الفنون الموسيقية العُمانية.. عزفٌ مُتناغم على أوتار الإبداع وصروح من التفرُّد والجمال
تاريخ النشر: 28th, April 2024 GMT
◄ أمير عوض لـ"الرؤية": الموسيقى العُمانية والعربية تشهد تطورات كبيرة.. و"تقصير كبير" في إبراز الآلات التقليدية
◄ الموسيقى العُمانية تتميز بطابع خاص يُضفي تفرُّدًا في الأداء
◄ مؤسسات الدولة حريصة على الحفاظ على الموروث الفني العُماني
الرؤية- مدرين المكتومية
مَرَّتْ الفنونُ الموسيقية العُمانية بمراحل تطور، شهدت فترات ازدهار حينًا، وفترت ركود حينًا آخر، لكن السمة التي غلبت على هذه المراحل تمثلت في ديناميكية المسار الفني، أي إنه لم يتوقف يومًا مهما تبدلت الظروف والأحوال.
. وعلى مدى عقود النهضة العُمانية الحديثة، أخذت الفنون الموسيقية منحنى تصاعديًا في مسيرة التطوير والتحديث، تزامنت مع رعاية كبيرة من السلطان الراحل قابوس بن سعيد، والتي تجسدت في تأسيس أول فرقة أوركسترا عُمانية فلهارمونية، ثم توالت المُنجزات الموسيقية منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.
وبالتوازي مع جهود تطوير الفنون الموسيقية، تكشَّفَت العديد من المواهب العُمانية في مجالات التأليف والتلحين والغناء، وتعمق الأداء الموسيقي في عُمان، ليُخرج لنا الكثير من الأعمال الموسيقية المميزة، التي أنتجتها كفاءات فنية عُمانية.
وقد أحرز الفنان العُماني أمير بن عوض بن بشير بيت مبروك جائزة المسابقة الدولية في التأليف الموسيقي العربي لعام 2023؛ إذ أعلن المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية عن فوز "اشتياق" للفنان العُماني أمير بن عوض بالمسابقة الدولية التي نظمها المجمع.
وتحدث أمير عوض إلى "الرؤية"، عن فوزه بهذه الجائزة؛ حيث أكد أنها نتاج جهد فني على مدار سنوات، استطاع خلالها أن يُصقل موهبته الفنية، وأن يُنافس على أرفع الجوائز في الوطن العربي. كما عبّر عن سعادته بفوزه بهذه الجائزة، وعزمه مواصلة تقديم أعمال متميزة ترفع من اسم عُمان خفّاقًا في المحافل الإقليمية والدولية.
البدايات والانطلاقة
وفي حديث مع "الرؤية"، يتذكر أمير عوض بداياته الموسيقية منذ الصغر؛ حيث بدأت موهبته في الظهور وهو في الخامسة من عمره، خاصة وأنه نشأ في بيئة فنية، إذ إن والده عوض بن بشير بيت مبروك شاعر ومطرب. ويضيف أمير عوض أنه بدأ مشواره الموسيقي أولًا بالعزف على آلة الأورج، وقد تعلمها بنفسه دون مساعدة، وما عزز من هذه الموهبة مشاركته مع العديد من الفرق الشعبية في محافظة ظفار كعازف أورج، في مطلع الألفينات. وعن تلك الفترة يقول أمير عوض: "واجهتُ العديد من التحديات والصعوبات لكنها كانت بمثابة دافع كبير لأن اشتغل على ذاتي وأطور من مهاراتي أكثر فأكثر في العزف، ففي عام 2008 انتهيتُ من دراسة الثانوية العامة وقُبِلتُ في تخصص هندسة الموانئ البحرية في كلية عُمان البحرية كخيار أول بنظام القبول الموحد، ثم الخيار الثاني قسم الموسيقى والعلوم الموسيقية بجامعة السلطان قابوس". وقد عاش أمير عوض في تلك الفترة صراعًا يقول عنه: "الكل كان رافضًا لفكرة دراسة الموسيقى والتخلّي عن تخصص الهندسة، وبالرغم من هذه التحديات التي واجهتها من الأهل وغير الأهل في ترك تخصص الموسيقى، وجعل الموسيقى كهواية وليس تخصص إلّا أنني تمسكتُ بقراري في اختيار قسم الموسيقى، والتحقتُ بأول دفعة في هذا القسم وقتذاك؛ لأني كنت مؤمنًا بموهبتي الموسيقية، وبقدرتي على التميز في هذا التخصص".
تحديات وآمال
ويمضي أمير عوض متحدثًا عن فترة دراسته الجامعية للموسيقى، فيقول: "في عام 2009 التحقتُ بقسم الموسيقى، وواجهت مشكلة أخرى وهو في اختيار آلة القانون، وأن يتم اختيار آلة التشيلو أو الكمان بدلًا عن آلة القانون، إذ إنني لم أكن أهوى هذه الآلات، لذلك نجحت في إقناع أساتذتي بالجامعة بأن آلة القانون هي الأقرب إلى موهبتي، وكانت بدايتي الفعلية في العزف على آلة القانون عام 2010، وتعلمت العزف على يد الأستاذة مايا يوسف والأستاذة ياقوت، وكنت أقضي وقتًا كبيرًا جدًا على الآلة كي أرفع من مستوى مهارات العزف لديّ". وبعد التخرج في جامعة السلطان قابوس، عِمل أمير عوض أخصائي آلة القانون في مركز عُمان للموسيقى التقليدية، التابع لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم بديوان البلاط السلطاني، والذي أتاح له الفرصة لمواصلة دراسة الماجستير في عام 2022 في قسم تاريخ الموسيقى العربية بكلية التربية الموسيقية في جامعة حلوان بجمهورية مصر العربية.
تطور ملحوظ
الفنان الموسيقي أمير عوض تحدث كذلك عن الموسيقى على المستويين المحلي والعربي؛ حيث يرى أنها شهدت تطورًا كبيرًا، من حيث جودة الأعمال المُقدّمة على الساحة الفنية، غير أنه انتقد "التقصير الكبير" في إبراز الآلات التقليدية في الأعمال الحديثة؛ حيث "كادت تندثر"- حسب قوله- نظرًا لقلة المُمارسين وعدم توفر هذه الآلات. وفي هذا الجانب يقول أمير عوض: "ينبغي على المؤلفين والموزعين الموسيقيين التركيز على هذه الآلات وإظهارها في صورة حديثة بكافة الأعمال الموسيقية، خصوصا وأن المدارس الموسيقية في عُمان غير كافية؛ لأن الموهوبين موجودين في كل محافظات السلطنة، لذلك أرى من الضروري إيلاء اهتمام كبير بقطاع الموسيقى وتوفير البيئة المناسبة للمواهب الشابة وصقل مهاراتهم". ويؤكد أمير عوض أن اللحن القوي يعزز من وقع كلمات الأغنية، حتى لو كانت الكلمات ضعيفة، مشيرًا إلى أن هناك أغانٍ لاقت انتشارًا كبيرًا بفضل قوة اللحن وأسلوب الأداء، وليس فقط كلمات الأغنية.
الموسيقى العُمانية
ويؤكد أمير عوض أن الموسيقى العُمانية الأصيلة ذات طابع خاص، من حيث أسلوب الأداء، وقد شهدت تطورًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، مع اشتغال حقيقي من قبل الموزعين والمؤلفين العُمانيين لكي تخرج في أبهى حُلة. ويعتبر أمير عوض ذلك بمثابة "دليل على الحراك الثقافي في عُمان، واهتمام مؤسسات الدولة بالحفاظ على الموروث العُماني، لا سيما وأن النجاح ثمرة الاجتهاد، ولا ينبت النجاح في تربة الكسل، ولا يُقطف من شجرة التمني، إنما هو ثمرة جهد وعمل دؤوب، وصبر ومثابرة لا تنقطع، ولا تعرقله العقبات، لأن طريق النجاح مليء بالتحديات، لكن العزيمة القوية تُذلل كل الصعاب".
ويتطرق أمير عوض للحديث عن مشاركاته الخارجية؛ حيث شارك في عرض مع فرقة البلد الموسيقية بمتحف الفنون الجميلة في مدينة ليون بالجمهورية الفرنسية، كما شارك بعرض موسيقي خاص "ريسيتال" لمؤلفاته في جامعة حلوان بمصر، وكذلك في احتفال العيد الوطني المجيد الذي أقيم في معرض "إكسبو دبي 2020"، بجانب المشاركة في حفلات فرقة مركز عُمان للموسيقى التقليدية كقائد للفرقة، والمشاركة في دار الأوبرا السلطانية مع عازف العود العراقي نصير شمه، والمشاركة في معرض أيام قرطاج الموسيقية بجمهورية تونس، والمشاركة في الأسبوع الثقافي بجمهورية إيران الإسلامية، والمشاركة في افتتاح خطوط الطيران العُماني إلى كل من: (الفلبين، سنغافورة، أندونيسيا)، والمشاركة في حفل العيد الوطني المجيد بسفارة سلطنة عُمان بجمهورية البرازيل، والمشاركة في رحلة الطلبة المتفوقين والمتميزين بجامعة السلطان قابوس إلى أستراليا، والمشاركة في المهرجان الموسيقي الرابع في جامعة السلطان قابوس، والمشاركة في احتفال جريدة عُمان بمرور 40 عامًا على تأسيسها، والمشاركة في المؤتمر الدولي في المملكة العربية السعودية في منطقة الدمام، والمشاركة في المؤتمر الدولي الثاني لكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، والمشاركة في معرض الفنون التشكيلية التابع لديوان البلاط السلطاني.
مُشاركات متعددة
ويضيف أمير عوض أنه شارك في احتفال توزيع جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي، وفي حفل البعثات الدبلوماسية الخارجية في جامعة السلطان قابوس، وفي فعالية الاحتفال بالعيد الوطني الحادي والأربعين المجيد "قصة وطن" في جامعة السلطان قابوس، زفي الأمسية الموسيقية في جامعة السلطان قابوس، والمشاركة في حفل يوم الجامعة، وفي فعاليات اليوم العلمي والثقافي لكلية الآداب، وفي حفل اليوم المفتوح في كلية مزون، وفي المهرجان الثقافي الأول بجامعة الإمارات، والمشاركة في احتفالية الجمعية العُمانية للمسرح باليوم العالمي للمسرح، والمشاركة في احتفالات جامعة كامبريدج بمناسبة مرور 800 عام على تأسيسها في المملكة المتحدة، وغيرها من المشاركات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مؤتمر جامعة السلطان قابوس يوصي بتطوير الحماية الاجتماعية للأطفال وكبار السن
اختتم المؤتمر الدولي الثالث لقسم علم الاجتماع والعمل الاجتماعي الذي نظمته جامعة السلطان قابوس بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية بعنوان"سياسات وبرامج الرعاية الاجتماعية ودورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة" بعد أن استمر على مدار يومين، بمشاركة أكاديميين، وباحثين، وخبراء من داخل سلطنة عمان وخارجها.
وفي ختام المؤتمر، أصدر المشاركون مجموعة من التوصيات المهمة لتعزيز سياسات الرعاية الاجتماعية والارتقاء بها بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، حيث أبرزت التوصيات ضرورة تطوير وتعزيز شمولية منظومة الحماية الاجتماعية؛ لتشمل الفئات المهمشة مثل النساء، والأطفال، وكبار السن، والعمال غير الرسميين، مع التأكيد على ضرورة إصلاح التشريعات لضمان استدامة تكامل الحماية الاجتماعية. كما أوصى المشاركون بضرورة تطوير آليات تمويل مبتكرة، تعتمد على مصادر حكومية، وخاصة، ودولية لدعم هذه المنظومة.
كما شدد المؤتمر على أهمية تصميم دليل أخلاقي يتماشى مع التحول الرقمي في مؤسسات الرعاية الاجتماعية؛ لتحديد القواعد والإجراءات المتعلقة بالممارسات المهنية الرقمية، بما يضمن حماية حقوق المستفيدين وتعزيز الشفافية والمساءلة في هذا المجال.
من بين التوصيات البارزة أيضًا، كان هناك دعوة لتحسين سياسات وبرامج الرعاية الاجتماعية لكبار السن، مع ضرورة وضع سياسات وطنية تراعي احتياجاتهم وتطلعاتهم، وتوفير برامج متخصصة لدعم مشاركتهم المجتمعية وتقديم رعاية صحية ونفسية واجتماعية شاملة. كما تم التأكيد على تحسين جودة الرعاية الاجتماعية للأطفال، من خلال تطوير خدمات وبرامج تركز على النمو السليم للأطفال في بيئة صحية وآمنة، وحمايتهم من الإهمال والإساءة، بالإضافة إلى اعتماد أنظمة وتقنيات تساعد الطلبة ذوي الإعاقة على التفاعل مع بيئتهم المحيطة باستقلالية.
كما أوصى المؤتمر بضرورة دمج التعليم بالتنمية المستدامة من خلال تضمين أهداف التنمية المستدامة في المناهج الدراسية واستحداث مواد تعليمية تركز على المهارات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والابتكار. كما تم التأكيد على أهمية توفير بيئة داعمة للمرأة القيادية في المؤسسات العمانية وتعزيز دورها في صنع القرار، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات بين القطاعات الحكومية والخاصة لتحقيق التنمية المستدامة.
كما شدد المشاركون على ضرورة إنشاء مرصد عربي للخدمة الاجتماعية يدرس قضايا الفئات الأولى بالرعاية مثل فاقدي الرعاية الوالدية، وتقديم الدعم لسياسات الرعاية الاجتماعية من خلال بناء قدرات المؤسسات الإيوائية، وتنفيذ مسوحات دورية لتحديد الاحتياجات وتطوير حلول مبتكرة.
وفي مجال القطاع الخاص، أوصى المؤتمر بضرورة تبني سياسات تشجع على تقديم الدعم الاجتماعي المستدام، عبر تطبيق معايير العمل العادلة، وتأمين بيئات عمل صحية وآمنة، بالإضافة إلى دعم برامج تدريبية وتوظيفية للعمال من الفئات الأقل حظًا، مما يعزز من قدرتهم على المشاركة الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
على صعيد إدارة الأزمات والكوارث، تمت دعوة المؤسسات التعليمية إلى إدراج إدارة الأزمات في المناهج التعليمية، مع تدريب فرق العمل على السيناريوهات المتوقعة، وتنسيق الجهود بين الجهات المعنية لمواجهة الكوارث.
وفي ختام المؤتمر، شدد المشاركون على أهمية استمرار تنظيم المؤتمرات التي تركز على سياسات وبرامج الرعاية الاجتماعية، بما يسهم في تعزيز الوعي المجتمعي وتحقيق تقدم مستدام في هذا المجال، كما اقترحوا طرح قضايا جديدة تتعلق بتطوير هذه السياسات على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
محاور المؤتمر
ناقش المؤتمر العديد من المحاور الرئيسية مثل سياسات وبرامج الرعاية الاجتماعية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة طبقا لـ"رؤية عمان 2024"، بالإضافة إلى التجارب العربية والدولية في هذا المجال. كما تم التركيز على دراسات العدالة الاجتماعية، وقضايا البيئة، واستشراف مستقبل سياسات الرعاية الاجتماعية في ضوء التغيرات العالمية.
كما تضمن برنامج المؤتمر 17 جلسة علمية تناولت الأوراق المقدمة في هذه المحاور، بالإضافة إلى 9 حلقات عمل شارك فيها 115 بحثًا علميًا وورقة عمل من 189 باحثًا من 21 دولة.
الطفولة المبكرة
على هامش المؤتمر، قالت الدكتورة وطفة بنت سعيد المعمرية، استشاري أول طب الأطفال بمستشفى جامعة السلطان قابوس: إن حلقة العمل التي قدمتها تطرقت إلى أهمية السنوات الأولى في بناء القدرات المعرفية والاجتماعية والعاطفية للأطفال، مع استعراض الأساليب الحديثة في تعزيز النمو الصحي والتعلم المبكر. كما تم مناقشة التحديات والحلول في هذا المجال مع عرض تجارب ناجحة من سلطنة عمان وخارجها.
التنمية الشاملة
وفي الجلسة الافتتاحية، أكد الدكتور فتحي شراي من جامعة قرطاج التونسية، في ورقته العلمية، على دور الخدمة الاجتماعية في تحقيق التنمية الشاملة، موضحًا أن الخدمة الاجتماعية قد تطورت لتصبح جزءًا من المؤسسات الاجتماعية الرئيسية التي تساهم في عملية التنمية المستدامة، مما يعكس أهمية التوعية الاجتماعية بالتحولات البيئية والتنموية.
وأكد المؤتمر في ختام أعماله على ضرورة تبني منهج تنموي شامل يشمل جميع جوانب التنمية، بما فيها الاقتصادية والاجتماعية، ويعزز المسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد والمؤسسات لتحقيق مجتمع أكثر تضامنًا.