لجريدة عمان:
2025-04-07@01:12:07 GMT

الشراكات الاستراتيجية التنموية

تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT

تسعى الدول جميعا إلى تعزيز شراكاتها الاستراتيجية إقليميا ودوليا، لما لها من أهمية في تحقيق الأهداف الوطنية التي ترتبط بالرؤى المحلية والتواصل والتفاعل مع دول العالم، ولهذا فإن إقامة تحالفات استراتيجية لا تُعزِّز مستقبل الدول ونموها الاقتصادي وحسب، بل أيضا تقوي قدرتها على مواجهة التحديات والعقبات التي تمر بها في ظل المتغيرات والتحولات المتسارعة التي يعاني منها العالم.

إن الشراكات الاستراتيجية تعتمد على تبادل المعارف والخبرات والموارد واستثمارها بما يُعزِّز التنمية المجتمعية بين البلدان، وبالتالي فإنها تشمل النهوض برأس المال البشري في كافة القطاعات خاصة في التعليم والتدريب والبحث العلمي والابتكار وبالتالي تُسهم في تطوير المهارات وتمكين القدرات، وتحسين مستوى رفاهية المجتمعات، بما تشكِّله من ازدهار على المستوى الاقتصادي والتحولات الاستثمارية التي يمكن تأسيسها، إضافة إلى تعزيز التنويع الاقتصادي والاستفادة القصوى من الموارد بين البلدان التي تعقد تلك الشراكات.

ولهذا فإن العالم يتوجَّه اليوم إلى عقد شراكات يمكن الاستفادة منها في التنمية المحلية، لما لها من قدرة في تسريع التقدُّم وتطوير البُنى الأساسية، والاستفادة من المعطيات التي توفرها المجتمعات، خاصة في مجال نقل التكنولوجيا وتطويرها، وتنمية البنية الأساسية الذكية وأنظمة البنية المستدامة، وتعزيز الطاقة المتجددة؛ حيث سيُسهم ذلك في تطوير الخدمات وتعزيز سوق الأعمال والابتكار، وبالتالي سيرفع من قدرة المجتمع على التقدم والنمو، وينمي القدرات الإنتاجية.

إن الشراكات في الأصل تقوم على بناء اجتماعي وثقافي قائم على الثقة والمصداقية وأواصر السلام والأمن بين البلدان، ولهذا فإن المجتمعات التي تعقد شراكات فيما بينها تعتمد أساسا على تلك المبادئ التي تؤهلها لتكون شريكة فيما بينها، فالعلاقة هنا تعاونية وتشاركية تعتمد على أصول التنمية وأخلاقيات العمل من ناحية، ومرجعيات اجتماعية وثقافية من ناحية أخرى، تشكِّل دعامة أساسية لبناء تلك الشراكات وتطويرها بما يُعزِّز التقدم في المجتمعات ويمكِّن أفرادها ويدعم قدراتهم ومهاراتهم.

فالشراكات الاستراتيجية تنبني على علاقات حضارية ذات أبعاد تاريخية تم بناؤها على مبادئ الاحترام والسلام والتفاهم، الأمر الذي يكشف قدرة الدول ذات الشراكات الواسعة على بناء مثل تلك العلاقات بما يعزِّز مكانتها بين الدول والمجتمعات. إنها تمتلك القوة الناعمة المتمثلة في الثقافة والحضارة ومبادئ السلام والأمان، وعلاقات التفاهم التي يمكن أن تفتح أبوابا من الشراكات الإيجابية الفاعلة، ضمن سياسات قائمة على التبادل بما يعزِّز المصالح المشتركة للمجتمعات الإنسانية.

ولأن سلطنة عمان واحدة من تلك الدول التي أرست مفاهيم القيم الإنسانية والسلام بين الأمم على مدى تاريخها الحضاري، حتى أصبحت أيقونة السلام بين العالم، ولأنها من الدول التي جمعتها بمجتمعات العالم صداقات وروابط أخوية تجلَّت من خلال مبادئها الثقافية وسياساتها، وحرصها على انفتاحها على الآخر، وبناء الثقة والمصداقية والشفافية في كل ما من شأنه تعزيز تلك المبادئ والسياسات، فإنها تُعدّ من تلك الدول التي تتمتع بشراكات استراتيجية واسعة سواء مع المنظمات والمؤسسات، أو مع دول العالم العربي والعالمي، الأمر الذي جعلها ذات قدرة على توسعة آفاق أعمالها ومشروعاتها التنموية.

