شيئا فشيئا، يدفع الأمريكيون بالأحداث في جنوب البحر الأحمر لتصبح المحرك الأساسي لتقرير مصير الحرب المنسية في اليمن، فيما لا يوجد أي دليل على أن واشنطن غيرت من مقاربتها وتصوراتها لإنهاء الحرب بدون دور مركزي لجماعة الحوثي؛ باعتبارها جزءا من الاستثمار الجيوسياسي الأمريكي الذي يتوسل الأقليات الطائفية ويفخخ بها المنطقة، ويربك شعوبها ويعطل قدراتها.



ثمة مؤشرات ينبغي التوقف أمامها لقراءة الموقف الأمريكي الهادف إلى تحويل هجمات البحر الأحمر إلى معيار للحكم على سلوك الحوثيين ومكافأتهم؛ في سياق تسوية سياسية تشرف عليها صوريا الأمم المتحدة وتتحكم بخيوطها الولايات المتحدة، وتتأثر بنتائجها اليمن والدول المنخرطة في الحرب اليمنية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.

أولى هذه المؤشرات اللقاءات الأمريكية العمانية، والتي لطالما ربطتها تصريحات المسؤولين الأمريكيين ومنهم مبعوث الإدارة الأمريكية إلى اليمن تيموثي ليندركينغ؛ بنشاط الحوثيين في البحر الأحمر وبعملية السلام في ذلك البلد.

تتكئ المحادثات الأمريكية العمانية على الصلة الوثيقة لسلطنة عمان بجماعة الحوثي عبر نقطة اتصال نشطة يمثلها وفد الجماعة المقيم بشكل دائم في العاصمة مسقط، مع وجود إمكانية لإيفاد مفاوضين عمانيين إلى صنعاء متى تطلب الأمر ذلك، وهو أمر حدث في السابق عدة مرات استجابة لضغوط أمريكية لطالما عكست رغبة الإدارة الديمقراطية في فرض سلام بمواصفات أمريكية خالصة، أي لا يلبي تطلعات الشعب اليمني بقدر ما يبرهن على أن بايدن تصرف على عكس سلفه ترامب، وعمل ما يكفي من الحزم تجاه الأيدي السعودية المطلقة في الساحة اليمنية.

أما المؤشر الثاني فيتمثل في تراجع الهجمات الحوثية في جنوب البحر الأحمر خلال الفترة التي سبقت إعادة تموضع لمجموعة حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة "يو إس إس دوايت أيزنهاور" وعبورها الجمعة الماضية قناة السويس متجهة نحو شرق المتوسط، ومن أبرز قطع المجموعة المدمرة "يو إس إس غريفلي"، التي نهضت بمعظم عمليات إسقاط الصواريخ والطائرات المسيرة الحوثية على السفن في جنوب البحر الأحمر.

وبالتأكيد فإن إعادة تموضع قطع بحرية أمريكية في نطاق نشاط القيادة المركزية الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط؛ لا علاقة له بما قد يُفهم أنه تعبير عن حسن نوايا قد تشجع الحوثيين على إيقاف نشاطهم العسكري ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، بدليل أن الحوثيين نفذوا أحدث هجماتهم على ناقلة النفط البريطانية أندروميدا ستار" بعد إعادة التموضع، وسط تأكيدات بأنها تعرضت لأضرار طفيفة.

كما لا يمكن التسليم بمصداقية التصريحات التي تطلقها بعض القيادات الحوثية حول وصول طائرات حربية أمريكية إلى قواعد عسكرية جوار اليمن، في مؤشر على احتمالية إسناد محتمل لمعركة ضد الحوثيين عبر القوات التابعة للحكومة اليمنية، كبديل للعملية البحرية الأمريكية الأوروبية، وهو أمر قد يعزز من مصداقيته أن قطعا بحرية أوروبية غادرت البحر الأحمر أيضا.

الأمر يتعلق في تقديري بما يمكن وصفه بانتفاء المهددات غير القابلة للسيطرة خصوصا من جانب إيران وحلفائها، بعد أن عبرت إيران عن التزامها الدقيق بقواعد الاشتباك في أوسع هجوم نفذته على الكيان الصهيوني، وبعد أن ترسخت هذه القواعد من خلال الاشتباكات العابرة للحدود اللبنانية من فلسطين المحتلة، وفي الوقت الذي خرجت فيه المليشيات الشيعية في العراق من حسابات المواجهة المرتبطة بالعدوان على غزة.

