الكتب في حياتي.. سيرة ذاتية للرجل المكتبة كولن ويلسون
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
اعترف الكاتب الإنجليزي الراحل كولن هنري ويلسون (1931-2013) أنه طوال حياته كان مهووسا بالكُتب، ومنذ أن كان طفلا أحب كثيرا شراء الكتب المستعملة، إذ كان مؤمنا أنه حقق أحلامه باقتناء ما يحب من الكتب التي لطالما حلم بقراءتها.
وفي ذلك يقول "اقتنيت الكتب بلا هوادة كمن يطلب الخلود لأجل أن يتوفر له الوقت الكافي لقراءة هذه الكتب، لكن عندما بلغت الآلاف لم أعد أقرأ أية مراجعات حديثة للكتب، خشية ألا أكون قادرا على مقاومة الإغراء العنيف في إضافة المزيد من الكتب إلى مكتبتي".
وفي ترجمة كتابه "الكتب في حياتي"، الذي نقله إلى العربية حسين شوفي وقدمته لطفية الدليمي، يقدم كولن ويلسون أجمل وأهم اللحظات القرائية التي عاشها.. في هذا الرف من المكتبة كُتب تأثر بها، وهناك كُتّاب أثروا في تكوينه المعرفي والفلسفي، وكأنه يخبرنا أن قراءة كتاب تقود إلى التنقيب عن كتب أخرى، وهذا ما وصفه بوسائل المحقق شرلوك هولمز في الكشف عن الأحجيات، على سبيل المثال، قراءة الشاعر والمسرحي الأميركي توماس ستيرنز إليوت قادته إلى اكتشاف كل من كتاب الهندوسية المقدس "الباغافاد غيتا"، والروائي الأميركي إيرنست هيمنغواي.
دودة كتبيقول كولن ويلسون، عندما بلغتُ الـ10 من العمر بات في عداد الحقائق المتداولة أنني غدوت "دودة كتب"، واستطرد "جعلت هذه الحقيقة أبي متقززا مني، خاصة أنه كان يهوى الألعاب الرياضية، ولطالما أقسم أني سأتلف عيوني عما قريب".
نشأ كولن ويلسون في عائلة تنتمي للطبقة العاملة، ولم يتيسر له سوى القليل من التعليم، وتلفت المترجمة لطفية الدليمي في تقديمها للكتاب إلى أنه كان طفلا يافعا جنح نحو الكلمة المطبوعة، التي رأى فيها معينا لن يخذله في استكشاف الأسئلة الإشكالية اللامحدودة. وتضم مكتبة ويلسون وقت صدور كتابه "الكتب في حياتي" عام 1998 نحو 20 ألف مجلد، من ضمنها 80 عنوانا لكتب هي مؤلفاته الخاصة.
ولعل ذلك يبرر سبب امتلاكه مكتبة تحوي ما بين 20 إلى 30 ألف كتاب، وكل غرفة في بيته بما فيها غرفة نومه تحوي رفوفا متخمة من الكتب، إلى جانب آلاف من الأسطوانات وشرائط الفيديو.
والسؤال المطروح هنا، هل قرأ ويلسون كل هذه الكتب؟ يقول "العديد من هذه الكتب يخدمني كمراجع أعود إليها عند الحاجة طالما المكتبة العامة بعيدة عن منزلي، والبعض الآخر من الكتب اقتنيه على أمل قراءته لاحقا عند تيسر الوقت". ويضيف "لو أردت الحديث عن الكتب الأكثر تأثيرا في حياتي لتوجب عليّ المضي في كتابة بضعة مجلدات عنها وليس أقل من ذلك".
وعمل صاحب كتاب "حلم غاية ما" عندما كان في 13 من عمره موزع جرائد للحصول على مصروفه اليومي، فقد كان دكان بيع الجرائد يضم مكتبة لإعارة الكتب، وفي إحدى المرات نصحه مندوب الجرائد بقراءة كتاب "كنز بارتلمي الأسود"، وكان عبارة عن مغامرات للأطفال، وكان حينذاك يقرأ "آينشتاين"، لكنه فضل استعارة كتاب "مغامرات العفريت الصغير".
"أبي ليس قارئا"ويشير صاحب كتاب "اللامنتمي" إلى أنه كان يقتني الكتب الممتعة له، ولعل أهمها كتب الجريمة، إلى جانب كتب الشعر، بدءا من أعمال شوسر مرورا بملتون وحتى تي. إس. إليوت، وآلاف الكتب في الموسيقى، والفلسفة، والسيرة، والتأريخ، والنقد الأدبي، والعلوم، والرياضيات، والرواية.
