بدور القاسمي تدعو الموزعين والناشرين للتغلب على تحديات صناعة الكتاب
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
الشارقة: «الخليج»
وجهت الشيخة بدور القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، دعوة إلى الناشرين والموزعين وباعة الكتب في المنطقة والعالم من أجل تعزيز التواصل والتعاون للتغلب على التحديات التي تواجه صناعة النشر والتوزيع، كالتطورات التكنولوجية المتسارعة، ومتطلبات المستهلكين المتغيرة، والتنافس الكبير على الإنترنت، والضغوط الاقتصادية، وغيرها.
جاء ذلك في اليوم الافتتاحي للدورة الثالثة من «مؤتمر الموزعين الدولي»، التي تنظمها هيئة الشارقة للكتاب في مركز إكسبو الشارقة يومي السبت والأحد 27 و28 من شهر إبريل، حيث شددت الشيخة بدور القاسمي في كلمتها على أنّ «نجاح المؤتمر يؤكد أهمية المنصات المتخصصة التي تجمع كافة العاملين في قطاع التوزيع والنشر، وتتيح لهم فرصة تبادل الأفكار والاستماع إلى وجهات النظر المتنوعة، وتشكيل رؤية متكاملة للمستقبل».
وأكّدت القاسمي أنّ المؤتمر استقطب نخبة من الخبراء من جميع أنحاء العالم، مشيرةً إلى أنّ هذا النجاح يجسد التزام الشارقة بتطوير صناعة الكتاب العالمية، التي تشمل النشر والتوزيع والمبيعات وغيرها من المجالات، وأضافت: «إذا نظرنا جيداً فسنجد أنّ هذا المؤتمر يشكّل نموذجاً للتعاون على المستوى العالمي، ويضم خبراء من الدول العربية، وإفريقيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا، وهذا التنوع هو ما يدفع عجلة صناعة النشر والتوزيع، ويعزز الابتكار، ويرسخ النمو».
وتجولت القاسمي، بعد افتتاح أعمال اليوم الأول من الدورة الثالثة لـ «مؤتمر الموزعين الدولي» على منصات الموزعين والناشرين المشاركين في المؤتمر، حيث اطلعت على أعمالهم وناقشت معهم الابتكارات التي يمارسونها في توزيع الكتب على أوسع نطاق، وأصغت إلى آرائهم حول التحديات التي تواجه صناعة النشر والتوزيع في العصر الحديث، وشددت الشيخة بدور على أهمية المنصات التي تجمع كافة العاملين في قطاع التوزيع والنشر، والتي تُتيح لهم فرصة تبادل الأفكار والاستماع إلى وجهات النظر المتنوعة، وتشكيل رؤية متكاملة للمستقبل.
550 مشاركاً
ويجمع «مؤتمر الموزعين الدولي»، أكثر من 550 موزعاً وناشراً من 76 دولة تتضمن عدة دول تشارك للمرة الأولى، منها كمبوديا، وجنوب السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، كما يستضيف المؤتمر 30 متحدثاً ويضم 30 جناحاً ومنصة.
برنامج متنوع
وشهدت فعاليات اليوم الافتتاحي من المؤتمر مجموعة متنوعة من ورش العمل، والندوات، والملتقيات، والجلسات النقاشية والحوارية، التي غطت مجموعة واسعة من الموضوعات، منها: متاجر الكتب في المراكز التجارية، وشراكات متاجر الكتب، واستراتيجيات التواصل الاجتماعي، والتعاون بين الموزعين والناشرين وأصحاب متاجر الكتب، ومبادرة «كولتور باس» الأوروبية لتعزيز ثقافة اليافعين، والتفاعل المجتمعي، ونشر وتوزيع الروايات المصوّرة، وبيع الكتب خارج نطاق متاجر الكتب.
وحظي موضوع أثر الذكاء الاصطناعي على صناعة الكتاب باهتمام خاص، حيث تعمقت النقاشات في تحديات «الذكاء الاصطناعي التوليدي»، وهو أحد أنواع نماذج تعلُّم الآلة، وفي الوقت نفسه تناولت إمكانات الذكاء الاصطناعي وقدرته على تسهيل العمليات، وتعزيز فهم التوجهات والأنواع التي يفضلها القراء، والحفاظ على المزية التنافسية.
تغيير إيجابي
وفي جلسة نقاشية أدارها بورتر آندريسن، شارك أندريا جيونتي، نائب الرئيس التنفيذي لـ «جيونتي إيديتوري»، دار النشر الإيطالية العريقة المسؤولة عن سلسلة مكتبات ومتاجر كتب «جيونتي»، أفكاره ورؤاه حول أهمية تبني التغيير الإيجابي ومواكبة التوجهات الحديثة في صناعة الكتاب، مؤكداً أهمية بقاء الموزعين وباعة الكتب مطلعين على مستجدات صناعة الكتاب، لفهم وتلبية احتياجات المستهلكين، وأشار إلى استراتيجية الانتشار التي تسعى إليها شركة «جونتي إيدوتوري»، بحيث يكون لها فروع في كافة أنحاء إيطاليا، مؤكداً أنّ هذا يعد استراتيجية مهمة لنجاح سياسة التوزيع، وتأكيد حضور الناشر في كل مكان يوجد فيه القراء، وإن كانت نسبة التوزيع تختلف باعتبارات متعددة منها عدد السكان والوضع الاجتماعي وغيره، وفي حديثه عن المنافسة قال: «أرى أنّ المنافسة تجعلنا أفضل، ووجود منافسين للموزع دافع له للتميز الدائم»، ولفت أندريا إلى أنّ القراء من أهم قنوات التوزيع وتسويق الكتب التي يعتمد عليها الموزع الناجح، فإنّهم يمثلون قاعدة لتسويق الكتاب الجيد الذي يفرض نفسه دون أن يتحمل الموزع أعباء مالية، فالناس يمتلكون ملكة النشر بالفطرة، وهم يتحدثون بشكل تلقائي عن تجاربهم فيما يقرؤون ويفضلون.
مبادرة «ببلش هير»
وضمت قائمة المشاركين في المؤتمر مبادرة «ببلش هير» PublisHer، المعنية بدعم وتمكين النساء العاملات في صناعة النشر، حيث استضافت المبادرة مجموعة من الأنشطة والفعاليات الرامية لتمكين الخبيرات المشاركات في المؤتمر، وشملت فعاليات مبادرة «ببلش هير» جلسة نقاشية على المنصة الرئيسية مع الكاتبة الدكتورة رجاء القرق، رئيسة مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمجموعة عيسى صالح القرق، ركزت فيها على تمكين النساء وتعزيز قدراتهن القيادية، وقدمت رؤى وتوصيات قيمة لترسيخ العدالة وتكافؤ الفرص، وتعزيز تقدم النساء في الصناعات الإبداعية المتنوعة، والتي تشمل صناعة النشر، كما وفرت صالة «ببلش هير» المشاركة في المؤتمر مجموعة متكاملة من الفرص للمشاركين والمشاركات، منها جلسات إرشادية فردية خاصة مع قياديات في صناعة النشر والكتاب، منهن سارة آربثنت، ونادية واصف، وساندرا تاميلي، اللواتي قدمن نصائح وإرشادات قيّمة لتعزيز النمو المهني، وشهدت الصالة ورشة عمل قدمتها داليا جرار، ركّزت على إعداد ملفات احترافية على منصة «لينكد إن» بهدف دفع المسيرة المهنية، في حين قدمت إيليني بابيليا جلسة استعرضت خلالها الأدوات والإرشادات اللازمة لبناء علامات شخصية وتحسين استراتيجيات التواصل، كما استفاد الحضور من جلسة عن المظهر المهني مع هايدي شارا آرمسترونغ وسيليا - جين أوكوينيا، وفرصة الحصول على صور فوتوغرافية مهنية احترافية وذات جودة عالية، التقطتها خبيرة التصوير العالمية دانكا هولزيروفا، لاستخدامها في ملفاتهم المهنية.
نجاح استثنائي
واختتم اليوم الأول من المؤتمر فعالياته بجلسة تعارف وتواصل سمحت للحضور بالتفاعل مع الزملاء العاملين في أسواق متنوعة، ومشاركة الأفكار والرؤى الفريدة، والتعلم والاستفادة من التجارب والخبرات الغنية.
ومع انطلاق فعاليات دورته الثالثة، يواصل «مؤتمر الموزعين الدولي» تعزيز دوره ومكانته كمنصة تجمع خبراء صناعة الكتاب من جميع أنحاء العالم، لمناقشة التحديات واستعراض الفرص في قطاع النشر والتوزيع، كما يسهم تركيز المؤتمر على التعاون والابتكار في ضمان أهميته كمنصة رائدة لرسم ملامح مستقبل قطاع التوزيع والنشر.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات بدور القاسمي صناعة الکتاب صناعة النشر فی المؤتمر ببلش هیر
إقرأ أيضاً:
في مئـويّـة «الإسـلام وأصـول الحكـم»: الكــتابُ القـضيّـة
لم تُـغـيِّـر المائـةُ عـامٍ التي تـفصلـنا عـن صـدور كـتاب الإسـلام وأصول الحكـم للشّـيخ عليّ عبـد الرّازق من المكانـةِ الاعـتـباريّـة للكـتاب، في الفكـر العـربيّ والإسلامـيّ المعاصـر، ولا هي نالت من قيـمته النّـظريّـة وروحـيّـتـه الاجتهاديّـة في مسـألةٍ هي في جملـةِ أمّـهات مسائـل ذلك الفـكـر: العلاقـة بين السّـياسة والدّيـن في تاريـخ الإسـلام؛ فـلقـد زادتِ القيمـةَ تلك كـثـافـةً وسلّطت عليها ضـوءَ الإبـانة والتّـظهيـر، في نطـاق دوائـرَ فكـريّـةٍ عربيّـة تخطّـت دائـرة الفـكـر الإسـلاميّ، وأَبْـدَتْ (= الدّوائـرُ تـلك) من آيات الاحتـفاء المستـمرّ بـه ما لم يتـمتّـع بـه كـتابٌ أو تأليف في التّـاريخ الفـكـريّ المعاصـر.
فَـرَضَ كـتـاب عبد الرّازق نـفـسـه في ميدانـه وتَـنَـزَّل من ذلك الميـدان - وفي الموضوع المطروق فيـه - منـزلـةَ النّـصّ المرجعـيّ الذي عليـه مبْـنى القـول في عـلاقات الدّيـنيِّ والسّياسيّ في الإسـلام. ومع أنّ التّـشنـيع عليه استـمرّ يُـطِـلّ برأسـه، طَـوال هـذه الأعـوام المائـة، في بيـئـات فـكـريّـة وفـقـهيّـة محافظـة وتـقـليـديّـة استـأنـفت جـداليّـاتها ضـدّه، بـل حـربها عليه، إلاّ أنّ ذلك ما نـال مـن صورة النّـصّ في الوعـي العربيّ ولا أَحْـدَث خـدْشـاً فيها؛ على الأقـلّ في أوساط مَـن وقـفـوا على وجـوه الجِـدّة والرّصانـة في أطـروحـتـه، وأكـثـرُهـم من المدافـعيـن عن الحداثـة والمناصـريـن للاجتـهاد. والحـقُّ أنّ أعظـمَ الاستـقبـال الطيّـب لكـتاب عليّ عبد الرّازق، وأكـبـرَ الاحتـفـاء بـه والبـناءِ عليه، إنّمـا جـرى في هـذه البيـئـات الـفكـريّـة الحديثة التي قـدّرتْـه حـقّ قـدْره فيـما حـافَ عليه مفكّـرو الإسـلام المعاصـرون وأَنْـكـروه، بـل نـبـذوهُ من مصادرهم فما أتـوْا عليه بالذّكـر إلاّ في معـرض الهـجوم والقـدْح والتّـقريـع!
لا نجـادل، طـبـعاً، في أنّ المائـة عـامٍ هـذه التي تفـصلنـا عـن صدوره شهِـدتْ على وجـوهٍ من التّـطـوير والصّـقـل للأفكـار التي وردت في الكـتاب عـن المشروع النّـبـويّ، وعـن مكانةِ الدّيـن والسّـياسـة منـه، وعـن مؤسّـسـة الخـلافة في الإسـلام ومـدى مشروعيّـتـها أو بطـلانِ دعـوى الحاجـة إليها؛ بـل لقـد شهِـدتْ على صُـوَر متـعـدّدة مـن مجاوَزة التّـأليف الفـكـريّ في هـذا الغـرض لِـمَـا أفصح عنـه الشّـيخ المجـتهـد في كـتابـه وارتيادِ ذلك التّـأليف آفـاقـاً ما كانت لتـدخُـل، قبـل قـرنٍ من اليـوم، ضمـن الأفـقـه الذّهـنـيّ لعبـد الرّازق ولا في عِـداد ممـكـناتِ معارفِـه المتاحـة.
وعـندي أنّ التّسليـم بوجـود حالةٍ من المجاوزَة، في هـذا الباب، تسليـمٌ بسُـنّـة التّـطوّر الموضوعـيّ وسلطـانِ أحكامه. مع ذلك، مَـن يملك منّـا أن يجـحـد حـقيقـة أنّ النّـصّ هـذا نـصٌّ مؤسِّـس، وأنّـه هـو الذي فَـتَـح ودشَّـن وفَـلَـقَ الأفـقَ أمـام البحـث السّياسيّ أو البحث الفكريّ في السّياسة؛ ومَـن يملك أن يـتـجاهـل مـدى الجَـراءَة التي بـلغـها خطـاب الشّـيـخ عليّ عبـد الرّازق في كـسْـرِ المحظـور في بيئـات العلم الدّيـنيّ التّـقـليديّ السّـائـد في مِـصَـر وسائـر البـلاد العـربيّـة إبّـانـئـذٍ. تكـفي الحمْـلاتُ الشّـعواء التي شنّـها فـقـهاء كُـثـر على الكتاب وصاحبه، والتي بلغ فيها الطّـعـنُ على رأيـه مبلـغاً من الشّـدّة والعـنـف غيـرَ مسبوقٍ ولا مألوف؛ ويـكـفي ما لـقـيَـه من إنكـارٍ رسمـيّ ومن عـقابٍ مبـرِّح مـسَّ مـركـزَه وعَـمَله لـيُـطْـلِعنا على حـجم تلك الرّجّـة الهائـلة التي أحـدثها الكِـتاب في الأوساط المحافظـة ومؤسّـساتها، وما نَـجَـم منها من شعـورٍ بالخـوف - من جانب تلك الأوساط - على مكانـة المعارف التّـقـليـديّـة.
لـقـد أتى يـقـدّم أوّل اجتـهادٍ فـكـريّ جريء، من داخـل الفـكـر الإسلامـيّ، يراجع ما استـقـرّ عليه العلـمُ الدّيـنيّ التّـقـليـديّ من يـقيـنـيّـاتٍ في شـأن المسألة السّياسيّـة في الإسلام وصلـةِ الدّولة بالدّيـن ونِصـاب الخـلافة في الاجتماع الإسلامـيّ.
ولـقـد يحْـسُـن بالنّـاظـر في كـتاب الشّـيخ عبـد الرّازق وظـروفِ صـدوره، وما جـرّه ذلك الصّـدور مـن ضـروب الهجـوم عليه بعـنـفٍ لفـظيٍّ بـالغ، أن يـلْـحظ واقـعـتـيْـن وقَـعـتَـا، وقـتـئـذٍ، وأن يعـتـبـر بهما من أجـل إحسان فـهـم قيـمة الكـتـاب، مـن وجْـهٍ، ودواعـي القسـوة في ردود مَـن ردّوا عليه... من وجْـهٍ ثـان.
فأمّـا الواقعـة الأولى فـتـتـمثّـل في إلـغاء نظـام الخـلافة في تركيا (مارس 1924)، بعـد حـلّ مصطـفى كمال أتاتـورك نظام السّـلطنـة قبـل ذلك بعاميـن، مع ما تَرَكَـهُ ذلك الإلغاء من حسـرةٍ لـدى التّـقـليـديّـيـن والمحافظيـن، حتّى الذين لم يُـوالوا الدّولـة العثمانيّـة منهم.
وأمّـا الواقعـة الثّانيّـة - وهـي شـديـدة الاتّـصال بالأولـى - فـتـكـمَـن في إقـدام أحـد كبـار مراجـع الفـكـر الإسـلاميّ، وتـلمـيذ محمّـد عـبده، السّـيّـد محمّـد رشيـد رضـا على إحـياء مـوضوعـة الخـلافـة - في لحـظـة انهـيـار نظامـها في تركيـا - بكتابـة سلسلة مـقالاتٍ جُـمِـعت في كـتـابٍ حمـل عـنـوان: الخـلافـة أو الإمـامـة العظـمـى.
في سـياق الواقـعتيـن هاتيـن، بَـدَا الكـتـاب وكأنّـه تــكرَّس للـرّدّ عليـهمـا معـاً، فكـان على صاحبـه أن يـواجـه دعاةَ الخـلافة من الفـقـهاء ومـن الأمـراء على السّـواء، وأن يتـلـقّـى الأذى منهمـا.
إذا كـان رشيـد رضـا قـد وضَـع كـتـابـه دفـاعـاً عـن خـلافـةٍ رآهـا تـتـهالك أمـام ناظـريْـه ثـمّ تُـفارق الوجـود بإيـعازٍ من مصـطفى كمـال - الذي بـجَّـله رضـا طـويلاً ورفَـع مـن مقامـه وسـوّقـه في كـتابـاتـه قـبل أن يـنـقـلب عليه -، فـقـد أعـاد بوضـعـه الكـتاب ذاك إحـياءَ «عـلـمٍ» إسلامـيّ تـقـليديّ هـو الفـقـه السّـياسيّ أو فـقـه السّـياسـة الشّـرعـيّـة بعـد أن تجـاوزُه فـكـرُ الإصلاحيّـة الإسلاميّـة التي كان رضـا ينـتمي إليها.
كـان الشّـيـخ علـيّ عبـد الرّازق مـن نسْـلِ الإصـلاحيّـةِ الإسلاميّـة التي تَمَسَّـك بتقاليدها الفـكـريّـة الاجـتـهاديّـة التي أرساها جمـال الدّيـن الحسـيـنيّ (الأفـغانـيّ) ومحمّـد عـبده، لذلك مـا كـان يسـعه أن يسـتسيـغ خطاب رضـا العائـد بالوعـي الإسلامـيّ إلى أُزعـومة الخـلافة وأنـفـاق فـقـه الإمـامة أو فـقـه السّـياسـة الشّـرعيّـة. لذلك يـبـدو نـقْـضُـه لنظـام الخـلافة نقـضاً غـيـرَ مباشـر لأطـروحة محمّـد رشيـد رضـا حولها. وعلى ذلك، إذا كـان محمّـد عبـده قـد سـدّد ضربـةً موجـعـةً للـفـقه السّياسيّ الإسلامـيّ التّـقـليـديّ بالانـصـراف عنـه إلى الدّفـاع عـن فكـرة الدّولـة الوطنـيّـة الحـديثـة، فإنّ مقـالة عـليّ عبـد الرّازق تـسـتأنـف صـنيـع محمّـد عـبده وتضـيف إليـه إنكـارَها مشـروعيّـة ذلك الفـقـه السّـياسـيّ من أساسـه والقـولَ ببـطـلان حاجة الاجتـمـاع الإسلامـيّ إليـه.
على أنّ إلغـاء الخلافة في تركيـا لـم يمـرَّ مـن دون أن تخـامر بعـضَ المحافـظيـن فكـرةُ اصـطنـاع خـلافة في مصـرَ لـم يُخْـف الخـديـوي فـؤاد الأوّل استحـسانـه لـها بـل السّـعي إليها. هـذا ما يفـسّـر لماذا ارتـفع الطّـلبُ على فكـرة الخلافـة في البيئـات العلميّـة التّـقـليـديّـة في مِـصْـرَ وخارجِـها، وتَـزايَـد التّـأليـفُ فيـها والدّفـاعُ عنها في تلك البيـئات. بـل هـذا ما يفـسّر اشتـداد الحمـلة على الشّـيخ عـبد الرّازق مـن قِـبَـل أقـلام ذات نـفوذٍ مـؤسّـسيّ ديـنيّ (مـن قـبيـل ما كـتبـه كـلّ مـن الشّـيـخ محمّـد الخضـر حسيـن، والشّـيـخ محمّـد بخـيت المطـيـعي، والشّـيـخ محمّـد الطّاهـر بـن عـاشـور دحـضاً لكـتـاب علي عـبد الرّازق) ، وبـلـوغَـها حـدّ محاكمـةٍ لـه في الأزهـر لم يكـنِ القـصـرُ بعـيـداً عـن الإيـعاز بـها: على ما تـدلّ على ذلك البـرقـيّـةُ التي رفعـها شيـخ الجامـع الأزهـر أبـو الفضـل الجيـزاوي إلى الملك فـؤاد عـقـب قـرار الأزهـر بـفصـل عليّ عبـد الرّازق وتجـريـده من شهادة العالميّـة. لـقـد كـان الكـتـاب في قـلـب هـذه الحسابـات السّـياسيّـة التي أسّـست لـفكـرة تـأليـفـه ومساهمةً من صاحبه في دحض دعوى الخلافة وإبطال مسوّغات من سوّغوا لها في عصره.