نظم مكتب الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة بجامعة المنوفية، حملة التبرع بالدم تحت شعار "أنا متبرع مصري أنا متبرع دائم" تحت إشراف الدكتور ناصر عبد الباري نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب والدكتور هيثم ميمون عميد كلية الصيدلة، والدكتور شادي علام وكيل الكلية لشئون البيئة والمجتمع، بالتعاون مع بنك الدم الإقليمي بالمنوفية على مدار 5 أيام بكل من كليتي التربية والاقتصاد المنزلي ومجمع الكليات بالجامعة وقرية شمنديل التابعة لمركز قويسنا، نادي سيتي كلوب بشبين الكوم، تحت رعاية الدكتور أحمد فرج القاصد رئيس جامعة المنوفية

أكد الدكتور أحمد القاصد علي أن الحملة هدفها الأول هو تحقيق الأمن الصحي للمواطنين، وتأتي ضمن الحملات التي تنظمها الجامعة والاتحادات الطلابية لدعم المجتمع، مضيفًا أنه تم تنظيم أكثر من حملة داخل الجامعة لحث الطلاب على التبرع بالدم، وذلك تنفيذًا للمبادرة الرئاسية التي تدعم استمرارية حملات التبرع بالدم، و تأكيدًا على أهمية التبرع بالدم ونشر ثقافة التبرع في مصر، لافتًا إلى أن ذلك يأتي فى إطار التوعية بأهمية المسئولية المجتمعية

تهدف الحملة إلي توعية المجتمع بأهمية التبرع بالدم ومدى تأثيره على الفرد والمجتمع، ولنشر مفهوم التبرع الدائم والمستمر، تماشيًا مع رؤية مصر 2030 من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من أكياس الدم وزيادة نسبة المتبرعين من 1 إلى 3٪ لسد الاحتياج وتعويض العجز

هذا وقد نجحت الحملة في توعية ما يقرب من 4600 من الطلاب واهالي المحافظة عن طريق الندوات واللقاءات التثقيفية بأهمية التبرع بالدم في انقاذ الأرواح ومدى تأثيره الإيجابي على صحة المتبرع نفسه والدواعي الصحية للتبرع وأهم الأسباب التي تمنع التبرع، وقد تم تجميع 121 كيس دم من المتبرعين بأماكن الحملة.

يذكر أن الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة EPSF هيئة طلابية ليس لها أهداف ربحية، تضم ما يقرب من 5000 طالب صيدلة على مستوى 37 كلية صيدلة بجمهورية مصر العربية بهدف تنمية وتطوير الطالب الصيدلي وتعزيز دوره، ورفع مستوى الوعي الصحي بالمجتمع، وتنظم حملات للتبرع بالدم للعام الثاني عشر على التوالي.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: محافظ المنوفية محافظة المنوفية المنوفية صيدلة أستاذ الصيدلة بجامعة الأزهر التبرع بالدم

إقرأ أيضاً:

غاز العدو احتلال: السُّلطة إذ تُحوّل المُعارضة إلى ظاهرةٍ صوتيّة بلا قيمة سياسيّة

لطالما اعتبرت الغالبيّة الساحقة من الأردنيين "إسرائيل" مشروعا استعماريّا استيطانيّا مُعاديا، ونظرت إلى التعامل مع هذا المشروع باعتباره اختراقا خطيرا وتهديدا ينبغي مواجهته، وبقي التطبيع -على المستوى الشعبيّ، وعلى الدّوام- أمرا مرفوضا ومُدانا؛ ليس أدلّ على هذا خفوت صوت المطبّعين وخجلهم، وتخفّي المبادرات التطبيعيّة والقائمين عليها عن أعين الرأي العامّ، والصعود الكاسح لموجات مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لـ"إسرائيل" في الأحداث الكبرى، كما حدث أثناء الإبادة الجماعية التي نُفّذت في غزة أخيرا.

نشوء حركة مقاومة التطبيع في الأردن.. وعجزها عن تحقيق أهدافها

لم يكن ممكنا لهذا الموقف الشعبي العام -الصائب والأخلاقيّ- أن يُترجم فعليّا وسياسيّا بأفعال ماديّة تحوّله إلى واقع ملموس دون روافع تنظيميّة، تنقل الشّعار من دائرة الخطابة البلاغيّة إلى مربّع البرنامج التنفيذيّ، ولهذا نشأت في الأردن، ومنذ توقيع اتفاقيّة السلام مع "إسرائيل" في وادي عربة عام 1994، عدّة أطر، يحسب لها أنها أبقت مشاعر وخطاب مقاومة التطبيع الشعبيّة متأجّجة، لكنّها فشلت جميعها فيما هو فوق ذلك، وعلى رأس عناوين هذا الفشل تنفيذ الشعار المركزيّ والأول لحركة مقاومة التطبيع في الأردن: إسقاط معاهدة وادي عربة وإلغائها، وهي التي مرّت ذكراها الثلاثون يوم 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

نشأت في الأردن، ومنذ توقيع اتفاقيّة السلام مع "إسرائيل" في وادي عربة عام 1994، عدّة أطر، يحسب لها أنها أبقت مشاعر وخطاب مقاومة التطبيع الشعبيّة متأجّجة، لكنّها فشلت جميعها فيما هو فوق ذلك، وعلى رأس عناوين هذا الفشل تنفيذ الشعار المركزيّ والأول لحركة مقاومة التطبيع في الأردن: إسقاط معاهدة وادي عربة وإلغائها
ليس هذا فقط، بل إن الحركة المنظّمة لمقاومة التطبيع، والمتمثلة في أجسام ثلاثة انبثقت في الفترة المحيطة بمعاهدة السلام، هي اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع (الممثلة بشكل رئيسي لائتلاف أحزاب المعارضة الأردنيّة بجميع ألوانها الإسلاميّة والقوميّة واليساريّة)، ولجنة مقاومة التطبيع النقابيّة (المنبثقة عن النقابات المهنيّة الأردنيّة، وهي -سابقا- أنشط هذه الهيئات وأكثرها تأثيرا)، وجمعية مناهضة الصهيونية والعنصريّة (التي أسّسها وترأسها في بداياتها المعارض الأردنيّ البارز ليث شبيلات)، قد ضعفت وفقدت فاعليّتها منذ عام 2009، وهو العام الذي تخلّصت فيه النقابات المهنيّة من صداع مجموعة النشطاء الرئيسيّين والمبدئيّين الذين قامت عليهم اللجنة النقابيّة (وكنت أحدهم في ذلك الوقت، شاغلا موقع مقرّر اللجنة)، مستبدلة إياهم بلجنة أضعف، خفتت رويدا رويدا إلى أن اختفت اليوم من الوجود تماما.

انقسام المعارضة على نفسها إثر الانتفاضات العربيّة (2010-2013)

فاقم هذا الضعف والخفوت الانقسام التناحريّ الذي حصل في صفوف المعارضة الأردنيّة التي كانت موحّدة بجميع أطيافها حول مجموعة من القضايا المركزيّة (مثل الحريّات العامة، ومقاومة التطبيع، وإسناد فلسطين)، لتتحوّل إلى مواجهة بعضها البعض إثر اندلاع الانتفاضات العربيّة (2010-2013)، خصوصا الانتفاضة السوريّة، فكان الخلاف حول هذه الأخيرة، وانحياز غالبيّة القوى القوميّة واليساريّة إلى جانب الإجرام الدمويّ المتمثّل بمجموعة الأسد الحاكمة، وتخوينها من خالفها هذا التوجّه، المسمار الأخير في نعش التنسيق المشترك ووحدة العمل في القضايا المركزيّة الكبرى، والطلاق بين تلك القوى وبين الحركة الإسلاميّة التي أخذت -عموما- جانب المُنتفضين وعارضت السلطات السياسيّة لتلك البلدان (فيما عدا السّودان)، فكانت تلك نهاية المساحة الصغيرة التي من خلالها استطاعت هذه القوى التحرّك جماعيّا وإحداث بعض الضغط والتأثير على السّلطة وتوجّهاتها.

مثّل عام 2014 علامة بارزة وصلت فيها قوى المعارضة إلى قمّة الضعف بتجذّر التناحر البينيّ والتخوين على قاعدة "الموقف من سوريّا"، وتفاقم التفتّت بانخراط بعض قوى الحراك الأردنيّ "الإصلاحيّة" وممثّليها كوزراء ونوّاب وأعيان ورؤساء هيئات وأعضاء لجان داخل أطر السّلطة التي كانوا يعارضونها ويريدون "إصلاحها"، وصعود نزعات هويّاتيّة-وطنيّة انقساميّة إقصائيّة أخذت شكل تنظير سياسيّ واسع على قاعدة "الأصول والمنابت" كان قبلها من المحرّمات.

تسارع التطبيع وانتقاله نوعيّا إلى التطبيع العضويّ العميق

ضمن تلك الأجواء وذلك الضّعف، تسارع التطبيع بمعناه العضويّ العميق، أي الذي يبغي أن يحقّق ما فشلت فيه المبادرات الطوعيّة والسياسيّة والثقافية السطحيّة، بالغصب والقوّة، وعبر تمكين التطبيع من قطاعات أساسيّة واحتياجات حيويّة يصعب الفكاك منها، يقيّد لا السلطات السياسيّة مباشرة بالمشروع الاستعماريّ الاستيطاني الصهيونيّ فقط، بل يكبّل أيضا عامّة الناس، ويجعلهم خاضعين، دون موافقة منهم، لـ"إسرائيل"، ومموّلين لها في آنٍ معا، فتمّ في شباط/ فبراير من ذلك العام توقيع أوّل اتفاقيّة لاستيراد ما اصطلح شعبيّا على تسميته بـ"الغاز الفلسطينيّ المسروق" من قبل شركة البوتاس العربيّة، وهي شركة تمثّل أحد أعمدة اقتصاد الأردن، لتتحوّل، بعد حفل توقيع شارك فيه آموس هوكشتاين، العرّاب الأمريكيّ لدمج "إسرائيل" في المنطقة العربيّة من خلال الطاقة، إلى الاعتماد بشكل شبه كليّ على إمدادات الغاز من "إسرائيل" من أجل تشغيل منشآتها، لتدفع فوقها 700 مليون دولار لائتلاف شركات أمريكيّة إسرائيلية كثمن لهذه التبعيّة.

لم تثر هذه الصفقة التي تمثّل نقلة نوعيّة غير مسبوقة في التطبيع والاختراق الإسرائيليّ للأردن سوى القليل من الجدل، ما شجّع أصحاب القرار إلى المضيّ قدما بالخطوة الأخطر، وهي توليد الكهرباء في الأردن بأكمله بإمدادات الغاز من "إسرائيل"، فوقّعت شركة الكهرباء الوطنيّة، منتصف أيلول من العام نفسه، رسالة نوايا غير ملزمة كمقدمة لاتفاقية تستورد بموجبها هذه الشركة المملوكة بالكامل للحكومة الأردنية (أي للمال العام)، ولخمسة عشر عاما تُحسب من لحظة ابتداء التزويد، غازا قُدرت قيمته حينها بـ15 مليار دولار.

كانت رسالة النوايا هذه هي نقطة الانطلاق لحراك شعبيّ أراد منع هذه الاتفاقية، ووجد وسيلته الأنجع بإعادة إحياء تقاليد الوحدة في القضايا المصيريّة المشتركة، وترك الخلافات الأخرى قائمة لكن خارج الإطار المشترك، فعمل هذا الحراك على تشكيل ائتلاف من الأحزاب والنقابات والهيئات والحراكات ونوّاب البرلمان، تبلور في "الحملة الوطنيّة الأردنيّة لإسقاط اتفاقيّة الغاز مع الكيان الصهيوني" (المعروفة باسمها المختصر: "غاز العدو احتلال")، ووضع مؤسسوها نصب أعينهم تجاوز الهنات في آليّات عمل تنظيمات مقاومة التطبيع الأسبق، والاستفادة من الإيجابيّات، فاعتمدوا على شرعنة وجود الحملة ذاتيّا لا رسميّا، استنادا إلى عدالة قضّيتها وتحرّكها المنظّم في الشارع والوضعية الاعتبارية لائتلاف الهيئات المشكّلة لها. واستفادوا من تجربة النقابات المهنيّة السابقة والقاضية بعدم ضرورة إبلاغ السلطات الرسميّة أو طلب الإذن منها لإقامة الأنشطة والفعاليات والمسيرات، على اعتبار أن الإعلان العلنيّ للفعالية هو بمثابة الإشعار.

وأعادت الحملة فكرة تنسيق القوى السياسية المعارضة الإسلامية والقومية واليسارية وغيرها باعتبارها أمرا مركزيّا وضروريّا للنجاح، فكانت الحملة المكان الوحيد الذي تجتمع فيه جميع القوى على طاولة واحدة، واعتمدت في نطاق عملها على المعلومات المبنيّة على الدلائل، والبحث العلميّ الموثّق، بل إن بيانات الحملة كانت تصدر مُدعّمة بالهوامش والمراجع، واتّبعت الحملة نسق "مجموعات الضغط" على مجلس النواب، واستطاعت أن تستصدر قرارين (اعتبرتهما الحكومة غير مُلزمين) صوّت فيهما المجلس -مرّة بالأغلبية الساحقة وأخرى بالإجماع- اعتبرا الاتفاقية ومقدّماتها لاغية ومعدومة.

كما نجحت الحملة بابتكار ومساندة حملات احتجاجيّة نوعيّة مثل المحاكمة الشعبيّة، وتنزيل القاطع، واليافطات العملاقة، وإعلانات الصفحة الكاملة في الصحف اليوميّة، وتنفيذ سلسلة من الإنذارات العدليّة والإبلاغات القانونية ضد رؤساء وزارات ووزراء ومسؤولين آخرين عن هذه الاتفاقيّات. كما وسّعت الحملة نطاق تواصلها وأنشطتها لتشمل المحافظات شمالا وجنوبا، وعقدت الندوات والورشات والفعاليات التوعويّة، وقدّمت الدّراسات والبدائل، وأقامت عشرات المسيرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية، مثلما ربطت قضايا أخرى ماسّة بمعيش المواطنين، مثل البطالة، وتعطيل تنمية الاقتصاد المحلّي، وعدم تطوير مصادر الطاقة السياديّة، بهذا الموضوع، مبيّنة تفضيل أصحاب القرار في الأردن تنمية الاقتصاد وقطاع الطاقة الصهيونيّين وتوفير فرص العمل للمستوطنين، على تطوير اقتصاد بلدهم ورفاه ومصالح مواطنيهم.

لكن، رغم كلّ ذلك، سار ملفّ ربط الأردن بالغاز المستورد من "إسرائيل" على قدم وساق ودون تأثّر، فبعد أن استدخل الغاز المستورد من "إسرائيل" شركة البوتاس العربيّة باتفاقية وقّعت عام 2014، تم التوقيع الفعلي والمُلزم لاستيراد شركة الكهرباء الوطنيّة الغاز من "إسرائيل" عام 2016، بعد سنتين من نشاط مكثف للحملة على خلفية رسالة النوايا غير الملزمة الموقّعة قبلها، تبع ذلك، إثر استمرار الاحتجاجات المُعارضة لسنوات أخرى، بدء ضخ الغاز إلى الأردن عام 2020، واضعا نسبة خطيرة من كهربائه (70-98 في المئة بحسب الخبراء) بيد "إسرائيل" التي كثيرا ما هدّد مسؤولوها بقطع الماء عن البلاد، فأضيفت الكهرباء إلى دائرة التهديد هذه.

عام 2021 وقّع الأردن مع "إسرائيل" (بشراكة إماراتيّة ومباركة أمريكيّة) إعلان النوايا الخاص باتفاقيّة "الماء مقابل الكهرباء"، والذي يُفترض، كنتيجة له، أن يستورد الأردن نسبة وازنة من مائه من محطات تحلية "إسرائيلية"، مقابل نسبة ضئيلة إسرائيليّا من الكهرباء المولدّة في الأردن من الطاقة الشمسيّة. أما عام 2022 فبدأ تصدير الغاز إلى مصر عبر الأردن ومن خلال خط الغاز العربي الذي عُكست مضخّاته، وتحوّل، بعد أن كان مشروعا للتكامل العربيّ عنوانه ضخّ الغاز من مصر (صاحبة أكبر احتياطيّات للغاز شرق المتوسّط) إلى الأردن وسوريّا ولبنان، إلى مشروع للاختراق والإلحاق الصهيونيّ يَضُخّ غازا من المستعمرة الإسرائيليّة ليتم تسييله في مصر وتصديره بالبواخر إلى أوروبا.

