لجريدة عمان:
2025-07-09@09:32:14 GMT

الظهور الإعلامي وتوقعات المجتمع

تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT

أنهيتُ في الأسبوع الفائت برنامجًا تدريبيًا بعنوان «الظهور الإعلامي للخبراء»، نظمه مركز التدريب الإعلامي بوزارة الإعلام، وأتاح للمشاركين فيه معرفة أساسيات التحدث لوسائل الإعلام بطبيعتها المختلفة، وتقديم البيانات والإفادات والمحاورات الإعلامية في المواقف المختلفة. ركزت حكومة سلطنة عُمان خلال السنوات الماضية على تعزيز التواصل بين المؤسسات الحكومية والمجتمع؛ من خلال تحديد متحدثين رسميين باسم بعض وحدات الجهاز الإداري للدولة، ونهج بعض المؤسسات الحكومية لإقامة مؤتمرات صحفية/ لقاءات إعلامية سنوية للإحاطة بأعمالها والنقاش حول مشروعاتها ومؤشراتها، إضافة إلى الحدث الاتصالي الأهم ملتقى «معًا نتقدم»؛ الذي يوسع دائرة الحوار في نسختيه الماضيتين بين المسؤولين الحكوميين وأفراد المجتمع من خلال موضوعات «ثيمات» تحدد لكل نسخة.

إضافة إلى ذلك فإن المتابع يلاحظ أن الرسالة الاتصالية لبعض وحدات الجهاز الإداري للدولة باتت تتسم بالتفاعلية مع المجتمع، وأصبحت هناك مساحة جيدة للتعامل مع رد الفعل الاجتماعي، وتضمين لحضور بعض الثيمات الاجتماعية في محتوى تلك الرسالة. والتجربة بكل تأكيد سوف تراكم ذاتها وصولًا إلى مستوى عالٍ من الفاعلية والتفاعلية.

يحتكم نجاح أي ظهور إعلامي أو رسالة اتصالية دائمًا بتوقعات المجتمع- التي يصعب تلبيتها أو الإحاطة بها كليًا- ولكن؛ يمكن أن تقترب الرسالة الاتصالية من تلبية جزء من توقعاتها والتواكب معها متى ما خططت جيدًا لما أسميه «لحظة المجتمع المُخاطب». ترتكز فكرة «لحظة المجتمع المُخاطب» حسب تقديري إلى خمسة أسئلة أساسية:

1- من أخاطب في سياق (الكم/ الثقافة/ التعليم/ العمر/ الفئة الأكثر اهتمامًا/ الجغرافيا/ اللغة الاجتماعية)؟

2- من الأكثر تضررًا؟ من الأكثر مصلحة؟ أي العبارات/ الكلمات التي قد تلامسهم/ ماهية المعلومات/ طبيعة الأفكار التي ينتظرونها؟

3- أين يمكن أن أوظف التعاطف؟ ولأي درجة؟

4- ما هي الفكرة/ الأفكار الرئيسية التي يجب أن أوصلها - وغالبًا يجب ألا تتجاوز 3 أفكار رئيسية؟ وكيف أؤكد على أولويتها من خلال الاتصال/ الرسالة؟

5- هل الرسالة صادقة/ وشفافة بحيث تكون قادرة على المساءلة لاحقًا أو إعادة التأكيد / الدحض؟

هذه في تقديري عناصر مفتاحية لتخطيط «لحظة المجتمع المُخاطب»، والأهم فيها هو الإدراك الدقيق للسياق الذي تؤدى فيه الرسالة ممثلًا في عنصر الوقت، المشاعر الاجتماعية السائدة، ومعرفة لمن يستمع المجتمع في تلك اللحظة حقًا. ومهما كانت ضرورات الفورية وضرورة التدخل الاتصالي السريع؛ فإن ذلك يجب ألا يجعل المؤسسات تجعل تخطيط «لحظة المجتمع المُخاطب» وبناء الرسالة بأكبر قدر من الموضوعية وحسن التعاطف مع المجتمع. والتعاطف مبدأ مهم جدًا وخاصة في الحديث في أوقات الأزمات والكوارث؛ ذلك أنه يعبر عن الحالة الإنسانية ويستوعبها في الرسالة الاتصالية، ويعزز شعور المتلقي بالثقة تجاه الرسالة والمتحدث والمؤسسة، ويوجه انتباه أفراد المجتمع عمومًا نحو الوسيلة وإحساسهم بصدقيتها بشكل أكبر. وانعدام جزء يسير من التعاطف أو وضع التعاطف في غير موضعه المناسب، أو عدم توظيفه بالشكل الأمثل قد يدفع إلى تكسير الثقة بتلك الرسالة وإحالتها إلى أضداد مقاصدها وموضوعيتها.