لذا فإن الشراكات الاستراتيجية التي تؤسِّسها سلطنة عُمان خلال السنوات الأخيرة أو تطوِّر من أشكالها وتوسِّع من آفاقها، تهدف إلى تسريع التنمية والتقدم الاجتماعي وتحقيق الرفاه؛ ذلك لأن هذه الشراكات تقوم على أهداف اقتصادية وتعليمية وصحية وثقافية وغير ذلك من المجالات، إلاَّ أنها تظهر بشكل لافت في القطاع الاقتصادي واللوجستي بشكل خاص باعتبارهما من القطاعات الملموسة التي تعمل على توسعة سوق الأعمال وتطوير شبكات الخدمات والتوزيع وسلاسل التوريد، ونشر المعرفة والابتكار فيها، الأمر الذي يعني جذب أكبر للاستثمار وفرص أوفر لتطوير مهارات الشباب وقدراتهم.

إن الشراكات التي تسعى إليها سلطنة عُمان دوما هي تلك التي تُسهم في الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي، والتي تضمن تبادلا عادلا للمنافع بين البلدان. إنها شراكات ذات جدوى اقتصادية واجتماعية قادرة على تطوير البُنى الأساسية، وتضمن الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة وتطويرها بما يتناسب مع الأهداف الوطنية، فهذه الشراكات سواء أكانت إقليمية أو دولية تقدِّم مساحة واسعة من آفاق التعاون والتشارك، وتحفِّز على العمل المشترك النافع للمجتمعات، وبالتالي فإنها توفِّر إمكانات ضخمة للتحسين والتطوير.

لقد قدَّمت سلطنة عُمان خلال السنوات الأخيرة بشكل خاص مستويات عالية من الشراكات الاستراتيجية عزَّزت من خلالها دور القطاعات الحكومية وقدرتها على بناء تلك الشراكات التي تعزِّز من أدوار القطاعات الخاصة والمدنية، وتفعيل دورها التنموي ومساهمتها الفاعلة في تطوير عالم الأعمال، ولهذا سنجد أنه من خلال تلك الشراكات استطاعت العديد من الشركات بناء شراكات خاصة صناعية وتجارية ظهرت باعتبارها شريكا أساسيا في التنمية الاقتصادية، وبالتالي فإن فرصتها في الاستفادة من تلك الشراكات تقوم على فكر المشاركة والتعاون والبناء الوطني.

وعلى الرغم من أن سلطنة عُمان تربطها علاقات صداقة مع دول العالم أجمع، إلاَّ أن الحكومة جعلت من الأولويات الوطنية أساسا لتوسعة الشراكات الاستراتيجية وهدفا من أهدافها، ولهذا سنجد أن الزيارات التي قام بها جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- تنبثق من ذلك الأساس إضافة إلى الأسس السياسية والعلاقات التعاونية المشتركة بين سلطنة عمان وغيرها من الدول؛ لهذا فقد تمت خلال السنوات الأخيرة زيارات وشراكات مهمة على المستوى التنموي منذ زيارة جلالته -أعزَّه الله- إلى المملكة العربية السعودية في يوليو 2021، وإلى دولة قطر في نوفمبر 2021، وجمهورية ألمانيا في يوليو 2022، وإلى جمهورية مصر العربية في مايو 2023، وبعدها إلى جمهورية سنغافورة وجمهورية الهند في ديسمبر 2023، ثم زيارته -حفظه الله إلى دولة الإمارات العربية المتحدة خلال أبريل الحالي.

إن هذه الزيارات تمثِّل رؤية ثاقبة لمقتضيات المرحلة المقبلة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، وهو أمر مهم في بناء الشراكات الاستراتيجية والأهداف التي تسعى إليها الدولة من تلك الشراكات، وما يعود منها على الوطن والمجتمع من فوائد جمة على المستوى التنموي، فهي شراكات ذات بُعد حضاري معرفي، وذات إمكانات واسعة يمكن الاستفادة منها خاصة على مستوى القطاع الخاص، وما يمكن أن يقدِّمه من تعاون وتشارك واستثمارات ستدعم مسيرة البناء وستُسهم في تسريعها من خلال فتح فرص جديدة لسوق الأعمال، وإنتاج توريدات مستدامة.

