د. محمد بن عوض المشيخي **

 

يُعد ربيع الجامعات الأمريكية وحراك طلبتها المُبارك لمُساندة غزة التي خذلها أربعمائة مليون عربي، باستثناء عدد قليل من الدول التي لها مواقف في مستوى الحد الأدنى من التضامن المعنوي، وليس بمستوى طموح تلك الشعوب؛ إذ لا يتجاوز عددها أربع دول عربية ما بين أكثر من 20 دولة في مُقدمتها سلطنة عُمان.

وتمثل تلك الاعتصامات والوقفات السلمية، أجمل لوحة يسطرها الطلبة والأكاديميون في أروقة الجامعات الأمريكية؛ فهذا التضامن الإنساني نحو تحقيق حلم الفلسطينيين باستعادة دولتهم التي تمتد من البحر إلى النهر، كل فلسطين أصبح أقرب للحقيقة من أي وقت مضى. فنحن نعيش اليوم زمن التدفق المعلوماتي من الجنوب إلى الشمال من خلال منصات التواصل الاجتماعي التي مكنت شباب غزة من التعريف بقضيتهم، لأقرانهم في هذا العالم المُترامي الأطراف الذي تحوَّل بفضل الثورة المعلوماتية إلى منزل صغير، فقد ذهب زمن احتكار وسيطرة الإمبراطوريات الإعلامية الغربية وشبكاتها ووكالاتها المتحيزة للشمال بلا رجعة؛ والتي تعتمد على جيوش من المراسلين والإعلاميين منتشرين حول العالم وتمارس ما يُعرف بحراس البوابات الإعلامية لكونها مملوكة في المُجمل للوبيات مساندة للصهيونية ومعادية للعرب.

شمس الحقيقة تجلّت بوضوح، فقد يستطيع البعض أن يُمارس الدعاية والتضليل والأكاذيب على الناس بعض الوقت؛ ولكن من المستحيل أن تحجب الحقائق الدامغة عن الجماهير على الدوام. والمزاعم الصهيونية التي تقول إنَّ فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"- والمقصود هنا جمع اليهود من أشتات وتوطينهم مقابل تهجير أصحاب الأرض الأصليين- قد أصبحت مكشوفة ولا يمكن تصديقها بعد اليوم؛ إلّا من الضالين ومحامي الشيطان. وعلى الرغم من ذلك تمَّ تسويق هذه الافتراءات بنجاح بل وتنفيذها من الدول الاستعمارية خاصة بريطانيا وأمريكا وألمانيا والوكالة اليهودية منذ عدة عقود من الزمن، بل وحتى من زمرة من العملاء الذين ينتمون لهذه الأمة؛ من هنا توفرت الظروف لهذا الكيان الغاصب على أرض الرباط، وفيها مسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى؛ فترتب على ذلك الظلم، حصول النكبة في أواخر الأربعينيات، ثم نكسة حرب الأيام الستة، وما ترتب على ذلك من إبادة وقتل وتهجير ونزوح قسري للفلسطينيين.

وكما هو معروف أن حبل الكذب لا يدوم، فقد أصبحت تلك الادعاءات على المحك، بل تحولت باعتبارها ضمن الأكاذيب التي تكشفها حقائق على أرض الواقع. وخلال الأسبوع الماضي اتضح للعالم دعاية عصابة نتنياهو وأكاذيبها الرخيصة على العالم في العديد من الحقائق التي تهم الرأي العام العالمي، فقد شكلت المظاهرات والاعتصامات في الجامعات الأمريكة تحدياً غير مسبوق وفضيحة من العيار الثقيل بالنسبة للوبي الصهيوني في أمريكا وكذلك لرئيس الحكومة الإسرائيلية والبيت الأبيض معًا، ويمثل ربيع الجامعات الأمريكية أجمل قصة نجاح للأمة الإسلامية ويعود هذا الإنجاز غير المتوقع للإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، ولأوَّل مرة في التاريخ الوصول للمجتمع الدولي واختراق عقول طلبة العلم الذين يمثلون قادة المستقبل في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وإطلاعهم على المسكوت عنه من الجرائم بحق الإنسانية، فقد تمكن هؤلاء الأحرار الذين يمثلون الصفوة من التعرف على الوجه الحقيقي لإسرائيل وقتلها الممنهج لمجتمع أعزل والمتمثل في قتل عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ في فلسطين المُحتلة.

كانت ساحات وإحرامات جامعات هارفارد وكولومبيا وييل ونيويورك ومساتشوستس وتكساس وجورج واشنطن في موعد مع الاعتصامات الطلابية والمُظاهرات القوية والمُنددة بالتطهير العرقي في فلسطين وتدعو إلى وقف الإبادة في غزة وكذلك قطع العلاقات والدعم المالي والعسكري الذي تقدمه الحكومة الأمريكية وجامعاتها لهذا الكيان السرطاني المتمثل في إسرائيل. فقد كشفت استطلاعات الرأي أن 70% من طلبة الجامعات الأمريكية قاطبة؛ يُطالبون الآن وبدون تأخير، بوقف التعاون العسكري في مجالات البحوث والاختراعات المتعلقة بصناعة الأسلحة مع الجيش الصهيوني الذي يفتقد إلى الإنسانية ويُمارس الإرهاب على الشعب الفلسطيني.

