غزة وأوكرانيا جعلتا البنتاغون يفكر بمشروع مسيرات ريبليكيتور الذكية
تاريخ النشر: 28th, April 2024 GMT
يصعب تقييم فعالية استخدام الطائرات المسيّرة في العمل العسكري، فبحسب بعض كبار القادة العسكريين الأميركيين السابقين فإن انتشار هذا النوع من الأسلحة قد يتسبب في القضاء على فعالية القوات الجوية الأميركية مستقبلا.
ولكن لا يصعب فهم السبب وراء تلك التصريحات، فالحرب الدائرة في أوكرانيا قد شهدت تحول الطائرات المسيّرة من أداة مخصصة لمكافحة الإرهاب، تتحكم فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها بدرجة كبيرة، إلى عنصر أساسي وواسع الانتشار في كل أرجاء ساحات القتال الحديثة.
حتى في الشرق الأوسط، ومنذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان للطائرات المسيّرة أدوار محورية في تحديد مسار العمليات العسكرية، كما أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تستخدم طائرات مسيّرة محلية الصنع ورخيصة ضد جيش الاحتلال برغم امتلاكه مجموعة مختلفة من التقنيات الحديثة القوية، إلا أن الطائرات المسيرة صنعت الفارق في هزيمة القوات الإسرائيلية يوم بدأ هجوم طوفان الأقصى.
لذا، لا يبدو مفاجئا أن تتطلع وزارة الدفاع الأميركية إلى الاستفادة من الدروس المستخلصة من ميادين المعارك الحالية، خاصة وأنها تترقب صراعا محتملا في المستقبل مع عدوها اللدود الصين.
تغير في موازين القوىبينما يؤدى التقدم التقني دائما إلى تغيير طبيعة الحروب، تماما كما دفعت الحروب ظهور الابتكارات التقنية الحديثة، فإن ما يميز هذا العصر الجديد لحرب الطائرات المسيّرة مقارنة بالابتكارات العسكرية السابقة هو أنها قد تغير موازين القوى. ففي حالة وجود تلك المسيرات لن يكون الجيش الذي يتمتع بالأفضلية بالضرورة هو الجيش الذي يمتلك أكثر الأسلحة تطورا أو أقواها، بل سيكون الجيش الذي يمتلك تلك الأسلحة الجديدة بكميات كبيرة ويمكنه تصنيعها واستبدالها بسرعة.
فالطائرات المسيّرة الانتحارية الإيرانية الصنع من طراز "شاهد"، التي تستفيد منها روسيا في حربها ضد أوكرانيا، قد تكلف الواحدة منها نحو 20 ألف دولار، أو ما يعادل 1/4من تكلفة طائرة مقاتلة واحدة من طراز "إف-35". بل إن القوات الأوكرانية تقوم بتعديل طائرات السباق التجارية المسيّرة، التي تبلغ تكلفتها 400 دولار فقط، لتوجيه ضربات للقوات الروسية.
تلك الطائرات المسيّرة لا تضاهي في دقتها أو قوتها الطائرات المقاتلة أو حتى المسيّرات العسكرية المتطورة مثل المسيّرة الأميركية الأشهر "إم كيو-9 ريبر" (MQ-9 Reaper)التي تبلغ تكلفتها نحو 32 مليون دولار، وهنا تكمن الفكرة، أنها لا تحتاج إلى أن تضاهي تلك الطائرات. فمثلا إذا فُقدت إحداها، فلن يمثل ذلك مشكلة حقيقية، والنتيجة هي أن بإمكان تلك الطائرات المسيّرة أن تشكّل نوعا من أنواع توازن القوى بالنسبة للجهات الأضعف التي تعاني نقصا في الإمدادات العسكرية.
المسيّرة الأميركية الأشهر "إم كيو-9 ريبر" تبلغ تكلفتها نحو 32 مليون دولار (رويترز) مشروع ريبليكيتورهذا التوجه بطبيعة الحال يمثل خبرا بالغ الخطورة بالنسبة للجيش الأميركي الذي طالما اعتمد على تفوقه التقني المطلق. وردا على هذا الوضع، يتخذ البنتاغون نهج "إذا لم تستطع هزيمتهم، انضم إليهم"، مُطلقا خطة إستراتيجية تسمى "ريبليكيتور" (Replicator) لتصنيع آلاف الطائرات المسيّرة الرخيصة والقابلة للاستبدال، أو "القابلة للاستنزاف" وفقا لمصطلحات البنتاغون، وكل ذلك تحسبا لأي نزاع محتمل مع الصين.
ينظر المؤيدون لهذه المبادرة على أنها ليست مجرد جهود جديدة للتسلح، بل باعتبارها تحولا جوهريا في كيفية تفكير الجيش الأميركي واستعداده لحروب المستقبل.
