حكايات اللجوء.. هل تضيع لهجة «الزول» السوداني في شوارع القاهرة؟
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
بعد اندلاع الحرب في السودان قبل عام من الآن تكاثف وجود “الزول” في الدولة الجارة مصر، وصار لزاما على اللاجئين السودانيين هناك أن يحكتوا بالمجتمع المستضيف، إلا أن معضلة اللهجة أصابت الكثيرين بالحيرة
التغيير: عبدالله برير
ما أن تطأ قدماك أرض مصر وفور التعرف على جنسيتك ستسمع المصريين يهتفون وهم ينادنوك “يا زول يا زول”.
الحال لا يختلف في مصر كثيرا عن دول الخليج والمنطقة العربية، عند مناداة السوداني الذي يشتهر بين هذه المجتمعات بـ “الزول” وتعني الشخص، وهو مصطلح تمييزي له جوانب سلبية وأخرى إيجابية مثلما يرى الكثير من السودانيين ممن عاشوا خارج السودان في المنطقة العربية.
بعد اندلاع الحرب في السودان قبل عام من الآن تكاثف وجود “الزول” في الدولة الجارة مصر، وصار لزاما على اللاجئين السودانيين هناك أن يحكتوا بالمجتمع المستضيف، إلا أن معضلة اللهجة أصابت الكثيرين بالحيرة في كيفية التعامل مع المصريين والتخاطب معهم، فبينما يفضل البعض التحدث باللهجة المصرية ليسهل الأمر على نفسه، يرى آخرون الثبات لهجتهم الأصلية وعدم تبديلها.
تقول “ر. ك” لـ «التغيير»، وهي ربة منزل مقيمة في القاهرة منذ فترة قصيرة إنها تجد صعوبة مثلا في أسماء أدوات المطبخ.
وتضيف: بحثت في السوق عن (طوّة) ولم أجدها لأفاجأ بأن اسمها (مقلاة) لدى المصريين! وقبلها أرسلت زوجي للسوق فأحضر لي صحنا من الاستيل وهو أيضا لم يتعرف على المصطلح الصحيح.
وترى “ر. ك” إنه من الأفضل في هذه الحالة أن نسمي الأشياء بمسمياتها المصرية لكي لا يحدث لبس، مشيرة إلى أن الأمر ليس له علاقة بالتخلي عن لهجتنا فالمسألة حسب تقديرها عملية بحتة.
موجة تنمر
تنتشر على بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي السودانية موجة من التنمر والسخرية من بعض السودانيين الذين وصلوا إلى مصر بعد اندلاع الحرب. وتدور أكثر النقاشات الساخرة حول تغيير اللهجة، إذ يتهم – المتنمرون- بعض السودانيين بتبديل جلودهم بمجرد الوصول إلى القاهرة بحيث يلوي البعض لسانه بعد أيام معدودة من وصوله. ويذهب البعض المنتقدين إلى أكثر من ذلك حيث يصفون الأمر بـ “ظاهرة الاستلاب الثقافي وطمس الهوية”.
أبو مودة وهو سوداني مقيم في القاهره منذ زمن طويل، قال لـ «التغيير» إنه يتحدث اللهجة المصرية نتيجة للتعود.
وأضاف: أنا سمسار عقارات ويجب عليّ الحديث باللهجة المصرية بحكم عملي، لذلك استخدم لهجتهم لإقناع مالك الشقة وبقية السماسرة.. فاللغة الأم بالنسبة لهم هي الأقرب للتفاهم.
ويتابع: التحدث مع المصري بلهجته يجعلك أقرب إلى قلبه مما يسهل عليك التعامل معه.
من جهته يقول “ع .ا” وهو مقيم منذ ست سنوات بالقاهرة إنه يستخدم لهجة خليط بين السوداني والمصري.
ويؤكد “ع. أ” -ويعمل مدرسا – على أن استخدام المصطلحات المصرية في مكانها الصحيح هو مفتاح التواصل مع المجتمع المصري، مشيرا إلى أن لهجته في التخاطب مع المصريين بنسبة 80%.
ويعتقد “ع.أ” في إفادته لـ «التغيير» أن لغة السوق تختلف، ويضيف شارحا: عند شراء بعض الحاجات يجب عليك أن تتخاطب مع المصري بلهجة واضحة حتى لا يظن إنك جديد في البلد، وبالتالي تضمن السعر المناسب والجودة المطلوبة.
أصل اللهجة
على الرغم من أن أصل اللهجتين المصرية والسودانية واحد وهو اللغة العربية، وربما تكون هناك خصوصية أكبر بين لهجتي البلدين بحكم التجاور والتداخل الكبير، إلا أن هنالك الكثير من المصطلحات المختلفة التي قد نجدها للكلمة الواحدة، التي يختلف معناها في الاستخدام بين البلدين.
كوثر محمد، وهي طالبة سودانية “19 عاما” تقول إنها تتعمد التحدث باللهجة السودانية مع المصريين لأن ذلك يشعرها بـ “الوطنية” وتحقيق الذات على حد تعبيرها.
وتضيف لـ «التغيير»: إذا تحدثت بلهجتهم أشعر بانتقاص الوطنية وقلة الشخصية، لذا أفضل لهجة بلدي السودانية التي أفاخر بها أمام الجميع.