تدلّ مآلات ومصائر الحملة، وأطر مقاومة التطبيع السابقة عليها، على الكيفيّة التي يُفقِد بها الفاعلون السياسيّون أنفسهم الفاعليّة السياسيّة الحقيقيّة القادرة على معارضة واستبدال نهج التبعيّة التي تقوم عليه سلطات بلادهم، مُتحوّلين إلى ظواهر صوتيّة قد تُزعج لكنّها لا تُعطّل، مثلما تدلّ على الكيفيّة التي تعمل بها المجموعات الحاكمة العربيّة لاحتواء وتفريغ أطر المعارضة الداخليّة في سياق بقائها في السلطة واحتكارها التامّ لها
إذا، ورغم عودة ملفّ التطبيع ومواجهته إلى صدارة الملفّات الأردنيّة بفضل حملة "غاز العدو احتلال" ونشاطها الواسع، إلا أن تلك العودة، وما ترتّب عنها من معارضة شعبيّة ونيابيّة كبيرة، لم توقف عربة التطبيع الرسميّ العضويّ العميق قيد أنملة، لا بل تفاقم ذلك التطبيع إلى مستويات غير مسبوقة، وبنفاذٍ مباشر إلى الناس في مسائل تمسّ أمنهم وحياتهم (الماء والكهرباء والطاقة)، مع وضع الجانب الرسميّ الأردني نقاط ضعف وابتزاز تخصّ الأمن الاستراتيجي للبلاد، والاحتياجات الأساسيّة للناس، بيد مشروع استعماريّ استيطاني قائم على التمدّد والقتل والإبادة الجماعيّة، ومن خلال حكومة تمثل قمّة من قمم التطرّف والإجرام سواء بشخص رئيسها الموجود في السلطة بشكل شبه مستمر منذ عام 2009، أو بطاقم وزرائها الذين دخلوا لاحقا مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.

كيف يُفقد الفاعلون السياسيّون أنفسهم إمكانيّة التأثير

تدلّ مآلات ومصائر الحملة، وأطر مقاومة التطبيع السابقة عليها، على الكيفيّة التي يُفقِد بها الفاعلون السياسيّون أنفسهم الفاعليّة السياسيّة الحقيقيّة القادرة على معارضة واستبدال نهج التبعيّة التي تقوم عليه سلطات بلادهم، مُتحوّلين إلى ظواهر صوتيّة قد تُزعج لكنّها لا تُعطّل، مثلما تدلّ على الكيفيّة التي تعمل بها المجموعات الحاكمة العربيّة لاحتواء وتفريغ أطر المعارضة الداخليّة في سياق بقائها في السلطة واحتكارها التامّ لها، ضمن معادلة وظيفيّة تأخذ فيها العوامل الخارجية أهميّة أكبر بكثير من العوامل الداخليّة، فيما تستمّر (بتباطؤ أو بتسارع) مسيرتها نفسها دون تغيير.

ففيما يتعلّق بالكيفيّة الأولى، آخذين حركة مقاومة التطبيع في الأردن نموذجا، نجد أنها، ومنذ انطلاقتها، تعاملت مع الواقع من منطلق ردّ الفعل، لا المبادرة، تنتظر حدوث التطبيع ابتداء لتُقاومه (فبدون الفعل تنتفي ضرورة مقاومته)، وتقوم بعمليّة استبدالٍ تُخفّف المهمة باختيار مقارعة النتيجة عوضا عن السّبب الذي ولّدها وأنتجها، فيُترك المشروع الاستعماريّ الاستيطانيّ نفسه، وتُترك المجموعات الحاكمة التي ألحقت نفسها به وشرعنته وفرضت تطبيعه، ويُترك الجذر الاستعماري الذي أنشأ هذه الظواهر ورعاها، ليُقارَع العَرَض النّاتج عنها.

هكذا يظلّ ردّ الفعل ناقصا دائما، مُتأخّرا دائما، لأن الفعل سبقه في الوجود، وأسّس -بالتالي- الأرضيّة التي سيقف عليها رد الفعل. مشكلة أخرى ترتبط بالاستبدال هي الاستقواء على البردعة (المُطبّعون الصّغار القلائل من التجّار والمهنيّين والإعلاميين وغيرهم من الأفراد أو المبادرات محدودة الحجم والتأثير)؛ كبديلٍ قليل الكلفة عن الاشتباك مع المُطبّع الأوّل والأكبر، أي السلطة السياسيّة التي وقّعت المعاهدات وافتتحت السّفارات وتبادلت السّفراء وجذّرت العلاقات الاقتصاديّة والأمنيّة، وأسّست وفتحت الباب لكلّ الظواهر التطبيعيّة التالية. هذه النقطة تحديدا حاولت حملة "غاز العدو احتلال" معالجتها، فلم تبنِ جُمَلَها للمجهول، وسَمَّت الفاعل دائما، وحمّلت السّلطة السياسيّة المسؤولية، خصوصا وأن الملف الذي حملته كان ذا طابع استراتيجيّ يرتبط مباشرة بها وبحكوماتها ووزاراتها والشركات المملوكة كليّا أو جزئيّا لها. لكن الحملة فشلت في نقل هذا الخطاب المحدّد والواضح إلى شركائها المؤسسين، بل -وعلى مدار سنوات عمل الحملة- انسحب منها، أو جمّد عمله أو خفّض نشاطه فيها، نتيجة لعوامل ذاتيّة أو ضغوط أمنيّة، العديد من الأحزاب والنقابات والهيئات، كاتحاد المرأة، ونقابة المهندسين، والحزب الشيوعي، وحزب الحركة القومية، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، وغيرها من الهيئات، كنتيجة مباشرة لمحاولات الحملة تجنّب أخطاء سابقيها، واتباع نهج الوضوح وتسمية الأمور بمسمّياتها، واجتراح نهج تنظيمي يجنح إلى التوافق لا إلى التصويت، لمنع خلق أقليّات معزولة داخل الحملة، وردع إمكانيّات الاستحواذ عليها من طرف دون الآخرين.

بل حاول البعض تعطيل عمل الحملة وعرقلة مسيرتها وتخريب أنشطتها من باب أنها تنافس نفوذها الآفل (مثلما فعلت لجنة مقاومة التطبيع النقابية التي اجتهدت أواخر أيّامها لمنع الحملة من استخدام قاعات مجمّع النقابات المهنيّة، وحرّضت النقابات ضدّها)، أو من باب أنها تضمّ في صفوفها حزب جبهة العمل الإسلامي (مثلما فعل عضوان في الحزب الشيوعي في مسيرتين مختلفتين هتفا خلالهما بهتافات خارجة عن إجماع الحملة وأهدافها بغرض إحداث شرخ فيها، وهو ما تحقّق جزئيّا في كلا المناسبتين). ورغم أن الحملة لم تستطع أن تخرج من إشكاليّة "ردّ الفعل" لأنّها تأسست عليه (باعتبارها حملة ظهرت كنتيجة لفعل سبقها هو توقيع اتفاقيّات الغاز مع "إسرائيل")، وتعرّضت في مرّات عديدة للقمع والمضايقات الأمنيّة والحصار الإعلاميّ، إلا أن الإضعاف الداخليّ كان له النصيب الأكبر، والأثر الأعمق، خصوصا بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حين انفضّ جهد من بقي من مكوّنات الحملة ليتركّز في أطرهم الخاصة التي هدفت -برأيي- إلى إشغال الجمهور والحفاظ على الكوادر والأنصار، بدلا من الضغط السياسيّ الحقيقيّ على السلطة لفك الارتباط بـ"إسرائيل"، ودعم غزّة بالفعل لا بالقول، لكن هذا حديث آخر سأتناوله في مقالة أخرى قادمة.

وضعت 7 أكتوبر وما تلاها من أحداث حملة "غاز العدو احتلال"، ومجمل حركة مقاومة التطبيع، في أزمة عميقة، فلا هي كانت بقادرة على التأثير المباشر، ولا استطاعت دفع القوى السياسيّة التي انفضّت عنها وفعّلت أطرها الائتلافيّة الخاصّة إلى تحويل الشّعارات التي حملها الجميع (إلغاء معاهدة وادي عربة وإنهاء التمثيل الدبلوماسي وإغلاق السفارات، إلغاء اتفاقيات الغاز ووقف تمويل "إسرائيل" من خلالها، وقف تصدير الغاز من "إسرائيل" إلى مصر عبر الأردن من خلال خط الغاز العربي، وقف خط الإمداد البريّ لـ"إسرائيل" من المرور عبر الأردن قادما من موانئ دبيّ عبورا بالسعوديّة؛ إثر العمليّات العسكريّة اليمنيّة على الملاحة المتجهة إلى "إسرائيل" في البحر الأحمر، إنهاء العمل باتفاقية الدفاع المشترك الأمريكية الأردنية التي أتاحت وجود قواعد عسكرية أمريكيّة في البلاد باعتبار الولايات المتحدة هي الشريك الأوّل لـ"إسرائيل" في الإبادة الجماعية في غزّة)؛ إلى برنامج عمل تُحمّل من خلاله المسؤوليّات ويتمثّل في خطوات عمليّة ومهمّات واضحة ومحدّدة. كان 7 أكتوبر لحظة كاشفة على الصعد كافة، وعلى الرأس منها عجز المشهد السياسيّ المعارض في الأردن وتنظيماته، خصوصا المجموعات التي تتمحور حول مقاومة التطبيع، وآخر العاجزين منهم (وأكثرهم نشاطا حتى تلك اللحظة) حملة "غاز العدو احتلال".