لكن حتى أشد المؤيدين للمبادرة يعترفون بأن تحقيق هذا الهدف سيتطلب تغييرا شاملا في عقلية واحدة من أكثر البيروقراطيات رسوخا داخل الحكومة الأميركية، وما يزيد الأمر تعقيدا أن هذا التحول يُفترض أن يحدث بسرعة بالغة.
أعلنت نائبة وزير الدفاع الأميركي كاثلين هيكس في أغسطس/آب العام الماضي 2023، عن بدء العمل على مشروع "ريبليكيتور"، أو "المستنسخ"، بهدف إطلاق "أنظمة ذاتية التحكم يمكن استنزافها على نطاق عدة آلاف في الميدان، وفي عدة مجالات، خلال 18 إلى 24 شهرا التالية".
كما ذكرت هيكس حينها: "الهدف من هذا المشروع هو مساعدتنا على مواجهة أكبر ميزة لدى الصين، وهي ضخامة الأعداد وكثافتها".
"نحن لا نعرف بالضبط كيف ستعمل تلك الطائرات المسيّرة، ولكن يحتمل أن تشكل أسرابا منظمة لمواجهة تفوق الصين في الكثافة العددية ومدى قربها من ساحة المعركة المستقبلية". وأشارت هيكس أن تكلفة المشروع ستبلغ مليار دولار مقسمة بالتساوي بين السنة المالية 2024 و2025.
الحرب الدائرة في أوكرانيا شهدت تحول الطائرات المسيّرة إلى عنصر أساسي في ساحات القتال الحديثة (رويترز) تحديات قادمةيشير اسم "المستنسخ" إلى أن البنتاغون تأمل في إمكانية "استنساخ" الإجراءات المتبعة في البرنامج بسرعة في مختلف أقسام الوزارة.
بجانب أن أحد الدروس التي استفادت منها وحدة الاستخبارات العسكرية الأميركية من خلال المحادثات مع مشغلي الطائرات المسيّرة الأوكرانيين هو أن قتال الدرونز الحديثة لا يتطلب أعدادا كبيرة من الوحدات فحسب، بل يجب أن تتكيف تلك الوحدات مع البيئة المتغيرة حولها سريعا.
من المتوقع أيضا أن يؤدي إطلاق أسراب الدرونز بهذا الحجم إلى التعجيل بتبني الجيش الأميركي للذكاء الاصطناعي.
إذ يؤكد بول شاري، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية: "السبيل الوحيد لنجاح تشغيل آلاف الطائرات المسيّرة هو أن يتوفر قدر من الاستقلالية في تلك الطائرات. لأن أنظمة التحكم فيها بالآلاف، حينها ستحتاج إلى آلاف العاملين على تشغيلها، وهي تكلفة بشرية ضخمة بالنسبة للجيش".
وما يزيد من المصاعب هو تخلف قطاع الطائرات المسيّرة التجارية في الولايات المتحدة عن نظيره الصيني، فالشركات الصينية، وأشهرها شركة "دي جي آي" (DJI)، تهيمن على سوق تلك التقنيات التي يمكن تطويعها للاستخدام المزدوج.
وتشتهر القوات الأوكرانية باستخدام تلك الطائرات الجاهزة لأغراض عسكرية، إذ تشتري كييف الآن نحو 60% من إمدادات العالم من طائرات "مافيك" الرباعية المروحية الشهيرة التي تنتجها الشركة الصينية. لكن ذلك بالطبع ليس خيارا مطروحا بالنسبة للولايات المتحدة عندما تكون الصين نفسها هي العدو المرتقب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات تلک الطائرات
إقرأ أيضاً:
غزة وأوكرانيا تتسببان بتراجع صادرات النفط العالمية 2% في 2024
أظهرت بيانات من قطاع الشحن أن حجم صادرات الخام العالمية في 2024 انخفض 2% في أول هبوط منذ جائحة كورونا، متأثرة بعدة أسباب أبرزها العدوان الإسرائيلي على غزة والحرب في أوكرانيا وذلك وسط إعادة تشكيل طرق التجارة بسبب تغيير في المصافي وخطوط الأنابيب.
وتعرض تدفق إمدادات الخام عالميا للاضطراب للعام الثاني بسبب الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، مع إعادة توجيه الناقلات وانقسام الموردين والمشترين إلى مناطق.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ارتفاع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار اليوم الثلاثاءlist 2 of 2قوة الطلب ترفع النفط إلى أعلى مستوى في 3 أشهرend of listوانخفضت صادرات النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا بينما ذهب المزيد من نفط الولايات المتحدة وخام أميركا الجنوبية نحوها، وجرى إعادة توجيه النفط الروسي الذي كان يذهب سابقا إلى أوروبا نحو الهند والصين.
وباتت تلك التحولات أكثر وضوحا مع إغلاق مصافي نفط في أوروبا وسط استمرار الهجمات على الشحن في البحر الأحمر، وأظهرت بيانات تتبع حركة السفن من كبلر للأبحاث أن صادرات النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا انخفضت 22% في 2024.