من المؤسف حقًا أن يرى العالم من أقصاه إلى أقصاه عبر شاشات التلفزيون والأجهزة الذكية، الضرب المُبرح وسحب على الأرض لطلبة في مقتبل العمر، وكذلك أساتذتهم في مُعظم تلك الجامعات، وذلك من كتائب مكافحة الإرهاب والشرطة الأمريكية؛ فقد تم اعتقال أكثر من 500 طالب وطالبة؛ إذ كانت المشكلة هي كشف الحقيقة للنَّاس؛ فهناك ضمير إنساني دفعهم إلى التضامن مع المظلومين والجياع والمهجرين في غزة، ويحصل ذلك في بلد يزعم بأنه قدوة للحكومات الديمقراطية في العالم الحر الذي ظهر على حقيقته أمام الملأ، بينما التهمة الجاهزة لمن قال كلمة حق عن الصهيونية وحلفائها من الساسة والمرتزقة الغربيين؛ هو معاداة السامية هذه الأسطوانة المشروخة التي تستخدم في إرهاب الناس حول العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

يجب تذكير هؤلاء الذين ينظرون بعين واحدة للأمور، أن من يرتكب ضده الإبادة والمحرقة التي يقودها التطرف الصهيوني في غزة هذه الأيام هم أبرياء من الجرائم التي ارتكبت ضد اليهود عبر التاريخ، فالأروبيون هم أكثر الشعوب الضالعين في المحرقة وكذلك القتل والطرد لليهود خلال القرون الماضية، بينما عاش اليهود بسلام واستقرار في أرجاء الدولة الإسلامية من بغداد إلى غرناطة؛ إذ كانوا أطباء ومستشارين وتجار في كنف العرب والمسلمين إلى أن تم التحالفهم البغيض مع الاستعمار البريطاني، وذلك على خطى بلفور ووعده المشؤوم؛ لأنه أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق.

وفي الختام.. ونحن نكتب هذه السطور تنتشر المظاهرات المساندة لفلسطين في معظم الجامعات الأمريكية مثل النَّار في الهشيم؛ بل بدأت الجامعات الأوروبية خاصة فرنسا تتفجر فيها الوقفات التضامنية مع غزة.. لقد أنطق الحق هذه النخب من طلبة العلم وأصحاب الفكر في العالم، وسط ذهول حكام إسرائيل المتطرفين وكذلك الرئيس الأمريكي ورئيس مجلس النواب الأمريكي، الذين عبرا عن صدمتهما بما يحدث في أروقة بيوت العلم الأمريكية من حقائق كانت مغيبة عن الرأي العام الأمريكي منذ فترة طويلة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لاعبو كرة القدم: تعبنا من كثرة المباريات.. وبطولة الفيفا الجديدة هي القشة التي قصمت ظهر البعير

أثارت بطولة الفيفا الجديدة ثورة كبيرة، حتى ضاق بعض اللاعبين ذرعا بازدحام جدول المباريات، منذ الموسم الحالي، بعد أن بات لزاما على بعض كبار لاعبي كرة القدم حضور أكثر من 60 مباراة في الموسم الواحد، ما بين الأندية والمنتخبات الوطنية. الأمر الذي زاد من كثرة الإصابات في صفوف اللاعبين.

اعلان

كاد بعض اللاعبين أن يصل إلى نقطة الانهيار، بسبب التغييرات التي أجرتها الفيفا، وذلك بعد أن صارت بطولة كأس العالم للأندية الجديدة أكبر حجما مما كانت عليه في السابق، حين لم تكن البطولة تتجاوز سبعة فرق لا أكثر، بينما صارت النسخة الجديدة تضم 32 فريقا من جميع أنحاء العالم وستقام كل أربع سنوات، بدءا من الصيف المقبل في الولايات المتحدة.

ويعني ذلك أن اللاعبين الكبار سيحظون ببطولة تستمر شهرا كاملا، علاوة على المشاركة في موسم الدوري المحلي، ثلاث مرات كل أربع سنوات. وبمزيد من مباريات دوري أبطال أوروبا هذا الموسم بالإضافة إلى كأس العالم القادمة في 2026، فإن أجندة كرة القدم تمتلئ بسرعة.

ويُعد لاعب خط وسط مانشستر سيتي ومنتخب إسبانيا، رودري، أحد أكثر المنتقدين لازدحام جدول مباريات كرة القدم المتزايد، محذرا من أن قلة فترات الراحة تؤثر على أداء اللاعبين وصحتهم.

وكان من أكثر اللحظات اللافتة في كرة القدم عام 2024، صعوده إلى المنصة في باريس على عكازين لتسلم جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم. فقبل شهر من حفل توزيع الجوائز في 28 أكتوبر، أصيب بتمزق في الرباط الصليبي الأمامي، خلال مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز ضد أرسنال.

