محمد فودة يكتب: موسم دراما 2024.. قليل من النجاح.. كثير من الفشل
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
"الحشاشين" و"جودر" إبداع حقيقى وراءه فكر وجهد كبير تفصيل الأدوار ومسلسلات "القص واللصق" واللهث وراء "الترند" تضع الدراما فى مأزق"افتكاسات" المخرجين تصنع دراما لا علاقة لها بالواقعالتكرار فى الشخصيات يفقد النجوم الكثير من رصيدهم الفنىالجيل الجديد من الفنانين يفتقر إلى الموهبة والذكاء"المتحدة" بدأت إعادة الاعتبار للدراما بقدر كبير جداً والقادم أفضل
حالة التخبط والهبوط التى أصبحت عليها الدراما المصرية الآن والتى أصابت المشاهدين بنوع من خيبة الأمل تدفعنى للكتابة مجدداً عن الدراما المصرية وذلك حتى نضع أيدينا على نقاط الضعف ونكشفها لصناع المحتوى الدرامى، حتى تعود الأعمال الدرامية المصرية لمكانتها وسابق عهدها.
واللافت للنظر أن الدراما المصرية أصابها الوهن خاصة فى الفترة التى تلت ثورة يناير مباشرة، وشهدت ترديا فى المحتوى أدى لمردودات سلبية، وللحق فإن الشركة المتحدة عندما تولت زمام الأمور بدأت إعادة الاعتبار للدراما بقدر كبير جدا، فالدراما المصرية مازالت تعد أحد روافد القوة الناعمة لمصر بما تمتلكه من أدوات كثيرة للتأثير فى المحيط العربى ككل والتأكيد على التفوق الثقافى والفنى، بأعمالنا الدرامية، لذلك حرصت فى هذا المقال على أن أقوم بقراءة للمشهد الدرامى، وكشف بعض النقاط التى يجب وضعها فى الحسبان بهدف التجويد وانتقاء الأفضل والتدقيق فى اختيار النص وإفساح المجال لظهور نجوم جدد.
وفى تقديرى فإن قضية الدراما المصرية قضية شائكة، ورغم المحاولات الجيدة والمبهرة من الشركة المتحدة لإعادة الريادة للدراما كما كانت فى السابق، فإن بعض الأعمال الدرامية والمسلسلات التليفزيونية لا تشبع رغبات المشاهد العربى، فنحن إما أمام دراما عنف و«أكشن»، أو دراما تراجيدية، أو كوميديا بائسة لا تسمن ولا تغنى من جوع، أو مشاهد فانتازيا خالية من الدراما ولا تمت للواقع بأى صلة، يصنعها المخرج من أجل تصدر الترند للحظات أو لساعات ثم ما يلبث حتى ينسى المشاهد الحلقة بل المسلسل بأكمله، هذا ما شاهدناه خلال السنوات الماضية، وذلك للأسف الشديد جعل المشاهد العربى والمصرى يتخلى بعض الشىء عن الدراما المصرية.
ورغم أن الدراما التى تعرض حاليا لها جمهور ولكنها عبارة عن ضجيج وجمهور بلا فن، وخالية من المعنى، والجمهور الحقيقى متعطش للدراما الحقيقية فى ظل ظروف اجتماعية متغيرة، تسببت فى تغيير الحالة المزاجية للمواطن، الذى يسعى وبقوة إلى إحداث تغيير عام فى سلوكياته، ما يجعله أكثر إقبالا على الدراما "المريحة للأعصاب"، التى تقدم له تلك الجرعة الكبيرة من الحب والحنان والمشاهد التى «تدغدغ» مشاعره.
وأعتقد أن الاستسهال والتذاكى والفهلوة من جانب بعض المخرجين، هو ما سبب تلك الفجوة الكبرى بين المشاهد وعدم تقبله العمل الدرامى، وهو ما يتطلب جهودا مضنية للتخلص من هذه الظاهرة التى ستأخذ من رصيد صناعة الدراما المصرية، وهى ظاهرة لم تشهدها أى من دول العالم، فقد أصبح التعامل مع الأعمال الدرامية يمثل صورا من الاستهانة بالجمهور والمجتمع، بعد أن كانت لها دور بارز ومهم فى تشكيل وجدان ووعى المشاهد على مر العصور
وعندما نتحدث عن الدراما المصرية 2024 والأعمال التى عرضت فى موسم شهر رمضان، سنجد أن هناك أعمالا دون المستوى، وجاءت أحداثها خيالية وليست واقعية.
