ينبغي تعويض البلدان الفقيرة ومساعدتها للتكيّف مع آثار تغيّر المناخ
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
إستر دوفلو
الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز
تعدّ درجات الحرارة التي سُجّلت على الكوكب خلال الأشهر الـ 12 الماضية الأكثر ارتفاعا على الإطلاق. ولا يجعل هذا الواقع من تغيّر المناخ تهديدًا للمستقبل فحسب، وإنما أيضًا جزءا متزايد الأهمية من حاضرنا. غير أن الأمر لا يتعلّق بحاضرٍ ولا بمستقبلٍ يتقاسمهما الجميع بشكل عادل.
غالبًا ما تقع البلدان الفقيرة في مناطق تعرف مناخًا حارًّا للغاية. ومع ارتفاع درجة الحرارة على الكوكب، فإنهم مضطرّون لتحمّل عددٍ أكبر من الأيام في السنة حيث تكون درجات الحرارة بالكاد مناسبة لحياة البشر (تتجاوز 35 درجة مئوية). وفضلا عن ذلك، يشكّل الفقر عائقا كبيرا أمام التكيّف مع تغيّر المناخ، فعندما تصل درجة الحرارة إلى 35 درجة في تكساس، يمكن للموظّف الانتقال من الهواء المكيّف في منزله إلى الهواء المكيّف في مكتبه مستقلًّا سيارته المكيّفة؛ لكن عندما تصل درجة الحرارة إلى 35 درجة في باكستان، يعاني سكان المناطق الريفية من الحرّ داخل منازلهم غير المجهّزة بمكيّفات الهواء، وغالبا ما يضطرون إلى إنجاز أعمالٍ بدنية في الخارج.
ويؤدي اجتماع هاتين القوّتين إلى وضع خطير للغاية. يتوقّع الباحثون في مختبر التأثير العالمي (Global Impact Lab) أنه بحلول عام 2100، وإذا لم يتغير مسار الانبعاثات، فإن ارتفاع درجات الحرارة على الأرض سوف يتسبّب في ستة ملايين وفاة إضافية سنويًّا، وهو رقم يتجاوز إجمالي الوفيات النّاجمة عن الأمراض المعدية حاليا. غير أن هذه الزيادة في معدل الوفيات ستحدث حصريًّا في البلدان الأكثر فقرا.
إن المسؤولية عن هذا الوضع هي غير متكافئة بالقدر نفسه. فكلّما كان الشخص غنيّا كلّما كان استهلاكه أكبر وزادت مساهمته في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وسواء كان الكربون منبعثًا من مصنعٍ في الصين أو على طريقٍ سريع في فرنسا، فالنتيجة هي نفسها. وفقًا للحسابات التي قام بها خبير الاقتصاد الفرنسي لوكا شونسل (Lucas Chancel)، وإذا أخذنا بعين الاعتبار البصمة الكربونية الإجمالية لكل شخص، فإن العشرة بالمائة الأولى من السكان من حيث الانبعاثات مسؤولون عن 50% من إجمالي الانبعاثات على الكوكب. إن البصمة الكربونية لأمريكي غنيّ نسبيًّا أكبر 120 مرة من البصمة الكربونية لشخص فقير من سكان إفريقيا.
ولهذا السبب، تقدّمت يوم الأربعاء 17 أبريل الجاري في اجتماعٍ لوزراء مالية مجموعة العشرين عُقد بدعوةٍ من البرازيل، باقتراحٍ يتعلق بتعبئة الأموال بطريقة مستدامة من أجل تعويض أفقر المواطنين في العالم ومساعدتهم على التكيّف مع تغير المناخ.
يبلغ إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصّادرة عن الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعين نحو أربعة عشر مليار طن سنويا. ويساهم كل طن في ارتفاع درجة حرارة كوكبنا ويتسبّب في وفيات. فهل نستطيع أن نحدّد رقمًا للتّكلفة التي تتكبّدها البلدان الأكثر فقرا من جرّاء هذه الانبعاثات؟ يتطلّب هذا تحديد تكلفة لحياة الإنسان - وهي ممارسة تستخدمها الإدارات من أجل حساب قيمة منحدرات الطرق السريعة التي من شأنها أن تقلّل من حوادث السير. ومن خلال الجمع بين تقدير التكلفة السنوية لكل حياة مفقودة، والتأثير المتوقع لطن من ثاني أكسيد الكربون على درجات الحرارة وتأثير درجات الحرارة على المناخ، قام الباحثون بحساب القيمة النقدية لتأثير كل طن من الكربون على الوفيات المستقبلية: 37 دولارا.
تتكبّد البلدان الأكثر فقرا بالتالي كل عام تكلفة قدرها 485 مليار يورو بسبب الانبعاثات الصّادرة عن أوروبا والولايات المتحدة، وتتعلق هذه التكلفة حصرا بالأرواح المفقودة فقط. ذلك هو دَيننا الأخلاقي تجاه البلدان الفقيرة. لقد اعتُمد مبدأ صندوق «خسائر وأضرار» لتقديم التعويضات للدول الفقيرة في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بشأن تغير المناخ. لكن الصندوق لم ينجح حتى الآن سوى في تعبئة بضع مئات الملايين من اليورو، لذا فنحن ما نزال بعيدين عن الأهداف.
