عبد الله علي إبراهيم
اعتقد أننا انتهينا بين قوى الحداثة إلى ما حذرت منه الماركسية بأن يكون انشغالنا بالدين معركة مع السماء في صورة "الكيزان" لا مع الأرض التي ينسرب الدين في حياة الناس عليها فلا فكاك. واقترب بعضنا في تيار الحداثة إلى الإلحاد بغير تصريح كيداً في الكيزان. وخلافاً لما يشيع بين الناس من أن الماركسية حالة خاصة من الإلحاد فلا أعرف من لعن الملحد مثل ماركس في رسالة إلى الفيلسوف الألماني أرنولد روج في نوفمبر 1842.

وكان ذلك في معرض إعلاء منزلة الفلسفة بتفادي المعابثة ب"الإلحاد". وقال إن الملحد حيال الرب مثل طفل لا يكف عن التأكيد لكل من حوله أنه لا يخاف من ود أم بعلو. بل وصف مصطلح "الإلحاد" نفسه بأنه غير موفق لأنه يقصر عن الإحاطة بالوقائع الاجتماعية التي يكون عليها الاعتقاد في الدين. فالدين عند ماركس سبيل للخلق للتبصر في الظلم الاجتماعي ولذا استحق دراسته في حد ذاته.
هذا المعني هو ما جاء به أستاذنا عبد الخالق محجوب بعد حل حزبنا في 1965 بعد حادثة معهد المعلمين المعروفة. فلم يصرف الأمر "كاستغلال للدين" وكفى. لم يرد أن يتذرع باستغلال خصومه للدين لكي يتفادى الحرج الثقافي الأصيل للفكرة الشيوعية في بلد مسلم. وقد رأي أن يلقي هذه المسالة وجهاً لوجه. فقد دعا في "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع" (1968) أن يتأمل الشيوعيون غربتهم و"غربة الفكر الماركسي" التي ارتسمت بغير خفاء من جراء حادثة معهد المعلمين وذيولها. وتساءل أستاذنا عبد الخالق: كيف تسنى للرجعية السودانية، بغض النظر عن دوافعها السياسية التي اتخذت الدين أداة ومخلباً، وبغض النظر عن نفوذها في الدولة والتشريع، أن تحرك بسهولة نسبية قطاعاً من الجماهير ضد الحقوق الديمقراطية والدستورية في البلاد حين قبلت بحل الحزب الشيوعي؟ وأضاف قائلاً: كيف تسني لهذه القوي الرجعية أن تنفذ إلى غرضها هذا من خلال استغلال حادث مفتعل لا يعرف أحد حتى ذلك الوقت أبعاده؟
ومن شأن هذه الأسئلة، التي تنأى عن تحميل الخصم كل اللوم على ما يقع على الذات من أذى، أن تفضي بهذه الذات إلى مكاشفة ذاتها مما هو في باب النفس اللوامة. وقد ساقت هذه الأسئلة أستاذنا عبد الخالق إلى اجتهاد مرموق في منهج الحزب الشيوعي تجاه مسالة الثورة والإسلام. خرج أستاذنا عبد الخالق من تبكيت النفس والغير إلى دعوة الحزب ان يخوض في أمر الدين لا من موقع الدفاع عن نفسه كمتهم في دينه، بل من مواقع الهجوم. وسبيل الحزب إلى ذلك تبسيط الماركسية وجعلها لصيقة بحياة الناس. فتطوير نظرة الحزب للدين، في رأيه، هي في تقريب الماركسية لجماهير الشعب بجعلها جزءاً من تفكيره وتراثه الثوري بإدخالها بين مصادر حضارة الشعب العربية والإسلامية والأفريقية. وهو يري أن هذا التقريب للماركسية هي تبعة على مثقفي الحزب تلزمهم باكتشاف مصادر هذه الحضارة وعناصر القوة والخير والثورة فيها. فالماركسية، في قول أستاذنا عبد الخالق، ليست مناسبة يخلع بها الشيوعي هويته الحضارية كمسلم وعرب وأفريقي. خلافاً لذلك، فالماركسية هي "تجديد للمعرفة وسط شعبنا، تجديد لمصادر حضارته وثقافته." وهي مع ذلك لا تقف مكتوفة اليد مبهورة حيال ماضي هذه الحضارة كمثال جامع مانع. وإنما تنفذ إليه بالنقد الدقيق المحيط تتغذى بخير هذه الحضارة وتلفظ ما عداه وتتغلغل يوماً بعد يوم إلى ثري الوطن وثقافته.
فالحزب الشيوعي، في نظر أستاذنا عبد الخالق، يكسب بالهجوم الذكي المستنير المتفقه في علوم الدين وغير علومه. فلا مخرج للحزب من غربته الفكرية بالاستخذاء وإدارة العقل إلى الجهة الأخرى في وجه ما يلقيه عليه الدين من مسائل وتحديات وفقه. وقال:
"هذه الغربة (الماركسية عن الدين) التي أشرت إليها لا تحل على أساس سياسي كما أن مراكز الدفاع مراكز ضعيفة ويمكن أن توصف بالنفاق السياسي، ولا توصف بالحالة الجادة لاكتشاف مصادر الثقافة في بلادنا ولاتخاذ موقف تقدمي منها: ما كان مفيداً يدخل في ميدان التطور، وما كان منها يعوق التطور يجب ان يتكلم عنه الشيوعيون بجرأة وأن يقفوا بثبات دفاعاً عن مراكزهم".
كنت أنا من خريجي هذه الاجتهادات لأستاذنا. وقضيت حياتي بعدها أحاول مقاربتها ما وسعني. وفي كلمة أخيرة أضرب مثلاً صغيراً لكيف ثمنت "دعاء السفر" في طائرات الخطوط الجوية السودانية بعد أن كنت عددته زائدة عن المقام.



IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: أستاذنا عبد الخالق

إقرأ أيضاً:

تاج الدين: كل الفيروسات قابلة للتغير والتحور

أكد الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية، أن كل الفيروسات قابلة للتغير والتحور بلا استثناء من عام لعام، ونحن نرصد دائما الطب الوقائى فى مصر، ونشهد جميع الحالات ما بين البسيطة والمتوسطة والشديدة.

 

الصحة تكشف سبب انتشار الفيروسات التنفسية خلال الفترة الحالية "الفيروسات المنقولة بالدم" .. فعاليات اليوم البيئي المجتمعي الثاني لطب أسيوط

 

وقال  “تاج الدين”  خلال تصريحاته ببرنامج "اليوم" المذاع على قناة DMC، اليوم الأحد، أى نوع من هذه الفيروسات قابلة أن كل حاجة حسب ظروف الحالة المرضية وحسب تعدد الإصابة بهذه الفيروسات، وحتى هذه اللحظة فإن هذه الإصابات هى فى المعدل الطبيعى فى مثل هذا الوقت من الزمن.

 

 

وأشار إلى أن انتشار أمراض الجهاز التنفسى الكثيرة والمتعددة فى الشتاء أمر طبيعى كل عام، وفترة تغيرات درجات الحرارة تشهد بعض الانتشار لفيروسات الجهاز التنفسى.

 

وفي وقت سابق،قال عوض تاج الدين في تصريحات تلفزيونية،  إن كل أنواع الفيروسات التنفسية، تحدث فيها تحورات دورية باستمرار بما في ذلك فيروس كورونا.

 

وأشار إلى  أن الفترة الحالية هي موسم الإصابة بالفيروسات التنفسية، لافتا إلى أن كل ما سُجِّل حتى الآن سواء على مستوى الرصد القومي لأنواع الفيروسات ومتحوراتها أو التي تظهر إكلينيكيا هي إصابات خليط من هذه الفيروسات.

 

وواصل تاج الدين  أنَّه حتى هذه اللحظة، لم يُرصَد أي نوع من هذه الفيروسات يؤدي إلى ظاهرة خطيرة أو ظاهرة وبائية.

 

ولفت إلى أن أيًّا من هذه الفيروسات قد يصيب بعض الأشخاص بصورة بسيطة، أو يكون بصورة متوسطة الشدة، ولدى بعض الناس وتحديدًا كبار السن أو أصحاب الأمراض المناعية أو يحصلون على مركبات كورتيزون قد يكون المرض شديدًا لهم.

مقالات مشابهة

  • تاج الدين: كل الفيروسات قابلة للتغير والتحور
  • التأكيد على استثناء الجامعات والكليات التي ليس لها إدارة ومركز لإستخراج الشهادات داخل السودان من القبول القادم
  • عبد الخالق عبد الله: أمراء حرب في سوريا يبحثون عن مجد شخصي.. ومخاوف من تكرار السيناريو الليبي
  • حوله لـ مدينة أشباح.. صحيفة عبرية: الاحتلال دمر 70% من مباني مخيم جباليا
  • عودة دعا إلى التواضع والعمل للخروج من النفق المظلم
  • الداخلية تواصل اتخاذ الإجراءات القانونية حيال عدد من الشركات والمكاتب السياحية "دون ترخيص"
  • التأكيد على مكانة الزهراء عليها السلام واستلهام الدروس والعبر من سيرتها وتعزيز الارتباط بها
  • التأكيد على استثناء الجامعات والكليات التي ليس لها إدارة ومركز لاستخراج الشهادات داخل السودان من القبول القادم
  • استخدموا مواردكم لتخفيف معاناة السودان وليس تعميقها.. بلينكن يعلن هذا الإجراء الذي ستتخذه الولايات المتحدة حيال الأمر
  • النفط يتراجع مدفوعاً بمخاوف حيال الطلب وقوة الدولار