وكانت لديه الأعمال الكاملة للكُتاب المفضلين أمثال دوستويفسكي، وتولستوي، وبرنارد شو، والكثير من الأعمال التي تنتظر القراءة.
وأقر صاحب كتاب "فن الرواية" أن والدته قارئة للكتب مثله، على خلاف أبيه الذي قضى حياته عاملا في مصنع للأحذية، ولم يقرأ كتابا واحدا.
ويستدرك في هذا الكتاب ذكرياته مع كتاب "الجرائم الخمسون الأكثر إثارة في المائة سنة الأخيرة"، فقد حذره والده من قراءته، وفي أكثر من مناسبة ينتهز فرصة مغادرة أهله البيت من أجل قراءة هذا الكتاب، حتى إن هذا الكتاب حفزه وخلق فيه رغبة واهتماما بموضوعات الجريمة والمجرمين، وقد قاده هذا الاهتمام لكتابة "موسوعة قضايا القتل"، وكذلك كتابة روايته الأولى "طقوس في الظلام"، التي قادته إلى كتابة عمله الشهير "اللامنتمي".
ويرى صاحب كتاب "عالم العنف" أن السبب وراء قراءته المتواصلة التي بدت كأنها لن تنتهي يوما ما، هي ببساطة علامة على غريزة طبيعية يمتلكها للغوص بداخل الفضاء الجواني اللانهائي للعقل البشري.
يعترف كولن ويلسون أنه في بداية علاقته مع العلم زودته عمته بأعداد من مجلة "العلم الذي تقرؤه وأنت جالس على الأريكة"، وتضمنت الأعداد سلسلة مقالات مثل: القنوات على سطح المريخ، الآلة التي تدعى السايكلوترون والمستخدمة لشطر الذرات.
بدأ صاحب كتاب "الحاسة السادسة" في تدوين مذكراته منذ سن الـ16، لكن بعد زمن اكتشف أن ما كان يفعله لم يكن سوى ضجر مراهق، وأن ما كان يدونه في دفتر المذكرات، وقراءة الشعر، وسماع الموسيقى، كان ما سماه "الهروب من الشخصية".
في سن الـ18 مزّق كل هذه المذكرات، التي بلغت 12 مجلدا، مبررا ذلك بأنها كانت مذكرات عصابية وفيها شعور بالخوف من الأماكن الضيقة، وأن الذات التي عكستها أو تكلمت عنها كانت ذاتا كاذبة.
يمكن اعتبار الكتاب شكلا من أشكال السيرة الذاتية الأدبية، يلامس خلالها كولن ويلسون عوالم فكرية وفلسفية، بيّنت نتاج التجربة المتراكمة التي عايشها الروائي الراحل كولن ويلسون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات صاحب کتاب من الکتب الکتب فی فی حیاتی
إقرأ أيضاً:
عبد السلام فاروق يكتب: معارض الكتب العربية.. لماذا لا نمل التكرار؟!
في البدء كانت الكلمة، ثم صارت معرضًا، نلتقي هناك، بين الرواق والرف، لنعيش لحظات نعتقد أنها ثقافة، لكنها غالبًا ما تكون مجرد ظل لها. نشتري الكتب، نلتقط الصور، نستمع إلى المتحدثين نفسهم كل عام، ثم نغادر كما جئنا: بلا أسئلة جديدة، ولا أفكار تقلقنا.
هذا ليس نقدًا لمعارض الكتب، بل هو حنين إلى ما يمكن أن يكون. إلى معرض لا يختزل في "الحدث الثقافي" الذي يعلن عنه، بل في ذلك الحوار الخفي الذي يحدث بين القارئ والكتاب، بين المبدع والمتلقي، بين الماضي الذي نحمله والمستقبل الذي نصنعه. معرض لا يكرر نفسه، بل يتجدد كالنهر الذي لا يعبر المرء نفس مياهه مرتين.
فهل نجرؤ على أن نحلم بمعرض كهذا؟!
في كل ربيع، تتنفس أبو ظبي بكتب تفتح، وأفكار تعلق كنجوم في سماء ندواتها، وأصوات تأتي من كل حدب لتلون أروقة المعرض الدولي للكتاب. هنا، حيث تتحول الكلمات إلى لوحات، والندوات إلى حوارات تلامس الغيم، يصبح المعرض ليس مجرد سوق للورق والحبر، بل مهرجانًا ثقافيًا يذوب فيه الفن في الفكر، والماضي في المستقبل. لكني، وأنا أقرأ أخبار هذه الدورة، أشعر بظل من الحزن يتسلل إلى كياني؛ حزن لا يعبر عن غيابي الجسدي عن أروقته هذا العام فحسب، بل عن سؤال يلح علي: هل يكفي أن نكرر الوجوه ذاتها كل عام لنجعل من المعرض منارة ثقافية؟.
