كيف يعيش ربع سكان الشرق الأوسط تحت سيطرة المليشيات المسلحة؟
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
نشرت مجلة "إيكونوميست" مقالا، قالت فيه إن الأشهر الأخيرة وفّرت سببا كافيا للقلق. ففي آذار/ مارس، واجه سكان قرية رميش المسيحية في الجنوب، أعضاء من حزب الله، وهي مليشيا شيعية وحزب سياسي، أثناء محاولتهم إنشاء منصة إطلاق صواريخ في وسط المدينة. ثم في 7 نيسان/ أبريل، تم اختطاف باسكال سليمان، المسؤول في القوات اللبنانية، وهو حزب مسيحي يميني، بالقرب من مدينة جبيل الشمالية وقتله.
وأثار كلا الحادثين مخاوف من نشوب قتال بين المسيحيين والشيعة. كما أبرز نفس المشكلة الأساسية: عدم قدرة الدولة على السيطرة على المليشيات، وتحديدا حزب الله. ولم يتمكن القرويون في رميش من طلب المساعدة من الجيش الذي يتمتع بسلطة قليلة في الجنوب. وإذا كان حزب الله وراء جريمة القتل في جبيل، فلن تتم محاسبته أبدا: فقد تمتعت الجماعة بالإفلات من العقاب على مدى عقود من عمليات القتل.
وتابع المقال نفسه، بأن الشرق الأوسط يعاني من مشكلة "المليشيات". من بين 400 مليون شخص في العالم العربي، يعيش أكثر من ربعهم في بلدان حيث الدولة أضعف من أن تتمكن من كبح جماح الجماعات المسلحة. لبنان فيه حزب الله، واليمن فيه الحوثيون، وهم فصيل شيعي يسيطر على المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، والعراق لديه كوكبة من المليشيات، وكذلك ليبيا وسوريا.
مثل هذه المجموعات ليست فريدة من نوعها في الشرق الأوسط. وما يجعل مليشياتها متميزة هو تعايشها مع الدولة. من الناحية النظرية، حزب الله مثل أي حزب آخر في الديمقراطية الطائفية في لبنان: أعضاؤه يجلسون في البرلمان ويديرون الوزارات. وهو أيضا الطرف الوحيد الأفضل تجهيزا من الجيش، ويتمتع بالقدرة على اتخاذ القرار بشأن جر البلاد إلى حرب خارجية.
النتائج بليغة حيث تجلب "المليشيات" حربا داخلية ضروسا. لكن منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ساعدوا أيضا في جر أربع دول عربية إلى معركة متصاعدة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث عملوا كوكلاء لإيران، التي امتنعت حتى وقت قريب عن القتال بشكل مباشر.
وأضاف المقال نفسه، أن "المليشيات، تقوم بقتل وترهيب مواطنيها، وتنهب مليارات الدولارات من سندات الخزانة، وتخيف المستثمرين الأجانب. إنهم مكروهون بشكل متزايد، ولكن من الصعب للغاية اقتلاعها من جذورها".
وأردف بأن "استخدام العنف أو التهديد به هو العامل الأول. ويُلقى اللوم على حزب الله على نطاق واسع في سلسلة من الاغتيالات التي طالت خصومه، من رفيق الحريري، رئيس الوزراء الأسبق، في عام 2005، إلى محمد شطح، وزير المالية السابق، في عام 2013. ويقول قريب أحد الضحايا: "لقد عرفوا بالضبط من يقتلون.. معارضتهم لم تتعاف أبدا".
ويلعب المال دورا أيضا؛ إذ تسيطر العديد من "المليشيات" على إمبراطوريات اقتصادية واسعة. قال علي علاوي، وزير المالية العراقي السابق، ذات مرة إن الخزانة تلقت أقل من مليار دولار من الرسوم الجمركية البالغة 7 مليارات دولار والتي يتم فرضها كل عام.
واستولت المليشيات على معظم ما تبقى. وفي عام 2022، شكلوا تكتلا للبناء وأقنعوا الدولة بمنحها مساحة تبلغ نصف مساحة قبرص. إنهم يصدرون قروضا للمتقاعدين ويجمعون مئات الآلاف من الدولارات يوميا من فرض ضرائب على الشاحنات عند نقاط التفتيش.