وهناك أعمال حققت نجاحا منقطع النظير والتف الجمهور حولها وأقبل بشراهة على متابعتها منها مثلا مسلسلا "الحشاشين" لكريم عبد العزيز و"جودر" لياسر جلال، حيث الإبهار فى المناظر والتصوير والأزياء، إلى جانب الرومانسية التى تحويها بعض المشاهد.
ونجح العملان فى خطف الأنظار إليهما، خاصة أن القائمين عليهما نجحوا فعليا فى جذب المشاهد بموضوعات وصور وتقنية غير موجودة فى الدراما المصرية، فمسلسل الحشاشين" تدور أحداثه فى إطار تاريخى، فى القرن الـ11، حيث جسد كريم عبد العزيز دور زعيم الحشاشين حسن الصباح، ويتحدث المسلسل عن قيادته الفرقة التى اشتهرت بتنفيذ عمليات اغتيالات دموية لشخصيات مرموقة فى تلك المرحلة، و"الحشاشين" ليسوا أشخاصا يتعاطون المخدرات، وإنما تُرجمت هذه الكلمة فى اللغات الأوروبية بأكثر من معنى اتفقت جميعها فى مضمون واحد هو: القتل خِلسةً أو غدرًا، أو بمعنى القاتل المحترف المأجور، إذ اشتهرت فرقة الحشاشين فى ذلك العصر بالقيام باغتيالات دموية لشخصيات مهمة، وكان اسمها يثير فى نفوس المسلمين والمسيحيين على السواء الرعب والفزع.
وشارك النجم كريم عبدالعزيز بطولة مسلسل الحشاشين عدد كبير من نجوم الفن أبرزهم نضال الشافعى، فتحى عبدالوهاب، أحمد عيد، ميرنا نورالدين، نيكولا معوض، إسلام جمال، محمد رضوان، سامى الشيخ، عمر الشناوى، نور إيهاب، سوزان نجم الدين، ياسر على ماهر، ومسلسل الحشاشين من تأليف عبدالرحيم كمال، وإخراج بيتر ميمى، كما استطاع مسلسل "جودر" بطولة ياسر جلال، تحقيق معادلة الإبهار والتميز، حيث تدور أحداثه فى إطار تاريخى وطابع حكايات ألف ليلة وليلة حول عائلة "عمر" التاجر الثرى، الذى ينجب ثلاثة أولاد: سالم، سليم، وجودر، يواجه جودر، أصغر الأبناء، مصيرًا صعبًا يموج بالخيانة والغدر، بينما يعيش سالم حياة البذخ والسلطة، والعمل ككل يعد صراعًا مُحتدمًا بين الخير والشر، حيث يواجه جودر قوى الشر شمعون ورجاله.
ويُظهر جودر شجاعة وحكمة استثنائية فى مواجهة هذه التحديات، ليُصبح رمزًا للأمل والعدالة.
وأيضا من الأعمال الشعبية التى حققت نجاحا ورواجا طوال شهر رمضان مسلسل "حق عرب" للنجوم أحمد العوضى ودينا فؤاد ورياض الخولى ووفاء عامر، للمخرج إسماعيل فاروق.
أما بعض الأعمال الأخرى التى عرضت فقد جاءت دون المستوى المطلوب، وأضاع بعض النجوم رصيدهم من النجاح السابق بعد التكرار فى الشخصيات وخضوعهم لظاهرة تفصيل الدور للنجم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدراما المصریة
إقرأ أيضاً:
الدراما المستوردة وتزوير الهوية الجزائرية
إنّ المُتابع لإنتاجات الدراما الجزائرية في السنوات الأخيرة سيكتشف في كثيرٍ من الأعمال واقعا جزائريا مُختلفا عن الواقع الذي يعيشه، أعمال تطرح مواضيع متشابهة قادمة من جغرافيا مُغايرة، نفس الوجوه تتناوب كلّ موسم على صراع تقليدي بين الخير والشر المطلقين، عالم مافيا وتجارة المخدرات والآثار، فيلات فخمة وسيارات فارهة، قتلٌ دراماتيكي، حوارات سخيفة، معالجة سطحية لقضايا بوليسية المفروض أنّها معقدة، وفي المقابل بيوت هشّة وظروف مزرية، بساطةٌ مبالغ فيها يُراد من خلالها التعبير بسذاجة عن طبقتين اجتماعيتين في صورة مشوهة لا تصلح حتى في المسلسلات الكرتونية.
دراما صنعت التاريخ ودراما تريدُ تزييفه:
قبل شهر من بداية الكرنفال السمعي البصري الذي تقدمه الفضائيات الجزائرية كل رمضان كان العالم يحتفل بمئوية التحفة "المدرّعة بوتمكين" (1925) لسيرغي أيزنشتاينهل، الذي كان سببا مباشرا في بعث روح الثورة لدى الشباب الفرنسي ليقوم بثورة مايو 1968.
فيلم الأنيميشن "Bambi" يُقال من خلال استطلاعات لمنظمات حماية الحيوان أنه ساهم بشكل عجيب في انخفاض عدد صائدي الحيوانات إلى النصف، وقبله بسنوات المسلسل الأمريكي "Baywatch" الذي تناول حياة منقذي الشواطئ، استطاع أن يروج لثقافة التطوع ما دفع عشرات الآلاف من الأمريكيين حينها للتقديم على دورات تدريب حراس الشواطئ.
دراما غرقت في أحياء العاصمة وتغافلت عن ثقافة أمازيغية في أعالي جرجرة، وقصص شعبية في بلاد الشاوية شرق الجزائر.. دراما بائسة اختزلت التشويق في تجارة المخدرات بمشاهد هوليودية فاشلة وأغمضت عينها على جرائم بشعة في المناطق الحدودية التي تعيش على تهريب البضائع والبشر.. دراما تناقش الآفات الاجتماعية بحجة محاكاة الواقع، لكنّها غير قادرة على محاكاة واقعنا في جغرافيا مشتعلة من كل الجهات؛ حرب في مالي وانقلاب في النيجر وانقسام في ليبيا وعداءٌ مع المغرب
الروس والأمريكان والهنود وغيرهم ممن بدأوا هذه الصناعة قبلنا بعقود، ونجحوا في تطويرها، وأسسوا لفلسفة فنية وجمالية في الدراما، كانوا في البدايات قد ركزوا على ما يعزز هوية الفرد بوطنه، جعلوا الدراما وسيلة لتناول التاريخ والعادات والتقاليد، كتبوا التاريخ داخل الدراما كما فعل الإغريق في ملاحمهم الخالدة ثم راحوا بعدها يبدعون في صناعة تاريخ للدراما من خلال دراما الخيال العلمي، الفانتازيا وغيرها، فيما فشلت الدراما الجزائرية فشلا ذريعا في ترجمة التاريخ الحافل لبلدٍ مرت عليه أكبر الحضارات في التاريخ، وأنجب آلاف العظماء في الفكر والسياسة والفقه والعلوم، وقام بأعظم ثورات القرن العشرين، خرج في أكبر حراك سلمي في القرن الواحد والعشرين.. وغيرها من منجزات أسلافنا التي من الممكن أن تكون مادة دسمة في الدراما يعوّل عليها كمواضيع نبيلة لصناعة درامية يمكنها أن تخرج من المحلية.
دراما مركزية في بلد بحجم قارة:
الدراما الجزائرية لم تخرج إلّا نادرا من العاصمة الجزائر، هذا كان دافعا قويا لتغرق في التكرار وتقع في الاستهلاك، في الوقت الذي كان بالإمكان صناعة الدراما في جنوب يخبئ في باطنه الركيزة الأساسية لاقتصاد البلد (المحروقات)، ويعيش في "هقاره" الرجال الزرق (الطوارق) أحد أهم المكونات العرقية في الجزائر وفي أفريقيا جنوب الصحراء.. دراما غرقت في أحياء العاصمة وتغافلت عن ثقافة أمازيغية في أعالي جرجرة، وقصص شعبية في بلاد الشاوية شرق الجزائر.. دراما بائسة اختزلت التشويق في تجارة المخدرات بمشاهد هوليودية فاشلة وأغمضت عينها على جرائم بشعة في المناطق الحدودية التي تعيش على تهريب البضائع والبشر.. دراما تناقش الآفات الاجتماعية بحجة محاكاة الواقع، لكنّها غير قادرة على محاكاة واقعنا في جغرافيا مشتعلة من كل الجهات؛ حرب في مالي وانقلاب في النيجر وانقسام في ليبيا وعداءٌ مع المغرب.
دراما المشاكل الأسريّة للوصول لجمهور عربي أوسع:
فكرة التوزيع على منصة شاهد أو أيّ فضائية خليجية هي فكرة غبية، أمام مأزق اللهجة غير المفهومة عربيا بسبب الاستعمال المفرط للكلمات الفرنسية، فلا بدّ من التفكير في مواضيع تقدر على جذب هذا الجمهور العربي الذي تمتعه مصر وسوريا والعراق والسعودية والإمارات سنويا بعشرات الأعمال الناجحة.
كيف نقنع صنّاع الدراما في الجزائر بأنّ الوصول للجمهور العربي لا يمكن من خلال سيناريوهات مشوّهة وبناء درامي فوضوي يتناول قضايا سخيفة؟ مع أننا نملك ثراء رهيبا في المواضيع خصوصا في الوقت الذي يشجع فيه رئيس الجمهورية شخصيا صنّاع السينما والدراما.
الأزمة على مستوى النصوص لم تكن في الحقيقة إلّا تبريرا أو ذريعة من قبل المنتجين والمخرجين لسنوات طويلة يضحكون بها على الجمهور وعلى الإعلام، ليغطوا على فشلهم في تقديم مواد تحفظ ماء الوجه، لأنّه لو تناولت السيناريوهات مواضيع جادة ورصينة ما كانت لتخرج للشاشة في ظل غياب رؤية واضحة للنهوض بالدراما أمام سيطرة الممولين
لماذا لا نستثمر في الحراك الذي أسقط بوتفليقة بعد 20 سنة من التسلط؟ لماذا لا نتناول دراميا سر العداء التاريخي مع المغرب؟ لماذا لا نتحدث في الدراما عن المشاكل الجيوسياسية والأزمات الدبلوماسية التي تعيشها الجزائر مع فرنسا مع دول الساحل وقبلها مع إسبانيا؟
لماذا لا ننتصر للقيّم الجزائرية الأصيلة بعيدا عن التقليد السيئ للدراما التركية والكورية، إننا في بلد بهذا الحجم وبتاريخه المجيد لسنا في حاجة لسرقة الأفكار، بل نحن قادرون على تصدير الدراما لكل العالم.
هل تعرف الدراما الجزائرية أزمة سيناريو حقا؟
إنّ هذه الأزمة على مستوى النصوص لم تكن في الحقيقة إلّا تبريرا أو ذريعة من قبل المنتجين والمخرجين لسنوات طويلة يضحكون بها على الجمهور وعلى الإعلام، ليغطوا على فشلهم في تقديم مواد تحفظ ماء الوجه، لأنّه لو تناولت السيناريوهات مواضيع جادة ورصينة ما كانت لتخرج للشاشة في ظل غياب رؤية واضحة للنهوض بالدراما أمام سيطرة الممولين (السبونسورز) وتدخلهم في الشؤون الفنية بداية من النص إلى الكاستينغ إلى الكوادر التقنية.
الذين يبحثون عن الشهرة وفي بلد ليست فيه نقابة للفنانين لم يفهموا أنّ علاقتهم بالدراما والسينما ليست سوى عقود دعائية تقدّم لهم إشهارا وترويجا، ولا يحق لهم التلاعب بأحد عناصر الثقافة الوطنية التي تقدم صورة عن النخب الفنية وعن البلد بصورة عامة. فالأزمة هنا هي أزمة ضوابط قانونية تردع هؤلاء الممولين بالدرجة الأولى، وتدافع عن الفن الجزائري تحت غطاء قانوني وهو نقابة الفنانين.