لاعب منتخب إسبانيا رودري يحمل كأس أفضل لاعب في البطولة بعد المباراة النهائية بين إسبانيا وإنجلترا في بطولة يورو 2024 لكرة القدم في برلين، ألمانيا، 14 يوليو 2024.Dave Thompson/AP

وعلى الرغم من أن مثل هذه الإصابات حدثت مرارا، على مدار تاريخ الرياضة ولا ترتبط بالضرورة بالإفراط في اللعب، فإن إصابة رودري التي أنهت موسمه أصبحت تجسيدا مرئيا للخسائر البدنية لكرة القدم الحديثة في وقت يواجه فيه جدول المباريات المزدحم تحديات قانونية واحتمالية الإضراب.

Relatedنادي مانشستر سيتي الإنجليزي يعلن إصابة لاعبيه الدوليين رياض محرز وأيميريك لابورت بكوفيد-19نادي ولفرهامبتون يعلن عن إصابة لاعبه خيمينيس بكسر في الجمجمةجدة السعودية ستستضيف كأس العالم للأندية 2023

وكان رودري في سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أيام فقط من إصابته، قد صرح قائلا: "إنه لأمر يقلقنا فنحن الذين نعاني". مؤكدا أن اللاعبين قد لا يكون لديهم خيار سوى رفض اللعب إذا استمرت الأمور على هذا النحو.

وليس رودي هو الوحيد الذي يشعر بالإحباط. ففي منشور على موقع X العام الماضي، قال رافائيل فاران، الفائز بكأس العالم 2018 مع المنتخب الفرنسي: "إن الجدول الزمني يُعرّض سلامة اللاعبين البدنية والذهنية للخطر.

وردت الفيفا "بأن الأندية الأوروبية غالبا ما تملأ عطلتها الصيفية بمباريات استعراضية حول العالم. واتهمت بعض الدوريات الأوروبية "بالنفاق"، وعدم مراعاة الآخرين".

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية من الملاعب إلى السياسة.. نجم كرة القدم السابق ميخائيل كافيلاشفيلي رئيسًا لجورجيا ذكريات دامية في الملاعب: 15 حادثة مأساوية عاشها عشاق كرة القدم خلال أكثر من 40 عامًا .. تعرف عليها المنتخب الألماني يعيد ضبط البوصلة ويركز على كرة القدم عوضا عن السياسة الفيفاالرياضيينكأس العالم لأندية الفيفاكرة القدماعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. استمرار القصف على قطاع غزة المحاصر واعتقالات في الخليل وبؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية يعرض الآن Next دمشق باتت قبلة للدبلوماسيين.. لقاءات مكثفة لرسم ملامح المرحلة المقبلة فماذا بعد اجتماعات الجولاني؟ يعرض الآن Next ماغديبورغ تودع ضحايا الهجوم المأساوي في أجواء يملؤها الحزن يعرض الآن Next الموساد وتفجيرات البيجر.. عميلان سابقان يكشفان تفاصيل جديدة عن العملية التي هزت حزب الله يعرض الآن Next فلتذهبوا إلى الجحيم! اللعنة كلهم يشبه بعضه! هكذا تعاملت ممرضة روسية مع جندي جريح من كوريا الشمالية اعلانالاكثر قراءة بحضور الوزير فيدان.. الشرع يعد بنزع سلاح كل الفصائل بما فيها قسد وإسرائيل قلقة من تحرك عسكري تركي الشرطة النيجيرية: ارتفاع عدد قتلى حادثي تدافع بمناسبتين خيريتين لعيد الميلاد إلى 32 شخصا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز حادثة بـ"نيران صديقة" تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحمر اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومعيد الميلادإسرائيلضحاياروسياأبو محمد الجولاني حزب اللهبنيامين نتنياهوجنوب السودانسوريافيضانات - سيولالحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • الاحتفال بتخريج 73 طالبًا عُمانيًا في الجامعات الأسترالية والنيوزلندية
  • لاعبو كرة القدم: تعبنا من كثرة المباريات.. وبطولة الفيفا الجديدة هي القشة التي قصمت ظهر البعير
  • خبير عسكري يكشف عن الجهة الحقيقية التي أسقطت الطائرة الأمريكية إف18
  • التأكيد على استثناء الجامعات والكليات التي ليس لها إدارة ومركز لإستخراج الشهادات داخل السودان من القبول القادم
  • تعرف على الدول التي تضم أطول الرجال والنساء في العالم
  • متظاهرون في ميدان السبعين .. جاهزون لأي تصعيد أمريكي صهيوني قادم
  • كم عدد المليارديرات الذين يعيشون في إسطنبول؟
  • التأكيد على استثناء الجامعات والكليات التي ليس لها إدارة ومركز لاستخراج الشهادات داخل السودان من القبول القادم
  • من هم الرجال الستة الذين يظهرون قبل نهاية العالم؟
  • وزير التعليم العالي يوجه بعدم فتح القبول للمؤسسات التي ليس لها إدارة ومركز لاستخراج الشهادات داخل السودان