كيف تحتوي المجموعات الحاكمة العربيّة وتُفرّغ أطر المعارضة الداخليّة؟

أما فيما يتعلّق بالكيفيّة الثانيّة: تعمل المجموعات الحاكمة في المنطقة العربيّة على إضعاف واحتواء، وأحيانا تدمير، ما يسميّه أنطونيو جرامشي "المجتمع المدنيّ"، أي الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية والمنظمات الشعبيّة والصحافة؛ أدوات الوجود السياسيّ المُعيّن لعموم الناس، والتي تمكّنهم من المشاركة والتأثير في السياسة، على النقيض من الدولة التي تقوم عند جرامشي على: أ. تضافر وتلاصق وتشابك المُجتمعين المدنيّ (المذكور سابقا) والسياسيّ (الإخضاعيّ، المتمثّل بالجيش والشرطة) لإنتاج؛ ب. "الهيمنة" التي هي (بتبسيط مخلّ) مزيج من القناعة الداخليّة بأهميّة الدولة للمجتمع، والإكراه على قبولها، في حين تُشكّل؛ ج. مؤسّسات الحُكم وآليّات عمل المنظومة في هذا النموذج (البرلمان، القضاء، قدسية الدستور والقوانين) نوعا من الصمغ اللاصق لقطاعات المجتمع المتباينة وميسّر التسويات بينها.

التطوّر التاريخيّ الذي مرّ به نموذج جرامشي لنشوء الدولة (الأورو-أمريكيّة تحديدا) ليس هو المسار الذي مرّت بها الكيانات السياسيّة في منطقتنا، والذي أسميّه: مسار النشوء والتطور الاستعماريّ. نتيجة للشرط الاستعماريّ وتأثيراته المستمرة والمستدامة، قامت المجموعات الحاكمة في المقام الأوّل على الشرعية الاستعماريّة الخارجيّة لا المجتمعيّة الداخليّة، وتطوَّر مجتمعها السياسيّ (الإكراهيّ) بهدف البقاء واحتكار السلطة في المقام الأول، لا من أجل الهيمنة التي تتطلّب، إلى جوار الإكراه، قوّة الإقناع والمصلحة المجتمعيّة في بقاء الدولة. وهذه الأخيرة يتولّاها المجتمع المدنيّ، وتشكل مصدر قوّة وصلابة الجبهة الداخليّة للدول.

وجدت المجموعات الحاكمة العربيّة الناشئة بعد الاستعمار في المجتمع المدنيّ خطرا إن تطوّر وقويت من خلاله شوكة المواطنين -بالتجمّع والتنظيم والتأثير- يهدد احتكارها للسلطة، وبالتالي بقاءها. بتفكيك المجتمع المدنيّ ومنع تطوّره، وتشجيع الانقسامات الداخليّة (الطائفيّة والإثنية والعشائرية والمناطقيّة)، تضمن المجموعات الحاكمة بقاءها الطويل بتحويل المجتمع إلى كتل زبائنية متنافسة، وتحويل نفسها إلى ضامنٍ لعدم انفجار هذه الكتل في وجه بعضها البعض. بهذا أفقدت المجموعات الحاكمة مواطنيها أدوات التأثير السياسي، وفتّتهم إلى مجموعات بدلا من توحيدهم في مجتمع، لكن الأثر الجانبيّ الخطير لهذا الفعل هو إضعاف الجبهة الداخلية، وإخضاع المجموعات الحاكمة (أكثر فأكثر) لابتزاز القوى الخارجيّة الإقليمية والدوليّة التي تملك (بالمساعدات والقروض والمؤسسات المانحة والتأثير السياسي والقوة الاقتصاديّة والعسكريّة) مدّ هيمنتها إلى خارج حدودها، وتقويض الجبهة الداخلية للكيانات السياسية الوظيفيّة الناشئة ما بعد الاستعمار، بعد أن جهّزتها لذلك وأضعفتها المجموعات الحاكمة، وبهذا تنغلق الدائرة الخبيثة للمجموعات الحاكمة والكيانات التي تحكمها.

الدائرة الخبيثة التي تُحوّل المعارضة إلى ديكور
على القوى الشعبيّة التي تبغي كسر هذه الحلقة المفرغة، أن تخرج، مرّة وللأبد، من دائرة التبعيّة الوظيفيّة الخبيثة، وأن تشتقّ شرعيّتها من نفسها ومن حقّها في التغيير والفعل السياسيّ وصناعة المستقبل الأفضل وإحقاق العدالة، وأن تصنع لحركتها حيّزا سياسيّا خارج إطار الحيّز الذي تسيطر عليه المجموعات الحاكمة بالقمع والإغواء والاحتواء
مشكلة التيّارات والقوى السياسيّة الرئيسية في المنطقة العربيّة، والتنظيمات والمجموعات التي تريد المساهمة والتأثير في المشهد، أنها تفعل ذلك من داخل البنية الوظيفيّة المابعد استعماريّة، وبمحدّدات تلك البنية وقواعدها، متحوّلة -شيئا فشيئا- إلى مجموعة وظيفيّة داخل الكيان الوظيفي، تخدم أدوارا صوتيّة، ديكوريّة، تنفيسيّة، وهي تعلم سلفا ومسبقا أنّها غير مؤثرة، إذ أنها في اللحظة التي ستتحوّل فيها إلى التأثير الفعّال، ستدخل في صدام وجوديّ مع السّلطة الحاكمة، وهي من الضعف إلى الدرجة التي لن تتحمّل فيها تبعات هذا الصّدام بعد أن حاصرت نفسها داخل الإطار الوظيفيّ ما بعد الاستعماريّ، وهنا تنغلق الدائرة الخبيثة للقوى السياسية (المعارضة منها والموالية) العاملة داخل الكيانات الوظيفيّة المابعد استعماريّة التي حشرت منظورها بها.

كان هذا مآل حملة "غاز العدو احتلال"؛ استوعبناه بعد 7 أكتوبر والتداعيات الخطيرة التالية المستمرّة حتى اليوم، وهو نفسه مآل حركة مقاومة التطبيع في الأردن بتنويعاتها المتعددة، ومآل القوى السياسية التي تتقيّد جميعها بحالة أدائيّة-روتينيّة متّفق عليها ضمنا ولا يجب تجاوزها، فالتظاهر -مثلا- مسموح هنا، وممنوع هناك، والمسيرة تنتهي هنا، في هذا الموقع بالضبط، وليس بعده، وفي الساعة المحدّدة بالذات، والساحة تلك ممنوع أن يصل إليها أحد، والكلّ ينضبط في هذا البرنامج الأدائيّ-الروتينيّ المُفرغ من السياسة، والذي يحيل مباشرة إلى نمور زكريّا تامر في يومها العاشر.

على القوى الشعبيّة التي تبغي كسر هذه الحلقة المفرغة، أن تخرج، مرّة وللأبد، من دائرة التبعيّة الوظيفيّة الخبيثة، وأن تشتقّ شرعيّتها من نفسها ومن حقّها في التغيير والفعل السياسيّ وصناعة المستقبل الأفضل وإحقاق العدالة، وأن تصنع لحركتها حيّزا سياسيّا خارج إطار الحيّز الذي تسيطر عليه المجموعات الحاكمة بالقمع والإغواء والاحتواء، مستخدمة في سبيل ذلك منظومات دستوريّة-قانونيّة غير ثابتة، تُطبّق وتُفصّل ويُعاد تكييفها انتقائيّا، وأن تركّز على ما نفتقده حقّا كحركات شعبيّة: التنظيم، والمعرفة التي لا تنفصل عن الممارسة عبر ديناميّة تغذية متبادلة تلغي الحاجز بين النظريّة والفعل، وتجعل الأوّل يجوّد الثاني ويوسّع مداركه، والثاني يُعلّم الأوّل ويُحدّثه.

مقالات مشابهة

  • بهدف دغموم.. المصري يتقدم على سيمبا التنزاني‏ في الشوط الأول
  • غاز العدو احتلال: السُّلطة إذ تُحوّل المُعارضة إلى ظاهرةٍ صوتيّة بلا قيمة سياسيّة
  • وسائل إعلام تابعة للنظام الجزائري تُروج لإعفاء الركراكي من تدريب أسود الأطلس
  • القاهرة.. موقع "يمن المستقبل" ينظم رحلة نيلية لطلاب البكالوريوس من جامعة الأزهر
  • فرصة.. منح دراسية بجامعة كيب تاون في جنوب إفريقيا |تفاصيل التقديم
  • قرار رسمي.. منح العاملين بجامعة عين شمس إجازة يوم الخميس المقبل
  • العراق ينظم البطولة العربية للكيوكوشنكاي
  • بالفيديو.. المصريون يهتفون عقب صلاة العيد: "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين"
  • تحذير عاجل من التعليم لطلاب الثانوية العامة منازل 2025
  • لا للتهجير.. بالروح بالدم نفديك يا فلسطين| هتافات المصلين في مسجد مصطفى محمود بعد صلاة العيد