هناك العديد من الجماعات المتمردة العنيفة والفاسدة في مختلف أنحاء العالم، ولكن قِلة منها تسيطر على 12 في المئة من مقاعد البرلمان وتدير وزارة العمل، كما يفعل حزب الله في لبنان. هناك عوامل أخرى تفسر تفوقهم في الشرق الأوسط. إن الدول الضعيفة وغير الشرعية هي العنصر الأول.
وتستمد "مليشيات" المنطقة من آبار عميقة من الغضب الشعبي. وكان الشيعة في لبنان، الذين يشكلون قاعدة حزب الله، لقرون عديدة من الطبقة الدنيا الفقيرة؛ أما أولئك الذين يعيشون في العراق فقد تعرضوا للقمع الوحشي خلال حكم صدام حسين الذي دام 24 عاما. تفتقر ليبيا إلى انقسامات طائفية عميقة، لكن هناك انقسامات إقليمية تنبع من سوء حكم معمر القذافي، الدكتاتور الذي أطيح به في عام 2011.
أضف بعد ذلك الحرب التي تكون بمثابة سبب وجود المليشيات وتجعلها مفيدة للدولة. لعقود من الزمن، سيطر نظام الأسد على سوريا بإحكام. ثم جاءت الانتفاضة الشعبية في عام 2011 والتي تحولت إلى حرب أهلية عندما بدأت القوات في قتل المتظاهرين. وكان الجيش السوري بحاجة إلى المساعدة من العديد من المليشيات لسحق الثورة.
وبالمثل، فقد ظهرت العديد من المليشيات العراقية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي تقاتل ضد المحتلين بقيادة الولايات المتحدة. وعززت دورها في عام 2014 في الصراع ضد تنظيم الدولة الإسلامية عندما فر الجيش العراقي واستسلم لمدينة الموصل.
وهذا يشير إلى عنصر ثالث.. فالمتمردون بحكم تعريفهم يقاتلون الدولة. لكن في الشرق الأوسط، تمنح الدولة في كثير من الأحيان درجة من الشرعية لمثل هذه الجماعات، ثم تجد أنه من المستحيل التراجع عنها. ودعا الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان عام 1989، جميع المليشيات إلى نزع سلاحها. لكنها استثنت حزب الله الذي قال إنه جماعة مقاومة تقاتل دولة الاحتلال الإسرائيلي.
كان الحوثيون يمارسون التمرد منذ فترة طويلة في شمال اليمن، وهي أفقر منطقة في بلد فقير. وفي عام 2014، وسط الفوضى التي أعقبت الثورة، اجتاحوا الجنوب واستولوا على العاصمة والمدن الكبرى الأخرى. ولم يعترضهم الجيش اليمني، واصفا الحوثيين بالثوار. وكانت المكونات الثلاثة جميعها موجودة: دولة ضعيفة، وصراع، وقليل من المصداقية.
وهنا تنقسم مليشيات الشرق الأوسط إلى فئتين. اليوم هم الدولة في معظم أنحاء اليمن. لكن باستيلائهم على السلطة، حشد الحوثيون المعارضة. ويلومهم العديد من اليمنيين الآن على الفقر والمجاعة والمرض. بصفتهم متمردين، هاجم الحوثيون الفساد الرسمي وعندما أصبحوا في السلطة، تبنوا الفساد.
أما مليشيات العراق ولبنان وسوريا فقد اتبعت سيناريو مختلفا. وبدلا من الاستيلاء على الحكومة، فإنها سعت إلى استمالتها. ويوزع حزب الله العقود عبر الوزارات، ويستأجر مؤيدين لوظائف الخدمة المدنية، ويسرق الأموال من الجمارك. ومعظم الأحزاب اللبنانية تفعل الشيء نفسه.
لكن حزب الله يسيطر أيضا على حدوده البرية مع سوريا والعديد من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وهو ما لا تفعله الأطراف الأخرى. وتمنحه ترسانته الهائلة حق النقض: فقد احتل مسلحوه بيروت عام 2008 لإجبار مجلس الوزراء على التراجع عن القرارات التي اختلف معها الحزب. وهي في الوقت نفسه جزء من الدولة وفوقها. وتصفها لينا الخطيب من تشاتام هاوس، وهي مؤسسة بحثية بريطانية، بأنها "نفوذ بدون مسؤولية".
خلال الحرب الأهلية في لبنان، طلبت معظم مليشياته الطائفية المساعدة من الخارج. وكانت الجبهة تتلقى الأسلحة والتمويل من دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب عدد من الدول الغربية والعربية. ولكن عندما انتهت الحرب، جف الدعم الرسمي. حزب الله وحده هو الذي ما زال يحصل على مساعدة قوية من دولة أجنبية: إيران، التي أرسلت عشرات المليارات من الدولارات وترسانة من الأسلحة الحديثة على مدى أكثر من أربعين عاما.
وهذا يساعد على تفسير التحول الذي طرأ على زعيم جبهة التحرير سمير جعجع. وهو أحد أكثر القادة شراسة في الحرب الأهلية، وبدا في السنوات الأخيرة عازما على الصراع مع حزب الله. لكن في 22 نيسان/ أبريل، وبعد أسبوعين من التلميح إلى دور الحزب في مقتل سليمان، أعلن جعجع أنه لا يوجد دليل يشير إلى تورط المجموعة. قد يرغب في معركة، لكنه ليس في وضع يسمح له بخوضها.
وأكثر من أي شيء آخر، فإن الدعم الخارجي هو الذي يفسر القوة العنيدة التي تتمتع بها "مليشيات الشرق الأوسط". وكانت إيران هي المذنب الرئيسي، إذ لم تدعم حزب الله فحسب، بل دعمت أيضا جماعات في العراق وسوريا واليمن (تقوم جهات مانحة أخرى بهذه المهمة في ليبيا).
وقد حاولت أمريكا منع مثل هذه المساعدات من خلال العقوبات، ولكن دون نجاح يذكر. وقد اتبع صناع السياسة الغربيون والأمم المتحدة مخططات لإقناع المليشيات بنزع سلاحها. لكن طالما أن لديهم تدفقات من الأموال والأسلحة من الخارج، فلن يكون لديهم حافز كبير لفعل ذلك.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية اللبنانية الشرق الأوسط الدعم الخارجي لبنان الشرق الأوسط الدعم الخارجي سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط العدید من حزب الله فی لبنان فی عام
إقرأ أيضاً:
تركيا في الشرق الأوسط الجديد: لاعب أم صانع قواعد؟
تولي تركيا أهمية مركزية لمنطقة الشرق الأوسط باعتبارها العمق الإستراتيجي لأمنها القومي العسكري والاقتصادي، وسعت أنقرة خلال عقود مضت عبر بوابات الطرق الدبلوماسية المرنة والأدوات الاقتصادية، ثم الخيارات العسكرية، لضمان مصالحها الحيوية الجيوسياسية في المنطقة، وخاصةً مع الدول المحاددة لها؛ حيث تعاملت مع هذه الدول كحقيقة جغرافية وتاريخية وعسكرية تربطها بها على امتداد قرون عديدة، وزاد من ظهور الدور التركي المؤثر وتصاعده خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تراجع قدرات دول عربية مهمة كالعراق، وسوريا.
علاقات تركيا مع دول الشرق الأوسط جمعت بين السعي لإحلال السلام من خلال مساهمتها في تخفيف حدة المشاكل بينها وبين هذه الدول بغض النظر عن قربها أو بعدها عن حدودها، وفي ذات الوقت طرح نفسها كشريك استثماري يمكن الوثوق بقدراته بما يجعل من بوابة مشاريع التنمية الاقتصادية في دول الشرق الأوسط وبخاصة الإقليمية منها، مفتاح النجاح في تمكينها من الولوج إلى دوله كقوة مركزية اقتصادية هائلة.
ومثلما نجحت في إيجاد دور مهم لها في تطوير التنمية الاقتصادية، نجحت أيضًا في مطاردة أعدائها أو مواجهتهم عسكريًا، كما هو الحال مع حزب العمال الكردستاني المحظور، وأيضًا خلال أزمتها مع اليونان التي وصلت إلى حدود المواجهة العسكرية؛ بسبب تنازُع البلدين حول جزر في بحر إيجه في العامين: 1987، و1996، بما أظهر قدراتها العسكرية وجرأة قيادتها على اتخاذ القرارات الضامنة لسيادتها ومصالحها.
إعلاناقتصاديًا وبحسابات منهجية دقيقة سعت أنقرة إلى تقليص حدّة التحسس الإستراتيجي بينها وبين دول الجوار العربي، التي رأت في التوجه التركي محاولة "لعَثْمنة" المنطقة عبر بوابات الاقتصاد، فنجحت في إنشاء مجالس تعاون اقتصادية إستراتيجية مع العراق، سوريا، الأردن ولبنان، كما حقّقت نجاحًا لافتًا في علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي شهدت تطورًا متسارعًا وصل إلى حدود إنشاء منتدى تركي- خليجي عربي، بات اليوم أحد مظاهر التوافق الإستراتيجي في مجالات الاستثمار متعدد التخصصات الصناعية، الزراعية، السياحية والعسكرية.
وسلطت المتغيرات الجذرية في الشأن السوري، الضوء على الدور التركي بشقَّيه؛ المعلن وغير المعلن، في التحضير لعوامل نجاح الفصائل المسلحة المعارضة في السيطرة وبشكل سريع ولافت على دمشق والمحافظات والمدن السورية، وأيضًا في تهيئة الأرضية السياسية لقبول هذه المتغيرات من قبل دول إقليمية وعالمية، باستثناء إيران التي تمثل -وفق رؤى هذه الفصائل ومن ورائها تركيا- الداعم الأساس لنظام الأسد طيلة أكثر من 13 سنة.
ما حدث في سوريا أبرز بشكل كبير وخطير الدور التركي المتوقّع في الشرق الأوسط الجديد، وهو أمرٌ حظي، وما زال، باهتمام كبير من قبل مراكز صنع القرار ومؤسسات الدراسات الإستراتيجية الأميركية والغربية، كما شكّل خارطة طريق جديدة لعلاقات أنقرة مع منظومة دول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، ولعدة أسباب أهمها المتغيرات الإيجابية الحاصلة في سوريا وبدعم تركي مثل تطورًا نوعيًا كبيرًا في تغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة والذي تمثّل بإنهاء الدور الإيراني في سوريا، بما يعنيه من انحسار مشروعها الإستراتيجي في المنطقة.
تركيا الناجحة في تعاملها مع القوى الدولية كالولايات المتحدة، وروسيا، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، سعت لتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال سياسة خارجية نشطة، تعتمد على مزيج من الدبلوماسية والقوّة العسكرية، والأخيرة كانت لمعالجة واحدة من معضلات الأمن القومي التركي التي تمثّل الجماعات الكردية في شمال العراق وسوريا مثل وحدات حماية الشعب (YPG)، وحزب العمال الكردستاني (PKK).
إعلانوتقف قضية الجماعات الكردية المسلحة المعارضة للدولة التركية والتي تصنفها كجماعات إرهابية، كأحد العوامل الرئيسية الدافعة للتحرك التركي بثقله المشهود في حسم الأمور لصالح الفصائل السورية المسلحة.
الجماعات الكردية المعارضة لتركيا التي حصلت خلال السنوات الأخيرة على دعم سياسي أميركي – إسرائيلي تمثل بالاعتراف والدعم اللوجيستي لقوات سوريا الديمقراطية (قسَد)، هذه القوات مثلت في فترة ما بعد الأسد (عقدة) الوفاق الوطني السوري.
لكن تركيا التي كانت ترفض أي صيغة تمنح الأكراد دورًا موسعًا في سوريا، باتت تدرك أن تجاهل القضية الكردية لم يعد خيارًا عمليًا، خصوصًا بعد نجاحها في إقناع زعيم حزب العمال، الكردي المسجون في تركيا عبدالله أوجلان بتوجيه رسالة حثّ فيها مقاتلي حزبه على التخلي عن السلاح وحظر نشاطه العسكري؛ لذلك شجّعت أنقرةُ دمشقَ على منح الأكراد حقوقًا متساوية مع بقية مكونات الشعب السوري، في خطوة تعكس توازنًا جديدًا في تعاملها مع هذا الملف، وكان ثمرة ذلك التوجّه التركي توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاقًا يقضي "بدمج" كافة المؤسّسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية والحقول النفطية والمنافذ الحدودية في إطار الدولة السورية، وتحت نظام المواطنة المتساوية.
لقد عززت مجريات الأمور من دور تركيا في الشرق الأوسط الجديد، فالقوتان الكبيرتان في سوريا الأسد إيران وروسيا، تعاملتا مع الدخول التركي المحكم لسوريا بشيء من الواقعية بغية الحفاظ على نفوذهما هناك بعد أن تستقرّ الأوضاع، وتتوضح صورة الموقف المضطرب في ذلك البلد.
ومع انحسار المشروع الإيراني وتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة، ولبنان، وسوريا، وربما إيران، تبقى تركيا الضامن الوحيد لدول المنطقة التي يمكن الركون إليها للتعامل مع واشنطن وتل أبيب لإيقاف هستيريا العدوان الإسرائيلي، والضغط باتجاه الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل خلال عملياتها الدموية والتدميرية ضد هذه الدول.
إعلانإسرائيل تراقب النفوذ التركي في سوريا بحذر شديد، حيث تقدر أهمية العلاقة مع تركيا وضرورة التعامل معها، بخصوصية لتجنب المشاكل الجدية معها؛ فآخر ما تخشاه تل أبيب أن تحادد تركيا عبر بوابة سوريا، كما تولي موضوع الشراكة الإستراتيجية بين دمشق وأنقرة والتي تشكّل قضية إنشاء قواعد دفاع جوي تركية عاجلة وسط البلاد لحماية الأجواء السورية جانبًا كبيرًا من المتابعة.
وهذا يفسّر قيام إسرائيل خلال الفترة التي أعقبت نجاح الثورة السورية بشنّ عمليات عسكرية عديدة داخل الأراضي السورية، كما قضمت مناطق أخرى تشكل مواقع إستراتيجية عسكرية مهمة داخل الأراضي السورية. إضافة إلى سعيها لإثارة ما يزعزع الاستقرار والأمن داخل سوريا لمشاغلة تركيا عبرها تحسبًا لأي تطورات جيوسياسية خلال السنوات المقبلة .
العراق الذي شهد أدوارًا متعددة للمليشيات الموالية لإيران، والتي تعتبر تركيا ندًا عقائديًا لها، تحرك رسميًا لكسب ودّ أنقرة لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بإطلاق الحصص المائية لنهرَي دجلة والفرات، وأخرى لكبح جماح المليشيات الكردية التركية في شمال العراق، وفسح المجال الجوي والأرضيّ والاستخباراتي لتركيا لملاحقتها، مع منحها التراخيص لإقامة معسكرات لقواتها في مناطق حيوية بمحافظات دهوك ونينوى كمنطلقات لأعمال عسكرية دائمة.
ومع كل ذلك فإنّ الحكومة العراقية تعلن إدانتها بعضَ العمليات العسكرية التركية داخل العمق العراقي في كردستان العراق. وأيضًا توسّع العمليات العسكرية في المنطقة، وزيادة الحضور العسكري والاستخباراتي في كل الشمال العراقي، لكن بذات الوقت لا تمتلك هذه الحكومة الكثير من أوراق الضغط على أنقرة لثنيها عن ذلك، خصوصًا مع تصاعد موازين التبادل التجاري بين البلدين والتي قدّرت بـ(20) مليار دولار، والمشروع الاقتصادي الإستراتيجي الكبير المتمثّل بـ(طريق التنمية) لربط ميناء الفاو العراقي بالحدود التركية بسكك حديد وطرق برية بقيمة 17 مليار دولار.
إعلانإيران، التي كانت حتى يوم سيطرة الفصائل المسلحة السورية على دمشق، تمثل القوة الرئيسية لنظام الأسد بما تعنيه (القوة) من معانٍ أمنية واستخباراتية واجتماعية وعقائدية، لكن، وخلال أيام معدودة وبشكل دراماتيكي انهارت هذه (القوة) لتحل محلها تركيا، وبشكل أكثر إحكامًا وتحكمًا بمجريات الأمور، وبات الدور التركي من حيث الوزن والتأثير في المشهد السوري والإقليمي، هو الأبرز والأكثر تنظيمًا.