ما السبيل إلى جمع المبلغ المطلوب؟ إن الالتزامات الطّوعية التي تعهّدت بها البلدان حتى الآن لم تُوفّ أبدًا. ولذلك فإن اقتراحي هو إيجاد مصادر جديدة للتمويل وتوجيهها نحو هذا الاستخدام. ثمّة طريقان ملموسان للغاية يمكن أن نمضي فيهما: الأول هو رفع الحدّ الأدنى للضريبة المفروضة على كبرى الشركات متعددة الجنسية، التي سبق أن اتّفقت البلدان على تحديدها في نسبة 15%، والتي يمكن زيادتها بنقطتين أو ثلاث.
ضرائب عادلة وتقدّمية وشعبية
يتعلّق الطريق الثاني بالاقتراح الذي تقدّم به مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي والمتمثل في فرض ضريبة سنوية قدرها 2٪ على أغنى 3000 ملياردير في العالم. وقد تداولت مجموعة العشرين حول هذا المقترح باعتباره مقترحًا مركزيا للرئاسة البرازيلية. ومن شأن هذين الطريقين معًا أن يتيحا جمع أكثر من 450 مليار يورو.
تمتاز هذه الضرائب بكونها عادلة وتقدّمية وشعبية. لقد أظهرت دراسة حديثة أجراها أدريان فابر (Adrien Fabre)، الباحث في المركز الدولي للأبحاث حول البيئة والتنمية، بمعيّة الاقتصاديّين طوما دوين (Thomas Douenne) ولينوس ماتاوخ (Linus Mattauch)، أن 69% من الأمريكيين و84% من الأوروبيين يؤيّدون فرض ضريبة على أصحاب الملايين من أجل تمويل البلدان الفقيرة.
إذا كان من الممكن جمع هذه الأموال فكيف ينبغي إنفاقها؟ إن أفضل استخدامٍ لها هو تقديم تعويضات لضحايا الحرارة الشديدة أو الكوارث المناخية، وهو ما من شأنه أن يسمح لهم بحماية أنفسهم والبقاء على قيد الحياة. أقترح القيام بتحويلات تلقائية إلى المتضرّرين من الظروف المناخية، وهذا يضمن الشفافية والعدالة.
أظهرت لنا العديد من الدراسات البحثية أن الأسر تستفيد بشكل جيد للغاية من التحويلات المالية المباشرة. وقد أصبح الآن من الممكن تشييد بنية تحتية مالية تربط كل أسرة في العالم بالتحويلات المالية. وبوسع مختلف البلدان الاتّفاق على قواعد تلقائية لكي تؤطّر التحويلات المالية إلى الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المتأثرة بصدمة حرارة أو حدث مرتبط بالمناخ - الجفاف أو الفيضانات - في البلدان الأكثر فقرًا.
تقف المجتمعات المحلية على الخطوط الأولى للمواجهة من أجل حماية مواطنيها: تقوم البلديات ببناء الحواجز الصخرية، وتشييد مبانٍ مبردّة، وتسهيل استقبال السكان النازحين. ومن شأن التحويلات المالية الموجّهة إلى الحكومات المحلية أن تسمح لها بتنفيذ هذه الإجراءات.
وأخيرا، تتولّى حكومات البلدان الفقيرة مسؤولية توفير جزء كبير من الدعم لشعوبها عند حصول الأزمات، غير أنه ليس بإمكانها تحمّل تَرَف «مهما يتطلّب الأمر» إذ ليس ثمّة أحد لإقراضها. يمكن للصندوق أن يساعدهم في ذلك من خلال تمويل عمليات إعادة التأمين التي يحتاجون إليها. نعرف مبلغ الفاتورة وطريقة جمع المال وكيفية إنفاقه، والشيء الوحيد المتبقّي إذن هو التوصّل إلى اتّفاق.
إستر دوفلو أستاذة الاقتصاد في كوليج دو فرونس ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حائزة على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2019
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: البلدان الفقیرة البلدان الأکثر درجات الحرارة ر المناخ من أجل
إقرأ أيضاً:
مهنيون: الحرارة غير المعتادة التي شهدها المغرب بعد الأمطار الأخيرة، تثير شكوك حول مصير الموسم الفلاحي
يرى المهنيون في القطاع الفلاحي، أن الحرارة غير المعتادة التي شهدها المغرب بعد التساقطات المطرية الأخيرة، تثير مجموعة من الهواجس والشكوك حول مصير الموسم الفلاحي 2024-2025.
و أكدوا، أن التغير المناخي يعد حاليا أشد من الجفاف نفسه، بالنظر إلى أن هذا الأخير يمكن مواجهته عبر السقى وتحلية مياه البحر، لكن آثار الاحتباس الحراري لازالت عصية على الحل.
حيثي يأتي ذلك بعد 6 سنوات متتالية من الجفاف عاشها المغرب، وانعكست على العديد من المزروعات ذات الاستهلاك الواسع من قبيل الحبوب والخضر وزيت الزيتون، فضلا عن فقدان عشرات الآلاف من مناصب الشغل بالعالم القروي.