فالشراكات الاستراتيجية تتأسَّس وفق رؤى مستقبلية نابعة من الاحتياجات المجتمعية والأولويات الوطنية، ولهذا فإن دعم هذه الشراكات وتعزيز دورها، وإنجاح مساعيها يُعد واجبا وطنيا، لما لها من أهمية على مستوى التنمية المجتمعية والتقدم وتسريع البناء في كافة المجالات، إضافة إلى قدرتها على الاستفادة من الخبرات والمعارف والقوى العاملة الماهرة بين الدول بما يُعزِّز الكفاءات ويطوِّر مهارات الشباب.

إنها شراكات تؤسس لمستقبل أكثر ازدهارا ومجتمع أكثر رفاهية، ولشباب أكثر مهارة. إنها شراكات تبني تحالفات اقتصادية أكثر قدرة على الصمود في وجه المتغيرات والتحديات التي تواجه المجتمعات، من أجل غد أكثر أمانا واستدامة.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشراکات الاستراتیجیة الاستفادة من على المستوى بین البلدان من خلال من تلک التی ت

إقرأ أيضاً:

الغرف المهنية وموقعها في السياسات التنموية بالمغرب

في ظل الأوراش الإصلاحية الكبرى التي يشهدها المغرب خاصة تلك المرتبطة بانخراط المؤسسات والمقاولات العمومية في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من واجبي وبحكم موقعي كمنتخب في غرفة الصناعة التقليدية أن أتساءل عن دور الغرف المهنية في هذه المنظومة. في هذا المقال سأركز على غرف الصناعة التقليدية، لكن هذا لا يمنع أن الغرف المهنية الأخرى تعيش وتـئن تحت وطأة نفس الإشكالات البنيوية. فما يسري على غرف الصناعة التقليدية نجده واقعا معاشا في الغرف الأخرى.
وأسباب نزول هذا المقال هو إصدار كتابة الدولة في الصناعة التقليدية مؤخرا وثيقة عبارة عن
استمارة قصد استطلاع أراء مختلف الفاعلين في القطاع حول ورش إصلاح المنظومة القانونية المؤطرة لغرف الصناعة التقليدية، وذلك بغية  » تمكينها من القيام بوظائفها الدستورية كاملة وجعلها فاعلا أساسيا محوريا مساهما في تنمية قطاع الصناعة التقليدية وشريكا أساسيا للدولة في تنمية هذا القطاع وتطويره والارتقاء به » حسب ما ورد في ديباجة الوثيقة.
وتجاوبا مع رغبتها في « مقاربة تشاركية تعتمد الاستماع والحوار والتفاعل بين السلطة الحكومية المكلفة بالصناعة التقليدية ومختلف الفاعلين في القطاع » حس ب نفس الوثيقة دائما، ارتأيت في هذه المقالة أن أدلو بدلوي من خلال ما راكمته من تجربة ميدانية كحرفي وكعضو في غرفة الصناعة التقليدية لمراكش لما يقارب ثلاثة عقود.
وسأحاول قدر الإمكان عدم الغوص في التفاصيل، مع التركيز على الخطوط العريضة لمختلف الإشكالات والمعيقات للمحاور الثلاث التي جاء ذكرها في الوثيقة وهي تتابعا: أولا: قيام الغرف بوظائفها الدستورية كاملة، ثانيا: جعلها فاعلا أساسيا محوريا مساهما في تنمية قطاع الصناعة التقليدية وثالث ا: جعلها شريكا أساسيا للدولة في تنمية هذا القطاع وتطويره والارتقاء به .
المحور الأول: قيام الغرف بوظائفها الدستورية.
الحديث عن هذا المحور يستوجب الغوص بإسهاب في حيثياته حيث يكمن الخلل البنيوي في ماهية الغرف والأدوار المنتظر أن تلعبها. فعملية تفكيك مكامن الخلل هي الطريق السليم للوقوف على أصل تخلف الغرف عن أداء الأدوار المنوطة بها. ويمكن أن نوجز ذلك في عدة نقاط.
التمثيلية.
إن نجاح كل مؤسسة عمومية، وأخص بالذكر هنا المؤسسات العمومية المنتخبة ينطلق أساسا من مدى تمثيليتها الحقيقية لواقع القطاع الذي تمثله. فتحديد المجال الترابي، نمط الاقتراع، توزيع الأصناف، عدد المنتخبين عن كل صنف، المعايير والشروط الواجب توفرها في الناخبين وفي المرشحين ليست مجرد آليات تقنية بحتة، بل وجب اعتبارها العمود الفقري في هيكلة كل مؤسسة تبتغي توفير الأرضية الصلبةوالشروط الموضوعية لوضع مخططات وسياسات تنموية.
ومما يزيد الطين بلة، ونحن نتفق أن الوظيفة الأساسية للغرف هي المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمهنيين، هو إقحامها في التجاذبات والصراعات السياسية، والتي تفاقمت في الولايتين الأخيرتين بشكل فظيع. وللمتتبع لشؤون الغرف أمثلة عديدة وصلت إلى حالة شلل في بعضها والتركيز على خلافات هامشية أفقدت جل الغرف بوصلتها. لذا وجب تقنين الترشيح للغرف بدون انتماء سياسي .وحتى تشكل قوة فاعلة ومؤثرة داخل مجلس المستشارين، فيمكن جمع مستشاري الغرف في فريق برلماني كما هو الحال بالنسبة للكونفدرالية العامة لأرباب العمل.
إشكال آخر يخص التمثيلية، هذه المرة تمثيلية القطاع داخل المؤسسات المنتخبة الأخرى. حتى 2015، كانت الغرف ممثلة بمجالس العمالات والأقاليم وبمجالس الجهات، مما يجعل صوت الصانع التقليدي، ولو بشكل محدود يتواجد داخل مداولات هذه المجالس، تحققت معه تمويل وإنجاز عدة برامج ومشاريع لفائدة القطاع. لكن بحذف تلك التمثيلية، لاحظنا بشكل جلي خلال العقد الأخير، غياب تام لأي بادرة لهذه المجالس في برامجها وميزانياتها. فأملنا في خضم الإصلاحات القانونية والهيكلية المقبلة أن يتم التنصيص مجددا على تمثيلية الغرف في هذه المجالس.
اختصاصات ومهام الغرف.
حين قراءتنا لمضامين القانون الأساسي لغرف الصناعة التقليدية، نذهل للحيز الكبير الذي يشغله باب اختصاصات الغرف. ويتضح جليا أن المشرع كان سخيا في » إقحام » الغرف في مجالات يعلم جيدا أن ليس لديها الإمكانات لا التنظيمية ولا المالية ولا التدبيرية لتحملها أو حتى المساهمة في إنجازها.
كما يلاحظ منحها اختصاصات دون وضع رؤية واضحة ودون التحضير اللوجستيكي والتقني والمالي من أجل تفعيلها، وبعضها ما زال ينتظر نصوصا تنظيمية، فهي اختصاصات مع وقف التنفيذ، وبالتالي ظلت حبرا على ورق. ومن ضمن هذه الاختصاصات على سبيل الذكر لا الحصر:
غياب تفعيل مسك سجل المقاولات والتعاونيات.
إحداث مراكز للمحاسبة والتدبير.
إحداث خلية للمنشطين الاقتصاديين.
عدم تعيين أعضاء شركاء في الجمعية العامة لغياب نص تنظيمي.
تمثيل شكلي دون قيمة مضافة في المجالس التي تدبر مؤسسات التكوين المهني ودون أدنى مساهمة في خلق مراكز للتدرج المهني أو وضع البرامج البيداغوجية لهذا النوع من التكوين بسبب غياب أيعمل قاعدي داخل الغرف يؤسس للمساهمة بشكل فعال.
إنجاز الدراسات المرتبطة بالقطاع.
وحتى الاختصاصات التي نرى أن الغرفة تلعب فيها أدورا نجدها هزيلة ولا ترقى إلى مستوى طموحات الصناع التقليديين، إما لغياب الوسائل الضرورية أو لسوء الحكامة والتدبير في مجالات عدة منها الترويج، التسويق والتكوين، والتي سنعود لها في المحور الثاني.
تداخل الاختصاصات.
إشكالية أخرى تطرح عن تداخل أدوارها واختصاصاتها مع مؤسسات أخرى. فمثلا، نجد داخل المجال الترابي للغرفة عديدة هي المهام المنوطة بها تمارسها بالموازاة معها المديريات الجهوية والإقليمية التابعة للوزارة . كما نجد كذلك فيدرالية مقاولات الصناعة التقليدية بتنظيماتها الجهوية بالرغم من أن القانون الأساسي ينص على أن الغرف تمثل مقاولات الصناعة التقليدية. وحسب علمي لم يتم ولو لقاء واحد بين الغرف وجامعتها وهذه الفدرالية ولو لمجرد التنسيق أو التشاور!
تداخل آخر ولو أنه مؤجل إلى حين يتمثل في الاختصاصات والمهام التي منحها المشرع للهيئات الحرفية الجهوية والإقليمية في إطار القانون رقم 17-50 المتعلق بمزاولة أنشطة الصناعة التقليدية ،خاصة المواد 14-15-16 و19، التي تتحدث عن نفس الاختصاصات الممنوحة للغرف بالرغم من استهلال هذه المواد بعبارة فضفاضة وغير محددة وهي  » مع مراعاة المهام والاختصاصات المسندة لغر ف الصناعة التقليدية… ». فرغم صدور القانون في الجريدة الرسمية بتاريخ 30 يوليوز 2020 إلا أن هذه الهيئات الحرفية لم ترى النور بعد لعدم صدور العديد من النصوص التنظيمية.
الهيكلة الإدارية.
من عجائب القانون الأساسي لغرف الصناعة التقليدية هو تخصيصه لمادة واحدة لإدارة الغرفة وهي المادة 26:  » يساعد رئيس غرفة الصناعة التقليدية في القيام بمهامه طاقم إداري تحت إشراف مدير »… ، وهذا ما يعكس بجلاء نظرة المشرع السلبية والمسبقة لهذه المؤسسة. فالكل يعلم أن دور الإدارة أساسي في حسن التدبير وخاصة في حسن التنفيذ لكل مخططات ومشاريع كل مؤسسة عمومية كيفما كانت طبيعتها. وبالتالي كما يقول المثل الشعبي  » من الخيمة خرج مائلا. » فغياب إطار قانوني شفاف لمنظومة الموارد البشرية للغرف يجعل هذه الأخيرة تعيش وضعية هشة، دون تحديد صريح لحقوقها وواجباتها. فالموظف داخل الغرف هو الحلقة الأضعف، نظرا لتطاول العديد من المنتخبين في تجاوز سافر لاختصاصاتهم. ويجد الموظف نفسه محصورا بين مطرقة التدبير الإداري السليم من جهة وإرضاء المنتخبين، خاصة إن كانوا من أغلبية الرئيس من جهة أخرى. وهذا ما تؤكده درجة الغليان والاحتقان التي تعيشه مجموعة من الغرف من حين لآخر، و هو ما يعكس ضعف المردودية وعدم الانخراط بشكلفعال في حسن التدبير .وحتى لا أدخل في تفاصيل أكثر ،أسرد في عجالة أهم الإشكالات المطروحة: – هيكلة إدارية عبثية موروثة من التقسيم السابق للغرف لا تستجيب للمتطلبات الفعلية لأداء أمثللدور الغرف وتقريب الإدارة من المرتفقين.
عدم تحديد مواصفات معينة حين التوظيف في غياب رؤية واضحة للحاجيات الفعلية.
غياب فرص الترقي في المهام تحد من طموح الموظف للعمل والاجتهاد.
سوء انتشار للموظفين بين المقرات المركزية وملحقات الغرف .
تمركز كل سلط التدبير الإداري بيد الرئيس، عوض منح اختصاصات مستقلة للمدير في تدبير شؤون الميزانية والموظفين. ولنا في تجربة غرف الفلاحة منذ 2011 خير نموذج يحتذى به، حيث تم خلق منصبين. الكاتب العام وهو مرتبط بالرئيس ومهمته تتبع أنشطة الغرفة بمختلف هياكلها. بينما المدير مهمته تنحصر في تدبير الميزانية والموارد البشرية ويعين ويقال مباشرة من طرف الوزارة الوصية .
لذلك من أجل توفير مناخ ملائم وتحسين التدبير الإداري للغرفة، نقترح إدماج فصل خاص بالموارد البشرية في القانون الأساسي ومراجعة شاملة للنظام الأساسي الخاص بمستخدمي غرف الصناعة التقليدي ة وتضمينهما آليات لتفعيل مجموعة من الإجراءات أهمها:
تحصين مجال التدبير الإداري من القرارات المزاجية .
دعم مؤسسات الرئيس بالتنصيص على ديوان يضم مستشارين ذوي تكوين عالي وتجربة مهنية.
وضع هيكلة إدارية واضحة تعكس الاستجابة للحاجيات والمتطلبات.