لا يوجد من بين الجماعات التابعة لإيران أكثر من جماعة الحوثي ملاءمة للحاجة الأمريكية إلى ابتزاز السعودية ودفعها إلى إنهاء كل التحفظات تجاه الانخراط في عملية تطبيع كاملة ومعلنة وغير قابلة للمساومة مع الكيان الصهيوني، وغير مرتبطة بحل عادل للقضية الفلسطينية.
بدلا من معيار ومحددات العودة إلى دولة يمنية تقوم على مبدأ الشراكة في صياغة الحل، وإلى الاحتكام واحترام الأسس الدستورية للدولة اليمنية واحترام نتائج صناديق الاقتراع والقبول بالحكومة التي ستفرزها إرادة المواطنين الناخبين، يجري الاكتفاء بتوقف الحوثيين عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر ليحصلوا على صلاحيات واسعة تعزز سلطة الأمر الواقع التي ساهمت واشنطن في تحديد نطاقها الجغرافي
صحيح أن المليشيات العراقية يمكنها أن تقوم بذات الضغط الاستراتيجي على المملكة من الجهة الشمالية الشرقية، لكن الأمر سيكون مكشوفا وعدائيا على نحو ما حدث في 14 أيلول/ سبتمبر 2019 متمثلا في الهجمات على منشآت نفطية عملاقة في شرق المملكة.

أضف إلى ذلك أن جماعة الحوثي تحولت عمليا إلى طرف محلي مؤثر وراسخ إلى حد ما، في صراع متعدد الأطراف على الساحة اليمنية، وجزء من مشكلة جيوسياسية ساهمت السعودية وبلدان أخرى في المنطقة في تكريسها وتصميمها لتبدو بهذا القدر من التعقيد، على الرغم من سهولة حلها عبر الأدوات الدستورية والقانونية وقرارات الأمم المتحدة وعبر الإمكانيات العسكرية إذا تعذر الحل عبر تلك الوسائل.

لهذا يتعين علينا عدم التقليل من أهمية ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية اليوم من تحوير خطير لمحددات وأسس ومرجعيات السلام، ومن إعادة تكييف للاستحقاقات المرتبطة بإنهاء لأزمة والحرب في اليمن. أي أنه بدلا من معيار ومحددات العودة إلى دولة يمنية تقوم على مبدأ الشراكة في صياغة الحل، وإلى الاحتكام واحترام الأسس الدستورية للدولة اليمنية واحترام نتائج صناديق الاقتراع والقبول بالحكومة التي ستفرزها إرادة المواطنين الناخبين، يجري الاكتفاء بتوقف الحوثيين عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر ليحصلوا على صلاحيات واسعة تعزز سلطة الأمر الواقع التي ساهمت واشنطن في تحديد نطاقها الجغرافي؛ عبر التحكم الكامل بمجريات الحرب وتعطيل نتائجها المفترضة، وهي وصفة لمستقبل كارثي ينتظر اليمنيين.

twitter.com/yaseentamimi68

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمن الحوثيين السعودية امريكا السعودية اليمن الحوثيين البحر الاحمر مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

اليمن.. أسطورة الردع التي هزمت المشروع الأمريكي

يمانيون/ تقارير

أثبت اليمن، منذ عقد على نجاح ثورة 21 سبتمبر 2014م، مدى القدرة العالية على مواجهة أعتى إمبراطورية عسكرية على مستوى العالم “أمريكا” وأجبرها على الرحيل من المياه الإقليمية والدولية في البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي وخليج عدن وسحب حاملات طائراتها وبارجاتها ومدمراتها، وإخراج بعضها محترقة وأخرى هاربة تجر أذيال الهزيمة.

وبالرغم مما تعرض له اليمن من عدوان وحصار من قبل تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، منذ عشر سنوات، إلا أن القوات المسلحة اليمنية نجحت في إيجاد قوة ردع لم تكن في الحسبان، ولم يتوقعها الصديق والعدو، عادت باليمن إلى أمجاده وحضارته وعراقته المشهورة التي دوّنها التاريخ وكتب عنها في صفحاته، وأصبح اليمن اليوم بفضل الله وبحكمة وحنكة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، رقمًا صعباً في المعادلة الإقليمية والدولية.

مجددًا تنتصر القوات المسلحة اليمنية لغزة وفلسطين، بعملياتها العسكرية النوعية خلال الساعات الماضية وتثبت للعالم بأن أمريكا وبريطانيا وإسرائيل بما تمتلكه من إمكانيات وقوات عسكرية وحربية كبيرة، مجرد فقاعة اعتاد الإعلام والأدوات الصهيونية تضخيمها لإخضاع الدول والشعوب المستضعفة، لكنها في الحقيقة عاجزة عن إيقاف صواريخ ومسيرات باتت تهددّها في العمق الصهيوني وتدك مرابضها في البحار.

وفي تطور لافت، أفشلت القوات المسلحة اليمنية بعملية عسكرية نوعية أمس الأول، الهجوم الأمريكي البريطاني، باستهداف حاملة الطائرات “يو إس إس هاري إس ترومان” ومدمرات تابعة لها، وأجبرتها على الفرار من موقعها وأحدثت هذه العملية حالة من الإرباك والصدمة والتخبط في صفوف قوات العدو الأمريكي البريطاني.

بالمقابل حققت القوات المسلحة اليمنية تطورًا غير مسبوق في اختراق منظومة السهم والقبة الحديدية الصهيونية التي عجزت عن اعتراض الصواريخ والمسيرات اليمنية وآخرها صاروخ فرط الصوتي “فلسطين2” الذي دك منطقة “يافا” الفلسطينية المحتلة، محدثًا دمارًا هائلًا ورعبًا في صفوف العدو الصهيوني، وعصاباته ومستوطنيه.

لم يصل اليمن إلى ما وصل إليه من قوة ردع، إلا بوجود رجال أوفياء لوطنهم وشعبهم وأمتهم وخبرات مؤهلة، قادت مرحلة تطوير التصنيع الحربي والعسكري على مراحل متعددة وأصبح اليمن اليوم بما يمتلكه من ترسانة عسكرية متطورة يضاهي الدول العظمى، والواقع يشهد فاعلية ذلك على الأرض، وميدان البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي غير بعيد وما يتلقاه العدو الأمريكي البريطاني الصهيوني من ضربات موجعة خير دليل على ما شهدته منظومة الصناعة العسكرية والتقنية للجمهورية اليمنية من تطور في مختلف تشكيلاتها.

وفي ظل تخاذل الأنظمة العربية والإسلامية للقضية الفلسطينية وتواطئها مع كيان العدو الصهيوني، تجاه ما يمارسه في غزة وكل فلسطين من جرائم مروعة، ودعمها للمشروع الأمريكي، الأوروبي في المنطقة، برز الموقف اليمني المساند لفلسطين، وملأ الفراغ العسكري العربي والإسلامي لمواجهة الغطرسة الصهيونية وأصبحت الجبهة اليمنية اليوم الوحيدة التي تواجه قوى الطغيان العالمي بقيادة أمريكا وإسرائيل وبريطانيا نيابة عن الأمة.

يخوض اليمن معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، منذ السابع من أكتوبر 2023م مع أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، نصرة لفلسطين وإسنادًا لغزة، وهو متسلحاً بالله وبحاضنة شعبية وترسانة عسكرية ضخمة لمواجهة الأعداء الأصليين وليس الوكلاء كما كان سابقًا.

وبما تمتلكه صنعاء اليوم من قوة ردع، فرضت نفسها بقوة على الواقع الإقليمي والدولي، أصبح اليمن أسطورة في التحدّي والاستبسال والجرأة على مواجهة الأعداء، وبات اليمني بشجاعته وصموده العظيم يصوّر مشهداً حقيقياً ويصنع واقعًا مغايرًا للمشروع الاستعماري الأمريكي الغربي، الذي تحاول الصهيونية العالمية صناعة ما يسمى بـ” الشرق الأوسط الجديد” في المنطقة والعالم، وأنى لها ذلك؟.

مقالات مشابهة

  • اليمن.. أسطورة الردع التي هزمت المشروع الأمريكي
  • نتنياهو يهدد الحوثيين: ماذا وراء التصعيد؟
  • العمليات اليمنية في البحر الأحمر.. جحيم لحاملات الطائرات الأمريكية
  • صنعاء تكشف تفاصيل إسقاط الطائرة الأمريكية F/A18 فوق البحر الأحمر(فيديو)
  • الحوثيين نجحنا في إفشال هجوم أمريكي بريطاني على اليمن
  • أول تعليق من الحوثيين على سقوط طائرة أمريكية F18 في البحر الأحمر
  • الجيش الأمريكي يشن غارات جوية دقيقة على مواقع للحوثيين في اليمن
  • القيادة المركزية الأمريكية: سقوط مقاتلة في البحر الأحمر بسبب نيران صديقة
  • القيادة المركزية الأمريكية: أسقطنا طائرات مسيرة وصاروخ كروز أثناء قصفنا لمواقع الحوثيين
  • صنعاء: خسائر جسيمة جراء الاستهدافات الصهيوأمريكية للموانئ اليمنية