الظهور الإعلامي وتوقعات المجتمع
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
أنهيتُ في الأسبوع الفائت برنامجًا تدريبيًا بعنوان «الظهور الإعلامي للخبراء»، نظمه مركز التدريب الإعلامي بوزارة الإعلام، وأتاح للمشاركين فيه معرفة أساسيات التحدث لوسائل الإعلام بطبيعتها المختلفة، وتقديم البيانات والإفادات والمحاورات الإعلامية في المواقف المختلفة. ركزت حكومة سلطنة عُمان خلال السنوات الماضية على تعزيز التواصل بين المؤسسات الحكومية والمجتمع؛ من خلال تحديد متحدثين رسميين باسم بعض وحدات الجهاز الإداري للدولة، ونهج بعض المؤسسات الحكومية لإقامة مؤتمرات صحفية/ لقاءات إعلامية سنوية للإحاطة بأعمالها والنقاش حول مشروعاتها ومؤشراتها، إضافة إلى الحدث الاتصالي الأهم ملتقى «معًا نتقدم»؛ الذي يوسع دائرة الحوار في نسختيه الماضيتين بين المسؤولين الحكوميين وأفراد المجتمع من خلال موضوعات «ثيمات» تحدد لكل نسخة.
يحتكم نجاح أي ظهور إعلامي أو رسالة اتصالية دائمًا بتوقعات المجتمع- التي يصعب تلبيتها أو الإحاطة بها كليًا- ولكن؛ يمكن أن تقترب الرسالة الاتصالية من تلبية جزء من توقعاتها والتواكب معها متى ما خططت جيدًا لما أسميه «لحظة المجتمع المُخاطب». ترتكز فكرة «لحظة المجتمع المُخاطب» حسب تقديري إلى خمسة أسئلة أساسية:
1- من أخاطب في سياق (الكم/ الثقافة/ التعليم/ العمر/ الفئة الأكثر اهتمامًا/ الجغرافيا/ اللغة الاجتماعية)؟
2- من الأكثر تضررًا؟ من الأكثر مصلحة؟ أي العبارات/ الكلمات التي قد تلامسهم/ ماهية المعلومات/ طبيعة الأفكار التي ينتظرونها؟
3- أين يمكن أن أوظف التعاطف؟ ولأي درجة؟
4- ما هي الفكرة/ الأفكار الرئيسية التي يجب أن أوصلها - وغالبًا يجب ألا تتجاوز 3 أفكار رئيسية؟ وكيف أؤكد على أولويتها من خلال الاتصال/ الرسالة؟
5- هل الرسالة صادقة/ وشفافة بحيث تكون قادرة على المساءلة لاحقًا أو إعادة التأكيد / الدحض؟
هذه في تقديري عناصر مفتاحية لتخطيط «لحظة المجتمع المُخاطب»، والأهم فيها هو الإدراك الدقيق للسياق الذي تؤدى فيه الرسالة ممثلًا في عنصر الوقت، المشاعر الاجتماعية السائدة، ومعرفة لمن يستمع المجتمع في تلك اللحظة حقًا. ومهما كانت ضرورات الفورية وضرورة التدخل الاتصالي السريع؛ فإن ذلك يجب ألا يجعل المؤسسات تجعل تخطيط «لحظة المجتمع المُخاطب» وبناء الرسالة بأكبر قدر من الموضوعية وحسن التعاطف مع المجتمع. والتعاطف مبدأ مهم جدًا وخاصة في الحديث في أوقات الأزمات والكوارث؛ ذلك أنه يعبر عن الحالة الإنسانية ويستوعبها في الرسالة الاتصالية، ويعزز شعور المتلقي بالثقة تجاه الرسالة والمتحدث والمؤسسة، ويوجه انتباه أفراد المجتمع عمومًا نحو الوسيلة وإحساسهم بصدقيتها بشكل أكبر. وانعدام جزء يسير من التعاطف أو وضع التعاطف في غير موضعه المناسب، أو عدم توظيفه بالشكل الأمثل قد يدفع إلى تكسير الثقة بتلك الرسالة وإحالتها إلى أضداد مقاصدها وموضوعيتها.
على الجانب الآخر أصبحت اليوم دراسات ما يُعرف بـ «الوميض الانتباهي» أو «الهفوات الانتباهية» Attentional lapse محددًا مهما في تصميم الرسالة الاتصالية وفي تدريب المتحدثين الرسميين على الظهور، هناك معلومات شائعة تشير إلى أن القدرة الانتباهية للفرد تتركز بين (5 - 15) دقيقة الأولى من التلقي، وما بعدها قد يكون خارج السياق الانتباهي أو يشكل (فجوة انتباهية)، ولكن يحتاج الأمر إلى دراسات أكثر تعمقًا من الناحية العصبية والفسيولوجية والسياقية، وقد يختلف من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر، ولكن الأمر مبدأ مهم يحدد مدى قدرة الأفراد على تلقي الرسالة والتركيز على محتوياتها والقدرة على تبني السلوك المطلوب تجاهها والاهتمام بها. وهنا دائمًا ما ينصح بالتركيز على أفكار محددة ومباشرة في كل رسالة اتصالية وفي كل ظهور إعلامي. وفي حالة الحديث في الأزمات يمكن أن تكون الرسالة مقتصرة من (2-3) أفكار رئيسية يقدمها المتحدث أو الرسالة بحيث تستطيع الحد من الفجوات الانتباهية لدى الأفراد. وفي المجمل فإن تعزيز حقل الدراسات العصبية المتصلة بهذا الأمر وببنية القدرة الانتباهية لدى الأفراد قد يكون ممكنًا مهمًا في تخطيط رسالة الاتصال والتأكد من وصولها الدقيق إلى المجتمع. هذا ينحسب أيضًا إلى كمية المعلومات/ البيانات/ الأفكار التي تحاول بعض المؤتمرات الصحفية/ اللقاءات الإعلامية تقديمها، مما يجعل المتلقي في بعض الأحيان غير قادر على تذكر/ التركيز على أهمها واستدراك ما تم طرحه خلال هذا المؤتمر / اللقاء وهذه مسألة مهمة؛ فالنجاح في الرسالة الاتصالية يقتضي التمكن من التقاط واستيعاب وفهم وتذكر المخاطبين لما تم طرحه وصولًا إلى التأثير فيهم ودفعهم لاتخاذ مواقف داعمة لتلك الرسالة الاتصالية.