وقال مستشار الطاقة والمتعامل السابق في النفط، آدي إمسيروفيتش إن التحول في تدفقات الخام "يخلق تحالفات انتهازية"، مشيرا إلى تقارب بين روسيا والهند والصين وإيران يعيد تشكيل تجارة النفط.
وتعد الولايات المتحدة بإنتاجها المتزايد من النفط الصخري من بين الرابحين في تجارة النفط العالمية إذ تصدر 4 ملايين برميل يوميا ما يعزز حصتها في تجارة الخام العالمية إلى 9.5% بعد السعودية وروسيا.
إعلانوأُعيد تشكيل طرق التجارة أيضا بسبب انطلاق عمليات مصفاة دانجوتي النفطية الضخمة في نيجيريا وتوسيع خط أنابيب ترانس ماونتن الكندي ليمتد إلى الساحل الغربي للبلاد وانخفاض إنتاج النفط في المكسيك وارتفاعه في جيانا وتوقف قصير في صادرات الخام الليبية.
وبشأن التوقعات حول استهلاك النفط خلال عام 2025:
من المتوقع أن يستمر انخفاض الطلب على الوقود في مراكز الاستهلاك الرئيسة مثل الصين خلال هذا العام. فقد انخفضت واردات الصين بنحو 3% العام الماضي مع صعود السيارات الكهربائية والهجينة القابلة للشحن والاستخدام المتزايد للغاز الطبيعي المسال في الشاحنات الثقيلة. وفي أوروبا، أدى انخفاض القدرة التكريرية والقرارات الحكومية للحد من الانبعاثات الكربونية إلى خفض واردات الخام بنحو 1%. كما سيستخدم المزيد من الدول كميات أقل من النفط ومزيدا من الغاز. ستواصل الطاقة المتجددة نموها.وقال إريك برويكويجن مدير الأبحاث والاستشارات البحرية في بوتين آند بارتنرز: "هذا النوع من الضبابية والتقلبات هو الوضع الطبيعي الجديد. كان 2019 آخر عام طبيعي".
موردون ومسارات جديدةوخفضت مصافي التكرير الأوروبية الواردات الروسية وزادت من مشتريات النفط من الولايات المتحدة والشرق الأوسط بعد غزو روسيا لأوكرانيا، وأدت الهجمات على السفن في البحر الأحمر في أعقاب الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة إلى ارتفاع تكلفة الشحن من الشرق الأوسط. ورفعت المصافي وارداتها من الولايات المتحدة وجيانا إلى مستويات غير مسبوقة.
وخلال العام الماضي، تراجعت صادرات العراق 82 ألف برميل يوميا وصادرات الإمارات 35 ألف برميل يوميا، وزادت واردات أوروبا 162 ألف برميل يوميا من جيانا و60 ألف برميل يوميا من الولايات المتحدة.
وأدى تصاعد الصراع في الشرق الأوسط في أواخر سبتمبر/أيلول والمخاوف من فرض المزيد من العقوبات الأميركية على طهران إلى تقليص المعروض من النفط الإيراني وارتفاع أسعاره، ودفع ذلك المصافي الصينية إلى البحث عن مصادر جديدة في غرب أفريقيا والبرازيل.
إعلان مصاف وخطوط أنابيب جديدةاستهلكت مصفاة دانجوتي الجديدة في نيجيريا كمية كبيرة من الإمدادات المحلية وقلصت صادرات البلاد بنحو 13% في 2024 ارتفاعا من 2% في 2023، وفقا لشركة كبلر.
وأدى ذلك إلى خفض صادرات نيجيريا إلى أوروبا، كما استوردت نيجيريا 47 ألف برميل يوميا من خام غرب تكساس الوسيط الأميركي، وهو أمر غير معتاد لمصدر رئيسي.
ومن المرجح أيضا أن تؤدي زيادة طاقة التكرير في البحرين وعمان والعراق والمكسيك إلى استهلاك بعض إنتاج النفط في تلك البلاد.
ومع زيادة إمدادات الخام الكندي إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، اشترت المصافي في المنطقة كميات أقل من نفط السعودية وأميركا اللاتينية، في حين أدت الشحنات المباشرة من كندا إلى الدول الآسيوية إلى خفض إعادة التصدير من ساحل الخليج الأميركي.
ورغم أن الصين كانت المشتري الرئيس للنفط الكندي، وجد الخام أيضا مستوردين في الهند واليابان وكوريا الجنوبية وبروناي، ويرجح محللون أن تشتري مصاف آسيوية أخرى النفط الكندي.
ويقول محللون إن الرسوم الجمركية بنسبة 25% التي اقترحها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على النفط من كندا والمكسيك، أكبر مُصدري النفط للولايات المتحدة، قد تغير تدفقات الخام خلال 2025.