بين الكتب والوجوه: سردية المكان
لا يختزل المعرض في رفوفه الممتلئة، بل في ذلك الحوار الخفي بين الغائبين عنه والحاضرين فيه. إنه فضاء تعيد فيه الثقافة العربية اكتشاف ذاتها عبر كتب تتنافس في جمال الطباعة وعمق المحتوى، وندوات تلامس قضايا من الشرق إلى الغرب، وفنون تشكيلية تتحرك كأنها قصائد بصرية. الضيوف الذين يحتضنهم المعرض، من مفكرين وأدباء وفنانين، هم بمثابة جسور تربط بين الموروث والحداثة، بين المحلي والعالمي. كل دورة جديدة تذكرنا أن الثقافة ليست تراكمًا، بل حركة دائمة نحو آفاق غير مطروقة.
لكن هذه الحركة، يا سادتي، تحتاج إلى رياح جديدة. فكيف لنا أن نتحدث عن انفتاح ثقافي، ونحن نرى الوجوه ذاتها تتكرر عامًا بعد عام، وكأن المعرض تحول إلى "صالون أدبي" مغلق على نخبة محددة؟ أليس في العالم العربي والعالمي من المبدعين والمفكرين من يستحق أن يسمع صوته؟ أليس التغيير جزءًا من جوهر الثقافة ذاتها؟.
غيابي... وحضور الأسئلة
قد يقول قائل: "الحضور رمزي يعزز التواصل". لكنني، وأنا أتأمل صور الندوات وبرامجها، أتساءل: كم من تلك الأسماء المكررة قدمت رؤية جديدة هذا العام؟، كم منهم تجاوز خطابه المألوف إلى فضاءات غير مسبوقة؟ الثقافة لا تبنى بالتكرار، بل بالتجديد. ولئن كان حضور بعض الوجوه ضرورة لاستمرارية الحوار، فإن إحلال دماء جديدة مكان أخرى بالية هو شرط بقاء الثقافة حية.
أذكر ذات مرة أن الدكتور سعيد يقطين الناقد المغربي المعروف ، كتب عن "السرد الناعم" كحكاية تتدفق بلا ضجيج، لكنها تحدث أثرًا عميقًا. هكذا يجب أن يكون المعرض: حكاية تتجدد شخصياتها كل عام، لا أن تتحول إلى مسرحية يعاد تمثيلها بنفس الأدوار. إن تكرار الضيوف يشبه إعادة طباعة كتاب قديم بغلاف جديد: قد يبدو جميلًا، لكنه لا يغني المكتبة.
اقتراح من القلب
لا ينبع نقدي من جحود بقيمة المكررين، بل من حب لجعل المعرض منصة لا تضاهى. لماذا لا نستلهم تجارب معارض عالمية تخصص مساحات واسعة للاكتشاف؟ لماذا لا نشرك الشباب أكثر، أو نستضيف مبدعين من ثقافات لم تسمع أصواتها بعد؟ الثقافة العربية غنية بتنوعها، لكن هذا التنوع لا يظهر إلا إذا فتحنا الأبواب لـ"الآخر" المختلف، لا الذي نعرفه مسبقًا.
الشارقة.. حب قديم!
بين ضجيج المعارض وصمت الذكريات، تقف الشارقة كسيرة عشق لم تكمَل. زرتها ذات يوم ضيفًا على معرض الكتاب، فكانت كحكاية "كليلة ودمنة" تروى لأول مرة: كل جنباتها حروف، وكل شارع فيها باب مفتوح إلى عالم آخر. أحببتها حتى ألفت عنها كتابًا، وكتبتها حتى صارت في قلبي وطنًا ثانيًا.
لكن العجيب في الحكايات الجميلة أنها تنسى أحيانًا! فمنذ تلك الزيارة اليتيمة، لم أتلق دعوة، ولم أعد إلى أروقة المعرض، وكأنما اكتملت فصول تلك القصة بلا خاتمة. أتذكر جيدًا ذلك الزحام الثقافي، وتلك الوجوه المتعطشة للكتب، والجلسات التي كانت تشبه "نديم" الجاحظ في زمن السوشيال ميديا. فالشارقة ليست معرضًا للكتب فقط، بل هي "ديوان" العرب الذي يجمع بين الأصالة والانطلاق.
فيا معرض الشارقة، أليس من العدل أن تعود الفراشات إلى حيث تلونت أجنحتها أول مرة؟ أم أن الدعوات صارت كالكتب النادرة التي لا يوفق الجميع لاقتنائها.