على الجانب الآخر أصبحت اليوم دراسات ما يُعرف بـ «الوميض الانتباهي» أو «الهفوات الانتباهية» Attentional lapse محددًا مهما في تصميم الرسالة الاتصالية وفي تدريب المتحدثين الرسميين على الظهور، هناك معلومات شائعة تشير إلى أن القدرة الانتباهية للفرد تتركز بين (5 - 15) دقيقة الأولى من التلقي، وما بعدها قد يكون خارج السياق الانتباهي أو يشكل (فجوة انتباهية)، ولكن يحتاج الأمر إلى دراسات أكثر تعمقًا من الناحية العصبية والفسيولوجية والسياقية، وقد يختلف من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر، ولكن الأمر مبدأ مهم يحدد مدى قدرة الأفراد على تلقي الرسالة والتركيز على محتوياتها والقدرة على تبني السلوك المطلوب تجاهها والاهتمام بها. وهنا دائمًا ما ينصح بالتركيز على أفكار محددة ومباشرة في كل رسالة اتصالية وفي كل ظهور إعلامي. وفي حالة الحديث في الأزمات يمكن أن تكون الرسالة مقتصرة من (2-3) أفكار رئيسية يقدمها المتحدث أو الرسالة بحيث تستطيع الحد من الفجوات الانتباهية لدى الأفراد. وفي المجمل فإن تعزيز حقل الدراسات العصبية المتصلة بهذا الأمر وببنية القدرة الانتباهية لدى الأفراد قد يكون ممكنًا مهمًا في تخطيط رسالة الاتصال والتأكد من وصولها الدقيق إلى المجتمع. هذا ينحسب أيضًا إلى كمية المعلومات/ البيانات/ الأفكار التي تحاول بعض المؤتمرات الصحفية/ اللقاءات الإعلامية تقديمها، مما يجعل المتلقي في بعض الأحيان غير قادر على تذكر/ التركيز على أهمها واستدراك ما تم طرحه خلال هذا المؤتمر / اللقاء وهذه مسألة مهمة؛ فالنجاح في الرسالة الاتصالية يقتضي التمكن من التقاط واستيعاب وفهم وتذكر المخاطبين لما تم طرحه وصولًا إلى التأثير فيهم ودفعهم لاتخاذ مواقف داعمة لتلك الرسالة الاتصالية.

مكننا البرنامج التدريبي الذي أشرنا إليه أعلاه من الانتباه إلى محددات فنية بالغة الأهمية في (آلية الظهور) عبر الوسائل باختلافها، ويبقى الأمر حسب تقديرنا هو الاهتمام الأكبر في دوائر الاتصال ولدى مخططي الاتصال الحكومي في الآليات التي يمكن من خلالها دعم منظومات الاتصال بالعلوم السلوكية والاجتماعية، التي تمكن من فهم آليات تخطيط الاتصال بناء على لحظة المجتمع بكل تفاصيلها. إن مهمة أساسية لتخطيط الاتصال هي فهم التوقعات الاجتماعية -وليس بالضرورة تلبيتها- ولكن معرفة الطريقة المثلى للتعامل معها سواء من خلال اللغة، أو آليات التعاطف، أو طبيعة الأفكار المقدمة وحسمها، أو التوقيت المناسب فعليًا للظهور.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

فوضى عاشوراء.. أي دور للأسرة والمجتمع؟

أيوب إبركاك الإدريسي (صحافي متدرب)

يحيي المغاربة في شهر محرم من كل سنة ذكرى يوم عاشوراء، وسط أجواء احتفالية تعكس رمزية المناسبة وتجذرها في الموروث الثقافي المغربي، إلا أنها تعيد إلى الواجهة عددا من السلوكيات السلبية المتفشية في أوساط الشباب والمراهقين، التي تترتب عنها في بعض الأحيان أضرار مادية وبيئية وخيمة، كما تثير حالة من الفوضى والشغب وسط أحياء وأزقة المدن.

ورغم المجهودات التي تبذلها السلطات سنويا للتحكم في الظاهرة، من خلال حجز ومصادرة المفرقعات والشهب النارية والإطارات المطاطية الموجهة للحرق، وتوقيف العشرات من مستعمليها ومروجيها، إلا أن ذلك كله لا يمنع من استمرار مجموعة من الممارسات المسيئة لجوهر المناسبة.

آخر هذه الممارسات نقلتها مقاطع فيديو التقطت ليلة أمس بحي سيدي موسى بمدينة سلا، وتظهر فوضى عارمة وتراشق بالحجارة، أثناء « احتفال » مجموعة من الشباب بعاشوراء، وسط تواجد أمني كثيف لم ينجح في السيطرة على الوضع بسهولة.

وأمام هذا الواقع المتكرر، يعود النقاش حول مسؤولية المنظومة الأسرية والمجتمعية على مثل هذه التجاوزات، ومدى اضطلاع الآباء والأمهات ومؤسسات المجتمع بأدوارها التربوية والرقابية، في ظل بروز فاعلين جدد يمتلكون سلطة التأثير في تصرفات الشباب والمراهقين.

مشكل اجتماعي « هيكلي »

حسب الخبير في علم النفس الاجتماعي، محسن ابن زاكور، فإن السلوك العدواني الذي يظهره بعض المراهقين خلال احتفالات من المفروض أنها ذات صبغة دينية، ويكون من المنتظر أن تسود فيها سلوكيات أكثر اتزانا وتناسقا مع المعتقد، راجع في جزء كبير منه إلى مشاكل هيكلية في المجتمع.

ووفق الخبير، فإن وسائل تعامل المجتمع المغربي مع المراهق لازالت تقليدية، وتنبني على السلطة والعدوانية وأحيانا على العنف، مما يؤدي بالشاب إلى ترجمة هذا السلوك في مراهقته، حينما يصل إلى مستوى الخروج من سلطة البيت ويصبح الشارع هو الملاذ، وبالتالي يحاول أن يبرز ما يسمى بـ « القدرات الذاتية » على إثبات تحرره من سلطة الوالدين والمجتمع.

ويضيف ابن زاكور في تصريحه لـ « اليوم24″، أن المراهق عادة حينما يكون في مجموعة الأصدقاء، تزداد حدة العدوانية لديه، لأنه يرتكز على التحدي، وعلى الصورة، وأيضا على الرغبة في الانتماء، مشددا على أنه في غياب التعقل وتواجد هذا الثلاثي، تزداد احتمالية بروز السلوكيات العنيفة.

ونبه المتحدث ذاته، إلى أن الباعة الذين يتحايلون على القانون، ويتاجرون في المفرقعات وغيرها من الوسائل الممنوعة، يساهمون بدورهم في مضاعفة حدة التجاوزات، في ظل انغماس المراهقين في حالة من الهيجان، وغياب آليات التحكم في العدوانية والغضب لديهم.

« انفلاتات مشاغبين »

في المقابل، يرى علي الشعباني، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، أنه لا يمكن إلصاق التجاوزات التي يشهدها هذا اليوم بالمجتمع والأسرة، رغم حرص هاتين المنظومتين على استمرارية مجموعة من العادات والممارسات المرتبطة بعاشوراء.

ووفق الشعباني، فإن تغاضي الآباء والأمهات عن بعض السلوكيات الصادرة عن الأبناء، والتي كانوا يمارسونها بدورهم في شبابهم وطفولتهم أثناء إحياء ذكرى عاشوراء، لا يسوغ القول بأنهم يشجعون على المظاهر السلبية للاحتفال.

وزاد المتحدث ضمن تصريحه لـ »اليوم24″، بأن المجتمع والأسرة يحاولان إصلاح الوضعية ما أمكنهم ذلك، من خلال سن مبادئ أخلاقية تحث على التساكن المشترك، وعلى احترام الآخرين، والحفاظ على علاقات سليمة معهم.

ويؤكد الباحث في علم الاجتماع على أن ما تشهده المناسبة من تصرفات سلبية، لا يعدوا عن كونه « انفلاتات » يرتكبها بعض « المشاغبين » من الشباب، الذين يريدون على إخراج طقوس الاحتفال بعاشوراء من إطارها الديني والروحي الحقيقي، وتحويلها إلى ممارسات تنتهك حقوق المارة في الشوارع والأزقة.

واستدرك الشعباني أن الأسر التي تشجع على مثل هذه « الانفلاتات »، التي تلحق الأضرار بالناس خلال هذه  المناسبة، هي « غير متشبعة » بالقيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية، التي تساعد على العيش المشترك، وعلى  إحياء المناسبات الدينية وتطبيق الطقوس في إطارها الحقيقي.

 

 

 

كلمات دلالية الشهب النارية عاشوراء فوضى مفرقعات

مقالات مشابهة

  • مؤهل لكن غير مستحق.. ماذا تعني هذه الرسالة عبر حساب المواطن؟
  • بعد أحداث عاشوراء في سلا..مواطنون يتساءلون عن دور الجمعيات التي تتلقى الدعم
  • خطوات تنفيذ خدمات الأحوال المدنية عبر "المكتب الافتراضي" من أبشر
  • مكافحة المخدرات تقبض على شخصين بالمنطقة الشرقية لترويجهما مواد مخدرة
  • لحظة بلحظة.. بلغ (274) طلب الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن عدد المتقدمين لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 خلال اليوم الثالث
  • فرع “الشؤون الإسلامية” في المنطقة الشرقية يُغلق (2150) طلبًا عبر مركز الاتصال الموحد خلال النصف الأول من عام 2025م
  • عبر مركز الاتصال الموحد والبوابة الإلكترونية.. “الشؤون الإسلامية” بالمنطقة الشرقية تتعامل مع 2150 طلبًا خلال النصف الأول من 2025
  • الإعلامي الحكومي بغزة:استشهاد 288 خلال الـ100 ساعة الماضية
  • فوضى عاشوراء.. أي دور للأسرة والمجتمع؟
  • موقع عبري يعلق على ظهور عادل إمام في زفاف حفيده