خلال فترة عبور الحالات الجوية سلطنة عمان لا تتوقف فرق الدفاع المدني والإسعاف والاستجابة الطبية لحظة عن العمل لكثرة البلاغات وطلبات النجدة والإنقاذ لأشخاص يخاطرون بأنفسهم وبمحض إرادتهم في ذروة السيول غير مدركين النتائج المؤلمة والعواقب المهلكة للمجازفة في مسارات الأودية الجارفة أو البقاء في المناطق المنخفضة التي تشهد ارتفاع منسوب المياه بصورة مفاجئة.

.

وقد فجعت الكثير من الأسر في أبنائها بسبب هذه المجازفات غير المسؤولة والاستهتار من قبل بعض الأشخاص أثناء هطول الأمطار، فشهدنا زيادة في أعداد الحوادث جراء عدم الاكتراث بالتحذيرات من المخاطر المحتملة للحالات الجوية التي تصدرها الجهات المختصة.

وحول ظاهرة تزايد هذه الحوادث، قال المكرم الدكتور صالح الفهدي عضو مجلس الدولة رئيس مركز قيم: لا شك أنها مشاهد مؤسفة يقوم بها البعض بصورة أغلبها متعمدة، رغم الخبرات التي مرَّ بها الجميع وأحداث مشابهة صاحبها الأسف والألم، إلا أنها تتكرر في كل حالة جوية، وهذا يدلُّ على الاستخفاف، والاستهتار بالنفس الإنسانية الثمينة التي تعدُّ أمانةً من الخالق عز وجل، فهي أعظم قيمة من القيم التي يتوجب على الإنسان أن يصونها ويحفظها من أي سوء.

وتابع الفهدي: إن المخاطرة في الأجواء المناخية الخطرة، وذلك بالوجود في مساقط الأودية أو الشعاب، أو قطع الشوارع أثناء مرور الأودية الجارفة، يعده البعض نوعا من إظهار التحدي أو استعراض القوة، وهذا ناتجٌ عن قلة وعي وجهل، وضعف إدراك. كما أنه ناتج عن تدني الشعور بالمسؤولية تجاه النفس الإنسانية، حيث يعد هذا السلوك المستهتر واللا مسؤول مؤشرا لذلك وهو ما يعني إلقاء النفس في المهالك.

وحول طرق معالجة التصرفات الفردية لجذب الانتباه وحب المغامرة لدى البعض، أوضح المكرم الدكتور صالح بقوله: أعتقد أن معالجة هذه التصرفات يفترض أن تتم على ثلاثة مسارات؛ أولها يتمثل في التوعية الإعلامية المكثفة، والإرشاد الاجتماعي، على مختلف الوسائل سواءً في الخطابات الوعظية (كخطبة الجمعة)، أو المحاضرات التي تقام في المجالس العامة أوالمساجد. بالإضافة إلى البرامج الإعلامية التثقيفية التي تبرز العواقب الوخيمة من وراء هذه التصرفات الطائشة.

والمسار الثاني، يتم عن طريق وضع حواجز مانعة مباشرةً في كل النقاط المعروفة بجريان الأودية وذلك من خلال جهاز شرطة عمان السلطانية أو من خلال جماعة من المتطوعين في كل منطقة يُعهد إليهم المباشرة في عمل الحواجز التي تحول دون قطع الأودية أو الخوض فيها أو الاقتراب منها.

والمسار الثالث هو الإجراء القانوني ضد كل من يقوم بمثل هذه التصرفات الطائشة، حيث يحرّك الادعاء العام قضايا تجاه المتهورين الذين يشكّلون نماذج سلبية للآخرين ويدفعونهم نحو التقليد فيكونون بذلك سببا لهلاكهم، ووفقا لذلك يتوجب أن يشهّر بهم، حتى يكون العقاب القانوني رادعا لهم ولغيرهم.

محاكمة المخالفين

وتحدثت ميمونة بنت سعيد السليمانية، محامية مرخصة أمام المحكمة العليا وقيادية في حقوق الإنسان وسيادة القانون قائلة: لا يختلف عاقلان على أن الممارسات والتصرفات الشخصية غير المدروسة تؤدي إلى نتائج وخيمة وغير محمودة. حتى بات الحال هو الاعتياد على هذه الظواهر السلبية وانتشار مقاطعها على وسائل التواصل انتشارا واسعا. والسؤال الأكثر إلحاحا هو ما هو الأمر المستعجل الذي يدفع هؤلاء لمثل هذه السلوكيات المجرمة قانونا وأن الأصل أن لا مبرر لارتكاب الجريمة العمدية. فكما هو معلوم فإن نتائج استمرار هذه التجاوزات والجرائم ينطوي على أضرار على المجتمع في الاعتياد على ارتكابها بأنه أمن العقوبة، كما أنه يعرض الدفاع المدني وأرواح الكوادر الوطنية والكفاءات لخطر داهم لسبب غير مبرر ويمكن تفاديه ويتحدى بذلك سيادة القانون.

وعن دور الأسرة في حماية الأبناء وتمكينهم من التعامل مع المخاطر، أشارت إلى أن دورها جوهري، فالفرد إبن بيئته وأسرته، وقد حان الوقت من الأهل لتكثيف دورهم الاجتماعي في فترة الأنواء المناخية وغيرها من الحالات الطارئة وحث أفراد العائلة على احترام القانون وكرامة حياة الغير قبل أنفسهم إن وجدوها رخيصة، فإن حياة الغير ليست رهينة للأهواء والممارسات الفردية المتهورة غير المسؤولة. ونصحهم وإرشادهم بعدم المجازفة تحت ذريعة الحرية الزائفة والمغامرة واستعراض متانة المركبة، فالمخاطر المصاحبة غير متوقعة، كما أن الطبيعة الجغرافية أثبتت التجارب أنها معقدة ولا يمكن التنبؤ بتبعاتها ولاشيء يبرر المجازفة سوى المخالفة الصريحة للقانون والاستهتار بأرواح الغير وجلب الحزن للأبرياء من المتضررين ماديا ومعنويا واجتماعيا ضررا لا يمكن جبره في كثير من الأحيان. يشمل ذلك عدم مصاحبة الأبرياء كالأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات من الأبرياء في مثل هذه الممارسات المرفوضة.

وأوضحت أن معالجة التصرفات هذه تكون بالمحاسبة الفورية بمصادرة المركبة وحرمانه من رخصة القيادة لأقصى مدة.

وحول ضرورة وضع قوانين صارمة تحد من هذه التصرفات أو تغلظ العقوبات، أكدت المحامية أن هناك ضرورة حتمية للغاية تتمثل في عدة جوانب أولها، التطبيق والإفصاح عن عدد الإدانات الناجمة عن محاكمة المخالفين والمتسببين في الأضرار على الأرواح والأموال. ثانيها، إعادة النظر في نجاعة العقوبات الحالية في الحد من تكرار الجريمة بين فئات معينة ودراسة أسبابها لعلاجها على كافة المستويات. وثالثها، حان الوقت لتغليظ العقوبة، حيث النص الحالي من قانون المرور قد حدد في إحـدى مـواده عقوبـة "مـن يتعمد عبور الأوديـة وهـي السجن لمدة تصـل إلى 3 أشهر وغرامـة تصـل إلى 500 ريـال عمـانـي". فأقترح تغليظ العقوبة وشموليتها لتشمل ما يلي من العناصر: 1) تبعات المخالفة من ناحية الوفيات والإصابات. 2) تحميل السائق مسؤولية جزائية ومدنية عن الوفيات والإصابات. 3) حرمان المرتكب لهذه الجريمة من قيادة المركبات بما لا يقل عن 4 سنوات. 4) تطبيق العقوبات التكميلية المنصوص عليها في قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (2018/7) لتشمل أقصى المدد من الخدمة الاجتماعية بإصلاح الأضرار ورعاية المصابين واعتبار الفعل قتلا عمديا في حالات فقدان الأرواح وإيذاء جسديا في حالات الإصابات. وإذا انطوى الأمر على مرتكب الجريمة من الأصول كالأب أو ولي الأمر تبعات اجتماعية على ذلك الشخص لما فيه المصلحة الفضلى للطفل وعدم المجازفة بها وفي سلامة الأطفال الأبرياء. حفظ الله المجتمع العماني بكل خير فهو يتسم بالوعي والمسؤولية والامتثال بسيادة القانون واحترام مضامينه.

مخالفة التحذيرات

وقالت ليلى بنت عمير الهنائية مرشدة طلابية في جامعة البريمي وعضوة بجمعية الاجتماعيين العُمانية: مع كثرة التحذيرات والتنبيهات الصادرة، والجهود التي تبذلها الجهات المعنية خلال الأنواء المناخية، إلا أنه يُلاحظ عدم استجابة البعض لتلك التحذيرات وعدم اتباعهم للتعليمات الصادرة؛ مما يعرض حياتهم وحياة الآخرين للخطر، وهناك العديد من الأسباب والدوافع المرتبطة بالجانب الاجتماعي والنفسي للشخص الذي تصدر منه تلك السلوكيات التي تُوصَف عادة بأنها سلوكيات غير مسؤولة.