وضع خطة بمعايير واضحة لإعادة انتشار الموظفين بين الإدارة المركزية والملحقات حسب الحاجيات.
تسريع رقمنة الخدمات المقدمة للمرتفقين.
وضع برامج للتكوين تراعي الحاجيات وتطورها.
لقد حان الوقت لفتح نقاش موسع من أجل إصلاح شامل لهيكلة الغرف التي مر عن إحداثها أزيد من ستة عقود دون تغيير عميق بالرغم من التحولات البنيوية الجذرية لواقع القطاعات المهنية.
المحور الثاني: الغرفة كفا عل أساسي ومحوري ومساهم في تنمية قطاع الصناعة التقليدي ة
حتى اليوم يبقى دور الغرف هامشيا وأثبت عقمه وعدم نجاعته في خدمة الصانع التقليدي في تحسين ظروف اشتغاله من جهة وفي ترويج وتسويق المنتوج التقليدي من جهة أخرى. فالتمثيلية الحقة وإيصال أصواتهم لمختلف المؤسسات العمومية الأخرى، مازال مبتغى بعيد المنال للصناع التقليديين .
فالغرفة غائبة في مواكبة الصانع التقليدي في كل الصعوبات والعراقيل التي يواجهها بدءا من مصاحبتهفي خلق مقاولته أو بدء مشروعه، مرورا بمشاكل المواد الأولية، التكوين المستمر، التسويق وغيرهاووصولا إلى الوساطة في ميادين التمويل والترويج.
وتبقى المساهمة اليتيمة للغرف تتمثل في التسويق باعتماد صيغة وحيدة هي تنظيم معارض محلية وجهوية عشوائية دون دراسة الجدوى لا للفضاءات ولا للتوقيت التي يتم اختيارها ولا حتى تحديد معايير دقيقة لعملية انتقاء المشاركين، ولا تحديد الفئات المستهدفة من التظاهرة. لم تتم على مر السنين، أية دراسة تقييمية لهذه التظاهرات للوقوف على الجانب الإيجابي وتحصينه وتحديد مكامن الخلل والسلبيات لمعالجتها وتجاوزها. لكن الأكيد أن الاستمرار بنفس المنهجية وبنفس الآليات في تنظيم هذه المعارض منذ عقود دون تطوير وابتكار هو إهدار للمال العام.
نفس التخبط، تعيشه الغرف مع برامج التكوين بالتدرج المهني التي تخصص لها سنويا على الصعيد الوطني ملايين الدراهم، لكن دون وقع إيجابي ملموس سواء على مستوى التكوين أو على مستوى ولوج سوق الشغل. مئات الخريجيين ينضافون إلى طوابير البطالة، دون الحديث عن النسبة المهولة للمنقطعين خلال مدة التكوين.
نحن في أمس الحاجة إلى وقفة للقيام بدراسات وافتحاصات لتقييم نجاعة الأداء بقياس العديد من المؤشرات ومدى تطورها في العديد من المجالات منها:
الترويج للمنتوج التقليدي )تقييم كمي وكيفي(.
اتساع رقعة التسويق والكمية المسوقة )التجارة الكلاسيكية، التجارة العادلة والتجارة الالكترونية(.
التمويل والقروض )عدد المشاريع التي تم تمويلها والغلاف المالي المخصص لها(.
التكوين )المستمر والتدرج المهني( من خلال عدد المكونين ومجالات التكوين ونسبة إدماجهم في سوق الشغل .
هيكلة القطاع )عدد المقاولات العاملة في القطاع، حجمها، رقم معاملاتها ونسبة التصدير.(
حصة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في النسيج الاقتصادي الوطني.
ومن أجل تشجيع المبادرات الهادفة إلى دعم تسويق منتجات الصناعة التقليدية نقترح:
توفير الدعم المادي واللوجستيكي للصناع الراغبين في تسويق منتجاتهم على الصعيدين الوطني والدولي بصيغ تمويلية مبتكرة وعدم الاعتماد على مؤسسة دار الصانع وحدها.
وضع رؤية للتنسيق مع المؤسسات التي تعنى بالترويج السياحي لإبراز أمثل لقيمة وعراقة المنتوج التقليدي المغربي خاصة المنتوج ذو الحمولة الثقافية والحضارية )المكتب الوطني للسياحة ،المندوبيات الجهوية للسياحة، المكتب الوطني للمطارات، الخطوط الملكية المغربية .(…
وضع إطار قانوني أو عبر اتفاقيات متعددة الأطراف للاستثمار في مختلف التظاهرات الدوليةالمقامة ببلادنا أو بالخارج )فنية، ثقافية، رياضية …( والحضور بقوة في مجالات وأنشطة القوى الناعمة.
المحور الثالث: كيف للغرف أن تكون شريكا أساسيا للدولة ولمختلف المؤسسات.
ما دامت الغرف هي ممثلة الصانع التقليدي أمام المؤسسات الأخرى، فكل مناحي الحياة المرتبطة بعمله وبوضعه الاجتماعي والصحي هي جزء من اهتماماتها. ومن خلال قراءة للاختصاصات والمهام المنوطة بالغرف في القانون الأساسي نجد مبدئيا التنصيص على إمكانية التعامل والتنسيق والشراكة مع العديد من الأطرا ف على مختلف الأصعدة محليا، جهويا، وطنيا وحتى دوليا.
مع المصالح الخارجية والمؤسسات العمومية المحلية والجهوية، للأسف الشديد يبقى دور الغرف ضعيفا في مجالات الدعم والتوجيه والمواكبة. فباستثناء بعد اللقاءات التحسيسية التي تستدعى فيها بع ض المصالح الخارجية )الضمان الاجتماعي، مديرية الضرائب ،مديرية الجمارك ،مكتب تنمية التعاون (…. لتقديم إيضاحات والجواب عن استفسارات، نفتقد المتابعة الميدانية والمواكبة الشخصية لملفات الصناع التقليديين. فمن الواجب أن تتوفر الغرف على خلايا متعددة، كل واحدة تشرف على محور من محاور الاشتغال. لكن كما سبق ذكره ضعف الموارد البشرية، ليس عددا ولكن عدة وتأهيلا، إضافة إلى ضعف انخراط المكاتب المسيرة تجعل شراكات الغرفة مع هذه المصالح الخارجية مناسباتية ودون المستوى المرغوب.
مع الجماعات الترابية، نجد الغياب الواضح للغرفة. فمع المجالس الجماعية، يتخبط الصانع التقليدي في مشاكل جمة بدءا من ترخيص الممارسة، وتأطير احتلال الملك العمومي، مرورا بالجبايات المحلية ،ووصولا إلى غياب أحياء صناعية من الدرجة الثالثة وصعوبة تنظيم تظاهرات ترويجية للمنتوج التقليدي .
أما مع مجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجهات فسبق الحديث عنها في المحور الأول.
مع الإدارة المركزية، نرى عدم وضوح الرؤيا وتذبذب واضح في تعامل الوزارة مع الغرف، بممارسة وصاية « أبوية » أحيانا والتعامل مع الغرف كفاعل « قاصر ». فاستشارتها في ميادين التشريع وفي وضع البرامج والمخططات تبقى شكلية. كما أن تقزيم أدوارها في تفاقم مستمر. ونورد أمثلة على ذلك:
منذ وضع استراتيجية رؤية 2015، لم يعد للغرف دور يذكر في إنجاز البنيات التحتية.
الغاء الاتفاقيات التي تربط بالغرفة بمؤسسات بنكية لمنح قروض بمعدلات فائدة تفضيلية.
سحب اختصاصات ومدها للمديريات الجهوية كالسجل الوطني للصناعة التقليدية.
لكل ما سبق نحن أمام ضرورة إصلاح شمولي حتمي . وفي خضم الثورة الهادئة والناعمة التي يشهدها الاقتصاد المغربي في العقدين الأخيرين، وحتى لا أكون أكثر تشاؤما وأطالب بتصفية هذه الغرف ،لأن مساهمتها الفعلية حاليا في مسلسل التنمية تلامس الصفر حتى لا أقول إنها سلبية ما دامت تبتلع جزءاغير يسير من المال العام، وجب تحديد بشكل دقيق لهذه الغرف أدوارا وظيفية داخل منظومة المؤسسات والفاعلين الاقتصاديين بدءا من تغيير جذري في هيكلتها .
لذا وتماشيا مع أحكام القانون رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، وأمام الأوضاع الحالية التي تعيشها الغرف، أرى أنه من الواجب العمل عل تجميع الغرف المهنية في غرفة واحدة. وتحدد هيكلتها وتنظيمها على شاكلة هيكلة غرف الصناعة والتجارة والخدمات. فتجميع الغرف في غرفة واحدة ليست بدعة جديدة بل تعمل بها مجموعة من الدول وفي مقدمتها اسبانيا. كما أن لنا في التجربة الفرنسية مثال في التنظيم الترابي بين المستويين الجهوي والإقليمي. فاستلهام دروس من هذه التجارب مع مراعاة خصوصيات واقعنا المهني، سيمنحنا الوصول إلى مؤسسات ذات فاعلية، مع تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها:
تيسير ترشيد النفقات المالية، خاصة في تمويل البرامج والدراسات للإشكالات المشتركة بين مختلف القطاعات المهنية )فلاحة، صناعة، تجارة وصناعة تقليدية(
الحد من مصاريف التعويضات المختلفة بتقليص عدد المنتخبين عن كل فئة والمساهمة في خلق نخب قادرة على تمثيل المهنيين.
ربط المسؤولية بالمحاسبة والتنصيص عليه صراحة في القانون الأساسي.
التقييم الدوري لعمل الغرف للوقوف على مكامن الخلل ومواكبتها في الإصلاحات الهيكلية، وعدم الاكتفاء بالافتحاصات المالية التي لم تحقق الغايات المرجوة منها.
حسن تدبير الموارد البشرية، بالتأهيل وإعادة الانتشار.
اللجوء بشكل أكبر وسلس إلى برامج -عقود مع الغرف في انجاز مشاريع البنيات التحتية وتمكين مختلف مؤسسات الدولة من تتبع مختلف مراحل إنجازها.
كل هذه الإصلاحات الهيكلية، وإن كانت ضرورية لا يجب أن تتم بمعزل عن تطوير الحكامة في الأداء وأن يكون المهني وخدمته في صلب السياسات التنموية للغرف وذلك بتوفير:
الحق في الولوج للمعلومة. على الغرف أن تيسر للصانع التقليدي دون قيود التوفر على المعطيات التي يرغب فيها من خلال تنشيط مواقعها الالكترونية، دور ها التعريف بأنشطة الغرفة والخدمات التي تقدمها ومعطيات لمختلف المجالات التي تشغل بال الصانع التقليدي )شواهد إدارية، فرص تمويل المشاريع، الترويج والتسويق، التغطية الصحية، الجمارك بالنسبة للمصدرين ….(.
لقاءات تحسيسية وتأطير لفائدة الصناع لإبراز الأدوار الحقيقية للغرف وحدود اختصاصاتها وإمكاناتها وكيفية اللجوء الرقمي لخدماتها.
إدماج أكبر للفاعلين في المجتمع المدني )مقاولات وتعاونيات( في رسم وتنفيذ برامج الغرفة .
خلاصة القول، على الجميع التحلي بالواقعية والتفكير بعمق في الدور الذي وجب أن تلعبه الغرف داخل منظومة مختلف المؤسسات العمومية وأن تتماشى مجالات تدخلها أخذا بعين الاعتبار إمكاناتها المالية، الهيكلية، التنظيمية والبشرية. فالإطار القانوني لا يجب أن ينسلخ عن الواقع وأن يكون ذا طبيعة ديناميكية، وبالتالي يمكن أن تتطور وتتوسع هذه المهام موازاة مع تطور بنياتها السالف ذكرها.

مقالات مشابهة

  • الإمارات تقود العالم لمستقبل الاستثمار
  • الغرف المهنية وموقعها في السياسات التنموية بالمغرب
  • إلهام أبو الفتح تكتب: وماذا نحن فاعلون؟!.. فيديو
  • من هي ابتهال أبو السعد التي فضحت عملاق التكنولوجيا في العالم؟
  • القوى العظمى تتسابق في حيازة القوة الفتاكة
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • «الخارجية الفلسطينية»: العالم خذل أطفال فلسطين في ظل صمته عن معاناتهم التي لا تنتهي
  • زيلينسكي يكشف أول الدول الأوروبية التي سترسل قوات إلى أوكرانيا
  • الحرب العالمية التجارية التي أعلنها ترمب لا تخصنا في الوقت الراهن
  • أوحيدة: الدول التي تتحدث عن حرصها على استقرار ليبيا تتعامل مع المليشيات وتحميها