قناع بلون السماء.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير الفلسطيني باسم خندقجي
تاريخ النشر: 28th, April 2024 GMT
أسئلة عديدة يخرج بها أحدنا بعد الانتهاء من قراءة رواية "قناع بلون السماء" الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية 2024، للكاتب الفلسطينيّ الأسير باسم خندقجي.
ولكن قبل ذلك يخرج القارئ بانطباع أوليّ بأنها رواية دسمة، تحفل بالمعلومات الكثيرة، التي قد تكون غائبة عن الكثيرين، خاصة عندما تكون، تلك المعلومات، خارج اختصاص، وربما اهتمام، عدد من القرّاء.
منذ البداية يُشعرنا خندقجي بمآلات بطله "نور المشهدي" مع بحثه التاريخيّ والآثاري عن مريم المجدليّة، وشعوره بالفشل الذريع في ذلك البحث بسبب العديد من العراقيل، ويكمن أهمها في "الحضور الباهت وشبه المعدوم للمجدليّة في متون التاريخ الرسمي، والتاريخ المسكوت عنه أيضاً".
ومن أجل تحدّي ذلك الفشل، وفي تحدٍ آخر للرواية الشهيرة لدان براون -الذي ولد عام 1964- "شيفرة دافنشي" يقرّر بطله اللاجئ والنازح الفلسطيني في أحد مخيمات رام الله (نور) أن يكتب رواية عن المجدلية، والبحث عن أسرارها المخبوءة، أو السرية.
ولكن كيف سيتحرّك هذا اللاجئ في ظل قوانين الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري التي تمنعه من التحرّك بحرية للبحث والتنقيب فيما يُمكن أن يكون مطموراً في البلدة التي كانت فيها المجدليّة؟ وقد يكون أحد الحلول هو كتابتها عن طريق الخيال، فما "التاريخ في النهاية سوى تخيّل مُعقلَن".
ولكن نور نفسه لا يعرف كيف يفعل ذلك، لذلك يتساءل في متن العمل "كيف سأكتب الرواية؟ وما الأسلوب الذي سأعتمده؟".
رواية داخل روايةهذا يعني للقارئ أن خندقجي يكتب رواية عن بطل يُفكّر في كتابة رواية، وهو أمر مطروق سابقاً، وفوق ذلك فإن البطل يشرح للقارئ خططه في كتابة هذه الرواية، معتمداً في ذلك على تسجيل بطاقات صوتية على الموبايل، وتحديد مساراتها سواء الزمانيّة أو المكانية، من أجل الشروع يوماً في كتابة هذا العمل.
الراوي في القسم الأول من الفصل الأول هو نور نفسه، حيث يقوم بشرح ما يراه صائباً في الكتابة، ولماذا يتراجع عنه فيما بعد. ثم يشرح طرقاً أخرى، من خلال بطاقة صوتية أخرى، وهكذا دواليك من اقتراحات لبناء مخطط الكتابة.
وسرعان ما يقوم خندقجي بسحب ذلك الراوي من المشهد، ويضع راوياً عاماً، أو عليماً، يقوم بتحريك نور وبقية الشخصيات. بل يجد حلاً لنور يستطيع من خلاله التنقّل بحرية في القدس نفسها، من خلال ذهابه إلى سوق الخردوات، وشراء معطف يجد داخله بالصدفة بطاقة هوية زرقاء باسم "أور شابيرا" الذي يعني نور بالعبرية.
خندقجي وضع حلاً لبطله باستعمال بطاقة شخص إسرائيليّ إشكنازيّ، مع اقترابه أصلاً بالشبه من الإشكنازيين، فيستطيع من خلاله حضور محاضرات في القدس، مجتازاً بعض حواجز التفتيش، حتى يصل الأمر بتوريط بطله في التسجيل في بعثة تنقيب آثارية تذهب لمكان ملاصق للمكان الذي كان يريد بطله أن يبحث فيه عن أسرار المجدلية.
سؤال الهويةهو توريط بالفعل، ليس في انتحال هوية شخص إسرائيليّ فحسب، بل كذلك بعيش شخصيّته تلك. وذلك ليس سهلاً على الفلسطينيّ الذي هُجّر أهله واقتلعوا من بيوتهم، وصاروا لاجئين، ومسجلين تحت يافطة إرهابيين ومخربين، في أرض فلسطين نفسها.
هذا الأمر يجعل القارئ يتفهم كثرة استخدام الراوي لأوصاف قد تكون ثقيلة على السرد الروائي بشكل عام. فكل شيء يخصّ إسرائيل هو صهيونيّ، حتى الشوارع والمدن والمكتبات. فيقول الراوي مثلاً "التي ستقلّ أهالي الأسرى لزيارة أبنائهم في معتقلات الاحتلال الصهيونيّ" أو "قوة خاصة لجيش الاحتلال الصهيوني" أو "يغيب فصولاً كان يقضيها بالكدح والعمل في ورش البناء، وتنظيف البيوت والشركات في أعماق الكيان الصهيوني" أو "حتى ملابسي يا مراد، كنتُ أقتنيها من المتاجر والأسواق الصهيونيّة".
هذا لا يعني أنها رواية ملتزمة، بدرجة ساحقة، وخطابيّة ومباشرة. بل تُحيلنا إلى دواخل نور وماضيه، وماضي عائلته، وما تعرّض له من أهوال ونكبات، جعلته لاجئاً في مخيم في رام الله لا يحمل اسماً بعد. إذ "ليس ثمة معنى لاسم المخيّم الفلسطينيّ إلا عندما تُرتكب فيه المجزرة، ليصبح اسماً من أسماء المآسي في تاريخ الإنسانيّة، (عندها) يصبح اسمه مخيم تل الزعتر أو صبرا أو شاتيلا أو جنين أو الشاطئ. وأما مُخيّمه هو فلم تُرتكب فيه بعد أي مجزرة".
وبذكاء شديد يُحرّك خندقجي أبطاله نور ووالده ونورا وخديجة وسمية والشيخ مرسي وأيالا وسماء، ليروي حكاياتهم داخل رواية نور وداخل روايته هو. وكل هذه الشخصيات تتحرّك ضمن سؤال الهوية والمكان، وكيف يمكن للاحتلال أن يُغيّر مصائر وأماكن وهويّات، وكيف يجعل الحياة عبارة عن أسئلة تثير الكوابيس ولا تثير الحلول. ونور بالذات، بعد أن انتحل هوية شابيرا يعيش تحت وطأة أكبر لسؤال الهوية. هل ما زال هو نور؟ أم أنه صار شابيرا؟ وعندما يعود إلى غرفته، متخلياً عن هوية شابيرا وقلادة نجمة داود، هل يعود هكذا بسهولة إلى هويته الأصلية؟ ألا تؤرّقه وتتلبسه تلك الشخصية الأخرى، والهوية الأخرى، حتى ولو خلعها عنه؟
هذه الأسئلة تظهر كحوارات متفرّقة بين نور وشابيرا كلما استخدم هويته وقناعه. وهذه الحوارات، المتناثرة في أجزاء كثيرة ومتفرقة في الرواية التي يبلغ عدد صفحاتها 240 صفحة، تُشكل تكنيكاً استفاد منه خندقجي في بناء روايته هذه.
الحر والأسيرالتكنيك الآخر الذي استخدمه خندقجي هو تسجيل البطاقات الصوتية من قبل بطله نور، والذي يترك في آخرها رسالة لصديقه مراد الأسير في سجون الاحتلال. وهذه الرسائل تتحدث في أفكار كثيرة تتعلق بالحياة اليومية وبمشاعر نور المتناقضة وآماله ومخاوفه، وكذلك عن الاحتلال والكولونيالية، التي يجهز صديقه مراد بحثه عنها وهو في السجن، وعن الحرية والهوية. وعن القناع الذي يستخدمه نور ثم يتخلى عنه. القناع، الذي يلفظ بالإنجليزية ماسك، ويُلفظ بالعبرية مسخا "فإذا قمنا برشّ قليل من العربيّة عليها، فستُلفظ مَسِخ، والمسخ بالعربية تعني المشوه الملامح".
وكذلك يستفيد خندقجي من دراسات ومحاضرات تاريخيّة وأثرية، وأناجيل إزائية وغنوصية، ويستفيد من مقاطع منها في عمله الروائي المركّب هذا. وهذه المقاطع البحثية أو الدينية تدخل متن الرواية بسلاسة وذكاء من خندقجي، فلا يشعر القارئ بانفصالها عن العمل، بقدر ما يشعر بأهميتها وجمالياتها، وهي نقطة تُحسب لصالح هذا العمل.
وتذهب الرواية إلى مناطق عديدة، وليس فقط إلى أفكار عديدة، وزمنها الروائي قصير لا يتجاوز الشهر، ثم 5 سنوات، ثم تبدو أنها تنطلق فيما قبل عام النكبة 1948، ثم إلى ما قبل الميلاد، ثم عن أيام السيد المسيح (عليه السلام) وتلامذته والمجدلية، وكل ذلك بانسيابية تُعطي جمالية مميزة لطريقة السرد لخندقجي.
خندقجي ولد عام 1983، واعتقل عام 2004، وهو ابن 19 عاماً، وحكم عليه بالسجن المؤبد 3 مرات. أي أنه قضى حتى اليوم 20 عاماً في السجن. ومع ذلك نشر مجموعتين شعريتين صدرتا عامي 2009 و2013، قبل أن يتحول لكتابة 5 روايات هي "مسك الكفاية" (2014) و"نرجس العزلة" (2017) و"خسوف بدر الدين" (2018) و"أنفاس امرأة مخذولة" (2020) و"قناع بلون السماء" (2023).
"قناع بلون السماء" ولهذا العنوان دلالته الكبيرة، رواية كُتبت في السجن، عن عالم تجري كل أحداثه تقريباً خارج السجن، ولكن في سجن أكبر، في سجن يضيق بأسئلة وعنف وتشويه وطمس حقائق، ومحاولة دفن تاريخ وشعب بكامله. رواية تستحق القراءة لشدة التجريب والجماليات التي فيها، ولنوعية الأسئلة التي تطرحها في الهوية والهويات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات قناع بلون السماء
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر يجيب عن 31 سؤالًا للأطفال بمعرض الكتاب
يقدم جناح الأزهر الشريف بمعرِض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ 56 لزواره، كتاب «الأطفال يسألون الإمام.. الجزء الثاني»، يشتمل على إجابات لـ 31 سؤالا للأطفال، يجيب عنها الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إعداد د. نهى عباس، رسم عبد الرحمن أبو بكر وإبراهيم عمرو، من إصدارات سلسة كتاب «نور».
يضم الكتاب في جزئه الثاني أسئلة كثيرة تدور في ذهن الأطفال الصغار لا يستطيع الكبار الإجابة عنها أحيانا ظنا منهم أن تلك الأسئلة مسيئة للعقيدة ويطلبون من أطفالهم التوقف عن ذلك؛ لهذا جاءت فكرة الكتاب الذي جمع أسئلة مهمة للأطفال ليجيب عنها شيخ الأزهر بنفسه، ليرشدهم ويعلمهم صحيح دينهم، وتكون رسالة تربوية لأولياء الأمور توجههم إلى أهمية الانتباه إلى أسئلة أبنائهم الصغار والإجابة عنها بعقل متفتح بل وتشجيعهم على التفكير والتدبر في أمور العقيدة وغيرها من الأمور الحياتية.
ويقدم هذا الجزء من الكتاب إجابات عن أسئلة عميقة حول معاناة أهل غزة وواقع المسلمين والملائكة والجنة والنار وقصص القرآن والأنبياء والتنمر والسخرية وعمليات التجميل وغيرها، ويضم الكتاب إجابات عن 31 سؤالا هي كالتالي:
1- لماذا ينتصر الظالم في هذا العالم؟
2- كيف نستطيع أن نهزم العدو الظالم؟
3- هل ما يحدث للمسلمين من هزائم غَضَب من الله علينا؟ ولو كان كذلك ماذا نفعل حتى يرضى الله عنا وينصرنا؟
4- هل يتألم الأطفال في غزة وهم يستشهدون، أم يخفف الله عنهم الألم؟
5- لماذا يسمح الله سبحانه بمعاناة الأطفال الأبرياء في غزة؟
6- ما مصير أطفال غزة الشهداء بعد استشهادهم؟
7- هل ستعود فلسطين لأهلها يوما ما؟
8- هل سيلتقي أطفال غزة بعد استشهادهم بآبائهم وأمهاتهم في الجنة؟
9- هل سيحاسبنا الله كأفراد لأننا لم نفعل شيئا لغزة؟
10- نتألم من أجل أهل فلسطين ولبنان ولا نعرف كيف يمكننا أن نساعدهم، فما السبيل لذلك؟
11- ماذا يحدث بعد أن ينتهي العالم يوم القيامة؟
12- هل ترانا الملائكة والجن ونحن نبدل ثيابنا في غرفنا؟
13- لماذا أرسل الله تعالى الأنبياء من الرجال فقط؟
14- أفكر أحيانا في بعض قصص القرآن الكريم مثل قصة سيدنا نوح عليه السلام أو غيرها، وأشعر بالشك في صحتها، وأخاف من شعوري هذا.. فماذا أفعل؟
15- هل كل قصص القرآن حقيقية حدثت بالفعل، أم أن بعضها رمزي لم يحدث، وإنما جاء بغرض التعليم وأخذ العظة والعبرة؟
16- هل سنرى الله تعالى في الجنة؟
17- هل الجنة والنار بجوار بعضهما؟ وهل سيرى أهل الجنة أهل النار أو العكس؟
18- كيف يمكن لله تعالى أن يرى الناس كلهم ويسمع دعاءهم في الوقت نفسه؟
19- بأي لغة تحدث الله عز وجل مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج؟
20- هل يشعر بنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما نصلي عليه ونزور قبره؟
21- توفيت أمي.. فهل هي داخل القبر أو في السماء؟ وهل تستطيع أن تلتقي جدي وجدتي؟ أتمنى أن أطمئن عليها..
22- أشعر بالغيرة من صديقة لي لأنها أجمل مني.. فهل هذا يعني أنني أحسدها؟ وهل سيحاسبني الله على ذلك؟
23- أحيانا أتمنى السوء لبعض زملائي الذين يضايقونني ويتنمرون عليّ في المدرسة، وأدعو عليهم في نفسي أن يحدث لهم شيء سيء.. فهل سيحاسبني الله على ذلك؟
24- أحزن كثيرا لأن أبي فقير ولا يستطيع أن يشتري لي أشياء أتمناها مثل الأطفال الآخرين، لذا أتساءل دائما: لماذا خلق الله بعضنا فقراء وبعضنا أغنياء؟
25- أنا طالبة أبلغ من العمر (١٤) عاما، وأدرس في مدرسة أجنبية.. وفي أحد الدروس ناقشت معلمتنا الأجنبية حق الطفل في اختيار هويته الجنسية؛ بمعنى رغبة الصبي في أن يتحول إلى فتاة أو العكس، وعندما قلت في أثناء النقاش: إن هذا حرام، وصفني البعض بالرجعية والتخلف.. فكيف أرد عليهم؟
26- أنا صبي في الخامسة عشرة من العمر، وأعيش في بلد أجنبي، والكل هنا يتعامل على أن المثلية الجنسية أمر طبعي، وأن هؤلاء الأشخاص يجب احترامهم؛ لأنهم لا يملكون من أمرهم شيئًا، فهكذا خلقهم الله وهذه طبيعتهم ولا يستطيعون تغييرها.. فما صحة هذا الرأي؟ وهل هم بالفعل مرضى معذورون ولن يحاسبهم الله على ذلك؟
27- لماذا خلقني الله يتيمة؟ وهل سيحبني الله أكثر من بقية الأطفال لأنني وحيدة ليس لي أب أو أم؟
28- أبلغ من العمر (۱۰) سنوات.. وأبي يصر علي أن أقضي كل وقتي في حفظ القرآن الكريم، ولكني أشعر بالملل أحيانًا، وأتمنى لو يسمح لي باللعب أو مشاهدة التليفزيون بعض الوقت، فهل هذا خطأ مني؟
29- هل السخرية ممن نشاهدهم على شاشة التليفزيون أو في فيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي أنا وصديقاتي تعد من النميمة التي نحاسب عليها؟
30- هل مشاركة صوري أنا وصديقاتي البنات على مواقع التواصل الاجتماعي حرام؟ مع العلم بأنني محجبة ومحتشمة.
31- لا أحب شكل أنفي فهو ضخم جدا وأشعر بالخجل دائما من شكلي، وهذا يفقدني الثقة في نفسي وأريد أن أجري عملية تجميل لتحسين شكله في المستقبل القريب.. فهل هذا حرام؟ وهل يعد تغييرا في خلق الله؟
ويشارك الأزهر الشريف -للعام التاسع على التوالي- بجناحٍ خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبنَّاه طيلة أكثر من ألف عام.
ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.