وتضيف: لدى البعض رغبة في الترويح عن النفس والاستمتاع بمشاهدة الأمطار والأودية، وبالرغم من التحذيرات تخرج بعض الأسر وقت هطول الأمطار بهدف قضاء وقت ممتع مع أبنائها خاصة عندما تكون الأجواء هادئة ولا إشارة على وجود خطر. فلا يؤخذ في الحسبان أن الأمطار قد تشتد غزارة، وأن الأودية قد تندفع على نحو مفاجئ مما لا يترك فرصة لتفادي الخطر، كما تُشغل بعض الأسر بالتقاط الصور لمشاركتها مع الأصدقاء والأقارب، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، مما قد يعرض أطفالهم لخطر الغرق في الأودية، والبرك والتجمعات المائية التي تشكلها مياه الأمطار.

وهناك دافع آخر وهو حب المجازفة وعدم إدراك العواقب المحتملة،وتوجد مجموعة أخرى تحب الاستعراض والتباهي وعدم تحمل المسؤولية وتعد من الأسباب المهمة لعدم اتباع التحذيرات.

واستطردت بقولها: تلعب الأسرة دورا مهما جدا في الحد من هذه الظاهرة، فالتوجيه والرقابة وفرض قواعد صارمة في المنزل وقت الأنواء المناخية وتوعية الأبناء وتحذيرهم وقت هطول الأمطار بعدم الخروج واتباع التعليمات يرفع من وعي الأبناء، ويغرس لديهم قيمة تحمل المسؤولية، إلا أن التوجيه وحده لا يكفي، بل يجب أيضا على الوالدين أنفسهما أن يكونا على قدر من المسؤولية، وأن يكونا قدوة لأبنائهم في اتباع القوانين.

ومن المفيد تكثيف برامج الإرشاد والبرامج لتدريب أفراد المجتمع على كيفية التعامل مع مشاعر القلق والخوف في المواقف الصعبة وكيفية الاستجابة السليمة.

وحول الآثار النفسية التي تخلفها الحوادث، أكدت الهنائية أن كثرة الحوادث وتكرار سماعها قد يخلف آثارا نفسية على المدى القريب والبعيد، حيث إن التعرض المباشر لهذه الحوادث يسبب اضطرابات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والقلق، والاكتئاب، والخوف من تكرر التعرض للتجربة نفسها سواء من الشخص نفسه الذي عاش التجربة أو أسرته وأصدقائه والمقربين منه الذين عايشوا تفاصيل تلك الحادثة.

استهتار وتهاون

وفي السياق ذاته قالت أسماء بنت عبدالله البلوشية عضوة بجمعية الاجتماعيين العمانية: إن الأنواء المناخية أظهرت حاجة بعض أفراد المجتمع لإدراك أضرار وعواقب الاستهتار، حتى لا يتبدل الفرح بنعمة الأمطار إلى حزن، ولا تتبدل المناسبات المبتهجة إلى لحظة فقد وفجع بسبب حوادث الغرق التي أصبحت حصيلة المجازفات التي يفعلها عدد من المواطنين والمقيمين من اجتياز للأودية. وعلى الرغم مما شاهدناه خلال الأيام الماضية من قراءات لكمية تساقط الأمطار الغزيرة على المحافظات، فبعض من الأفراد عبروا الأودية أثناء جريانها، بينما قام آخرون بالسباحة في مجاري الأودية، وفي تجمعات وبرك المياه بعد نزول الأمطار. ولا يخفى على الجميع أن تلك الأفعال دليل على نقص الوعي لديهم، ولا يفسر خروج الأفراد والأسر في أثناء الأنواء المناخية إلاّ أنها مجازفة ومخاطرة بحياتهم وحياة الآخرين. وانعدام الوعي لدى بعض المواطنين له آثار سلبية وأضرار وخسائر في الأرواح والممتلكات وكذلك يفاقم العبء على رجال الدفاع المدني والشرطة والجهات المكلفة باحتواء الأضرار.

وما هذه المؤشرات إلا دليل على أهمية سن قوانين أكثر حزما لردع المستهترين الذين يجازفون بحياتهم وحياة من معهم، ومن يحاول مساعدتهم وإنقاذهم. ويجب أن تستغل برامج الإذاعة والتلفاز وقنوات التواصل الاجتماعي لنشر ثقافة عدم المخاطرة والمجازفة بعبور الأودية والمحافظة على النفس والأرواح.

تكثيف الوعي

وقالت آية بنت حمد السالمية عضوة بجمعية الاجتماعيين العُمانية: نلاحظ من التجارب العديدة التي تعرضت لها البلاد من أعاصير ومنخفضات جوية أن هناك تصرفات فردية من قبل مواطنين أو مقيمين يخاطرون بأرواحهم بعبور الأودية بهدف جذب الانتباه وحب المغامرة، ويجب التركيز على معالجة التصرفات الفردية عن طريق التوعية والتثقيف المكثف سواء كان إلكترونيا عن طريق الفيديوهات للمزيد من التوعية بالمخاطر وأثرها المادي والنفسي وكيفية التعامل مع الأنواء المناخية بطريقة يسهل استيعابها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو معالجتها عن طريق الحلقات التعليمية.

وعمل دراسة بحثية في هذا الجانب للتعرف على أسباب قيام البعض بمثل هذه التصرفات، فالأشخاص الذين يقبلون على مثل هذه التصرفات لجذب الانتباه لا يدركون حجم الخسارة بعد ذلك فهُمْ يعرضون أنفسهم وممتلكاتهم للخطر.

وترى السالمية أنه لوحظ في الأيام الماضية، أن البعض ما زال يخاطر ويجازف بروحه وأرواح من معه، لذلك ندعو جميع المؤثرين القادرين على التوعية في هذا الجانب لاسيما الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس لنشر التوعية بين الطلبة وأولياء الأمور حول كيفية التعامل والتصرف الصحيح في أثناء الحالات الجوية والتأكيد على ضرورة الالتزام بالتعليمات وإرشادات الجهات المختصة وأيضا تعريفهم بالعقوبات على كل مستهتر. ونرى أن الاستهتار والمجازفة ما هما إلا بسبب الافتقار لثقافة التعامل الصحيح مع الكوارث الطبيعية ومخاطرها، كما يفتقر بعض الأفراد إلى معرفة الطرق التي تقي أنفسهم وممتلكاتهم الضرر. كذلك يمكن استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير النفسي على الأفراد تجاه مخاطر الطقس والتركيز على إيصال الرسالة التوعوية بشكل هادف، ويجب التكاتف للتخفيف من أضرار الأنواء المناخية عبر المساهمة في التوعية والتثقيف بين الزملاء أو حتى في المنزل من قبل الوالدين لتوعية أبنائهم.

وبينت آية السالمية قائلة: إن إيجاد برامج توعوية للشباب عن مخاطر تحدي الطبيعة أمر مهم للغاية، فالبرامج تُنمي الوعي لدى الشباب وتعرفهم بالطرق الصحيحة في التعامل وقت الأزمات، والشباب أكثر هوسا وطيشا وعدم اكتراث للخطر ولديهم شعور بحب المغامرة وخوض التجربة ولجذب انتباه الناس لهم وهدفهم مطاردة لقطة التصوير والتفاخر، رغم تحذيرات الجهات المختصة بعدم الاقتراب من المناطق الخطرة أو مجاري الأودية، فالمجازفة قرار شخصي وفي النهاية يتحول إلى مأساة، وقد يكون الضحية هو المنقذ الذي يبذل هو وغيره من رجال الدفاع المدني جهودا كبيرة، ويقدمون كل ما لديهم لحماية الأرواح البشرية، ويواجهون تحديات. ومن هنا تأتي أهمية إيجاد برامج للتوعية ومعالجة أسباب المُخاطرة، وتقليل حدوثها، بالإضافة إلى التعريف بالقوانين والعقوبات التي تطبقها الجهات المعنية على سلوكيات الأفراد، وهذا يساعد في توعية وتثقيف الشباب بكل ما يلزم معرفته وقت الأزمات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی الأنواء المناخیة الدفاع المدنی هذه التصرفات عن طریق

إقرأ أيضاً:

مختصون: السمت العماني .. هوية راسخة لمجتمع أصيل

يمثل السمت العماني سمة عريقة لأبناء سلطنة عمان، هي نتاج قرون من التربية المجتمعية والثقافة الدينية والقيم الأخلاقية المتأصلة في نفوسهم.

وفي ظل الحداثة والعولمة والتطور التكنولوجي يشد العمانيون بأيدي بعضهم بعضا في محاولة لحماية المجتمع من التأثيرات غير المحمودة، وحفاظا على سمتهم وأصالتهم.

وبين الواعظ والمحدث سالم النعماني أن "السمت العماني" هي مجموعة من القيم والعادات التي تميز بها العمانيون منذ القدم كحسن أخلاقهم وتعاملهم مع الآخرين، وقد نالوا شهادات بذلك منذ دخول الإسلام إلى عُمان، حيث منح النبي صلى الله عليه وسلم شهادته لهم قائلا: "لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك"، والسمت العماني يقوم على التمسك بالقيم الإسلامية، التي تشمل المعاملة الحسنة مع الآخرين، مؤكدا أن العمانيين حاولوا المحافظة على هذه القيم عبر الأجيال، ودورنا اليوم هو ترسيخ هذه السمات في أجيالنا القادمة.

دور الأسرة

ويلفت النعماني إلى أنه لابد لنا اليوم أن نسعى إلى ترسيخ السمت العماني، وترسيخه يبدأ من البيت والأسرة فعلى الآباء والأمهات أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم في السلوك والتربية، مشددا على أهمية دور المسجد في توجيه المجتمع، حيث إن للإمام دور مهم لا يقتصر على طرح مواضيع محددة كل يوم، وإنما عليه أن يغوص في المجتمع، ليعرف ماذا ينبغي أن يكون عليه وماذا لا ينبغي، وأن يكون دوره فعّال في توجيه الناس نحو الحفاظ على السمت العماني. ويشدد النعماني على دور النادي والمدرسة والمجلس بالإضافة إلى دور الشخصيات البارزة في المجتمعات التي لا بدّ أن تكون قدوة في المجتمع، وأن يكونوا قريبين من الشباب يهتمون بشؤونهم ويعملون على حل مشاكله، وأن نكون حذرين من التأثيرات الخارجية وغزو التكنولوجيا والابتعاد عن التكاسل في الحفاظ على هذه القيم.

العادات العمانية

يتحدث النعماني عن مجموعة من العادات العمانية التي يرى من الضرورة المحافظة عليها، مثل احترام الآخرين، خصوصا كبار السن وأهل العلم ويشدد على أن يواصلوا تقدير الأشخاص ذوي الفضل في المجتمع، مثل المعلمين والمسؤولين، مؤكدا أن هذه القيم يجب أن تظل حاضرة في التعاملات اليومية.

كما تحدث عن أهمية التواصل مع الأطفال والشباب من خلال مجالس العائلة التي تجمع بين الأجيال المختلفة، مشيرا إلى أن هناك بيوتا عمانية ما زالت محافظة حتى يومنا هذا على مجلسها الخاص والعام، وعلى اللقاءات الأسبوعية ومنها الشهرية لذا، لا خوف على الشباب العماني ولكن يرى أن انشغال الناس بوسائل التواصل الاجتماعي قد أدى إلى ضعف هذه الجلسات العائلية، مما يهدد ذلك من ترابط المجتمع.

وأشار النعماني إلى أن من الأمور التي يجب أن نحافظ عليها، ارتداء الشباب العماني للملابس التقليدية الدشداشة العمانية والمصر ولبس الخنجر إن وجدت وحمل العصا، وثمن دور المؤسسات الحكومية في التأكيد على ارتداء "الدشداشة" العمانية في العمل، وكذلك في المدارس والجامعات الحكومية وهذه الأمور تورث الشباب المحافظة على السمت العماني والمحافظة على هويتهم.

ولترسيخ سمة السمت يفضل اصطحاب الأبناء عند زيارة الأرحام ليروا تطبيقا عمليا عندما يرون الكبار يتحدثون ويناقشون ويتقبلون الرأي والرأي الآخر ويتناشدون عن العلم والخبر وتقديم الكبير، وأسلوب الضيافة وتقديم القهوة، وغيرها من الأمور التي يجب أن تغرس في الأبناء ليكتسبوا هويتهم.

تأثير الانفتاح

وعن تحديات العصر الحديث، يقول النعماني: إن تحصين الشباب من خلال برامج مكثفة في العقيدة والفقه والسيرة والتاريخ، يكون لديهم أساسا قويا يواجهون به تأثيرات العالم الخارجي بالإضافة إلى دور الإعلام متمثلا في التلفزيون والراديو والصحافة وحتى من خلال الفن كتقديم مشاهد توعوية أو مسرحيات هادفة.

ويرى النعماني أن التكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين يمكن استخدامها في نشر القيم الإيجابية أو في نشر السلبيات، وهذا يعتمد على كيفية توظيفها ويؤكد على أن العمانيين يجب أن يعيشوا في زمانهم وأن يستخدموا الوسائل الحديثة بطريقة تخدم أهدافهم الثقافية والدينية ويرى أن الانفتاح ليس بالضرورة أن يكون سيئا إذا تم التعامل معه بحكمة، بحيث يمكن الحفاظ على العادات والتقاليد العمانية مع الاستفادة من التطورات الحديثة.

وعن التمسك بالتقاليد العمانية والانفتاح على الحداثة يرى النعماني أن الحل يكمن في اعتماد المنهج الوسطي، حيث يمكن للشباب أن يستفيدوا من التكنولوجيا والتطورات الحديثة دون أن يفقدوا هويتهم ويؤثر على أخلاقهم وسمتهم.

ويؤكد النعماني على ضرورة أن يكون الانفتاح صحيحا، بحيث يحافظ العمانيون على سماتهم وعاداتهم حتى في المناسبات الاجتماعية التي قد تأثرت بالتغيرات الحديثة ويرى أن هناك إمكانيات كبيرة لاستمرار هذه العادات إذا تم توجيه الجهود بشكل صحيح من قبل المجتمع، بما في ذلك المؤسسات التعليمية والدينية.

تجسيد السمت العماني

من جانبه يتحدث الدكتور عبد الله العبري أن عمان والعمانيين من أعالي مسندم إلى ظفار يتميزون بسمت خاص يُعرف بالسمت العماني، وهو ليس كالصمت، بل يعكس شخصية هادئة ومتزنة تحترم الرأي والرأي الآخر وتتميز بالصدق والعدل، ولا تتعرض لذمم الناس، ولا تخون أو تغتاب، ولا تقلل من شأن أحد، مشيرا إلى أن هذه الصفات تجسد السمت العماني، والتي يتحلى بها العمانيون كبارا وصغارا، رجالا ونساء، إلا من رحم ربي فلا نزكي أنفسنا ولكن الشخصية العمانية الأصيلة هي التي تتمتع بهذه الخصال، مما يجعلها تبرز بين الآخرين.

واستذكر العبري حديثا مع أحد الأكاديميين العرب أثناء وجودهم في المملكة المتحدة، حين سأله: "هل يعد العمانيون معسكر إعداد لكم قبل الخروج إلى الغربة؟" فسأله عن سبب هذا السؤال، فأجاب بأنه لم يرَ عمانيا إلا وتعلوه الهيبة والسمت، وأن كل شخص منهم يفوق الآخر في صفاته الحسنة.

وأكد له العبري بأن هذا هو السمت العماني، الذي تجسده تربية الأسرة العمانية، التي تولي اهتماما بالغا بأن يكون العماني، سواء كان كبيرا أو صغيرا، متصفا بهذه الخصال.

وعن كيفية الحفاظ على تقاليدنا العمانية، أضاف العبري بأنه يجب غرس هذه القيم منذ سن الحضانة والروضة وفي المدرسة بمراحلها حتى سن الجامعة ليتمكن الشباب من الاستمرار في هذه التقاليد الأصيلة ونكون بها خير خلف لخير سلف، وأضاف بأن العمانيين منفتحون على العالم، غير متقوقعين بأفكارهم بفضل عقليتهم المتزنة التي تتقبل الرأي والرأي الآخر، بينما هم يحافظون على تقاليدهم.

وأوضح العبري بأننا لا نزكي أنفسنا وإن هناك من التقاليد ما يحتاج إلى تعديل ولكن بمجملها هناك ما يدعو بالفخر والكرم والعقلية المنفتحة وتقبل الرأي والرأي الآخر وعدم القدح في الآخرين والتقليل منهم وعدم الخوض في الخلافات المذهبية والطائفية فالإنسان العماني يتجنب كل ذلك لأنه شخصية تحترم الخصوصية وتحترم الآخرين وبالتالي كل ذلك يدعو بالفخر.

إيجاد القدوة

ويرى العبري بأنه على الرغم من التحديات المتعددة مثل وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح العالمي والعولمة، التي قد تحمل تأثيرات إيجابية وسلبية على العادات والتقاليد، إلا أن الإنسان الذي يهتم بمستقبله ومستقبل بلده يدرك أن هذه الوسائل قد تسهم في غرس قيم إيجابية. ومع ذلك، يجب التعامل معها بحذر لأن أبناءنا أمانة، هذا لا يعني أن الهوية العمانية مهددة بالفقدان، بل على الأسرة والمؤسسات التعليمية أن تلعب دورا في تعزيز السمت العماني من خلال المناهج والأنشطة، بما يسهم في غرس هذه القيم في الأجيال الجديدة.

وأشار العبري إلى أهمية إيجاد القدوة وعلى المعلم أن يكون قدوة حسنة، ويعمل بجد على توعية الأجيال الجديدة بقيم العمانيين، فالتعليم بالقدوة هو الأكثر تأثيرا، كما يمكن نشر الوعي من خلال وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى الملتقيات والأنشطة الطلابية والكشفية وأن يعمل الجميع على تعزيز هذه القيم الحسنة من خلال المناهج والمؤسسات التربوية بأشكالها.

السبلة العمانية

ويؤكد العبري أن السبلة العمانية تلعب دورا كبيرا في تعزيز القيم، فهي بمثابة المدرسة التي تربي الأجيال وتربطهم بعاداتهم وتقاليدهم، إذا استمرينا على نهج آبائنا وتمسكنا بقيمنا، فلا خوف على الأجيال القادمة، مؤكدا بأن علينا أن نظهر للعالم بسلوكنا وعاداتنا العمانية، لنستطيع نشر حضارتنا ونسوق لها.

دور المؤسسات

وأشار خالد المدهوشي إمام مسجد إلى أن المساجد تلعب دورا حيويا في تعزيز القيم الأخلاقية وترسيخ الصفات الإسلامية والشخصية العمانية، حيث تعد مكانا للتلاقي والتواصل بين مختلف فئات المجتمع، لاسيما في القرى، حيث يتعلم الصغار من الكبار احترام الآخرين وتقديرهم، فينعكس ذلك إيجابا على سلوكهم ويشعر رواد المساجد، خاصة في القرى والمناطق الريفية كون أن أغلب سكانها من عوائل متقاربة بمسؤولية أكبر في توجيه النصح والإرشاد فيما بينهم، في الأمور المتعلقة بالالتزام باللباس العماني، وغرس القيم والأخلاق كجزء من واجباتهم اتجاه بعضهم البعض داخل المسجد وكعائلة. مما يسهم هذا التفاعل المجتمعي في غرس القيم العمانية والإسلامية لدى الناشئة، الذين يتأثرون بمحيطهم ويترسخ فيهم الالتزام بأخلاق الإسلام وقيم المجتمع.

وأكد المدهوشي أن أئمة المساجد يؤدون دورا محوريا في غرس السمت والهوية العمانية لدى الناشئة، حيث لا يقتصر على تعليمهم بشكل متجرد أو حشو أدمغة الأطفال بمجموعة من المعلومات في نقل المعرفة الدينية، بل يمتد دورنا لتعليمهم العادات والتقاليد العمانية والإسلامية الأصيلة، كما يسعى الأئمة من خلال دروسهم ومحاضراتهم إلى تربية الأجيال على القيم العمانية وتوجيههم فيما يتعلق باللباس والأخلاق، وتعزيز الروح الإسلامية في التعامل بين الأفراد ككل، فهذا النهج التربوي يسهم في تكوين شخصية الشباب العماني، ويعمل على ترسيخ هويتهم الإسلامية والمحافظة على القيم الراسخة في مجتمعنا، فبتوجيه الأئمة المتواصل، سيغرسون هذه القيم العريقة بشكل مباشر وغير مباشر في هؤلاء الفتية، ليصبح المسجد منبعا لبناء الشخصية العمانية الملتزمة والمحافظة.

تأثير مواقع التواصل

وعن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي أوضح المدهوشي قائلا إن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل كبير على الالتزام بالقيم والتقاليد العمانية، حيث أدى هذا التداخل الرقمي إلى تلاشي بعض الفروقات الثقافية بين المجتمعات، مما أثرت في بعض الشباب العماني على صعيد اللغة أو في طريقة ممارسة أسلوب حياتهم بما هو لا يمثل مجتمعنا العماني، مما يُظهر بعض السلوكيات غير المعتادة، مثل استخدام ألفاظ السب والشتم التي لم تكن جزءا من مجتمعنا العماني وثقافته.

توجيه الشباب

ونصح المدهوشي الشباب العماني بالحفاظ على السمت العماني وسط تحديات العولمة وذلك بالانخراط في المجتمع والاقتراب من كبار السن والنظر إلى ما عندهم من عادات وقيم ومبادئ أصيلة، فهم مصدر حي للتعلم العملي، فلقد جعلت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الأفراد وخصوصا الأطفال يميلون للعزلة، في حين أن الخروج من المنزل والتفاعل المباشر يعززان الفهم العميق للسلوكيات الحميدة، كما أن الالتزام بالدين، يُعتبر أساس للقيم في المجتمع العماني المحافظ ومرسخا للأخلاق والمبادئ الأصيلة، وبالتفاعل مع المجتمع.

تكامل الجهود

وأشار المدهوشي إلى أنه يمكن أن تتكامل هذه الجهود بتعاون المؤسسات التعليمية والمساجد معا في مسألة تعزيز الهوية العمانية عبر تنظيم برامج مشتركة تهدف لغرس القيم الأصيلة، فمن الممكن أن تستعين المدارس بأئمة المساجد لتقديم محاضرات تثقيفية تتناول جوانب الهوية العمانية والعادات والتقاليد الإسلامية والأخلاق الإسلامية بالإضافة إلى ذلك، أو يمكن للمدارس تشجيع الطلبة على حضور الفعاليات والأنشطة التي تقام في المساجد، مثل الدروس والمحاضرات الدينية والثقافية، مما يوفر لهم فرصة للتفاعل المباشر مع القيم المجتمعية والإسلامية مما سيسهم هذا التعاون في توثيق علاقة الطلبة بمحيطهم الثقافي والديني، ويعزز لديهم الفهم العميق للعادات العمانية وتكوين جيل واعٍ ومرتبط بهويته.

دور مجلس الشورى

وأوضح سعادة سليمان الراجحي عضو مجلس الشورى ممثل ولاية جعلان بني بوحسن أن السمت العماني هي خصائص ثقافية واجتماعية تميز المجتمع العماني عن غيره وتعكس هويته الأصيلة التي تشمل القيم الأخلاقية والعادات والتقاليد التي تشكل ملامح الشخصية العمانية الفريدة.

وأكد الراجحي أن مجلس الشورى يلعب دورا بارزا في حماية الهوية العمانية وتعزيزها لدى الشباب من خلال إعداد ومراجعة التشريعات التي تهدف إلى حماية التراث الثقافي وتوطيد الهوية الوطنية، التي تساعد على ترسيخ القيم العمانية لدى الأجيال الشابة بالإضافة إلى أن المجلس يشجع الجهات المختصة على تنظيم فعاليات وندوات ثقافية تستهدف تعزيز الوعي بالتراث العماني، وتعريف الشباب بقيمهم وتاريخهم الوطني. بالإضافة إلى حرصنا على المشاركة في المناسبات الوطنية والاحتفالات العامة، والظهور بالزي العماني والأخلاق العمانية لأهمية غرس هذه الفكرة في أذهان الشباب ورسم صورة نمطية في أذهانهم حول شكل ظهور الشاب العماني مما يعزز شعور الانتماء والاعتزاز بالهوية الوطنية لديهم.

وقال الراجحي إن الحفاظ على التقاليد العمانية والتكيف مع العصر الحديث يتطلب جهدا متوازنا من قبل الشباب، ويكمن دورنا نحن كأولياء أمور ومؤسسات في تثقيف النشء وتوعيتهم بتاريخهم وثقافتهم مما يعزز فهمهم واحترامهم للتقاليد ويمكنهم من التفكير النقدي لتحديد القيم التي يرغبون في الحفاظ عليها فالمرونة في التكيف أمرا ضروريا، بحيث يتمكن الشباب من تبني قيم حديثة دون التخلي عن جذورهم كما أن تعزيز الحوار مع الأجيال السابقة والانخراط في الأنشطة المجتمعية يعززان هذا التوازن، ولا يمكننا تجاهل دور التكنولوجيا حيث تتيح لنا فرصة الوصول إلى المعلومات الثقافية على نطاق واسع، وتمنح العمانيين فرصة للترويج لعاداتهم عالميا.

ويرى الراجحي أن تأثير العولمة على العادات العمانية هو موضوع ذو أبعاد متباينة، حيث تحمل العولمة جوانب إيجابية من خلال تعزيزها لمسألة تبادل الثقافات، مما يثري العادات العمانية بعناصر جديدة، وفي المقابل، قد تؤدي إلى تآكل بعض القيم التقليدية وتوجه الشباب نحو تقليد أنماط حياة لا تتوافق مع حياة الإنسان العماني والقيم العمانية مما قد يهدد ذلك هويتنا الثقافية، لهذا يعد التوازن بين الاستفادة من العولمة والمحافظة على القيم جزءا أساسيا من بناء هوية ثقافية غنية.

مقالات مشابهة

  • موجة من الأمطار الغزيرة تضرب مدن وقري البحيرة
  • خبير في التغيرات المناخية يكشف عن مخاطر الجفاف المتزايد في العالم
  • مقتل 10 جنود إيرانيين جراء سقوط حافلة في أحد الأودية (شاهد)
  • مالكش لازمة بالفريق| خيري رمضان يهاجم نجم الأهلي.. ايه اللي حصل؟
  • صحة شمال سيناء: تكثيف برنامج التوعية بمخاطر البرد وأمراض الشتاء
  • إدارة السدود تدعو لإخلاء المناطق القريبة من الأودية ببنغازي
  • معاوية عوض الله: العقوبات التي تصدر تجاه قادة الجيش لن تزيدنا إلا قوة وصلابة
  • مختصون يقللون من مخاوف ظهور إنفلونزا الطيور في الاردن
  • مختصون: السمت العماني .. هوية راسخة لمجتمع أصيل
  • أرحومة يتفقد الأضرار التي لحقت بمبنى وزراة العمل جراء الأمطار في سرت