تعتبر صناعة الدواء صناعة إستراتيجية كبري، ومن أكثر الصناعات الحيوية التى يهتم بها الملايين من مواطنى العالم، ولا تستغني عنها أى دولة، نظرًا لأنها تؤثر على التنمية والإنتاج، وتعمل على ازدهار الاقتصاد فضلاً عن مساهمتها فى زيادة معدلات النمو، وتساهم فى تحقيق السلام الاجتماعى، وتوفير بعدًا هامًّا لمفهوم الأمن القومى.
وتعد مصر من أقدم الدول فى صناعة الأدوية وتمتلك أكبر قاعدة لتصنيع العقاقير فى الشرق الأوسط بنسبة 30% من السوق الإقليمية، وتغطى هذه الصناعة 93% من احتياجات السوق المصرى، وترجع الزيادة فى إنتاج، ومبيعات الدواء فى مصر إلى العديد من العوامل، مثل زيادة حجم السوق، ودخول مستثمرين، وجهود الحكومة لتوفير المزيد من الحرية، والخصخصة فى هذا القطاع، ودخلت صناعة الدواء فى مصر مرحلة هامة فى إطار المنافسة العالمية سواء من خلال الاستيراد للخامات الأساسية والمواد الوسيطة الداخلة فى صناعة المستحضرات الطبية، أو من حيث تصدير الدواء المصرى إلى الأسواق العالمية، وتشهد اليوم مصر إقبالاً كبيرًا من شركات الأدوية العالمية، وتتطلع مصر لجذب مزيد من الاستثمارات لتنمية هذه الصناعة والتصدى للعقبات التى تواجهها.
وتتميز صناعة الدواء بقيمة مضافة عالية، وذلك بسبب أن الدواء سلعة ضرورية وهامة وتوجد على الدوام منذ أن عرفها الإنسان، وتتميز صناعة الدواء فى مصر بالتشابه فى نوعية الأصناف المنتجة، وتفتقر إلى التخصص، واستيراد حوالى أكثر من 90% من الخامات الدوائية من الخارج مع انخفاض الإنفاق على أنشطة البحث والتطوير داخل شركات الأدوية المحلية، حصول الشريك الأجنبى على عوائد مالية حوالى 60% من قيمة الإنتاج مقابل تصنيع نفس الأدوية التى تنتجها الشركات العالمية فى مصر، والتعرف على طريقة التصنيع من خلال عقود التصنيع، وبالتالى تعتمد صناعة الدواء فى مصر على تعبئة الكيماويات الدوائية التى تستوردها، أى أنها تقوم على التشكيل الدوائى كأساس لتلك الصناعة، التى هى أقرب إلى مفهوم صناعات التجميع، أو التقفيل أكثر من كونها صناعة تعتمد على الابتكار واستحداث الأدوية الحيوية، على الرغم من وجود مصدر خصب للاكتشافات الدوائية، لم يستغل الاستغلال الملائم بعد، ويتمثل فى المنتجات الطبيعية (النباتات- الحيوانات- فى البر والبحر)، ومع تفشى نقص الأدوية فى جميع أنحاء العالم بسبب الجائحة، وإجراءات الإغلاق لعديد من دول العالم التى أدت إلى الحد من دورة الحياة الطبيعية للحشرات الموسمية، ومع تفشى الأمراض الموسمية بشكل أكبر من المعتاد أدى إلى زيادة الطلب السنوى على الأدوية مع عدم تمكن شركات الأدوية من تلبية هذه الطلبات غير المتوقعة مع تأثير الحرب فى أوكرانيا على سلاسل التوريد فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم، وأسعار الطاقة والذى تضرر منه مصنعو الأدوية الذين يخضعون أحيانًا لقواعد التسعير بشكل خاص، إلا أن بعض الدول لجأت إلى حظر التجارة الموازية للأدوية مع دول أخرى بصفة مؤقتة لحماية إمدادات الأدوية المحددة لديها، كما لجأ البعض إلى تخزين الأدوية التى لا تستلزم، وصفات طبية بمجرد الإعلان عن نقصها، ومن خلال ذلك يجب على مصر الاهتمام بثروة مصر من النباتات الطبية التى تشمل ما يزيد عن 150 نباتًا طبيًّا لأنها مصادر ثمينة لإنتاج مركبات دوائية مع وضع إستراتيجية لصناعة الدواء إنتاجيًّا، وتسجيلاً، وتسويقيًّا، وابتكارًا، وذلك لمواجهة قيود اتفاقية حقوق الملكية الفكرية بناء شبكة معلومات تصديرية، تشجيع الاستثمار فى الصناعات الدوائية.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
الدواء المغشوش.. سم قاتل !
أعظم نعمة قد يغفل عنها الناس هي الصحة، فإن كنت تنام بسلام دون الحاجة للأدوية، وتستيقظ دون ألم، وتتقلب بحرية دون معاناة، وتمشي دون عون، وتستمتع بتناول الطعام والشراب بحرية، فاعلم أنك في نعمة عظيمة. فلا تنسَ أن تشكر الله على هذه الهبة الغالية.
الصحة لا يشعر بقيمتها إلا المرضى، وكما قيل قديما «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء»، فدائما وأبدا علينا أن نحمد الله سبحانه وتعالى بأننا قادرون على العيش دون «عناء أو ألم أو وجع»، ومن لم يجرّب رحلة العلاج الطويل والمواظبة اليومية على تناول الأدوية فلا يشعر بـ«المعاناة التي يعانيها المرضى»، حتى وأن تخيل بأنهم بصحة وعافية فهو لا يعلم كيف كانت حالته قبل بزوغ يوم جديد.
تعتقد بأن المرض هو مجرد حالة عابرة تنتهي بأخذ «حبة دواء أو شربة منه»، لكن ما لا يعرفه الكثير من الناس بأن المرض الذي يلازم المرضى لسنوات حياتهم في الدنيا أمر ثقيل للغاية ومؤلم لأبعد الحدود.
ومع المرض تنشأ رحلة أخرى تتمثل في البحث عن الأدوية الأكثر فعالية في قهر المرض والقضاء عليه أو التخفيف من آثاره، ومع كل ذلك يبقى الدواء له آثاره الجانبية على صحة المرضى، بمعنى أنك تعالج جانبا، وينشأ من هذا العلاج مرض آخر جديد!
لذلك، لا تظن أن الأمر بسيط، خاصة بالنسبة لأولئك المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة، والذين يحتاجون بشكل دائم إلى الأدوية في مراحل حياتهم المختلفة. قد تعتقد أن الدواء متوفر بسهولة، رخيص الثمن، وفعّال في كل مكان، ولكن الحقيقة أن هذا ليس بالضرورة الحال، فالأدوية ليست دائمًا متوفرة بسهولة، وقد تكون باهظة الثمن أو غير متاحة في بعض الأماكن، مما يضيف عبئًا إضافيًا على المرضى.
يشهد العالم نقصًا في كميات الأدوية بشكل مستمر، وأحيانًا يستمر هذا النقص لفترات طويلة. في بعض الأحيان، لا يستطيع الناس العثور على الدواء في الأسواق، وإذا توفرت الأدوية فجأة، فإنها تظهر بأسعار جديدة ومختلفة، حيث تشهد بعض الأدوية قفزات هائلة في أسعارها قد تصل أحيانًا إلى الضعف أو أكثر. بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض الأدوية التي لا تتوفر في المؤسسات الصحية الحكومية، مما يضطر المرضى إلى اللجوء لشرائها من الخارج لضمان استمرار علاجهم وتجنب تفاقم حالتهم الصحية.
يواجه بعض المرضى صعوبة كبيرة في الحصول على الأدوية التي تساعدهم على الصمود أمام معاناتهم من أمراض عضوية أو نفسية، خاصة خلال فترات نقص الأدوية في الصيدليات ولأسباب مختلفة. إضافة إلى ذلك، هناك مشكلة الارتفاع الجنوني المستمر في أسعار الأدوية، ما يزيد من الأعباء المالية على المرضى. والأخطر من ذلك هو انتشار الأدوية المغشوشة في الأسواق والمواقع الإلكترونية، والتي غالبًا ما تأتي من مصادر مجهولة، مما يعرض صحة المرضى للخطر ويزيد من تعقيد حالتهم الصحية.
في صناعة الأدوية، يُلاحظ وجود اختلاف واضح في أسماء الأدوية رغم تطابقها في التركيبة العلاجية وكفاءتها في معالجة المرض، هذا الاختلاف يعود إلى تعدد الشركات المصنعة، حيث تقوم كل شركة بتسمية أدويتها باسم تجاري يميزها عن غيرها من الشركات، رغم أن التركيبة الفعّالة تبقى واحدة.
بعض الشركات التي تتمتع بعلامات تجارية معروفة تبيع منتجاتها بأسعار مرتفعة، بينما توجد في السوق بدائل أو أدوية موازية لعلاج نفس المرض من شركات أخرى أقل شهرة عالمية وبأسعار أقل بكثير، هذا الأمر يعتبر معترفًا به قانونيًا وطبيًا، حيث يتم التأكد من أن الأدوية البديلة تحقق نفس الفاعلية والجودة.
بعض المرضى يحجم عن شراء الأدوية من بعض الشركات غير المشهورة، رغم أن الدواء معترف به عالميا ومصرح بتداوله، لكن سبب عدم الإقبال هو انتشار الصورة النمطية بين المرضى بأن أدوية الشركات غير المعروفة على نطاق واسع هو منتج «قليل الفاعلية ولا يفي بالغرض المطلوب»، بعكس ما تقدمه الشركات الكبرى المتعارف عليها دوليا حتى وإن كان سعره مرتفعا، وحتى هذه اللحظة لا يزال هناك جدل واسع حول هذه النقطة ما بين «مؤيد ومعارض»، فبعض المرضى يقبل على شراء الدواء البديل والرخيص نسبيا بسبب ضعف إمكانياته المادية التي تمنعه من شراء الدواء من شركة كبرى.
إذن مشكلة الدواء ليس في «وجوده أو سعره وإنما في جودته» في بعض الأحيان، فسوق الدواء في العالم به «أدوية مغشوشة» أو لا تتوافق مع الشروط والمواصفات المطلوبة فهو دون المستوى المطلوب، ومع ذلك أصبحت تجارة الأدوية المغشوشة تحقق أرباحا خيالية بشكل سنوي وعالمي شأنها كشأن البضائع المغشوشة مثل قطع غيار المركبات وأدوات التجميل والأدوات الأخرى، باختصار «هوس المال على حساب الأرواح».
وبحسب ما هو موثق، فإن الأدوية الأكثر تزويرًا في الدول الغنية هي أدوية «نمط الحياة» باهظة الثمن، مثل الهرمونات والمضادات وغيرها، أما في الدول النامية أو كما يطلق عليه «العالم الثالث»، فقد تستخدم هذه الأدوية في علاج الأمراض التي«تهدد الحياة»، مثل الملاريا والسل وفيروس نقص المناعة البشرية «الإيدز».
وفي نهاية العام الماضي، استضافت سلطنة عُمان حلقة عمل سلطت الضوء حول زيادة الوعي بالتهديدات التي تشكلها المنتجات الطبية دون المستوى (المغشوشة) وذلك بحضور٥٠ مشاركا من 22 دولة من دول إقليم الشرق المتوسط.
كان هدفها الفعلي هو استهداف مسؤولي التنسيق المعنيين بنظام المنظمة العالمية لترصد المنتجات الطبية متدنية النوعية ورصدها في إقليم الشرق المتوسط، وأيضا سعت إلى تعزيز القدرات الوطنية لإدارة المنتجات الطبية المغشوشة، وفتح سبل التعاون وتبادل المعلومات بين الهيئات الرقابية المختلفة في المنطقة، وعرض الاستراتيجية التي تتبعها منظمة الصحة العالمية للوقاية والكشف والاستجابة للمنتجات الطبية غير الآمنة والإبلاغ عنها.
كما ناقشت جلسات الحلقة دور أنظمة التيقظ الدوائي، عبر الإبلاغ عن المخاطر كإخطار سحب المنتجات المغشوشة على المستوى الوطني وإصدار التنبيهات، وتنفيذ حملات التوعية، وتنبيهات المنتجات الطبية العالمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية مع عرض نتائج التعلم والدعم المطلوب.
اختتم المشاركون في حلقة العمل بتقديم عدد من التوصيات المهمة، التي شملت تعزيز النظام الرقابي بشكل عام، وتأكيد دور الرقابة الفعّالة على الأسواق. كما تم التأكيد على أهمية التفتيش والمراقبة المبنية على تحليل المخاطر، بالإضافة إلى ضرورة تكثيف الجهود في مراقبة الحدود لمنع دخول المنتجات الطبية المزورة.
بناءً على ذلك، يواجه قطاع الأدوية في العالم تحديات متعددة، سواء كانت في الجوانب التصنيعية أو الاحتيالية، وهذه التحديات تمثل عوائق كبيرة تؤثر سلبًا على نفسية المرضى، مما يزيد من معاناتهم في الحصول على الدواء المناسب.