شمال قبرص.. والممر البحري.. واستعمار من نوع جديد
تاريخ النشر: 28th, April 2024 GMT
يحدث في بعض الأحيان أن تطالعك الصحف، ووكالات الانباء بأخبار مبهمة، لا من تفسير لها، ولا دلالة ظاهرة، فيستغربها البعض، ويقفون عند حدود الاستغراب.. لكن هنالك من يرى غرابتها سببا كافيا، للاحتفاظ بها، رغم أن التوقف أمامها والتأمل فيها، لا يعود عليهم بأي سبب أو تفسير مقنع.
ذلك ينطبق تماما مع خبر يعود تاريخه إلى شهر مارس من عام 2006، حينما ذكرت وسائل الإعلام القبرصية أن حاخاما اسمه (حاييم هيليل عظيموف)، كان يتزعم طائفة (حاباد اليهودية الحسيدية) في المنطقة، وكان يستخدم منزله في (كيرينيا) كمكان للعبادة، غادر شمال البلاد مع زوجته، وأولاده الخمسة، وأنهم توجهوا إلى الولايات المتحدة نتيجة تصاعد حدة كراهية القبارصة لهما، بسبب شرائهما لعدد من العقارات.
البعض ممن ورطهم الزمان في مهنة البحث عن المتاعب، لا يمكن أن يمر عليهم خبر كهذا مرور الكرام، يتساءلون بداية عما إذا كان للأمر علاقة بمعاداة السامية)؟
يتساءلون عن أخلاقيات الحاخام وزوجته؟ عن خلافات مالية أو تعاقدية مع متنفذين قبارصة؟
لماذا الشراء في شمال قبرص حيث المنطقة التي تعدها تركيا امتدادا عضويا له، وتعتبرها نيقوسيا منطقة متمردة، ولا تعترف بها إلا تركيا، ويترأسها (إرسين تتار)؟
فلا يجد لأي من هذه التساؤلات الافتراضية محلا من الإعراب.. حتى يستوقفهم بعد ذلك خبرا مفاده أن الحاخام (عظيموف) كان يقوم بعمليات شراء للعقارات في شمال قبرص كان بالتنسيق مع المخابرات الإسرائيلية!
هنا تزداد علامات التعجب والاستفهام، من دون جدوى، فتكتفي بوضع الخبرين في الأرشيف.
وتمر السنوات، ويلتهب العالم بالكثير من القضايا والمشاحنات، والصراعات.. وعلى الهامش، يكبر أرشيف الخبرين الغامضين، ويتحول إلى سيناريو مريب.. أغرب ما فيه أنه بقى لنحو 18 عاما لينفجر مع طوفان الأقصى، وبالتحديد عند الإعلان عن ممر بحري تقيمه الولايات المتحدة بالتنسيق مع العدو الصهيوني، وأطراف أخرى، ليربط بين شاطيء نابلس، وقبرص، ويكون هو بوابة النقل، والانتقال من وإلى غزة، أما ذروة المشهد فيلخصها خبر يقول: ( إن عقارات وأراض مساحتها 35 تتعدى 3400 كيلو مترا في شمال قبرص، اشتراها 35 ألف إسرائيلي، في (دويلة) لا يتجاوز عدد سكانها 380 ألف نسمة.
هنا تتفكك العديد من علامات الاستفهام، ويصبح أمام المتابع حقائق لا مناص منها:
-الممر البحري بين غزة وقبرص مشروع يسبق قراره طوفان الأقصى بنحو ربع قرن.
-هذا الممر لا يمكن المضي فيه من دون سيطرة صهيونية كاملة على جزء كبير داخل غزة، وعلى شواطئها.
-السيطرة الصهيونية داخل غزة، ينبغي أن تكون في بقعة يكون للصهاينة خبرة بها، وبالتالي، لن يكون هناك أنسب من مكان المستوطنة السابقة (نيتساريم).
-تلك السيطرة الصهيونية، يجب ان تكون في مأمن من الغزاويين، وبالتالي يحب تفريغ المنطقة ومحيطها بالكامل من أهلها.
-لا طائل ولا فائدة من وجود الممر البحري، مع وجود معبر رفح، وبالتالي يجب إضعاف هذا المعبر، وحبذا لو تم تجريده تماما من أسباب وجوده، وفاعليته، وأمنه، وأمانه.
-تجريد معبر رفح من مهامه، سيؤدي إلى مكسب صهيوني أكبر وأهم، وهو التأثير السلبي المدمر على دور مصر في الصراع، وعلى علاقتها العضوية بفلسطين.
تلك البديهيات، لابد وأن تقودنا إلى ضرورة الربط بينها وبين شمال قبرص وشراء الصهاينة للأراضي والعقارات هناك؟!
الاستنتاج البديهي، هو أن الصهاينة يعدون العدة لإنشاء مستوطنة ضخمة في شمال قبرص، على مساحة تزيد على عشرة أمثال مساحة غزة، وهذه المساحة يفترض أنها ستتحكم مع المعبر، ليس فقط في غزة جيوسياسيا، ولكن أيضا ثرويا، فغزة تعوم، وفق التقديرات، على كنز من الغاز الطبيعي، والنفط، حيث تقدر احتياطيات النفط والغاز هناك بنحو 1.5 مليار برميل من الخام و1.4 تريليون قدم مكعب من الوقود الأزرق، حسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD).
شمال قبرص، سيكون بمثابة الوطن البديل لليهود، والصهاينة غير الراغبين في الحياة في فلسطين، خوفا وقلقا من شعبها ومقاومته.
أيضا، سيكون شمال قبرص، يطرح ويروج له ليكون مثابة الوطن البديل لأهل غزة، الذين ترفض مصر ترحيلهم.. لكن أمريكا، والصهاينة يتعاونان لتحويل غزة إلى قطاع تستحيل معه الحياة، لا في مدن ومساكن، ولا حتى في خيم ومخيمات. ولن يعدم الطرفان الفرص للعثور عن بضعة آلاف، أو حتى مئات من الفلسطينيين الذين تقطعت بهم السبل، ولن يمانعوا من الذهاب إلى قبرص، وبالتأكيد سيكون هؤلاء، أكبر ترويج ودعاية لتشجيع آخرين على اللحاق بهم، ليس من غزة فحسب، وإنما من الضفة أيضا، وربما من أراضي 1948.
داهية أخرى يخبئها ملف شمال قبرص، والذي لن يقف الدور الذي يرسم له فقط عند حدود أهل غزة، بل سيمتد حتما إلى النازحين السوريين، وبخاصة في لبنان، والذين يتم استهدافهم اليوم من قبل أطراف لبنانية شجعتهم على النزوح إلى لبنان، واستفادت ماديا، وسياسيا من وجودهم ووظفت بعضهم ضد حكم الرئيس بشار الأسد، وحالت كثيرا ضد عودتهم، حتى لا تمثل هذه العودة نقطة لصالح الحكم في سوريا.. واليوم، وبالتوازي مع ملف شمال قبرص، انقادت هذه الأطراف، وباتت تتحدث بلغة قميئة عن (احتلال سوري) بنفس درجة قماءة حديثهم عن احتلال إيراني..
المخطط الجديد لا يقف ازعاجه عند حدودنا، لكنه يشمل بطبيعة الحال قبرص، التي سيزور رئيسها (نيكوس خريستودوليديس) لبنان خلال زيارة مشتركة ستضم أيضا رئيسة المفوضية الأوروبية (أورسولا فون ديرلاين)، وسيكون موضوع اللاجئين السوريين، ومخطط نقلهم إلى قبرص على رأس جدول الأعمال.
الخلاصة، هي أننا على أعتاب مرحلة جديدة، وشكل (مبتكر) من أشكال الاستعمار، ولا يبدو في الأفق، أننا كعرب نمتلك أسس وقواعد، وآليات هذا الاستعمار، لكننا مع ذلك نمتلك فرصة ذهبية قادرة على إرباك من يقفون خلف هذه المخططات، تلك الفرصة الذهبية تكمن في استمرار المقاومة بما هو متاح من أدوات وأسلحة، حتى لو لم يبق في مخازننا سوى الحجر.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الفرصة الذهبية الممر البحري شمال قبرص فی شمال قبرص
إقرأ أيضاً:
هروب ضابط إسرائيلي من قبرص بسبب غزة يثير تفاعلا واسعا
#سواليف
تفاعل رواد منصات التواصل الاجتماعي مع #هروب #ضابط احتياط في #جيش_الاحتلال الإسرائيلي وزوجته من جزيرة #قبرص بسبب مخاطر اعتقاله من قبل السلطات المحلية، في ظل ملاحقته قضائيا بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.
وقاتل أليشع ليفمان منذ بدء العملية البرية الإسرائيلية في القطاع أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023 على رأس سرية دعم لوجستية.
والأسبوع الماضي، سافر الضابط الإسرائيلي مع زوجته إلى جزيرة قبرص، للاحتفال بالذكرى السابعة لزواجهما، لكن الرحلة انتهت قبل موعدها بشكل مفاجئ.
مقالات ذات صلة اتهام النواب بالخيانة: بين ضرورة المساءلة والحفاظ على هيبة البرلمان 2024/11/20فرار ضابط إسرائيلي من #قبرص بعد تحذيره من السفارة.. ما القصة؟#حرب_غزة #شبكات pic.twitter.com/oAPjFNNaXs
— شبكات (@AJA_Networks) November 20, 2024ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، غادر #أليشع وزوجته جزيرة قبرص إلى إسرائيل بعد أن خاطبته وزارتا الخارجية والعدل والسفارة الإسرائيلية في قبرص وطلبت منه مغادرة الجزيرة فورا، بسبب مخاطر اعتقاله من قبل السلطات القبرصية.
وكانت مؤسسة ” #هند_رجب ” الحقوقية -التي تأسست في بلجيكا بعد استشهاد الطفلة هند (6 أعوام) في غزة- قد قدّمت شكوى رسمية للسلطات القبرصية ضد الضابط الإسرائيلي أليشع ليفمان تتهمه بارتكاب #جرائم_حرب في #غزة.
وفي 10 فبراير/شباط الماضي عثر على جثمان الطفلة الصغيرة هند و5 من أفراد عائلتها بعد 12 يوما من فقدان الاتصال بها بعد أن حاصرتها دبابات الاحتلال الإسرائيلي داخل مركبة وقتلت أفرادا من أقربائها قرب محطة للمحروقات في غزة.
وقدّمت المنظمة الحقوقية فيديوهات نشرها الضابط الإسرائيلي على حساباته الافتراضية يتفاخر فيها بتدمير منازل الفلسطينيين واعتزامه حرق غزة بالكامل.
وكانت مؤسسة “هند رجب” قدّمت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي شكاوى ضد ألف عسكري إسرائيلي بأسمائهم وأدلة لإدانتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة.
تفاعل افتراضي
ولاقى هروب الضابط الإسرائيلي من قبرص تعليقات كثيرة على مواقع التواصل رصدها برنامج “شبكات” في حلقته بتاريخ 2024/11/20.
ومن بين هذه التعليقات ما قالته سارة في تغريدتها “استشهدت الطفلة المسكينة هند رجب، وما زالت دماؤها تطارد هؤلاء المجرمين في كل دول العالم”.
وذهبت سوسن في الاتجاه ذاته قائلة “هذا الضابط ليس سائحا، هو خائف، يتمنى النوم براحة، هو خائف وملاحق، مرتعب ودائم الترقب”.
واستهجن عمار حصر ما جرى في قطاع غزة تحت بند “جرائم حرب”، إذ قال متسائلا “جرائم حرب؟! اللي حصل في غزة إبادة بشرية مروعة بلا رحمة وتحت أنظار العرب والعالم، عن أي جرائم حرب تتحدثون؟!”.
وقللت حنان من الواقعة أو سجن الضابط الإسرائيلي، إذ قالت “وما ضرهم لو تم سجنهم أو محاكمتهم؟! ما الذي سيغيره؟! لا شيء”.
بدوره، يعتقد مجدي أن “قبرص وكر للصهاينة وغسيل الأموال”، مضيفا “قبرص تعتبر مستوطنة يهودية، ولن يعتقله أحد هناك”.