضيّع حقوق الناس!.
نحن مجتمع يجب ألّا يجتمع فيه إيمان وكذب في قلب رجل مؤمن منا فحين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم “أيكون المؤمن كذّابا؟ قال: لا”، كما أوضح أيضا أن الكذب من آيات المنافق فالإنسان العاقل الراشد الحكيم تمنعه مروءته من الكذب على الناس، يقول الشاعر: لا يَكذِبُ المرءُ إلَّا من مهانتِهِ *** أو عادةِ السُّوءِ أو من قِلَّةِ الأدَبِ ** لبَعضُ جيفةِ كَلبٍ خَيرٌ رائحةً *** من كَذْبةِ المرءِ في جِدٍّ وفي لَعِبِ.
في عصرنا انتشر الكذب ولم نعد نستحي أن نكذب على الملإ فيخرج بعضنا على شاشات الإذاعات أمام الملايين ليكذب ثم يكذب ثم يكذب ويزور الحقائق في سبيل غرض زائف وزائل من مال أو شهرة أو تملق لإرضاء حاكم هكذا يتخلى كثيرٌ منا على دينه وقيمه الاجتماعية التي ورثناها أبا عن جد من عهد الجاهلية إلى الإسلام فكيف نتركها للكذب أليست جديرة بالإهتمام؟ يا من يكذب، أيصلح حال الوطن بكاذب على الشاشة يسوق قولا أو فتوةً أو رأي ضال مضل؟ أيصلح مجتمعنا بأكاذيب تزين الظلم وتزخرفه بقوالب متعددة؟ أم تصلح مجتمعاتنا بالصدق وقول الحق؟.
لقد كثر المادحين للظلم والظالمين وكثرة الإشادة بمناقبهم حتى ظن العاقل أنه مجنون!!! نسينا أن الضنك والقسوة والمشاكل التي نعيشها مفتاحها الصدق فكيف نستطيع حل مشاكل تواجهنا بالكذب؟ وكيف نُصلح حالنا ونحن نتودد ونتقرب إلى صاحب الجاه والمال والسلطة بالكذب وتزييف وقلب الحقائق. إن ظاهرة الكذب في مجتمعاتنا أمر مقلق ومدمر لنا فحريٌّ بنا التوقف عندها والمحاولة الجادّة لعلاجها والتخلص منها، فمتى نقف عن الأكاذيب والتسويق للباطل مهما كانت سطوته ونفكر كم من الباطل صار بأكاذيبنا حقا شائعا بين الناس وكيف ضاعت بلداننا بسبب الكذب، فالكذب شرًّ يهدم حياتنا ويخرب مجتمعاتنا؟ والله يقول: “إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ” النحل:105. أختم قائلا يا أمة محمد أنظروا ماذا قال هرقل ملك الروم لأبي سفيان سائلا إياه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: “أوكنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبا سفيان: لا، فقال هرقل: فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله”؟! أيكون لنا درسا للتغيير؟.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
حكم توزيع الصدقات عند زيارة المقابر
قالت دار الإفتاء المصرية إن الصدقة عن الميِّت جائزة ومستحبة شرعًا ويصل ثوابها له، سواء أكان التصدق عن الميت في شهر رجب، أم في غيره من الشهور، وهي في رجب وغيره من الأوقات الفاضلة أرجى ثوابا.
وأوضحت الإفتاء أنه لا يوجد حرج في توزيع هذه الصدقات عند القبر أو في أي مكان يتوارد عليه المساكين والفقراء وذوو الحاجة؛ لأن الجواز يعمُّ جميع الأزمنة والأحوال والأماكن متى روعيت الضوابط والآداب، وليس ثمة دليلٍ شرعي يدل على تخصيص هذا الجواز، فقصره على زمن دون زمن، أو على حال دون حال، أو على مكان دون مكان يعدُّ تضييقًا لما وسَّعَه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
مشروعية الصدقة عن الميت ووصول ثوابها إليه
أضافت الإفتاء أن من المقرَّر شرعًا جواز الصدقة عن الميت ووصول ثوابها إليه؛ وقد وردت جملة من الأحاديث النبوية الشريفة تدلُّ على ذلك؛ منها: ما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ تَصَدَّقْ عَنْهَا» متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ سعد بن عبادة رضي الله عنه توفِّيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» أخرجه البخاري.
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (5/ 390، ط. دار المعرفة): [وفي حديث الباب من الفوائد: جواز الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه ولا سيما إن كان من الولد، وهو مخصص لعموم قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» أخرجه مسلم.
يقول الإمام النووي -عند شرحه للحديث- في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (11/ 84، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي هذا الحديث: جواز الصدقة عن الميت، واستحبابها، وأن ثوابها يصله وينفعه، وينفع المتصدق أيضًا، وهذا كله أجمع عليه المسلمون] اهـ.
وقد أجمع الفقهاء على جواز الصدقة عن الميت ووصول ثوابها للمتوفَّى ولم يُعرف بينهم خلاف فيه.
قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (20/ 27، ط. أوقاف المغرب): [أمَّا الصدقة عن الميت فمجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 323، ط. دار الفكر): [أجمع المسلمون على أنَّ الصدقة عن الميِّت تنفعه وتصله] اهـ.
وقال الإمام الزيلعي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (2/ 83، ط. الأميرية): [الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة؛ صلاة كان أو صوما أو حجًّا أو صدقة أو قراءة قرآن أو الأذكار، إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه] اهـ.
حكم توزيع الصدقات عند زيارة المقابر على روح المتوفين في شهر رجب
أما بالنسبة لعادة بعض الناس في إخراج تلك الصدقة في زمان معين أو مكان محدد؛ وذلك نحو ما يفعله البعض من توزيع الصدقات في شهر رجب عند زيارة قبور الأقارب المتوفّين، وذلك بنية وهب ثواب إخراج الصدقة عند الميت، فهذا لا حرج فيه شرعًا، بشرط وصول ثواب هذه الصدقة إلى المقصودين.
والصدقة في الأيام والشهور الفاضلة مستحبة شرعًا، فقد روي عن محمد بن مَسْلَمَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط".
ومن المعلوم أنَّ شهر رجب من الأشهر الحرم التي رغَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس في الإقبال على الطاعات فيها، وبالأخص ما يكون نفعه متعديًا؛ كالصدقات وإطعام الطعام ونحو ذلك.
فعن نُبَيْشَةَ رضي الله عنه قال: نادى رجل وهو بِمِنًى فقال: يا رسول الله، إنا كنا نَعْتِرُ عَتِيرَةً في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «اذْبَحُوا فِي أَيِّ شَهْرٍ مَا كَانَ، وَبَرُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَطْعِمُوا» أخرجه النسائي في "سننه".
وعن لقيط بن عامر رضي الله عنه أنَّه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إِنَّا كُنَّا نَذْبَحُ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ فَنُطْعِمُ مَنْ جَاءَنَا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا بَأْسَ» قال وكيع: لَا أَتْرُكُهَا أَبَدًا. أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار".