مظاهرات جامعة كولومبيا.. كيف بدأت ولماذا انتقلت لجامعات أخرى؟
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
نيويورك- لا صوت اليوم يعلو في الجامعات الأميركية فوق صوت جامعة كولومبيا، التي تشهد اعتصاما طلابيا واحتجاجا متصاعدا من قبل طلبتها ومناصريهم، وهم يطالبون بوقف دائم لإطلاق النار في غزة، ووقف المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، والأهم بالنسبة لهم سحب استثمارات الجامعة من الشركات التي تتربح من الاجتياح الإسرائيلي، على حد تعبيرهم.
وهذا الصوت، ربما لم يكن ليُسمع صداه بهذا الزخم في كثير من الجامعات الأميركية الأخرى على امتداد البلاد أو خارجها، حيث بدأت رقعة الاحتجاجات الطلابية تشهد اتساعا ملحوظا في كندا وبعض الجامعات الأوروبية، لو لم تقرر رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق السماح لشرطة نيويورك بدخول الحرم الجامعي لإجلاء المحتجين بالقوة، في سابقة لم تشهدها الجامعات الأميركية منذ عقود.
أما المفارقة الأخرى، فهي أن جامعة كولومبيا هي ذاتها التي أبرزت للأكاديميا الأميركية والغربية المفكر الفلسطيني الأصل أميركي الجنسية إدوارد سعيد، والذي مثل كتابه "الاستشراق" ركيزة أساسية في فهم العقلية الاستعمارية، وها هي اليوم وبعد 20 عاما تقريبا على وفاة سعيد، تعود الجامعة لبؤرة الأحداث والصراع مع استعمار استيطاني ما زال قائما اليوم في فلسطين.
أستاذ التاريخ فرانك جوريدي بجامعة كولومبيا يتحدث إلى الطلاب بمخيم الاحتجاج بالحرم الجامعي (رويترز) كيف بدأ الأمر؟لم تبدأ المظاهرات في الجامعات الأميركية، الأسابيع الأخيرة، بل كانت مستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولكن على فترات متفاوتة، لكن الأربعاء الموافق 17 أبريل/نيسان الحالي شهد تصعيدا غير متوقع.
ففي ذات اليوم الذي كان لرئيسة جامعة كولومبيا جلسة أمام لجنة بمجلس النواب لاستجوابها حول ما وصفوه بـ"معاداة السامية بالحرم الجامعي" وهو ما اتُهمت به وبالإخفاق في حماية الطلاب اليهود، أعلن الطلبة عن إقامة مخيمهم للاحتجاج على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والاعتصام في حرم الجامعة.
ولم يمر على هذه الحادثة أسبوع، حتى قررت شفيق أن تتخذ موقفا تجاه ما يجري، وقالت "لقد قررتُ أن المخيم والاضطرابات المرتبطة به تشكل خطرًا على أداء الجامعة" وبعد تحذير الطلاب مرارًا وتكرارًا بضرورة المغادرة، وتهديدهم في حال رفضهم، اتصلت بشرطة نيويورك لإخراجهم من الحرم الجامعي.
وبعد أن سمحت شفيق بإخلاء المخيم بالقوة، دخلت الشرطة الجامعة الخميس، واعتقلت من حرمها نحو 100 طالب مؤيد لفلسطين، وهو ما وصفته صحيفة الطلبة في الجامعة بأنه "مخالفة واضحة للمرتكزات الأساسية التي تقوم عليها الحرية الأكاديمية".
وقد تحدث -للجزيرة نت- أحد أستاذة الجامعة مفضلا عدم الكشف عن اسمه نظرا للملاحقات التي قد تطالهم، واصفا ما جرى بأنه تعدٍ واضح على مبدأ أساسي من مبادئ قوة الجامعات الأميركية، وهو حرية التعبير.
إصرار على المبدأيستدعي طلبة جامعة كولومبيا مبدأ حرية التعبير بشكل دائم في نقاشاتهم وحججهم في جامعتهم وأمام وسائل الإعلام، بوصفه المبدأ الذي نص عليه التعديل الأول للدستور الأميركي، وأن ما يقومون به لا يعدو كونه تطبيقا لهذا الحق الدستوري، ومذكّرين منتقديهم بأن المطالبة بإيقاف الحرب لا تعد مخالفة لأي قانون أو معاداة للسامية، وهو ما يحاول المناوئون لهم وصفهم به.
ويقول زيد جالودي، وهو طالب سابق بالجامعة، وأحد منظمي المظاهرات، أن ما حدث بعد ما قامت به الشرطة لم يكن عودة المتظاهرين لمنازلهم أو صفوفهم الدراسية، بل تبعه انضمام جمع واسع من الطلبة والأساتذة الآخرين من الجامعة، بالإضافة لعدد من المتضامنين من خارج الجامعة الذين التحقوا بالمتظاهرين داخلها.
ويوضح جالودي للجزيرة نت أن العدد ازداد 10 أضعاف على الأقل عما كان عليه، وأن هذا الحدث أشعل المظاهرات والاعتصامات في الجامعات والولايات الأخرى، في حين يقول مايك وهو طالب في جامعة كولومبيا -للجزيرة نت- إن قرار دخول الشرطة لفض الاعتصام لم يزد الطلبة إلا إصرارا على مطالبهم.
وذات الأمر يؤكده محمد الفاتح الذي جاء من مدينة نيوجيرسي للمشاركة بالمظاهرات المستمرة يوميا، بالإضافة لصالح أبو عواد الذي جاء من ولاية فلوريدا مع ابنته، وغيرهم الكثير ممن حرصوا على الحضور في هذه "اللحظة التاريخية" كما يصفها أبو عواد للجزيرة نت.
وأدى التدفق المتزايد للأعداد نحو جامعة كولومبيا إلى تشديد الإجراءات الأمنية لدخول الجامعة من شرطة نيويورك، ومنع الزائرين من غير المنتمين للجامعة من الدخول إليها، وهو ما لم يكن عليه الحال قبل ذلك، كما يمكن ملاحظة تحليق طائرتين من نوع "كواد كابتر" لمراقبة واستطلاع حرم الجامعة، وللمفارقة فهو النوع ذاته الذي يستخدمه جيش الاحتلال في حربه الحالية على قطاع غزة.
شرطة نيويورك تقف أمام كافة أبواب جامعة كولومبيا على مدار اليوم (الجزيرة) بطاقة "معاداة السامية"دفع تصاعد الأحداث إلى تعليق العديد من المسؤولين الرسميين على ما يجري، كان أبرزها ما صدر عن الرئيس جو بايدن الذي وصف ما يحدث بـ"التصاعد المقلق لمعاداة السامية".
وجاء تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -في مقطع فيديو نشره تعليقا على الأحداث الجارية- في ذات الاتجاه، محذرا أميركا من تصاعد خطاب معاداة السامية، ومذكرا بحقبة الثلاثينيات من القرن الماضي.
أما التصريح الذي لقي انتشارا واسعا فقد كان لرئيس مجلس النواب مايك جونسون، الذي جاء إلى قلب جامعة كولومبيا، وقال -أمام صيحات الاستهجان التي قابلته- إنه يجب منع انتشار "معاداة السامية" في حرم الجامعات، وإن هذا لا يمت لحرية التعبير، بحسب وصفه.
ولم يبتعد عمدة نيويورك إيرك آدامز كثيرا عن فلك ما جاء قبله وبعده، في معرض تعليقه على الأحداث الجارية في جامعة كولومبيا قائلا إنها أصابته بـ"الرعب والاشمئزاز من معاداة السامية" التي يتم إطلاقها في حرم الجامعة وما حوله.
وقد سبق أن امتد تأثير هذا التلويح بتهمة معاداة السامية على جامعات أخرى، حيث تناول الجمهوريون في مجلس النواب قبل أشهر هذه المسألة، واستقالت إثر ذلك رئيسة جامعة بنسلفانيا إليزابيث ماغيل في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كما استقالت نظيرتها في جامعة هارفارد كلودين غاي في يناير/كانون الثاني، على اعتبار أنهما لا تحميان الطلاب اليهود بالجامعات.
وإذا كانت "معاداة السامية" هي المرتكز الأساس الذي استند عليه كثير من الساسة المنتقدين للمظاهرات، فقد أكد المتظاهرون أن هذه التهمة لا تستند إلى أي أساس، فالمتظاهرون اليهود الذين يقفون معهم وضد ما تقوم به إسرائيل في حرب غزة هم مكون أساسي من المظاهرات الجارية.
حاخام يقف وسط اعتصام جامعة نيويورك ويؤكد تضامنه مع حق الفلسطينيين ورفضه لما تقوم به إسرائيل (الجزيرة) أثر الضجيجيبدو أن الضجيج قد كُتب على نيويورك، فما أحدثته جامعة كولومبيا في اعتصام طلبتها، وامتداد أثره إلى الجامعات والمدن الأخرى لم يكن حديثا، بل كان لذات الجامعة تأثير في مظاهرات طلابها على مجريات الحرب الأميركية على فيتنام، وكانت هي أولى الجامعات إطلاقا لشرارة المظاهرات، ومن قبلها مظاهرات ما يُعرف بـ"الحقوق المدنية".
وبالرغم من الأحاديث التي تدور في أوساط السياسيين حول مدى قدرة الطلبة على الصمود بأماكنهم في ظل ظروف الطقس وقرب انتهاء موعد الفصل الدراسي، فإن أحد أعضاء فريق مفاوضات الطلبة في جامعة كولومبيا تحدث عن إدراكهم لهذا التحدي، وأنهم لن يغادروا مكان المخيم حتى تتحقق مطالبهم.
وتشير التوقعات إلى أن هذه المظاهرات ستؤثر على الانتخابات الأميركية القادمة، مع اقتراب موعدها في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، خاصة على الحزب الديمقراطي الذي بدأ يفقد ثقة الكثير من قواعده الشعبية، في ظل موقف الإدارة الديمقراطية الحالية المنحازة تماما لإسرائيل، كما يصف العديد من الطلبة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الجامعات الأمیرکیة جامعة کولومبیا معاداة السامیة للجزیرة نت فی جامعة وهو ما لم یکن
إقرأ أيضاً:
د.حماد عبدالله يكتب: الجامعات والبيئة !!
الجامعة، هى تجمع علمى يعيش فى مجتمع أو بيئة، تنعكس الأنشطة العلمية والثقافية فيه، من معقل أو حرم الجامعة ! هكذا الجامعات فى كل بلاد العالم، وأيضًا كان ذلك معروفًا فى "مصر" فى زمن قديم، فالجامعة تعمل على نشر العلم والثقافة وتدرس إحتياجات المجتمع من خبرة وتعمل على إخراج مخرجات تعمل وتواكب إحتياجات هذه المجتمعات التى نعيش فيها وتعمل على رقيها ،وحينما تبتعد الجامعة عن بيئتها، وتصبح وكأنها برج عاجى لا علاقة له بما حوله من مشاكل أو إحتياجات حياتية، ولعل إعتماد الجامعات على موازنة الدولة، وإستمرارها فى إخراج ما لا يحتاجه المجتمع من خريجين هو تأكيد لإنفصال الجامعة عن مبررات وجودها، وفى ظل الجامعات الحكومية المجانية ( تقريبًا )، رسميًا ولكنها فى الحقيقة مكلفة أكثر من الجامعات الخاصة حيث إنتشرت الدروس الخصوصية، والمذكرات، والكتب، وملخصات المناهج التى تدرس فى الربع الأخير من العام الدراسى للطلبة نظير مبالغ باهظة، كلها تثبت بأن هناك خلل فى النظام، وأن دستورية مجانية التعليم، أصبحت شكل من الأشكال الممثلة للعوار فى العلاقات بين الدستور والحقيقة والواقع، ولعل ظهور شركات خاصة، لها الحق فى إنشاء جامعات ومعاهد خاصة، وإشترط فى إنشائها إعفائها من الضرائب، بقصد أنها غير قاصدة للربح، وهو ماثبت عكسه تمامًا، مما جعل المشرع المصرى يصدر تعديلًا فى التشريع لكى تحصل الدولة على
نصيبها من الربح الفادح الذى تحققه تلك الجامعات الخاصة، والمدارس الخاصة، والمعاهد الخاصة وإختلط الحابل بالنابل، بقانون آخر تحت
الإصدار لإنشاء جامعات أهلية، والشئ بالشيىء يذكر، أنه حينما تتعدد الوسائل والوسائط وتنتشر الأسواق الموازية فى أى سلعة، أو خدمة، يكون هناك شئ خطأ فى السياسات يوجب تصحيحه، ولعلنا كلنا نذكر السوق السوداء (الموازية ) للعملة الصعبة، الدولار كان له ثلاث أو أربع أسعار، سعر حكومى وسعر جمركى وسعر للتعامل مع البنوك وسعر للتعامل فى السوق السوداء بثلاث أضعاف السعر المعلن، حتى صدور قرارات فى سوق النقد والمال، وتوحد السوق، وأصبح هناك سعر واحد معلن للدولار واليورو وأخواتهم، أمام العملة المحلية ( الجنية المصرى ) !!
ولعل السوق الموازية فى التعليم، يحتاج لرؤية شجاعة، وسياسية، حتى تخرج من النفق المظلم فى أهم أنشطة الحياة، وهى نشاط يختص بمستقبل الوطن،فدون تعليم مخطط ومتحد، ومتوازن وملبى لرغبات سوق العمل، ويعطى المتفوق حقه، ويعطى الراغب فى التعليم من أجل التقدم الإجتماعى حقه ويدفع ثمنه، دون كل تلك العوامل فنحن سنظل ضعفاء وسنظل مثل النعام الذى يضع رأسه فى الرمال !!
[email protected]