لجريدة عمان:
2024-09-30@16:58:40 GMT

عندما يكون الفنان مثقّفًا كبيرًا

تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT

يُجمع كل من عرف الفنان المصري الكبير صلاح السعدني (الذي رحل عن عالمنا قبل أسبوع عن ثمانين عامًا ونيّف) أنه كان من أكثر الفنانين العرب ثقافةً واطلاعًا وقراءة، وانعكس ذلك على حواراته الفنية القليلة التي ينبهر المرء بما يسمعه خلالها، من رؤية واضحة في الحياة، ووعي سياسي عالٍ، وحسّ فنّي متقد. ولذا فقد كان الممثل المفضّل لدى عدد غير قليل من المخرجين في أدوار «المثقفين»، من هؤلاء مثلًا المخرج إبراهيم الشقنقيري الذي أسند إليه دور المثقف اليساري في الفيلم التلفزيوني «فوزية البرجوازية»، وأسماء البكري التي اختارته في دور المثقف في فيلمين من إخراجها؛ الأول «شحاتين ونبلاء» وجسّد فيه دور أستاذ الفلسفة الذي يدفعه وعيه الحادّ بمجتمعه وانقلاب موازين النظر إلى الأمور، إلى ترك وظيفته واعتزال العالم مفضّلًا العمل في أحد بيوت المتعة، والثاني «كونشرتو في درب سعادة» في دور الموظف في دار الأوبرا المنجذب لسماع الموسيقى الكلاسيكية.

وأفتح هنا قوسًا لأقول إن أول دور جذبني لصلاح السعدني كان أيضًا دور مثقف، وتحديدًا كاتب مسرحي شاب، في المسلسل الدرامي الجميل «سفر الأحلام» وما زلت حتى اليوم لا أنسى مشهد تمزيق محمود مرسي مسرحية الكاتب الشاب ورمي قصاصاتها في الشارع من الطابق الثالث أو الرابع؛ بحجة أن نهايتها مأساوية! وأظنني سأحب العناوين الطويلة عندما أصبح كاتبًا بعد سنين من هذا المسلسل بسبب العنوان العجيب لهذه المسرحية: «الخمس دقائق الأخيرة قبل وصول البوليس».

على أن الممثل المثقف قادر على الأداء المبهِر في كل الأدوار وليس فقط أدوار «المثقفين»، ومنها طبعًا أدوار الفلاحين والناس البسطاء. وما أكثر هذه النوعية من الأدوار التي أدّاها السعدني باقتدار، بدءًا من دوره المبكر في مسلسل «الضحية» سنة 1964 الذي تقمص فيه دور رجل أخرس، وليس انتهاء بدور الفلاح الفقير في فيلم «الأرض» ليوسف شاهين (1970)، وهو أحد أهم الأفلام السينمائية العربية.

لكن أكثر شخصيتين دراميتين للسعدني باقيتين في ذاكرة المشاهد العربي اليوم هما: العمدة سليمان غانم في مسلسل «ليالي الحلمية»، وحسن النعماني في مسلسل «أرابيسك». ورغم أننا لن نجانب الصواب إن قلنا إن سبب نجاحه الكبير في تأديتهما هي الكتابة الدرامية المتقنة لأسامة أنور عكاشة، فإنه ينبغي أن نضيف إلى ذلك اجتهاد الفنان نفسه، بالاشتغال العميق على تقمص الشخصيتين. يؤكد ذلك إجابته على سؤال الناقد طارق الشناوي: «كيف تختار أعمالك؟» حيث يقول: «أقرأ ثلاثين مسلسلًا لأختار دورًا واحدًا، ورغم ذلك كثيرًا ما أضطر لإعادة كتابة دوري بنفسي». إن إعادة كتابة الدور هنا لا تعني الاعتداء على نصّ المؤلف، بل البحث عن مفاتيح الشخصية المكتوبة، والغوص في دواخلها النفسية، وإضافة لمسات إبداعية لها؛ «إنك تحسّ وهو يلعب أمامك شخصية، أو يؤدي مشهدًا منها، أنه يكتب الشخصية في ذهنك مثلما الكاتب يكتبها» كما يصف الروائي المصري خيري شلبي أداءه التمثيلي في كتابه «حديقة المضحكين». يُروى عنه مثلًا أنه قبل أن يدخل تصوير مسلسل «أرابيسك» قضى شهرًا كاملًا في تعلّم صنعة الأرابيسك مع «حسن أرابيسك» الحقيقي. أما أداؤه في «ليالي الحلمية» فيلفتنا إلى أهميته الكاتب العراقي إبراهيم البهرزي في مقال له بعنوان «صلاح السعدني أم سليمان غانم؟» بالقول إنه «في الأعمال ذات الأجزاء المتعددة يراقب الكاتب والمخرج وجِهَةُ الإنتاج تأثير شخصيات العمل على الجمهور في جزئه الأول ليعيدوا تقييم المسار الدرامي للأحداث في الأجزاء التالية»، ويَخْلُص البهرزي بعد هذه المقدمة إلى أن أداء الفنان صلاح السعدني في كل جزء من أجزاء «الليالي» كان يُضيف لعكاشة عدة دسمة تساهم في تطور الشخصية، مؤكِّدًا أن شخصية سليمان غانم لو كان أدّاها ممثلٌ آخر «فربما كان سيدفع أسامة أنور عكاشة إلى أسلوب قتل الشخصية الذي يلجأ إليه مؤلفو الدراما حين تستنفد بعض الشخصيات في الأعمال المطولة قدرتها على النمو، وما كان سيوصِل هذه الشخصية إلى أرذل العمر، وتظل مع ذلك تجسِّد الخرف بأصدق تعابيره المعجزة كما أدّاها السعدني».

بالنظر لحجم موهبته كان يمكن لصلاح السعدني أن يكون اليوم في مكانة فنية أعلى بكثير، لولا العرقلة التي مُنِيَ بها في بداية مشواره في السبعينيات. وشخصيًّا كنتُ أظن مع كثيرين أن السبب الوحيد لهذه العرقلة هو سجن شقيقه الكاتب الساخر محمود السعدني لمواقفه السياسية، وانعكاس ذلك على فرص أخيه، لكن الكاتب بلال فضل روى في برنامجه «الموهوبون في الأرض» أن السبب الحقيقي هو نقدٌ سياسي وجهه صلاح السعدني خلال جلسة بجامعة القاهرة سنة 1972 لمناقشة فيلم «أغنية على الممر»، والذي أدّى فيه واحدًا من أجمل أدواره السينمائية، إضافة إلى أنه -أي صلاح السعدني- كان والفنانة محسنة توفيق الممثلَيْن الوحيدَيْن اللذَيْن وقّعا بيان المطالبة بإنهاء حالة اللا سلم واللا حرب ضد إسرائيل من المثقفين المصريين، ونُشِرَ في جريدة الأنوار اللبنانية في 9 يناير 1973.

إن فنانًا مثقفًا كصلاح السعدني، وملتزمًا تجاه وطنه وفنّه وجمهوره، لا يمكن أن تكون نهايتُه خبرًا حزينًا من سطرين في الصفحة الأخيرة من صحيفة الأهرام، كما كان يتخيّل في حياته نهاية أي فنان. بل سيبقى واحدًا من الفنانين العرب القلائل الذين كتبوا بفنِّهم الجميل ومواقفهم المشرّفة صفحة جميلة في تاريخ الفنّ العربي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلاح السعدنی

إقرأ أيضاً:

لماذا يكون عمر الذباب قصيراً

بقلم : فراس الحمداني ..

بحسب التفسيرات التي تنتشر بين الناس عند الحديث عن رؤيا الذباب في المنام حيث يدل الذباب على رجل ضعيف القوة في نفسه ولكنه يطعن في ظهر غيره بالنميمة ودنيء الطباع ، كما يدل في كثير من الأحيان على الرزق الحرام أو المشبوه المصدر ، ويفسر قتل الذباب في الحلم فيه راحة للنفس والصحة والبدن ، ويدل أيضاً على ( مسطول ) كسول لا يملك همة وهو ( قزم ) بلقب ( الأنثى ) ، أو نكرة حسود لا يعرف التدبير ولا يحسن الرأي ، وكثرة الذباب في الحلم يدل على الهزيمة .
لا تنمو الذبابة في الحجم بعد إنتهاء طور الشَّرنقة ، ولذا لا يتغيَّر مظهُرها مُنذ تلك المرحلة ، وتعيش الذُّبابة المنزلية عادةً لمُدَّة ثلاثة أسابيع (21 يوماً تقريباً ) في فصل الصَّيْف ، ومُدَّة أطول بقليلٍ خلال الشِّتاء ، حيث يكون نشاطها وحركتها أقلّ ، وتضع البيض في دفعات تصل إلى 120 إلى 150 بيضة ويمكن أن تفقس في 8 إلى 72 ساعة . تستغرق اليرقات البيتية من 3 إلى 60 يوماً للنضوج ، تنضج اليرقات في 3 إلى 28 يوماً . يمكن العثور على ذباب المنزل مستريحًا على الجدران أو الأرضيات أو الأسقف عندما يكون داخل المنزل .
الحسد مرض يسيطر على فئات ( شمبازية ) في المجتمعات ( الحيوانية ) كافة وعندنا في العراق يتحول الحسد عند البعض إلى سلوك يومي حيث يراقب البعض سلوك الآخرين المهني والوظيفي والإبداعي وحين يرون النجاح الذي يتحقق لهؤلاء بينما هم فاشلون مترددون غير قادرون على القيام بمهامهم وأدوارهم كما ينبغي فيتربصون لغيرهم ويحاولون سرقة كل شيء منهم حتى أسماءهم وكأن الإسم عدو محتمل لهؤلاء فيريد الواحد الفاشل والمنبوذ منهم أن يتسمى بإسم الشخص المشهور والناجح والمعروف . وتجد ( حواوين ) يحاولون أن يعيشوا تجربة القيام بأدوار غريبة وسلبية فيخطون ( الخرابيط ) التي تذم وتقدح بالنجاح والنجاح والهدف التقليل من شأنه وتصفه بأوصاف لا تليق ، فهم لا يريدون أن يتحملوا حضور وإبداع ذلك الناجح ولا سبيل لديهم سوى مهاجمته بشتى الطرق والتنكيل به والإنتقاص من شخصيته بل يفعلون كل ذلك بطريقة ( حشراتية ) بالرغم من كونهم بعيدين عنه . هؤلاء يرون نجاحه من بعيد فلا يحتملون ذلك ولا يستطيعون ويسخرهم الشيطان لفعل الموبقات جميعها و ( يسربتون ) ضده بأوصاف كريهة بشعة ويحولون نقائصهم نحوه وكل منقصة فيها يدعون أنها فيه وهي ليست فيه وهم متيقنون أنها ليست فيه ولكنهم يريدون إقناع أنفسهم بذلك لكي يشعروا بالنجاح الذي لم يصلوا إليه بالعطاء والإبداع فإختاروا الحسد والتلفيق سبيلاً لتوجيه الحماقات . هؤلاء واهمون لأن ذلك سيرتد عليهم لأنهم مثل الذباب لا قيمة له وسرعان ما يموت بعد أسابيع قليلة من مجيئه إلى الحياة . وهذه الرسالة الأولى للقزم الأنثى وأمثاله المزيفون التافهون .
وقد قال الشاعر :
أأعتب وما نفع العتاب
إذا كان الخصم من الذباب
يلومني وهو خصمي
ويريني الماء من السراب
يذمني وهو الذميم إذا
جاءني يوما كالخراب
فالطعام لديه كنز
ومثله ذاك الشراب . Fialhmdany19572021@gmail.com

فراس الغضبان الحمداني

مقالات مشابهة

  • لماذا يكون عمر الذباب قصيراً
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. داقرة
  • الحوثيون والإيرانيون يبدؤون بتهيئة هذه الشخصية خلفا لعبدالملك الحوثي في حال اغتياله
  • من يكون حسن نصر الله زعيم حزب الله الذي اغتالته إسرائيل باستخدام 85 طنا من القنابل؟
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. الناسور العصعصي
  • حكايات من صور.. الحارس السوري الوحيد والفلسطيني الذي يرفض الرحيل
  • المئات يتظاهرون في التحرير للمطالبة بإقرار قانون الأحوال الشخصية (صور)
  • أبو هادي الذي تورط أيضًا في اليمن.. ماذا تعرف عن حسن نصرالله؟ (بروفايل)
  • تامر حسني لـ أحمد العوضي: فنان كبير وكسرت الدنيا رمضان اللي فات
  • الكاتب الزعبي يبعث رسالة جديدة من عتمة المهجع