احتضنت مدينة طنجة المغربية قبل عقود فناني جاز أميركيين كبارًا مثل راندي ويستون وإدريس سليمان وماكس روتش ممن عبروا المحيط الأطلسي نحو "واحة من الحرية"، مخلّفين إرثًا تحتفي به منظمة اليونسكو الثلاثاء القادم بمناسبة اليوم العالمي للجاز.

فقد مارست المدينة، الواقعة بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط في أقصى شمالي غربي المغرب، في تلك الفترة "سحرا جذابا على موجة من المثقفين والموسيقيين (الأجانب) حتى نُسب لأحدهم قوله إن في نيويورك سفينة على استعداد دائم للإبحار نحو طنجة"، وفقما يقول مؤسس مهرجان "طنجاز" فيليب لوران.

واختارت منظمة اليونسكو طنجة للاحتفاء باليوم العالمي للجاز هذا العام، حيث احتضنت اعتبارا من أمس السبت مؤتمرات وحفلات في الهواء الطلق، تتوج بإقامة احتفال دولي كبير بمشاركة فنانين مثل عازف البيانو هيربي هانكوك وعازفي غيتار الباص ماركوس ميلر وريتشارد بونا وعازف الغيتار روميرو لوبامبو.

وتعود جذور تلك الجاذبية إلى انفتاح المدينة على العالم خلال الفترة التي كانت فيها تحت إدارة دولية (1923-1956) أثناء خضوع المغرب للحماية الفرنسية الإسبانية في النصف الأول من القرن الماضي.

وما زاد مكانتها العالمية أن كُتّابا وشعراء من حركة "بيت جنيرايشن" (Beat Generation) الأدبية الأميركية وموسيقيي جاز أميركيين من أصول أفريقية جاؤوا إليها "سعيا خلف جذورهم الأفريقية"، وفقما يوضح المؤرخ فريد بحري مؤلف كتاب "طنجة تاريخ للعالم والمغرب".

راندي ويستون في طنجة

شكلت طنجة في تلك الفترة "واحة للحرية مثلما هي موسيقى الجاز"، كما يضيف لوران، في حين يشير فريد بحري إلى أن "وجود موسيقيين أميركيين في طنجة كان مرتبطا أيضا بالنشاط المكثف للدبلوماسية الأميركية" في المدينة.

واستقر في المدينة المغربية -مثلاً- عازف البيانو الشهير راندي ويستون لخمسة أعوام، بعد جولة شملت 14 بلدا أفريقيا نظمتها وزارة الخارجية الأميركية عام 1967.

ولعب هذا الفنان، الذي برز في حي بروكلين النيويوركي، دورا أساسيا في نسج أسطورة طنجة، وخصص لها ألبوما أصدره عام 1973 بعنوان "طنجة".

خلال مقامه في "عروس الشمال"، كما تلقب في المغرب، عايش ويستون فنان موسيقى كناوة المغربي عبد الله الكورد، الذي يتذكره قائلا "كان راندي (ويستون) رجلا مميزا لطيفا ومحترما، لقد قدم الكثير للمدينة وموسيقييها".

تعاون "معلم" كناوة الكورد مع صديقه ويستون الذي توفي العام 2018، ودفعا معا حدود الإبداع بعيدا، ليصبحا رائدي المزج بين الجاز وكناوة، الموسيقى الصوفية التي تعود جذورها إلى العبيد المُرحّلين من غرب أفريقيا.

وفي حديث في فضاء مخصص للتدريب في قلب طنجة زيّنت جدرانه بصور تُخلِّد جولات فنية عبر العالم آنذاك، خصوصا مع راندي ويستون وعازف الساكسفون آرتشي شيب، يتذكر الكورد (77 عاما) قائلا "لم يكن حاجز اللغة عائقا على الإطلاق، إذ كنا نتواصل من خلال الموازين الموسيقية".

بعد عامين على إقامته في طنجة، افتتح ويستون نادي جاز سماه "أفريكان ريتم كلوب"، فوق مقر سينما "موريتانيا" الشهيرة وسط المدينة.

ويتابع الكورد "كنا نتدرب هناك وكان راندي (ويستون) يدعو أصدقاءه الموسيقيين، كانت أياما جميلة".

بعد 25 عاما على لقائهما، أثمر هذا التعاون الطويل ألبوما بعنوان "موسيقيو كناوة الرائعون في المغرب" (The Splendid Master Gnawa Musicians of Morocco) صدر في 1992.

"تجربة فريدة"

كانت طنجة محور ألبوم جاز آخر اعتبر مرجعا في أوساط عشاق هذا الفن، قبل أن يصدر في نسخة تجارية العام 2017 تحت عنوان "موسيقيو الجاز الأميركيون الأربعة في طنجة" (The 4 American Jazzmen In Tangier).

تعود قصة هذا الألبوم الفريد من نوعه إلى تسجيل لسهرة جمعت عام 1959 أربعة فنانين أميركيين كبار هم إدريس سليمان وأوسكار دينار وجميل ناصر وباستر سميث، بدعوة من الإعلامي جاك مويال الذي كان يقدّم حينها برنامجا لموسيقى الجاز في إذاعة دولية كانت تبث من طنجة.

لم يكن مويال الذي كان يومها في الثامنة عشرة، يدرك أنه سجل واحدا من أبرز ألبومات الجاز.

وتواصلت ملحمة الجاز في طنجة بانخراط راندي ويستون في مغامرة عام 1972 لإقامة أول مهرجان دولي لموسيقى الجاز، استضاف فنانين كبارا كماكس روتش وهيوبرت لاوس وأحمد عبد الملك ودكستر غوردون.

ويتذكر عبد الله الكورد، الذي شارك أيضا في المهرجان، "كانت تجربة فريدة لأنها كانت المرة الأولى التي نعزف فيها أمام جمهور كبير"، بينما كان متعودا على عزف إيقاعات كناوة لجمهور متعطش في حلقات صغيرة على عادة "معلمي" هذا الفن الشعبي في المغرب.

لم تدم مغامرة المهرجان الذي أطلقه ويستون طويلا، لكن دورته الوحيدة ألهمت بعد ثلاثة عقود فيليب لوران لإطلاق مهرجان "طنجاز" الذي يقام كل عام في سبتمبر/أيلول.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات فی طنجة

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة سوهاج: الجامعات الأهلية أصبحت داعما رئيسيا للتعليم العالي

شارك الدكتور حسان النعماني رئيس جامعة سوهاج في اجتماع مجلس الجامعات الأهلية برئاسة الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي.

وبحضور الدكتور ماهر مصباح، أمين المجلس، وأعضاء المجلس، ولفيف من قيادات الوزارة، وذلك بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.

أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 7-2-2025مطروح.. ترميم خرساني لشارع علم الروم لحين بدء أعمال الرصفجامعة سوهاج

وقال النعماني، إنه في مستهل الاجتماع أشاد الوزير بما حققته الجامعات الأهلية من نجاح وإنجاز، لافتًا إلى أنها أصبحت داعمًا رئيسيًا لمنظومة التعليم العالي، حيث استطاعت أن تحظى بثقة المجتمع من الطلاب وأولياء الأمور في قدراتها التعليمية.

وجذبت نسبة قبول مرتفعة من الطلاب، حيث بلغ عدد الطلاب الملتحقين بها في العام الدراسي الحالي أكثر من 60 ألف طالب.

وأضاف النعماني، أن الوزير استعرض ماتم خلال  اجتماعه مع فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، والذي تناول الموقف التنفيذي للأعمال الإنشائية بالمؤسسات التعليمية التابعة للوزارة.

بالإضافة إلى الجهود المبذولة من جانب الدولة لتطوير الجوانب الموضوعية والعلمية في الجامعات والمؤسسات البحثية في مصر، وقد اطّلع السيد الرئيس خلال الاجتماع على تطورات العمل في مشروعات إنشاء الجامعات الأهلية على مستوى الجمهورية.

كما أنه جاري الانتهاء من تنفيذ 10 جامعات أهلية جديدة والتي ستكون من بينهم جامعة سوهاج الأهليّة، لتبدأ الدراسة بها اعتبارًا من العام الدراسي القادم (2025/2026)، ليصبح عدد الجامعات الأهلية 30 جامعة.

وذلك في إطار سياسة الدولة الرامية إلى بناء وتجهيز مقار الجامعات المصرية وفقًا للمعايير العالمية.

مقالات مشابهة

  • واحة في السماء.. الكشف عن مشروع منتجع صحي ضخم سيغيّر أفق دبي
  • روسيا تعلن السيطرة على بلدة استراتيجية شرق أوكرانيا
  • روسيا تعلن السيطرة على بلدة استراتيجية في أوكرانيا
  • رئيس جامعة سوهاج: الجامعات الأهلية أصبحت داعما رئيسيا للتعليم العالي
  • ليتنا نمتلك رفاهية حرية التنقل ❤️
  • تحقيق أوروبي في منتجات "شي إن".. عمالقة التجارة الإلكترونية الصينية تحت المجهر
  • خطيرة واستفزازية.. خطة ترامب في غزة تثير غضبا عارما بأوساط المسلمين الأميركيين
  • واحة الملك سلمان للعلوم تحتفي بإرث الخوارزمي
  • انتصار غزة.. حين تتحول التضحيات إلى حرية
  • الزراعة: مصر أصبحت رائدة في عدد من المنتجات