كيف أصبحت طنجة واحة حرية جذبت عمالقة موسيقيي الجاز الأميركيين؟
تاريخ النشر: 28th, April 2024 GMT
احتضنت مدينة طنجة المغربية قبل عقود فناني جاز أميركيين كبارًا مثل راندي ويستون وإدريس سليمان وماكس روتش ممن عبروا المحيط الأطلسي نحو "واحة من الحرية"، مخلّفين إرثًا تحتفي به منظمة اليونسكو الثلاثاء القادم بمناسبة اليوم العالمي للجاز.
فقد مارست المدينة، الواقعة بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط في أقصى شمالي غربي المغرب، في تلك الفترة "سحرا جذابا على موجة من المثقفين والموسيقيين (الأجانب) حتى نُسب لأحدهم قوله إن في نيويورك سفينة على استعداد دائم للإبحار نحو طنجة"، وفقما يقول مؤسس مهرجان "طنجاز" فيليب لوران.
واختارت منظمة اليونسكو طنجة للاحتفاء باليوم العالمي للجاز هذا العام، حيث احتضنت اعتبارا من أمس السبت مؤتمرات وحفلات في الهواء الطلق، تتوج بإقامة احتفال دولي كبير بمشاركة فنانين مثل عازف البيانو هيربي هانكوك وعازفي غيتار الباص ماركوس ميلر وريتشارد بونا وعازف الغيتار روميرو لوبامبو.
وتعود جذور تلك الجاذبية إلى انفتاح المدينة على العالم خلال الفترة التي كانت فيها تحت إدارة دولية (1923-1956) أثناء خضوع المغرب للحماية الفرنسية الإسبانية في النصف الأول من القرن الماضي.
وما زاد مكانتها العالمية أن كُتّابا وشعراء من حركة "بيت جنيرايشن" (Beat Generation) الأدبية الأميركية وموسيقيي جاز أميركيين من أصول أفريقية جاؤوا إليها "سعيا خلف جذورهم الأفريقية"، وفقما يوضح المؤرخ فريد بحري مؤلف كتاب "طنجة تاريخ للعالم والمغرب".
راندي ويستون في طنجةشكلت طنجة في تلك الفترة "واحة للحرية مثلما هي موسيقى الجاز"، كما يضيف لوران، في حين يشير فريد بحري إلى أن "وجود موسيقيين أميركيين في طنجة كان مرتبطا أيضا بالنشاط المكثف للدبلوماسية الأميركية" في المدينة.
واستقر في المدينة المغربية -مثلاً- عازف البيانو الشهير راندي ويستون لخمسة أعوام، بعد جولة شملت 14 بلدا أفريقيا نظمتها وزارة الخارجية الأميركية عام 1967.
ولعب هذا الفنان، الذي برز في حي بروكلين النيويوركي، دورا أساسيا في نسج أسطورة طنجة، وخصص لها ألبوما أصدره عام 1973 بعنوان "طنجة".
خلال مقامه في "عروس الشمال"، كما تلقب في المغرب، عايش ويستون فنان موسيقى كناوة المغربي عبد الله الكورد، الذي يتذكره قائلا "كان راندي (ويستون) رجلا مميزا لطيفا ومحترما، لقد قدم الكثير للمدينة وموسيقييها".
تعاون "معلم" كناوة الكورد مع صديقه ويستون الذي توفي العام 2018، ودفعا معا حدود الإبداع بعيدا، ليصبحا رائدي المزج بين الجاز وكناوة، الموسيقى الصوفية التي تعود جذورها إلى العبيد المُرحّلين من غرب أفريقيا.
وفي حديث في فضاء مخصص للتدريب في قلب طنجة زيّنت جدرانه بصور تُخلِّد جولات فنية عبر العالم آنذاك، خصوصا مع راندي ويستون وعازف الساكسفون آرتشي شيب، يتذكر الكورد (77 عاما) قائلا "لم يكن حاجز اللغة عائقا على الإطلاق، إذ كنا نتواصل من خلال الموازين الموسيقية".
بعد عامين على إقامته في طنجة، افتتح ويستون نادي جاز سماه "أفريكان ريتم كلوب"، فوق مقر سينما "موريتانيا" الشهيرة وسط المدينة.
ويتابع الكورد "كنا نتدرب هناك وكان راندي (ويستون) يدعو أصدقاءه الموسيقيين، كانت أياما جميلة".
بعد 25 عاما على لقائهما، أثمر هذا التعاون الطويل ألبوما بعنوان "موسيقيو كناوة الرائعون في المغرب" (The Splendid Master Gnawa Musicians of Morocco) صدر في 1992.
"تجربة فريدة"كانت طنجة محور ألبوم جاز آخر اعتبر مرجعا في أوساط عشاق هذا الفن، قبل أن يصدر في نسخة تجارية العام 2017 تحت عنوان "موسيقيو الجاز الأميركيون الأربعة في طنجة" (The 4 American Jazzmen In Tangier).
تعود قصة هذا الألبوم الفريد من نوعه إلى تسجيل لسهرة جمعت عام 1959 أربعة فنانين أميركيين كبار هم إدريس سليمان وأوسكار دينار وجميل ناصر وباستر سميث، بدعوة من الإعلامي جاك مويال الذي كان يقدّم حينها برنامجا لموسيقى الجاز في إذاعة دولية كانت تبث من طنجة.
لم يكن مويال الذي كان يومها في الثامنة عشرة، يدرك أنه سجل واحدا من أبرز ألبومات الجاز.
وتواصلت ملحمة الجاز في طنجة بانخراط راندي ويستون في مغامرة عام 1972 لإقامة أول مهرجان دولي لموسيقى الجاز، استضاف فنانين كبارا كماكس روتش وهيوبرت لاوس وأحمد عبد الملك ودكستر غوردون.
ويتذكر عبد الله الكورد، الذي شارك أيضا في المهرجان، "كانت تجربة فريدة لأنها كانت المرة الأولى التي نعزف فيها أمام جمهور كبير"، بينما كان متعودا على عزف إيقاعات كناوة لجمهور متعطش في حلقات صغيرة على عادة "معلمي" هذا الفن الشعبي في المغرب.
لم تدم مغامرة المهرجان الذي أطلقه ويستون طويلا، لكن دورته الوحيدة ألهمت بعد ثلاثة عقود فيليب لوران لإطلاق مهرجان "طنجاز" الذي يقام كل عام في سبتمبر/أيلول.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات فی طنجة
إقرأ أيضاً:
منشآت النيابات والمراكز الإدارية في ظفار.. إلى أين؟
خالد بن سعد الشنفري
منذ بدايات نهضتنا الحديثة المُباركة عام 1970 كانت الرؤية الثاقبة لمفجرها وبانيها السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- تتمثل في نشر نواة مظلة التنمية العمرانية والصحية والثقافية والاجتماعية فيما كان يعرف آنذاك بـ"المناطق النائية" في جبال ظفار ونجدها وباديتها، بأسرع وقت ممكن، وقد كانت بحق تنمية حثيثة وشاملة ومُتسارعة في صورة عشناها، ولم نعرف لها مثيلاً؛ شملت كل تلك المناطق دون استثناء بالتزامن؛ حيث كانت قبلها شبه خالية من التجمعات السكنية؛ نظرًا لطبيعتها وكون سكانها كانوا يعتمدون في معيشتهم على الرعي أساسًا والتنقل بحثًا عن الكلأ والمراعي لحيواناتهم.
وتأسست بذلك نواة تجمعات مدنية ثابتة لأول مرة في تاريخها، تراوحت ما بين مركز إداري يتبع لنيابة ولاية، تتبع بدورها لولاية من ولايات ظفار العشرة، المترامية الأطراف؛ سواء على سلسلة جبال ظفار أو نجدها وباديتها، وتتبع جميعها لمكتب وزير الدولة ووالي ظفار- آنذاك- وكانت هذه المراكز تمثل النواة الأولى. وقد ابتدأت بمراكز الفرق الوطنية الباسلة التي تشكلت من أبناء رجال قبائل تلك المناطق كلٍ في منطقته وذلك نتيجة للحرب القائمة رحاها حينها.
وبعد 5 سنوات من عمر النهضة وبعد أن وضعت الحرب أوزارها في العام 1975، انطلقت المرحلة الثانية من تطوير هذه المراكز والنيابات بإنشاء مراكز إدارية مُتكاملة تقدم كل الخدمات العصرية الحديثة تقريبًا من صحة وتعليم وخدمات مدنية وإدارية للمواطنين، وتقوم بعملها بطريقة لا مركزية؛ فشُيِّدَت بها المدارس الحديثة، بدلًا عن الخيمة أو التعليم "تحت تحت ظل شجرة" والعيادة الصحية والمستشفيات، عوضًا عن الطبيب الطائر، وإدارات خدمات شاملة متكاملة في شتى مجالات الحياة؛ كحفر آبار المياه ومضخاتها كأولوية، وتمديدات الكهرباء وشق الطرق الترابية والمسفلتة تباعًا لربطها ببعض، وليسهل التواصل فيما بينها بيسرٍ، ومن ثم انشأت إدارات الإسكان الريفي الذي أُفرد له قانون خاص بتنظيمه أشرف عليه السلطان قابوس- طيب الله ثراه- بنفسه وكذلك الأشغال العامة والخدمات البلدية كالنظافة والتفتيش الصحي على محلات المواد الغذائية وغيرها وصيانة كل تلك المؤسسات بانتظام.
وبتاريخ 15 مارس 2022 صدر لي مقال في جريدة الرؤية بعنوان "الفرق الوطنية الباسلة وكلمة حق في مدينة الحق"، تناولتُ فيه بدايات تأسيس مراكز الفرق الوطنية ودور مكتب المندوب المدني الملحق بها والذي يتبع لدائرة تحسينات ظفار- آنذاك- التابعة لمكتب وزير الدولة ووالي ظفار اللذين كان لهما الدور الأكبر في تفعيل هذه المجمعات وجذب السكان للإقامة بها حتى أصبحت بعد 5 سنوات نيابات ومراكز إدارية متكاملة تشمل خدماتها الإسكان الريفي والخدمات البلدية والأشغال العامة وصيانتها.
اليوم وبعد إلغاء نظام النيابات والمراكز الإدارية على مستوى محافظات السلطنة، وآلت جميعها إلى وزارة الداخلية، فإن أعداد هذه النيابات والمراكز الإدارية الكثيرة في محافظة ظفار وانتشارها على رقعة جغرافية كبيرة ومتنوعة التضاريس من جبال ووديان ونجد وبادية تزيد المسافة بين بعضها ومركز المحافظة أكثر من 300 كم وكلها منشآت حديثة بنيت على أفضل المواصفات العالمية.
وسنقف في هذا المقال على ما حلَّ بمنشآت هذه النيابات والمراكز الإدارية بعد أكثر من ثلاث سنوات على إلغائها بعد أن كانت عامرة في كل شيء، وما إذا كان ذلك في صالح التنمية والوطن والمواطن عمومًا أم عكس ذلك، خصوصًا في محافظة ظفار بالذات، لبعض ما تمت الإشارة إليه أعلاه واختلافها عن بقية محافظات السلطنة عمومًا.
أصبحت اليوم للأسف الشديد خاوية على عروشها؛ لدرجة أن الأعلام الرسمية ورمز الوطن المنصوبة عليها- والتي كانت مرفرفة على سواريها- تمزقت نتيجة الإهمال وجراء الأمطار الموسمية في الخريف والرياح في الشتاء، وعدم وجود رقابة أو صيانة دورية لها، كما كان سابقًا، وبهتت ألوانها حتى وصلت لحد التشويه، بعد أن توقف موظفوها عن العمل بها وتعذرت بذلك صيانتها رغم تكلفتها الباهظة؛ سواء من الميزانية العامة للدولة الناشئة- آنذاك- أو من المعونات السخية والكريمة من بعض دول الخليج وعلى رأسها الكويت والسعودية لدعم السلطنة في حربها في تلك المرحلة فانتشرت حواليها سريعاً المسورات العشوائية غير المرخصة التي تقام بين ليلة وضحاها لعدم وجود الرقابة الإدارية التي كانت تمارس عليها من موظفي هذه النيابات والمراكز؛ لأنَّ "أهل مكة أدرى بشعابها" كما يقال، وأصبح من يزور هذه المناطق اليوم في جبال ظفار يتعذر عليه حتى وجود أماكن للاستراحة والاستجمام، ولو على القمم والسفوح وناب الخراب معظمها نتيجة هذا الإهمال عدا مارحم ربك من المدارس والمراكز الصحية التي تشرف عليها الوزارات التي تتبع لها والنظافة التي استبقت بلدية ظفار معداتها وبعض موظفيها وماعدا ذلك أهمل تمامًا.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن أمام هذا الوضع: إلى متى سيتم السكوت على كل ذلك من الجهات الرسمية المختصة لتلافي هذا الائتلاف التدريجي والهدر لهذه المكتسبات لنهضتنا والتي صرفت عليها المليارات في حينها حسب القيمة السوقية الحالية للملايين التي صرفت عليها قبل خمسين عاما من الآن وترتب على كل ذلك بالتبعية هجرات سكانية أصبحت ملحوظة للمواطنين منها إلى مراكز الولايات أو مركز المحافظة حتى أصبحت المدارس فيها شبه خالية من طلبتها وكذلك المراكز الطبية وغيرها وزاد الضغط على مراكز الولايات.
الطرق التي تمت سفلتتها حينذاك أصبحت تعج بالحفر والشقوق مما يتسبب في حوادث وأعطاب للسيارات وكذلك إنارة الشوارع أصبح يتعذر معها الرؤية حتى نهارا بالخريف لكثافة الضباب رغم توافد مليون سائح يزورنها كل عام خلال فترة الخريف أما أصباغ مباني هذه النيابات والمراكز الإدارية فحدث ولا حرج فقد أصبحت ألوانها مرعبة.
إلّا أننا لكي لا نوصم بأننا ننتقد لمجرد النقد، سنجتهد لنقترح بعض المقترحات التى نرى بأنها ستسهم في بعض الحلول إذا ما أخذ بتنفيذها أو بعض منها على الأقل مع قناعتنا بأنَّ الجهات المعنية عنها أدرى منا بذلك وهي كالتالي:
إيقاف المسورات العشوائية غير المرخصة فورًا ومنع أي توسع جديد فيها، مع التركيز على الرقابة والمتابعة الحثيثة من الجهات المختصة، وأن يكون مقرها في نفس هذه النيابات السابقة على الأقل، وليس في مركز الولايات الرئيسة، كما يحصل الآن، أما ترك الحبل على الغارب فسيصعب الحلول مع الوقت واتساع رقعتها. صيانة الطرق بهذه المناطق بصفة دورية والتعامل مع الإنارة الحالية باستبدالها بإنارة تتتناسب مع ضباب فصل الخريف. اختيار نوعية أصباغ للمراكز والمنشآت الحكومية تقاوم فطريات رذاذ الخريف أو طلائها كل فترة لتحافظ على استمرارية ظهورها بالمظهر اللائق والجمالي والحفاظ على هيبتها كمقار أجهزة الدولة. التركيز على التفتيش الصحي المنتظم فيما يتعلق بالمطاعم والمحلات الغذائية والتجارية الصحية عموما بأنواعها في هذه المناطق لكونها أصبحت محط زيارات الزائرين والسياح. ضرورة الاسراع باستغلال والاستفادة من هذه المنشآت العديدة والقيمة والتي تعد من موجودات الدولة المهمة، والعمل على استثمار هذه الثروة التي أصبحت مُهدرة ويكون ذلك في أمور واستخدامات كثيرة يفهمها ذوو الاختصاص.حفظ الله عُماننا في ظل قيادتنا المتجددة الملهمة لما فيه الخير وخدمة وطننا المعطاء والمحافظة على مكتسباته.
رابط مختصر