وجهة نظر علمية
الصادق محمد أحمد، أستاذ اللغويات بالجامعات السودانية، يرى أن مسألة اللهجات لا تختفي بل تكون موجودة لدرجة ما سواء للصغير أو الكبير. ويضيف في إفادته لـ «التغيير»: الطفل الصغير مثلا إذا ولد في السودان وذهب إلى مصر سيتحدث باللهجة السودانية مع أهله، ولكن سوف يتناساها أو تضعف لديه مع مرور الوقت، وسيتسخدم بدلا عنها اللهجة المصرية، بسبب احتكاكه اليومي مع المحيط المصري.
ويستدرك بالقول: لكن بالنسبة للكبار لا تختفي اللهجة لأنها موجودة معنا في مكوناتنا، لكن يمكن أن ننسى جزئيا بعضا منها مع مرور الوقت، لكن من المستحيل أن ننساها كليا.
ويختم بالقول: على العموم الأمر ليس فيه فصل واضح وهو متفاوت من شخص لـخر.
من جهته يعتبر الجيلي الصادق -وهو معلم لغة إنجليزية مقيم بمصر- إن اتقان اللغة أو اللهجة يتوقف على الفرد ومقدرته على التأقلم مع المجتمع.
ويضيف لـ «التغيير»: مثلاً هنالك أشخاص يتعلمون اللهجة المصرية بسرعة شديدة بسبب ارتباطنا بمصر ثقافياً منذ إن كنا نشاهد المسلسلات والأفلام المصرية.
ويتابع: معظم السودانيين لا يجدون صعوبة في فهم وتحدث اللهجة المصرية لارتباطهم الوجداني بمصر.
الوسومالزول السوداني اللاجئين السودانيين في مصر اللهجة المصرية مصر
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الزول السوداني اللاجئين السودانيين في مصر اللهجة المصرية مصر
إقرأ أيضاً:
مجان ودلمون.. حكايات متشابكة
د.سليمان المحذوري
abualazher@gmail.com
بعض الزيارات تأتي أحيانًا دونما تخطيط مسبق، ومن هذه زيارتي الأولى لمملكة البحرين رغم تأخرها والتي جاءت في إطار الملتقى العلمي الرابع والعشرين لجمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية برفقة زملاء باحثين من سلطنة عُمان؛ حيث أُقيم الملتقى في العاصمة البحرينية المنامة يومي 23 و24 أبريل 2025.
وهذه الجمعية الرائدة تُعد مظلّة علمية تجمع أبناء الخليج من الأكاديميين والمهتمين بمجالات التاريخ والآثار. ومنذ تأسيسها في عام 1997، وتشجيعًا لحركة البحث العلمي، وتبادل الخبرات، وبناء الشراكات تُقيم الجمعية ملتقيات علمية سنوية بالتناوب بين دول الخليج.
وشخصيًا حتى وإن كانت هذه هي الزيارة الأولى للبحرين، إلّا إنني أعرفها وأعرف مناطقها وناسها بحكم اهتمامي بالتاريخ أولًا، وثانيًا من خلال العلاقات الخاصة جدًا الاجتماعية والثقافية والتي تربط عُمان بالبحرين منذ القدم وما زالت إلى يومنا هذا.
وتاريخيًا ومنذ عصور ما قبل الميلاد ارتبطت مجان ودلمون بصلات حضارية تأثيرًا وتأثرًا. والكشوف الأثرية دلّت على وجود اتصال وثيق بين الحضارتين امتدّ إلى حوالي ألفي عام من التاريخ القديم، وكانت مجان مصدرًا أساسيًا لاستيراد النحاس. وخلال العصور الإسلامية المتعاقبة عُدت عُمان والبحرين إقليمًا سياسيًا واحدًا بسبب الجوار الجغرافي، وطبيعة العلاقات القديمة بين البلدين والتي استمرت حتى العصر الحديث؛ إذ كانت البحرين وجهة رئيسة لهجرة العُمانيين طلبًا للرزق أو العلم لا سيما قبل عام 1970م. وبُعيد هذا التاريخ بقليل توجت بالعلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. وبالنتيجة ما من شكّ أن قدم واستمرار هذه العلاقات المتجذرة أفرز نتائج اجتماعية وثقافية مشتركة ومتداخلة وذات نكهة خاصة، ومن المؤمل تعميق هذه الصلات التاريخية واستثمارها ثقافيًا واقتصاديًا.
لذلك.. ومنذ أن وطئت قدماي مطار البحرين الدولي لم أشعر بغربة مطلقًا؛ بل ربما هو الحب من أول نظرة كما يقولون، ورغم قصر فترة إقامتي نسبيًا في هذه الأرض الطيبة، إلّا إنني أحسست إني أعرفها من زمن طويل. وكانت إقامتي في المنامة، ومن حسن حظي أنها كانت بالقرب من سوق باب البحرين القديم الذي يشبه سوق مطرح بتخطيطه وممراته ودهاليزه. وإلى جانب حضور الجلسات العلمية التي قُدمت فيها أوراق بحثية مهمة أُتيحت لي فرصة زيارة مركز عيسى الثقافي، وقلعة البحرين، ومتحف البحرين الوطني، والمسرح الوطني. ومن هنا أستطيع القول وبثقة إن التشابه بين عُمان والبحرين كبير جدًا يصل إلى حد التطابق في بعض الأحيان، ولا يحتاج ذلك إلى برهان أو دليل؛ فهنالك تشابه في الثقافة والتراث، وفي المعالم المعمارية والأسواق، وفي العطور والبخور، وفي المأكولات، وفي الهدوء والسلام، والناس وباختصار شديد "إنهم يشبهوننا".
ختامًا.. ألف شكر لمملكة البحرين على حفاوة الاستقبال، وكرم الضيافة ورقيها وهذا ليس بغريب على أهل البحرين.
رابط مختصر