مسعود الحمداني
Samawat2004@live.com
في كثير من المؤسسات يوجد "لوبي" صغير، يتحكم في مجريات الأمور، ويفصّل القرارات، ويسيطر على مفاصل المؤسسة، وقد يصل الأمر أحيانا إلى السيطرة على عقل "رئيس الوحدة"، وهو "لوبي" نشط، يجمع أفراده المصلحة الشخصية، وتتلاقى فيه مصالح "الكبار"، وكم من قرار خرج بعد تشاور وتدارس بين أفراد المجموعة، فتجدهم يزخرفون ذاك القرار بزخارف، ونمارق من حرير، ويستهلونه بديباجة مرصعة بالكلام، والأهداف، والمسار، ليتقبله رئيس الوحدة، ويتبناه، ويصدره، على اعتبار أنه متعلق بالشأن العام، أو مصلحة المواطن، والدولة، وكثيرًا ما أصدر الوزير أو رئيس الوحدة القرار، مقتنعًا بآراء "اللوبي"، فاصطدم بالشارع، وصب الناس جام غضبهم على من أصدر القرار، دون أن يعرفوا المشهد العام الذي خرج من خلاله.
والغريب أن نفس ذلك "اللوبي" يتبرأ من القرار حين يلاحظ سخط الناس، ويرمي تبعاته على عاتق الوزير أو رئيس الوحدة، ويصطف في خانة المتذمرين، ويشحذ همة الساخطين، ويدّعي أنه وقف في وجه المسؤولين في المؤسسة، وحارب من أجل المواطن، وأنه أخبر صاحب القرار بالتبعات السلبية لقراره، ولكنه لم يستمع له، وهو يبرئ ذمته لله وللتاريخ، وفي واقع الأمر تكتشف بعد فترة أنه هو من شجّع، وزيّن، وفصّل، القرار حسب رؤيته الشخصية الضيقة، أو حسب مصلحته الخاصة، ومصلحة الفئة التي يمثلها، ويتقاطع معها من خارج المؤسسة أحيانا، ثم قدمها للوزير على ورق من ذهب ليصدرها باسمه.
يحضرني الآن.. ذلك القرار المفاجئ الذي خرج قبل عدة سنوات، بجعل الدوام الرسمي لموظفي المؤسسات الحكومية من الساعة التاسعة صباحًا إلى الثالثة والنصف ظهرًا، وكيف خرج المسؤولون وأجهزة الإعلام، والصحفيون يُعددون مزايا الدوام الجديد، ويسردون انعكاساته الاجتماعية على الأسرة، وكيف أنه يتيح للموظفين الجلوس مع أبنائهم لساعات أطول، وصوروا القرار بالتاريخي، والمحوري، وغير ذلك من مصطلحات رنانة، وعل الرغم من سخط الموظفين، وتذمرهم من أوقات الدوام الجديدة، غير أن المسؤولين عن إصداره، رأوا ما لا يراه المواطن، وصوروا الوضع بصورة وردية، ليقنعوا الشارع برؤيتهم الثورية، وبعد فترة قصيرة تم الغاء القرار، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه في دوام المؤسسات، وعادت الأقلام التي كانت تهلل، وتكبّر للقرار السابق، لتقلب قناعاتها رأسا على عقب مرة أخرى، وتشيد بعودة الأمور إلى طبيعتها!!
وحدث ذلك في قرارات مصيرية أحيانًا، منها فكرة طريق الباطنة الساحلي الضخم، والذي كلف الدولة مليارات من الريالات، وكان من أكثر المشاريع التنموية إنفاقًا، وغيّر الطبيعة الديموغرافية للسكان؛ بل ومحى من الخارطة آثارًا وأسواقًا تقليدية قديمة لا يمكن تعويضها من ذاكرة الناس، بسبب مسار الطريق، بينما تم بناء معظم منازل "التعويضات" للمستحقين من السكان في قلب "الخيران"؛ حيث يغرق القاطنون فيها حرفيًا بالماء مع كل نفة سيل؛ حيث يلتقي ماء المطر مع البحر، ورغم ذلك تم تصوير المشروع كواحد من أضخم المشاريع الاقتصادية التي ستنقل البلاد والعباد من حالة الركود، إلى حالة الازدهار الاقتصادي، وها هو الطريق ما يزال يسير ببطء شديد رغم الإعلان عنه في عام 2005، مع الإشارة إلى أن المشروع بدأ بالتحرك قليلًا خلال الفترة الماضية، إلّا أن ما فقدناه- كدولة وكأفراد- خلال السنوات الماضية لا يمكن تعويضه ببساطة.
في كل الأحوال فتّش عن "لوبي" مُصغّر، يهيمن على القرارات في كثير من المؤسسات، تقف خلف التعثر والإخفاقات في مفاصل المؤسسة، وهي من تزيّن المشاريع الفاشلة، وتغلّفها بغلاف مزركش، لتمررها، وتستفيد من محاصيلها، حينها ستكتشف أن المشهد من الداخل، مغاير تماما لما نراه، وأن الصورة الحقيقية مختلفة تماما عن الصورة التي نشاهدها من الخارج، فلا تلقي باللوم على وزير ما قبل أن تعرف من الذي يستشيره، ومن هم الذين يلتفون حوله، ومن يقف في "لوبي" مكتبه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فضيحة أمنية في عدن: مسؤول يطالب بـ40 مليون ريال مقابل إقالته
يمانيون../
في حادثة غير مسبوقة، رفض مسؤول أمني بارز في حكومة المرتزقة في مدينة عدن جنوبي اليمن، تنفيذ قرار إقالته، مشترطاً دفع مبلغ مالي قدره 40 مليون ريال يمني مقابل قبول القرار.
ووفقًا لمصادر إعلامية، أصدر مدير أمن عدن قرارًا بإقالة مدير شرطة العماد، العميد روبل الصبيحي، من منصبه. إلا أن الصبيحي رفض تنفيذ القرار، وطالب بمبلغ مالي كتعويض عن تنحيه.
على خلفية ذلك، أرسلت قوات أمنية بقيادة مدير أمن عدن قوة إلى مقر شرطة العماد في مديرية دار سعد، حيث قامت باقتحامه واعتقال الصبيحي بعد تعنته ورفضه التخلي عن منصبه.
هذه الحادثة تسلط الضوء على مستوى الفوضى والتوتر الذي تعيشه المؤسسات الأمنية والحكومية في عدن، حيث تتحول بعض المناصب إلى مراكز صراع على النفوذ والامتيازات في ظل ضعف الرقابة وغياب الاستقرار الإداري.
وتعكس هذه الواقعة حجم التصدعات الداخلية في الأجهزة الأمنية الموالية لتحالف العدوان، وسط اتهامات متزايدة بالفساد وسوء الإدارة التي تؤثر على أداء المؤسسات الأمنية والخدمية في المدينة.