وتتميز أنقرة عن طهران بقدرتها على الحوار الإيجابي في الساحة الدولية والإقليمية والمحلية من خلال قدراتها الاقتصادية والعسكرية المؤثرة في المنطقة دون الولوج في مشاريع مذهبية طائفية ميزت الحراك الإيراني.
كما أن الولايات المتحدة ترحب- خصوصًا بوجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فترته الرئاسية الثانية- بسوريا المتوافقة مع تركيا، بما يعني تحجيم دور إيران في هذا البلد. سياسات ترامب المعلنة تجاه طهران والإستراتيجية التي ستتبعها إيران في مواجهة هذه السياسات ستعني الكثير في تمكين تركيا من الولوج بقوة إلى الشرق الأوسط الجديد، لأن أية عمليات عسكرية ستوجَّه نحو إيران ستعني تفرّد أنقرة بمشهد الشرق الأوسط المقبل.
لقد حرصت تركيا على طمأنة دول الخليج العربي بموضوع ملء الفراغ في سوريا بعد سقوط بشار الأسد لضمان مصالح جميع الدول، ووقفت المملكة العربية السعودية في مقدمة المؤيدين لهذا التغيير، وكذلك بقية دول مجلس التعاون الخليجي التي رأت ضرورة دعم السلطات الجديدة دوليًا، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا، ومنع الجماعات المتطرفة من نشر الفوضى فيها وفي المنطقة.
ونجحت تركيا إلى حد كبير في تحقيق التعاون مع الرياض لتنسيق رؤية مشتركة لمستقبل سوريا ومنع أي خلاف أو تنافس قد يؤدي إلى توترات بين البلدين، هذا التنسيق يعني فيما يعنيه كسب الاهتمام الدولي لرفع العقوبات المفروضة على سوريا الأسد والتعامل من النظام الجديد بإيجابية ودعم إعادة إعمار البلاد، وتقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية للشعب السوري، وهو موقف ما كان ليكون قبل أقل من عقد من الزمن، لكن نجاعة السياسة الخارجية التركية الفاعلة آتت تأثيرها في المشهد التركي- الخليجي بوضوح.
إعلانمنذ أكثر من عقدين من الزمن والعالم يسمع ترديد دول كبرى ومؤسسات بحثية عديدة، مصطلح "الشرق الأوسط الجديد"، وقد كانت هذه التلميحات أو الإعلانات بصيغها المختلفة تأتي من قادة تحرّكوا فعلًا تجاه الشرق الأوسط؛ بهدف تغييره مثل الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ووزراء خارجيته ودفاعه، بالإضافة إلى إفادات وتهديدات قادة إسرائيليين، ومحللين سياسيين، ومراكز دراسات المستقبلات.
وقد ظن الكثيرون عام 2003 أن إيران ستكون لاعبًا أساسيًا في مراكز قوى هذا الشرق الجديد بحسب القدرات التي منحتها لها ظروف سقوط نظام صدام حسين، واحتلال العراق، والتسهيلات الأميركية لانسياحها في هذا البلد، وسوريا، ولبنان وسواها.
لكن إيران لم تحسن التعامل مع هذا المتغير، وسعت إلى تأسيس مشروعها الشرق أوسطي المرتكز على مفهوم "تصدير الثورة"، بما تسبّب في زعزعة الأمن الإقليمي، وظهور التيارات الجهادية الإرهابية التي جعلت الشرق الأوسط منطقة غير آمنة ومصدرًا للإرهاب.
لهذا السبب، ومع تطلّعها النووي غير المرغوب به دوليًا وإقليميًا، فإن الدور التركي بإسلامه "العلماني"وتحالفاته الإستراتيجية مع حلف شمال الأطلسي، وعلاقاته الوثيقة مع المنظومة الغربية والشرقية، وأيضًا محيطه العربي، وتميزه اقتصاديًا كأحد أهم الاقتصادات الفاعلة عالميًا وإقليميًا، يبقى هو الخيار الأمثل لشرق أوسط جديد تعاد به موازنات المنطقة، وتتحدد فيه آمال وتطلعات دوله بما يسمح بظهور مناطق اقتصادية هائلة تجعل طريق السلام والاستقرار والأمن غاية جميع دوله.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline