مختصون يدعون إلى تكثيف التوعية وتشديد العقوبات للحد من حوادث السيول
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
خلال فترة عبور الحالات الجوية سلطنة عمان لا تتوقف فرق الدفاع المدني والإسعاف والاستجابة الطبية لحظة عن العمل لكثرة البلاغات وطلبات النجدة والإنقاذ لأشخاص يخاطرون بأنفسهم وبمحض إرادتهم في ذروة السيول غير مدركين النتائج المؤلمة والعواقب المهلكة للمجازفة في مسارات الأودية الجارفة أو البقاء في المناطق المنخفضة التي تشهد ارتفاع منسوب المياه بصورة مفاجئة.
وقد فجعت الكثير من الأسر في أبنائها بسبب هذه المجازفات غير المسؤولة والاستهتار من قبل بعض الأشخاص أثناء هطول الأمطار، فشهدنا زيادة في أعداد الحوادث جراء عدم الاكتراث بالتحذيرات من المخاطر المحتملة للحالات الجوية التي تصدرها الجهات المختصة.
وحول ظاهرة تزايد هذه الحوادث، قال المكرم الدكتور صالح الفهدي عضو مجلس الدولة رئيس مركز قيم: لا شك أنها مشاهد مؤسفة يقوم بها البعض بصورة أغلبها متعمدة، رغم الخبرات التي مرَّ بها الجميع وأحداث مشابهة صاحبها الأسف والألم، إلا أنها تتكرر في كل حالة جوية، وهذا يدلُّ على الاستخفاف، والاستهتار بالنفس الإنسانية الثمينة التي تعدُّ أمانةً من الخالق عز وجل، فهي أعظم قيمة من القيم التي يتوجب على الإنسان أن يصونها ويحفظها من أي سوء.
وتابع الفهدي: إن المخاطرة في الأجواء المناخية الخطرة، وذلك بالوجود في مساقط الأودية أو الشعاب، أو قطع الشوارع أثناء مرور الأودية الجارفة، يعده البعض نوعا من إظهار التحدي أو استعراض القوة، وهذا ناتجٌ عن قلة وعي وجهل، وضعف إدراك. كما أنه ناتج عن تدني الشعور بالمسؤولية تجاه النفس الإنسانية، حيث يعد هذا السلوك المستهتر واللا مسؤول مؤشرا لذلك وهو ما يعني إلقاء النفس في المهالك.
وحول طرق معالجة التصرفات الفردية لجذب الانتباه وحب المغامرة لدى البعض، أوضح المكرم الدكتور صالح بقوله: أعتقد أن معالجة هذه التصرفات يفترض أن تتم على ثلاثة مسارات؛ أولها يتمثل في التوعية الإعلامية المكثفة، والإرشاد الاجتماعي، على مختلف الوسائل سواءً في الخطابات الوعظية (كخطبة الجمعة)، أو المحاضرات التي تقام في المجالس العامة أوالمساجد. بالإضافة إلى البرامج الإعلامية التثقيفية التي تبرز العواقب الوخيمة من وراء هذه التصرفات الطائشة.
والمسار الثاني، يتم عن طريق وضع حواجز مانعة مباشرةً في كل النقاط المعروفة بجريان الأودية وذلك من خلال جهاز شرطة عمان السلطانية أو من خلال جماعة من المتطوعين في كل منطقة يُعهد إليهم المباشرة في عمل الحواجز التي تحول دون قطع الأودية أو الخوض فيها أو الاقتراب منها.
والمسار الثالث هو الإجراء القانوني ضد كل من يقوم بمثل هذه التصرفات الطائشة، حيث يحرّك الادعاء العام قضايا تجاه المتهورين الذين يشكّلون نماذج سلبية للآخرين ويدفعونهم نحو التقليد فيكونون بذلك سببا لهلاكهم، ووفقا لذلك يتوجب أن يشهّر بهم، حتى يكون العقاب القانوني رادعا لهم ولغيرهم.
محاكمة المخالفين
وتحدثت ميمونة بنت سعيد السليمانية، محامية مرخصة أمام المحكمة العليا وقيادية في حقوق الإنسان وسيادة القانون قائلة: لا يختلف عاقلان على أن الممارسات والتصرفات الشخصية غير المدروسة تؤدي إلى نتائج وخيمة وغير محمودة. حتى بات الحال هو الاعتياد على هذه الظواهر السلبية وانتشار مقاطعها على وسائل التواصل انتشارا واسعا. والسؤال الأكثر إلحاحا هو ما هو الأمر المستعجل الذي يدفع هؤلاء لمثل هذه السلوكيات المجرمة قانونا وأن الأصل أن لا مبرر لارتكاب الجريمة العمدية. فكما هو معلوم فإن نتائج استمرار هذه التجاوزات والجرائم ينطوي على أضرار على المجتمع في الاعتياد على ارتكابها بأنه أمن العقوبة، كما أنه يعرض الدفاع المدني وأرواح الكوادر الوطنية والكفاءات لخطر داهم لسبب غير مبرر ويمكن تفاديه ويتحدى بذلك سيادة القانون.
وعن دور الأسرة في حماية الأبناء وتمكينهم من التعامل مع المخاطر، أشارت إلى أن دورها جوهري، فالفرد إبن بيئته وأسرته، وقد حان الوقت من الأهل لتكثيف دورهم الاجتماعي في فترة الأنواء المناخية وغيرها من الحالات الطارئة وحث أفراد العائلة على احترام القانون وكرامة حياة الغير قبل أنفسهم إن وجدوها رخيصة، فإن حياة الغير ليست رهينة للأهواء والممارسات الفردية المتهورة غير المسؤولة. ونصحهم وإرشادهم بعدم المجازفة تحت ذريعة الحرية الزائفة والمغامرة واستعراض متانة المركبة، فالمخاطر المصاحبة غير متوقعة، كما أن الطبيعة الجغرافية أثبتت التجارب أنها معقدة ولا يمكن التنبؤ بتبعاتها ولاشيء يبرر المجازفة سوى المخالفة الصريحة للقانون والاستهتار بأرواح الغير وجلب الحزن للأبرياء من المتضررين ماديا ومعنويا واجتماعيا ضررا لا يمكن جبره في كثير من الأحيان. يشمل ذلك عدم مصاحبة الأبرياء كالأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات من الأبرياء في مثل هذه الممارسات المرفوضة.
وأوضحت أن معالجة التصرفات هذه تكون بالمحاسبة الفورية بمصادرة المركبة وحرمانه من رخصة القيادة لأقصى مدة.
وحول ضرورة وضع قوانين صارمة تحد من هذه التصرفات أو تغلظ العقوبات، أكدت المحامية أن هناك ضرورة حتمية للغاية تتمثل في عدة جوانب أولها، التطبيق والإفصاح عن عدد الإدانات الناجمة عن محاكمة المخالفين والمتسببين في الأضرار على الأرواح والأموال. ثانيها، إعادة النظر في نجاعة العقوبات الحالية في الحد من تكرار الجريمة بين فئات معينة ودراسة أسبابها لعلاجها على كافة المستويات. وثالثها، حان الوقت لتغليظ العقوبة، حيث النص الحالي من قانون المرور قد حدد في إحـدى مـواده عقوبـة "مـن يتعمد عبور الأوديـة وهـي السجن لمدة تصـل إلى 3 أشهر وغرامـة تصـل إلى 500 ريـال عمـانـي". فأقترح تغليظ العقوبة وشموليتها لتشمل ما يلي من العناصر: 1) تبعات المخالفة من ناحية الوفيات والإصابات. 2) تحميل السائق مسؤولية جزائية ومدنية عن الوفيات والإصابات. 3) حرمان المرتكب لهذه الجريمة من قيادة المركبات بما لا يقل عن 4 سنوات. 4) تطبيق العقوبات التكميلية المنصوص عليها في قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (2018/7) لتشمل أقصى المدد من الخدمة الاجتماعية بإصلاح الأضرار ورعاية المصابين واعتبار الفعل قتلا عمديا في حالات فقدان الأرواح وإيذاء جسديا في حالات الإصابات. وإذا انطوى الأمر على مرتكب الجريمة من الأصول كالأب أو ولي الأمر تبعات اجتماعية على ذلك الشخص لما فيه المصلحة الفضلى للطفل وعدم المجازفة بها وفي سلامة الأطفال الأبرياء. حفظ الله المجتمع العماني بكل خير فهو يتسم بالوعي والمسؤولية والامتثال بسيادة القانون واحترام مضامينه.
مخالفة التحذيرات
وقالت ليلى بنت عمير الهنائية مرشدة طلابية في جامعة البريمي وعضوة بجمعية الاجتماعيين العُمانية: مع كثرة التحذيرات والتنبيهات الصادرة، والجهود التي تبذلها الجهات المعنية خلال الأنواء المناخية، إلا أنه يُلاحظ عدم استجابة البعض لتلك التحذيرات وعدم اتباعهم للتعليمات الصادرة؛ مما يعرض حياتهم وحياة الآخرين للخطر، وهناك العديد من الأسباب والدوافع المرتبطة بالجانب الاجتماعي والنفسي للشخص الذي تصدر منه تلك السلوكيات التي تُوصَف عادة بأنها سلوكيات غير مسؤولة.
وتضيف: لدى البعض رغبة في الترويح عن النفس والاستمتاع بمشاهدة الأمطار والأودية، وبالرغم من التحذيرات تخرج بعض الأسر وقت هطول الأمطار بهدف قضاء وقت ممتع مع أبنائها خاصة عندما تكون الأجواء هادئة ولا إشارة على وجود خطر. فلا يؤخذ في الحسبان أن الأمطار قد تشتد غزارة، وأن الأودية قد تندفع على نحو مفاجئ مما لا يترك فرصة لتفادي الخطر، كما تُشغل بعض الأسر بالتقاط الصور لمشاركتها مع الأصدقاء والأقارب، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، مما قد يعرض أطفالهم لخطر الغرق في الأودية، والبرك والتجمعات المائية التي تشكلها مياه الأمطار.
وهناك دافع آخر وهو حب المجازفة وعدم إدراك العواقب المحتملة،وتوجد مجموعة أخرى تحب الاستعراض والتباهي وعدم تحمل المسؤولية وتعد من الأسباب المهمة لعدم اتباع التحذيرات.
واستطردت بقولها: تلعب الأسرة دورا مهما جدا في الحد من هذه الظاهرة، فالتوجيه والرقابة وفرض قواعد صارمة في المنزل وقت الأنواء المناخية وتوعية الأبناء وتحذيرهم وقت هطول الأمطار بعدم الخروج واتباع التعليمات يرفع من وعي الأبناء، ويغرس لديهم قيمة تحمل المسؤولية، إلا أن التوجيه وحده لا يكفي، بل يجب أيضا على الوالدين أنفسهما أن يكونا على قدر من المسؤولية، وأن يكونا قدوة لأبنائهم في اتباع القوانين.
ومن المفيد تكثيف برامج الإرشاد والبرامج لتدريب أفراد المجتمع على كيفية التعامل مع مشاعر القلق والخوف في المواقف الصعبة وكيفية الاستجابة السليمة.
وحول الآثار النفسية التي تخلفها الحوادث، أكدت الهنائية أن كثرة الحوادث وتكرار سماعها قد يخلف آثارا نفسية على المدى القريب والبعيد، حيث إن التعرض المباشر لهذه الحوادث يسبب اضطرابات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والقلق، والاكتئاب، والخوف من تكرر التعرض للتجربة نفسها سواء من الشخص نفسه الذي عاش التجربة أو أسرته وأصدقائه والمقربين منه الذين عايشوا تفاصيل تلك الحادثة.
استهتار وتهاون
وفي السياق ذاته قالت أسماء بنت عبدالله البلوشية عضوة بجمعية الاجتماعيين العمانية: إن الأنواء المناخية أظهرت حاجة بعض أفراد المجتمع لإدراك أضرار وعواقب الاستهتار، حتى لا يتبدل الفرح بنعمة الأمطار إلى حزن، ولا تتبدل المناسبات المبتهجة إلى لحظة فقد وفجع بسبب حوادث الغرق التي أصبحت حصيلة المجازفات التي يفعلها عدد من المواطنين والمقيمين من اجتياز للأودية. وعلى الرغم مما شاهدناه خلال الأيام الماضية من قراءات لكمية تساقط الأمطار الغزيرة على المحافظات، فبعض من الأفراد عبروا الأودية أثناء جريانها، بينما قام آخرون بالسباحة في مجاري الأودية، وفي تجمعات وبرك المياه بعد نزول الأمطار. ولا يخفى على الجميع أن تلك الأفعال دليل على نقص الوعي لديهم، ولا يفسر خروج الأفراد والأسر في أثناء الأنواء المناخية إلاّ أنها مجازفة ومخاطرة بحياتهم وحياة الآخرين. وانعدام الوعي لدى بعض المواطنين له آثار سلبية وأضرار وخسائر في الأرواح والممتلكات وكذلك يفاقم العبء على رجال الدفاع المدني والشرطة والجهات المكلفة باحتواء الأضرار.
وما هذه المؤشرات إلا دليل على أهمية سن قوانين أكثر حزما لردع المستهترين الذين يجازفون بحياتهم وحياة من معهم، ومن يحاول مساعدتهم وإنقاذهم. ويجب أن تستغل برامج الإذاعة والتلفاز وقنوات التواصل الاجتماعي لنشر ثقافة عدم المخاطرة والمجازفة بعبور الأودية والمحافظة على النفس والأرواح.
تكثيف الوعي
وقالت آية بنت حمد السالمية عضوة بجمعية الاجتماعيين العُمانية: نلاحظ من التجارب العديدة التي تعرضت لها البلاد من أعاصير ومنخفضات جوية أن هناك تصرفات فردية من قبل مواطنين أو مقيمين يخاطرون بأرواحهم بعبور الأودية بهدف جذب الانتباه وحب المغامرة، ويجب التركيز على معالجة التصرفات الفردية عن طريق التوعية والتثقيف المكثف سواء كان إلكترونيا عن طريق الفيديوهات للمزيد من التوعية بالمخاطر وأثرها المادي والنفسي وكيفية التعامل مع الأنواء المناخية بطريقة يسهل استيعابها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو معالجتها عن طريق الحلقات التعليمية.
وعمل دراسة بحثية في هذا الجانب للتعرف على أسباب قيام البعض بمثل هذه التصرفات، فالأشخاص الذين يقبلون على مثل هذه التصرفات لجذب الانتباه لا يدركون حجم الخسارة بعد ذلك فهُمْ يعرضون أنفسهم وممتلكاتهم للخطر.
وترى السالمية أنه لوحظ في الأيام الماضية، أن البعض ما زال يخاطر ويجازف بروحه وأرواح من معه، لذلك ندعو جميع المؤثرين القادرين على التوعية في هذا الجانب لاسيما الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس لنشر التوعية بين الطلبة وأولياء الأمور حول كيفية التعامل والتصرف الصحيح في أثناء الحالات الجوية والتأكيد على ضرورة الالتزام بالتعليمات وإرشادات الجهات المختصة وأيضا تعريفهم بالعقوبات على كل مستهتر. ونرى أن الاستهتار والمجازفة ما هما إلا بسبب الافتقار لثقافة التعامل الصحيح مع الكوارث الطبيعية ومخاطرها، كما يفتقر بعض الأفراد إلى معرفة الطرق التي تقي أنفسهم وممتلكاتهم الضرر. كذلك يمكن استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير النفسي على الأفراد تجاه مخاطر الطقس والتركيز على إيصال الرسالة التوعوية بشكل هادف، ويجب التكاتف للتخفيف من أضرار الأنواء المناخية عبر المساهمة في التوعية والتثقيف بين الزملاء أو حتى في المنزل من قبل الوالدين لتوعية أبنائهم.
وبينت آية السالمية قائلة: إن إيجاد برامج توعوية للشباب عن مخاطر تحدي الطبيعة أمر مهم للغاية، فالبرامج تُنمي الوعي لدى الشباب وتعرفهم بالطرق الصحيحة في التعامل وقت الأزمات، والشباب أكثر هوسا وطيشا وعدم اكتراث للخطر ولديهم شعور بحب المغامرة وخوض التجربة ولجذب انتباه الناس لهم وهدفهم مطاردة لقطة التصوير والتفاخر، رغم تحذيرات الجهات المختصة بعدم الاقتراب من المناطق الخطرة أو مجاري الأودية، فالمجازفة قرار شخصي وفي النهاية يتحول إلى مأساة، وقد يكون الضحية هو المنقذ الذي يبذل هو وغيره من رجال الدفاع المدني جهودا كبيرة، ويقدمون كل ما لديهم لحماية الأرواح البشرية، ويواجهون تحديات. ومن هنا تأتي أهمية إيجاد برامج للتوعية ومعالجة أسباب المُخاطرة، وتقليل حدوثها، بالإضافة إلى التعريف بالقوانين والعقوبات التي تطبقها الجهات المعنية على سلوكيات الأفراد، وهذا يساعد في توعية وتثقيف الشباب بكل ما يلزم معرفته وقت الأزمات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی الأنواء المناخیة الدفاع المدنی هذه التصرفات عن طریق
إقرأ أيضاً: