الجزيرة:
2025-02-12@07:59:40 GMT

الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب

تاريخ النشر: 28th, April 2024 GMT

الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب

في ظل حرب السودان الحالية يتسابق جنود الجيش القومي وجنود الدعم السريع إلى التقاط الصور الفوتغرافية مع عملاق الغناء السوداني أبو عركي البخيت، الذي لم يغادر داره منذ بدء الحرب، معلنا رفضه لها وإصراره على رفض النزوح، وهو الفنان الذي كرس حياته للوقوف إلى جانب شعبه.

منذ بدء الحرب وحتى الآن، أصبح منزل الفنان أبو عركي البخيت بيانا عسكريا قصيرا، يوضح سير العمليات العسكرية بين الطرفين في ظل الكر والفر الذي يحدث بينهما.

من يسيطر منهما على المدينة، يزور جنوده منزل البخيت بحي العرضة بأم درمان، ليلتقطوا معه الصور الفوتغرافية، ويرسلوها في وسائط التواصل الاجتماعي، لتأكيد سيطرتهم العسكرية على المدينة، فمن تصور في منزل أبو عركي فهو منتصر ومسيطر على المدينة.

أيضا في مايو/أيار 2020، وحين اجتاحت جائحة الكورونا (كوفيد-19) العالم والسودان، كان نصيب مطربنا الأشهر أبو عركي البخيت وأسرته أول الإصابات. ساعتها قامت لجان مقاومة حي العرضة الذي يتوسط مدينة أمدرمان، بتطويق منزل الفنان أبو عركي البخيت الذي يسكن الحي، وهم يحملون الورود ويرددون أغانيه، ملوحين له في مشهد تضامن أسطوري، جعل البخيت يظهر لهم من على سطح منزله مبادلهم التحية ملوحا بيديه لهم وهو يرتدي الكمامة الواقية.

ولد المطرب والمؤلف الموسيقي أبو عركي البخيت الطيب فضل المولى بحي الدباغة في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة بوسط السودان عام 1947، نشأ وترعرع البخيت في المدينة التي أنجبت العديد من موسيقيي السودان على رأسهم عبقري الأغنية السودانية الحديثة إبراهيم الكاشف، الذي عاصر زمنين فنيين، وكان رائد إدخال الآلات الموسيقية الحديثة في الأغنية السودانية، وتشرب عبقريات مدرسته الموسيقية.

تقع مدينة ود مدني في وسط السودان وسط ذلك المناخ الفني والثقافي، في مطلع الستينيات قرر البخيت وهو لا يزال في سن مبكرة، الانتقال إلى حاضرة السودان أم درمان حيث تتوفر الفرص للغناء والظهور في الإذاعة والتلفزيون، وتدشين مسيرته الاحترافية في عالم الموسيقى والغناء.

التحق البخيت بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح عند تأسيسه في عام 1968 لدراسة علم الصوت والآلات، وفي صالات الدراسة التقى شريكته في مشوار الحياة، الدكتورة عفاف الصادق حمد النيل، وكونا معا ثنائي المغني والملحن والشاعرة، والذي أثرى المكتبة الغنائية بالعديد من الأعمال العظيمة.

عملاق التجديد

تتميز أغنيات أبو عركي الأولي في بداياته بالألحان ذات الإيقاع الراقص على شاكلة "حلوة عيونك روعة" و"دبلة الحب والخطوبة"، "نور النوّار" و"مرسال الشوق" و"حكاية عن حبيبتي"، ليلمع نجمه بعدها عربيا وإقليميا مع أغنيته "بخاف" والتي كفلت له الفوز بالمركز الأول في مهرجان دمشق للأغنية العربية في عام 1976 وهو لم يتجاوز بعد الـ30 من العمر، لينهمر شلال الأغنيات بعدها ليصل إلى أكثر من 60 أغنية بمكتبات الإذاعة والتلفزيون السودانية ومسارح العالم.

يصفه صديق عمره وزميل مشواره الفني الموسيقار السوداني يوسف الموصلي "أبو عركي البخيت هو أحد عمالقة التجديد في الموسيقى السودانية. هو نموذج للعصامية والرغبة في التطور ومجاراة العصر. كان أبو عركي يتقدمني بدفعة دراسية إبان دراستنا في معهد الموسيقى والدراما، ودفعته كان بها الفنان الراحل خليل إسماعيل والتاج مكي وعمر الخزين وغيرهم من أساطير النغم السوداني. تعاوننا في معظم الأعمال التي وزعها الأساتذة الكوريون بمعهد الموسيقى كأعضاء في الكورال، وسافرنا في رحلة فنية إلى آسيا وأوروبا الشرقية. وتشرفت بتوزيع أغنيته "واحشني" التي طرحت في ألبوم بنفس الاسم لشركة حصاد السودانية للإنتاج الفني".

ويواصل الموسيقار الموصلي حديثه للجزيرة نت "أبو عركي فنان وإنسان ذو خلق قويم والتزام وحب وعشق خرافي للسودان، ومواقف عركي الفكرية تقوم على الانحياز للإنسانية والحرية. إما سياسيا فعركي يساري الميول والهوى -في نظري- ولكن بصورة استقلالية لا يسمح بتدخل أحد فيها. عانى في هذه الحرب كمواطن سوداني وانكوى بنارها، إلا أن إيمانه بالسلام لم يتزعزع وإدانته للتسلط ظلت في ثباتها طوال الفترات الدكتاتورية التي ألمت بالسودان كداء عضال".

"أبو عركي البخيت فنان ملتزم بقضايا شعبه المحب للحرية والديمقراطية والسلام"، هكذا يقول صديقه المقرب التشكيلي والمصور الفوتغرافي المعروف عصام عبد الحفيظ.

يقول عبد الحفيظ "سيرة عركي هي سيرة صمود، عرفته وأنا على أعتاب التخرج من كلية الفنون في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وقتها كنا نملك كل أحلام وآمال التغيير في حياتنا، ساقتنا الديكتاتوريات المتعاقبة التي حكمت السودان إلى هذا الدرك السحيق بعد الانقلابات المتعاقبة التي امتدت إلى 4 عقود ويزيد".

يستطرد الأستاذ عصام عبد الحفيظ "ظل أبو عركي شامخا وصامدا ومواسيا وصديقا للكل، حين امتدت سياط القهر إلى مساحات الإبداع من مسرح وغناء وتشكيل، فاتخذ أبو عركي وقتها موقفا صارما متمثلا في قرار مقاطعة الأجهزة الحكومية والمؤسسات التي تتبع لها".

وتابع "قاطع البخيت الإذاعة والتلفزيون الرسميين السودانيين لقرابة الثلاثة عقود. لكنه استمر في الغناء دعما للمجتمع المدني، فكتب أحلام الشعب شعرا، وغناها لتكون شاهدا على انتمائه لهذا الشعب الصابر، وظل كالطود الشامخ داخل البلاد إلى أن أتت الحرب وشردتنا، ونزحنا جميعنا إلى مختلف البقاع، لكن بقي صديقي أبو عركي مكلوما حزينا في بيته بأم درمان، رغم الأهوال والصعوبات رمزا للصمود رافعا شعار السودان ورافضا الخروج من أم درمان".

حتى عام 2015، ظل أبو عركي البخيت رغم عسف السلطة وقتها ضده ومحاربتها لحفلاته، يغني لجماهيره بنوادي الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري بمبلغ زهيد لا يتجاوز الـ50 جنيها. وحين تم إيقاف حفلاته من قبل السلطة آنذاك، تضامن معه الشعب السوداني إجلالا لموقفه المنحاز لقضاياهم.

شاركته كل ذلك الهم والنضال رفيقة دربه الدكتورة عفاف الصادق حمد النيل، والتي تركت البلاد مرغمة لإعالة أسرتها بعد أن نضب معين شريكها بعد إيقاف حفلاته، فاغتربت كأستاذة جامعية في كلية البنات التابعة لجامعة جازان بالمملكة العربية السعودية، وصعدت روحها إلى بارئها فيها في يناير/كانون الثاني 2018 في مستشفى صبيا بمنطقة جازان السعودية.

كانت الدكتورة عفاف شاعرة مجيدة كتبت لأبو عركي العديد من القصائد التي تحولت إلى أغنيات جميلة تحكي حبهما وأحلامهما للوطن، كتبت له وهي تودعه:

يوم تقول داير تسافر

بستف الحب بين ملابسك

شان يلامسك

وكل هدما ترتديهو

تلاقي فيهو قليبي حارسك

وكتب لها أبو عركي حين سافرت:

يوم رحيلك من البلاد

دارك مرصعة بالسواد

غيَّم حزن كل اليتامى

واتنشر بين العباد

وفارقت الناس السلامة

سافرت عفاف، ورحلت هناك بعيدا عنه، فكتب لها وغنى العديد من الأغنيات، كان آخرها أغنية "المُفردة" والتي غناها الأسبوع المنصرم في الذكرى السادسة لرحيلها، يحكي لها فيها حال السودان بعدها، ويكرر عهده لها بالتمسك بمبادئهم التي وثقوها معا حتى الآن، ويحدثها حديث العاشق عن أولادها، وكيف أنهم جميعا يذكرونها دائما، ويدعون لها بالرحمة والقبول.

شارك أبو عركي البخيت خارج السودان في مهرجانات العديد من العواصم العربية والأوربية والأميركية، كان أشهرها مشاركته في ختام مهرجان "ربيع سوق واقف" بالعاصمة القطرية الدوحة 2014. أيضا شارك في حفل تخريج ابنه البكر محمد المجتبي من أشهر الجامعات الموسيقية في العالم جامعة بيركلي للموسيقي بوسطن Berklee College of Music.

كانت تلك سيرة فنان أصبحت بوصلته الأخلاقية مثلا يحتذى، وأصبحت داره فنارا يقود سفن طرفي الحرب إلى ساحل المواطنين ليخبرهم بأن سفينتهم ناجية، فللبحار دليلها والفنار دليل السفن، ودار أبو عركي البخيت فنار هذه الحرب اللعينة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات العدید من

إقرأ أيضاً:

«المؤتمر السوداني» يعلق على فك الارتباط داخل «تقدم»

«المؤتمر السوداني» أكد أن الحل ليس في الانحياز خلف أي طرف عسكري في النزاع، بل في وحدة القوى المدنية حول مشروع واضح لإنهاء الحرب.

الخرطوم: التغيير

أقر حزب المؤتمر السوداني، بأن اختلاف الرؤى داخل داخل تحالف تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) حول الوسائل المثلى لإنهاء الحرب وسؤال الشرعية، أدى إلى تباينات جوهرية في المواقف، مما دفع الحزب، إلى جانب قوى سياسية ومهنية ومدنية أخرى، إلى اتخاذ قرار فك الارتباط التنظيمي.

وأعلنت الهيئة القيادية لـ(تقدم) رسمياً اليوم، فك الارتباط بين أصحاب موقفين داخل التنسيقية ليعمل كل منهما تحت منصة منفصلة سياسياً وتنظيمياً بإسمين جديدين مختلفين، وذلك بعد خلاف كبير بين رافضي إقامة حكومة مدنية جديدة بمناطق سيطرة الدعم السريع، ومن يرونها خياراً أمثل لمحاصرة مؤيدي الحرب، وفرض أجندة للسلام.

وقال حزب المؤتمر السوداني في بيان اليوم، إنه ظل منذ اندلاع الحرب، ثابتًا على موقفه المبدئي الرافض لها، إيمانًا بأن الحروب لا تجلب سوى الدمار والمعاناة لشعبنا، وأن الحل يكمن في إنهائها عبر وسائل سياسية سلمية تضمن وحدة السودان واستقراره.

وأضاف أنه انطلاقًا من هذا الموقف، شارك الحزب في تحالف تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، ساعيًا إلى توحيد جهود القوى السياسية والمدنية من أجل إيقاف الحرب واستعادة المسار المدني الديمقراطي.

وتابع: “إلا أن اختلاف الرؤى داخل التحالف حول الوسائل المثلى لإنهاء الحرب وسؤال الشرعية أدى إلى تباينات جوهرية في المواقف، مما دفع الحزب، إلى جانب قوى سياسية ومهنية ومدنية أخرى، إلى اتخاذ قرار فك الارتباط التنظيمي”.

وأكد الحزب أنه سيواصل العمل والتنسيق مع كافة القوى السياسية والمدنية الساعية لإنهاء الحرب، ومقاومة عودة النظام السابق، ووضع حد لمعاناة السودانيين.

وجدد التأكيد بأن الحل لا يكمن في الانحياز خلف أي طرف عسكري في هذا النزاع، بل في وحدة القوى المدنية حول مشروع واضح لإنهاء الحرب.

وقال: “يظل موقفنا المبدئي منحازًا فقط إلى تطلعات السودانيين/ت في الحرية والسلام والعدالة”.

واختتم البيان: “إننا نرى أن إنهاء الحرب يجب أن يتم عبر حل سياسي شامل يحقق السلام العادل، ويرسخ الحكم المدني الديمقراطي، ويجنب البلاد مزيدًا من التمزق والتدهور”.

الوسومالجيش الدعم السريع السودان تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم حزب المؤتمر السوداني فك الارتباط قوى الثورة

مقالات مشابهة

  • هل يُقدم تحالف صمود جديدا في المشهد السوداني؟
  • الاتحاد النسائي السوداني يحذر من مخاطر تقسيم السودان وسط تصاعد التوترات السياسية
  • حزب المؤتمر السوداني: إنهاء الحرب يجب أن يتم عبر حل سياسي شامل
  • ⭕ بيان من نائب رئيس مجلس السيادة السوداني السيد مالك عقار اير إلى الشعب السوداني الكريم والمجتمع الدولي والاقليمي والعربي
  • «المؤتمر السوداني» يعلق على فك الارتباط داخل «تقدم»
  • المسيرات.. سلاح الحروب الحديثة الذي يغير موازين القوى
  • وزير الخارجية السوداني يعلن اقتراب تشكيل حكومة تكنوقراط مدنية
  • خطاب البرهان إستثمار في الركود السياسي السوداني والعربي
  • مدني النخلي.. صوت الثورة والسلام في الشعر الغنائي السوداني
  • الكشف عن أبرز البنود التي تحوي المشروع الوطني الذي قدمته القوى السياسية