مكننا البرنامج التدريبي الذي أشرنا إليه أعلاه من الانتباه إلى محددات فنية بالغة الأهمية في (آلية الظهور) عبر الوسائل باختلافها، ويبقى الأمر حسب تقديرنا هو الاهتمام الأكبر في دوائر الاتصال ولدى مخططي الاتصال الحكومي في الآليات التي يمكن من خلالها دعم منظومات الاتصال بالعلوم السلوكية والاجتماعية، التي تمكن من فهم آليات تخطيط الاتصال بناء على لحظة المجتمع بكل تفاصيلها. إن مهمة أساسية لتخطيط الاتصال هي فهم التوقعات الاجتماعية -وليس بالضرورة تلبيتها- ولكن معرفة الطريقة المثلى للتعامل معها سواء من خلال اللغة، أو آليات التعاطف، أو طبيعة الأفكار المقدمة وحسمها، أو التوقيت المناسب فعليًا للظهور.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
وزارة الخارجية تلفت نظر المجتمع الدولي للفظائع التي يرتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء
أصدرت وزارة الخارجية بيانا يصادف يوم الإثنين 25 نوفمبر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة وبهذه المناسبة المهمة تلفت فيه نظر المجتمع الدولي مجددا للفظائع غير المسبوقة وواسعة النطاق التي ترتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء والفتيات في سن الطفولة في مناطق مختلفة من السودان. وتشمل تلك الفظائع جرائم الإغتصاب، والاختطاف، والاسترقاق الجنسي، والتهريب، والزواج بالإكراه، وأشكال أخرى من العنف والمعاملة غير الإنسانية والمهينة و القاسية والحاطة للكرامة للنساء وأسرهن ومجتمعاتهن وفيما يلي تورد سونا نص البيان التالي .يصادف يوم غد الإثنين 25 نوفمبر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة . وبهذه المناسبة المهمة تلفت وزارة الخارجية نظر المجتمع الدولي مجددا للفظائع غير المسبوقة وواسعة النطاق التي ترتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء والفتيات في سن الطفولة في مناطق مختلفة من السودان. وتشمل تلك الفظائع جرائم الإغتصاب، والاختطاف، والاسترقاق الجنسي، والتهريب، والزواج بالإكراه، وأشكال أخرى من العنف والمعاملة غير الإنسانية والمهينة و القاسية والحاطة للكرامة للنساء وأسرهن ومجتمعاتهن.لقد تم توثيق ما لا يقل عن 500 حالة إغتصاب بواسطة الجهات الرسمية والمنظمات المختصة و منظمات حقوق، تقتصر على الناجيات من المناطق التي غزتها المليشيا، ولا شك أن هناك أعدادا أخرى من الحالات غير المرصودة بسبب عدم التبليغ عنها، أو لأن الضحايا لا يزلن في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا. بينما يقدر أن هناك عدة مئات من المختطفات والمحتجزات كرهائن ومستعبدات جنسيا وعمالة منزلية قسرية، مع تقارير عن تهريب الفتيات خارج مناطق ذويهن وخارج السودان للاتجار فيهن .تستخدم المليشيا الإغتصاب سلاحا في الحرب لإجبار المواطنين على إخلاء قراهم ومنازلهم لتوطين مرتزقتها، ولمعاقبة المجتمعات الرافضة لوجودها. كما توظفه ضمن استراتيجيتها للإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تستهدف مجموعات إثنية بعينها، حيث تقتل كل الذكور من تلك المجموعات وتغتصب النساء والفتيات بغرض إنجاب أطفال يمكن إلحاقهم بالقبائل التيينتمي إليها عناصر المليشيا.ظلت حكومة السودان وخبراء الأمم المتحدة وبعض كبار مسؤوليها، وعدد من منظمات حقوق الإنسان الدولية والوطنية تنبه لهذه الجرائم منذ وقت مبكر، بعد أن شنت المليشيا حربها ضد الشعب السوداني وقواته المسلحة ودولته الوطنية في أبريل من العام الماضي. ومع ذلك لم يكن هناك رد فعل دولي يوازي حجم هذه الفظائع التي تفوق ما ارتكبته داعش وبوكو حرام وجيش الرب اليوغندي ضد المرأة. ومن الواضح أنها تمثل أسوأ ما تتعرض له النساء في العالم اليوم. وعلى العكس من ذلك، لا تزال الدول والمجموعات الراعية للمليشيا الإرهابية تتمادي في تقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي والإعلامي لها مما يجعلها شريكة بشكل كامل في تلك الجرائم. وما يزال مسؤولو الدعاية بالمليشيا والمتحدثون باسمها يمارسون نشاطهم الخبيث من عواصم غربية وأفريقية للترويج لتلك الجرائم وتبريرها. ولا شك أن في ذلك كله تشجيع للإفلات من العقاب يؤدي لاستمرار الجرائم والانتهاكات ضد المرأة.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب