لجريدة عمان:
2024-12-22@07:46:29 GMT

عندما يكون الفنان مثقّفًا كبيرًا

تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT

يُجمع كل من عرف الفنان المصري الكبير صلاح السعدني (الذي رحل عن عالمنا قبل أسبوع عن ثمانين عامًا ونيّف) أنه كان من أكثر الفنانين العرب ثقافةً واطلاعًا وقراءة، وانعكس ذلك على حواراته الفنية القليلة التي ينبهر المرء بما يسمعه خلالها، من رؤية واضحة في الحياة، ووعي سياسي عالٍ، وحسّ فنّي متقد. ولذا فقد كان الممثل المفضّل لدى عدد غير قليل من المخرجين في أدوار «المثقفين»، من هؤلاء مثلًا المخرج إبراهيم الشقنقيري الذي أسند إليه دور المثقف اليساري في الفيلم التلفزيوني «فوزية البرجوازية»، وأسماء البكري التي اختارته في دور المثقف في فيلمين من إخراجها؛ الأول «شحاتين ونبلاء» وجسّد فيه دور أستاذ الفلسفة الذي يدفعه وعيه الحادّ بمجتمعه وانقلاب موازين النظر إلى الأمور، إلى ترك وظيفته واعتزال العالم مفضّلًا العمل في أحد بيوت المتعة، والثاني «كونشرتو في درب سعادة» في دور الموظف في دار الأوبرا المنجذب لسماع الموسيقى الكلاسيكية.

وأفتح هنا قوسًا لأقول إن أول دور جذبني لصلاح السعدني كان أيضًا دور مثقف، وتحديدًا كاتب مسرحي شاب، في المسلسل الدرامي الجميل «سفر الأحلام» وما زلت حتى اليوم لا أنسى مشهد تمزيق محمود مرسي مسرحية الكاتب الشاب ورمي قصاصاتها في الشارع من الطابق الثالث أو الرابع؛ بحجة أن نهايتها مأساوية! وأظنني سأحب العناوين الطويلة عندما أصبح كاتبًا بعد سنين من هذا المسلسل بسبب العنوان العجيب لهذه المسرحية: «الخمس دقائق الأخيرة قبل وصول البوليس».

على أن الممثل المثقف قادر على الأداء المبهِر في كل الأدوار وليس فقط أدوار «المثقفين»، ومنها طبعًا أدوار الفلاحين والناس البسطاء. وما أكثر هذه النوعية من الأدوار التي أدّاها السعدني باقتدار، بدءًا من دوره المبكر في مسلسل «الضحية» سنة 1964 الذي تقمص فيه دور رجل أخرس، وليس انتهاء بدور الفلاح الفقير في فيلم «الأرض» ليوسف شاهين (1970)، وهو أحد أهم الأفلام السينمائية العربية.

لكن أكثر شخصيتين دراميتين للسعدني باقيتين في ذاكرة المشاهد العربي اليوم هما: العمدة سليمان غانم في مسلسل «ليالي الحلمية»، وحسن النعماني في مسلسل «أرابيسك». ورغم أننا لن نجانب الصواب إن قلنا إن سبب نجاحه الكبير في تأديتهما هي الكتابة الدرامية المتقنة لأسامة أنور عكاشة، فإنه ينبغي أن نضيف إلى ذلك اجتهاد الفنان نفسه، بالاشتغال العميق على تقمص الشخصيتين. يؤكد ذلك إجابته على سؤال الناقد طارق الشناوي: «كيف تختار أعمالك؟» حيث يقول: «أقرأ ثلاثين مسلسلًا لأختار دورًا واحدًا، ورغم ذلك كثيرًا ما أضطر لإعادة كتابة دوري بنفسي». إن إعادة كتابة الدور هنا لا تعني الاعتداء على نصّ المؤلف، بل البحث عن مفاتيح الشخصية المكتوبة، والغوص في دواخلها النفسية، وإضافة لمسات إبداعية لها؛ «إنك تحسّ وهو يلعب أمامك شخصية، أو يؤدي مشهدًا منها، أنه يكتب الشخصية في ذهنك مثلما الكاتب يكتبها» كما يصف الروائي المصري خيري شلبي أداءه التمثيلي في كتابه «حديقة المضحكين». يُروى عنه مثلًا أنه قبل أن يدخل تصوير مسلسل «أرابيسك» قضى شهرًا كاملًا في تعلّم صنعة الأرابيسك مع «حسن أرابيسك» الحقيقي. أما أداؤه في «ليالي الحلمية» فيلفتنا إلى أهميته الكاتب العراقي إبراهيم البهرزي في مقال له بعنوان «صلاح السعدني أم سليمان غانم؟» بالقول إنه «في الأعمال ذات الأجزاء المتعددة يراقب الكاتب والمخرج وجِهَةُ الإنتاج تأثير شخصيات العمل على الجمهور في جزئه الأول ليعيدوا تقييم المسار الدرامي للأحداث في الأجزاء التالية»، ويَخْلُص البهرزي بعد هذه المقدمة إلى أن أداء الفنان صلاح السعدني في كل جزء من أجزاء «الليالي» كان يُضيف لعكاشة عدة دسمة تساهم في تطور الشخصية، مؤكِّدًا أن شخصية سليمان غانم لو كان أدّاها ممثلٌ آخر «فربما كان سيدفع أسامة أنور عكاشة إلى أسلوب قتل الشخصية الذي يلجأ إليه مؤلفو الدراما حين تستنفد بعض الشخصيات في الأعمال المطولة قدرتها على النمو، وما كان سيوصِل هذه الشخصية إلى أرذل العمر، وتظل مع ذلك تجسِّد الخرف بأصدق تعابيره المعجزة كما أدّاها السعدني».

بالنظر لحجم موهبته كان يمكن لصلاح السعدني أن يكون اليوم في مكانة فنية أعلى بكثير، لولا العرقلة التي مُنِيَ بها في بداية مشواره في السبعينيات. وشخصيًّا كنتُ أظن مع كثيرين أن السبب الوحيد لهذه العرقلة هو سجن شقيقه الكاتب الساخر محمود السعدني لمواقفه السياسية، وانعكاس ذلك على فرص أخيه، لكن الكاتب بلال فضل روى في برنامجه «الموهوبون في الأرض» أن السبب الحقيقي هو نقدٌ سياسي وجهه صلاح السعدني خلال جلسة بجامعة القاهرة سنة 1972 لمناقشة فيلم «أغنية على الممر»، والذي أدّى فيه واحدًا من أجمل أدواره السينمائية، إضافة إلى أنه -أي صلاح السعدني- كان والفنانة محسنة توفيق الممثلَيْن الوحيدَيْن اللذَيْن وقّعا بيان المطالبة بإنهاء حالة اللا سلم واللا حرب ضد إسرائيل من المثقفين المصريين، ونُشِرَ في جريدة الأنوار اللبنانية في 9 يناير 1973.

إن فنانًا مثقفًا كصلاح السعدني، وملتزمًا تجاه وطنه وفنّه وجمهوره، لا يمكن أن تكون نهايتُه خبرًا حزينًا من سطرين في الصفحة الأخيرة من صحيفة الأهرام، كما كان يتخيّل في حياته نهاية أي فنان. بل سيبقى واحدًا من الفنانين العرب القلائل الذين كتبوا بفنِّهم الجميل ومواقفهم المشرّفة صفحة جميلة في تاريخ الفنّ العربي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلاح السعدنی

إقرأ أيضاً:

صلاح عبد الله يفاجئ جمهوره بأبيات مؤثرة وينفي أنها وصيته

فاجأ الفنان الكبير صلاح عبد الله جمهوره ومتابعيه بنشر أبيات شعرية مؤثرة بالعامية عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، الأبيات التي وصفها بأنها جزء من كتاباته “تخاريف صلاح عبد الله”، تناولت الحديث عن الموت والذكرى التي يتركها الإنسان بعد رحيله.

https://www.youtube.com/shorts/vcze_Cf9nSI
 

وقال صلاح في مقدمة المنشور: مش عايزكوا تليكوا ولا تعلقوا، عايزكوا بس تسيفوها، ولما ييجي اليوم المنظور، أخرتلات سطور، بعد الفاتحة إحذفوها"، وأضاف في أبياته: لما مت عملتوا إيه؟ زعلتوا عليا قد إيه؟ يوم يومين تلاتةبالكتير، مش بلومكم، ده أنا عايزكو تعيشوا يومكم.”


 

الأبيات أثارت جدلاً واسعًا بين جمهوره، حيث اعتبرها البعض وصية الفنان. إلا أن صلاح عبد الله نفى ذلك تمامًا في تصريحات خاصة، مؤكدًا أن هذه الكلمات مجرد خواطر من كتاباته بالعامية للتعبير عن مشاعره في مواقف مختلفة.


 

وفي سياق آخر، كشف صلاح عبد الله عن تعرضه لوعكة صحية مؤخرًا، حيث يعاني من نزلة برد شديدة ورغم مرضه، لم يفقد حسه الفكاهي حيث كتب عبر “فيسبوك”: نزلة برد شديدة بتشاور عقلها، تنزل تغزو جسمي بكل تُقلها.”


 

بهذه العفوية والبساطة، يواصل صلاح عبد الله إثبات حضوره الإنساني والفني المميز، ما يجعله دائمًا قريبًا من قلوب جمهوره.


 

ونستعرض المزيد من التفاصيل من خلال الفيديو جراف التالي.https://www.youtube.com/shorts/vcze_Cf9nSI

مقالات مشابهة

  • من يكون أسعد الشيباني الذي عينته السلطات السورية الجديدة وزيرا للخارجية
  • «بعد كتابته وصيته».. تطورات الحالة الصحية للفنان صلاح عبد الله
  • صلاح عبد الله يفاجئ جمهوره بأبيات مؤثرة وينفي أنها وصيته
  • «كنت سأنتحر».. محمد صلاح أدم يستغيث من قلة العمل
  • صلاح عبد الله يثير الجدل بوصيته.. ما القصة؟ | صورة
  • الحكومة الأمريكية تقترب من الإغلاق بعد رفض الجمهوريون مشروع قانون الإنفاق الذي يدعمه ترامب
  • صلاح عبد الله يكشف عن وصيته: «لما مت عملتوا إيه؟»
  • صلاح عبدالله يتعرض لوعكة صحية ويطلب الدعاء من محبيه
  • ابنة طلعت زكريا تكشف حلم والدها الذي حققه سمير غانم
  • صلاح عبد الله لـ صدي البلد : صحتي فى تحسن مستمر